تشكيك في نسبة سريرة الحجر لبردوني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عزت مصطفى من صنعاء: أثارت قصيدة نشرت في الذكرى الثامنة لوفاة شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، إعادة التساؤلات حول نتاجه غير المنشور حتى الآن، الذي يشمل عدة مؤلفات شعرية ونثرية ودراسات أدبية، إضافة لمذكراته التي دأب على نشرها أسبوعياً في حلقات عبر الصحافة حتى الأسبوع الأخير الذي وافته المنية خلاله عام 1999م.
"سريرة الحجر" قصيدة نشرها الملحق الثقافي بصحيفة "الثورة" هنا، وسبقت القصيدة العبارة "من قصائد البردوني التي لم تنشر.. ينفرد الملحق بنشرها في ذكراه الثامنة".
إلا أن الشاعر والناقد عبدالإله القُدسي شكك في أن تكون القصيدة التي نشرتها"الثورة" تعود أصلاً للبرودني.
القُدسي أحد المقربين من البردوني، وأحد القلائل ممن كان يعتمد عليهم الشاعر الضرير في كتابة نتاجه الأدبي وقراءة الكتب، قال لـ "إيلاف" أن القصيدة المنشورة من 18 بيتاً قريبة من نَفَس البردوني، لكن ركاكة الصيغة الشعرية هي أول عوامل دوافع الشك في صحة نسبها إليه"، وأضاف: "من السهولة بمكان تقمص نبرات الشاعر، لكن الأصعب على المتقمص امتلاك أدوات الشاعر اللغوية ومفرداته الخاصة به، فمازالت قصيدة المتنبي التي هجا بها "ضبة" موضع شكوك باحثين عديدين في نسبتها إليه، وأن هذه القصيدة كانت من نسج أعداء المتنبي الذين هم في خلاف تنافسي معه، وكذلك قصيدة أبي الأحرار محمد محمود الزبيري ذات القافية السينية، اتضح في الأخير أن أكثر من أربعة شعراء تقمصوا نَفَس الزبيري ونسبت القصيدة إليه عنوة وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب".
وعن القصيدة المنسوبة مؤخراً للبردوني، يقول القُدسي: "يشي عنوان القصيدة "سريرة الحجر" بأنها يجب أن تكون أكثر من ثلاثين بيتاً أو أربعين بيتاً لا ثمانية عشر بيتاً، لأن "السريرة" تحتاج إلى استغوار عميق دال على تعريفها وكشف غوامضها، وهذا يستدعي شرحاً شعرياً أبياته أكثر من أبياتها الشعرية المنشورة!".
ويدلل القُدسي على إمكانية تقمص نَفَس البردوني بكثرة المتأثرين به من الشعراء اليمنيين المعاصرين، موضحاً أنه سبق له أن كتب قصيدة على نفس المنوال الشعري للبردوني، وكانت مهداة له، وتم نشرها بعنوان "بردونية" في صحيفة "الثوري" في يناير 1994م، ومطلعها:
لماذا الذي تبتغيه اضمحلا؟لأن الذي سوف يأتي تخلاَّ؟
لأن ابتغاءك أعيا الصعابوأضنى الخطوب اقتحاماً وركلا
أهذا الدجى الملتحي بالمُدىيسمى صباحاً ليزدان قتلا
لأن دَعيَّ الصباح اعتراهضياعٌ فضَّيعَ بعداً وقبلا
لأن "أزال" نَفَتْهُ انتساباًإليها ولمَّا تُكابدهُ حملا
أهذا صباحٌ وأنىَّ لهيُضلُّ المفاهيم يغتال عقلا
وكيف أتانا؟ بلا سُحتةٍومن أي أفقٍ غريبٍ أطلا
ويؤكد القُدسي أنه لولا عنوانها الموسوم بـ"بردونية" وظهور اسمه عليها مذيلاً بالقصيدة لقال القارئ العادي إنها من شعر البردوني، ويضيف:"لكن هيهات وبُعداً بين مفردات البردوني اللغوية الرصينة والمراس البياني الذي أضفى عليه شاعرنا الكبير تجديداً لم يسبقه إليه حتى أشمخ شاعر عمودي في الوطن العربي والذي هو محمد مهدي الجواهري، وبين تطفلي الشعري".
ويضيف القُدسي إن البردوني عندما سمع القصيدة منه، قابله ببشاشة وهمهمات ضاحكة صارخة قائلاً: "والله إنك بردوني أحسن مني بقليل يا عبدالإله".
واعتبر عبدالإله القٌدسي أن ما نشرته "الثورة" يندرج ضمن ما يسمى (الصرخة الإعلامية) على غرار نشر آخر قصيدة أو قصيدة لم يسبق نشرها تحت طائلة جذب القارئ لشراء الصحيفة بهذه الطريقة، وتكرار هذه السجية الممقوتة -حد وصفه- لأكثر من مرة.
وأختتم القُدسي حديثه لـ "إيلاف": "يساورني أكثر من شك في أن مؤلفات فقيد الأدب والشعر والساحة الأدبية يمنياً وعربياً وعالمياً، التي لم يتمكن في حياته من طبعها ليست بحوزة ورثة البردوني وإنما بحوزة آخرين"، ورفض القُدسي تسمية من أشار إلى أن الأعمال قد تكون بحوزتهم -حسب شكوكه-، رغم أن الوسط الأدبي يتداول منذ وفاة البردوني قبل ثمان سنوات أن أعماله غير المنشورة صارت بحوزة شخصيات إعلامية مقربة من السلطة هنا، بسبب احتمال احتوائها نقداً لاذعاً ضد النظام، اشتهرت به أعمال البردوني كافة وبخاصة النثرية.
ويعلل القُدسي شكوكه كون الورثة ما يزالون حتى الآن في خلافٍ حول تركة البردوني التي لا تتعدى أعماله الأدبية ومنزله بصنعاء، قائلاً:"هناك أيادٍ خفية ما زالت تذكي نيران الفتن بين الورثة ذاتهم حتى الآن".
يذكر أن عبدالله البردوني المولود في 1929م، مات فجأة بصنعاء في 30 آب/أغسطس 1999م، وما يزال الجدل قائماً حول منزله الذي اقترحت جهات لتمويل تحويله إلى متحف خاص بأعماله ومقتنياته الخاصة، إذ حال خلاف بين زوجة الشاعر فتحية الجرافي وأشقائه دون تحويل المنزل إلى متحف، وكذا اختفاء أعماله الأدبية غير المنشورة التي كانت جاهزة للنشر وتفصلها للوصول إلى القارئ فترة زمنية تقتضيها أعمال الطباعة، قطعتها وفاة الشاعر المفاجئة.
وضمن ما أتيح معرفته فإن أعمال البردوني غير المنشورة تتمثل في ديوانيين شعريين هما "العشق في مرافئ القمر" و "رحلة ابن من شاب قرناها"، وكتاب يؤرخ لليمن المعاصر بعنوان "الجمهورية اليمنية" وهذا الأخير كان البردوني قد أنهى تصحيح جميع بروفاته، إضافة إلى كتابين آخرين هما "رجال في القبور" و "الجديد والمتجدد في الأدب اليمني".