ثقافات

الكنز

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كان ذا مال وفير، يكنز الذهب و الفضة يطمرها تحت التراب، يدسها بعدما يحسبها، تغمره الفرحة حين يقع الدرهم في يده، تبتهج أساريره أكثر من ابتهاجه لولادة طفل من أطفاله، يقبّل القطعة يشدد عليها أصابع يده، حتى ليشعر أن لها نبض تناجيه به، يأخذه العنفوان و السرور أياما غبطة بما حصّله من فائدة جديدة من مداخيل تجارته،لا يغتم لأوصاف العائلة وانتقادات العامة و المجتمع لشخصه، كان على هذه الحالة زمنا يجمع المال ويمنع، يدفنه داعيا له بسباة الأبدية و الرحمة لتوديعه وجه الدنيا.
لمـّا كبر خالطه مرض خبيث، أبناؤه الحافون من حوله يذكّرونه :" يا أبتاه قل الشهادتين ". الرجل يقاوم، لا يريد أن يختم آخر لحظاته من الدنيا دون رؤية الغائب المطمور، يقاوم لا زال يأمل في الحياة يهترف في داخله :
"يجب أن أعيش لأجله " لا يسأم الحياة، أبناؤه مذ جاءوا إلى الدنيا سئموا الحياة، لا زال ينازع الموت وهم لا زالوا يلّحون مذّكرين إياه بقول الشهادتين، يسألونه : " أبتاه أتوصي بشيء ؟ الوصية للوالدين و الأبناء، أمدان لنرد دينك ؟ أنطالب مستدينيك بما عليهم من دين ؟ أبتاه أين مالك ؟ أين دفنت قتيلك وقاتلنا ؟ قل لنا مكانه، نتصدق به عليك بعد موتك، نجهـّز لك به مأتمك ؟ ينظر إليهم جميعا، تقرأ عيناه صفحات وجوههم، سكرات الموت تفتح باب صدره و هو يقول : "يأكله التراب و لا أبناء الكلاب، يدفن مثلي تحت التراب و لا ينعم به أبناء الكلاب " تركوه وحيدا، تفرقوا عنه تفرق النحل حين دخول الدبّور بينها، في تلك الليلة تحت ضوء القمر، كانت الذئاب تعوي و الكلاب تنبح... بعدما تفرقوا، نظر الواحد في حقيقة نفسه ثم رجع مسرعا أدراجه من رجع.. كانت الكلاب لا زالت تنبح والذئاب لا تزال تعوي و الغابة تظهر من بعيد جميلة تحت ضوء القمر، وصورة الوادي العاكس لمجرى الماء يزيد المكان سحرا، كأن الغابة تسبـّح لربها شاكرة راضية على ما خلقها من صمت لتحفظ سر الكنز المدفون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف