قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الادب العربي وعالميته (1/2)
سلوى اللوباني من القاهرة: يعد الراحل "محمد شكري" من أبرز الروائيين المغاربة وأيضاً من أكثر الادباء جدلاً.. وقد ترجمت أغلب أعماله الى العديد من اللغات العالمية..يقول في كتابه "غواية الشحرور الابيض" أن معظم أدبنا العربي ما زال خاصاً بناً..ولم نستطع أن نجعله أدباً عالمياً الا القليل.. فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير".. استطلعت ايلاف آراء بعض المثقفين العرب حول مقولته.. تنوعت الاجابات الا انها اتفقت بان الامعان في المحلية والتركيز على القضايا التي تهم العالم العربي يؤدي الى العالمية..ومنهم من يرى أن مقولة الراحل محمد شكري جملة مجانية باطلة فالعرب شاركوا ويشاركون بفعالية في رسم المشهد العالمي للابداع..والبعض يرى صعوبة وصول الادب العربي الى العالمية بل هو درب من دروب الخيال في ظل غياب صناعة كتاب أدبي. اضافة الى صعوبات عديدة تواجه الابداع العربي مثل النشر والترجمة فهناك ابداعات عربية ما تزال لم تجد الفرصة للقاء مع القراء في اللغات الاخرى. كما تطرقت بعض الاراء الى الانظمة السياسية والثقافية والدينية التي تقيد ابداع الاديب العربي فيمكن لشخص من القطب الشمالي أن يقيم دعوى على الاديب العربي ويفصله عن زوجته وقد يحجز على ممتلكاته أو ينفيه من بلده أو يسجنه لمجرد طرحه فكرة مغايرة لفكرته. شارك في الاستطلاع من العراق د. سيار الجميل استاذ دراسات الشرق الاوسط-تورنتو، الكاتبة الصحفية سميحة خريس من الاردن، الشاعر شوقي مسلماني والاديب حسين سليمان من سوريا، والكاتبة فضيلة الفاروق من الجزائر، الاديب محمد توفيق والروائي محمد العشري ومدير تحرير مجلة دبي الثقافية الكاتب ناصر عراق من مصر، الكاتب واستاذ الادب العربي الحديث احمد ابراهيم الفقيه من ليبيا، ومن فلسطين الشاعر عمر شبانة، الناقد والباحث د. عبد المالك اشهبون من المغرب.
د. سيار الجميل: المبدع العربي لا يملك وسيلة لنشر اعماله بكل ذكاء
نعم، كان الصديق الراحل الروائي المغربي محمد شكري مصيبا في مقولته تلك، ولكنه لم يفسرها لنا، بل ولم يقف المثقفون والمبدعون العرب لمعالجة هذه " المسألة " الحيوية معالجة علمية الراحل محمد شكري ذكية.. ذلك ان معظم تراثنا الادبي والابداعي والاجتماعي والثقافي.. لم يزل يدور في دائرتنا المغلقة، وهو خاص بنا نحن لوحدنا لا لغيرنا ابدا.. ولا يخرج عن اطوار حياتنا بل وقد اصابه الخمول جدا في السنوات الاخيرة مقارنة بما كان عليه في عقود القرن العشرين فاسواقنا ومكتباتنا لا يتجانس ما فيها من منتج ادبي وثقافي وابداعي مع حجم الاتساع الديموغرافي في المنطقة العربية. ان الارتداد الثقافي لدى العرب نحو الماضي قد جعلهم خارج اطار العصر، وجعل ثقافتهم وحيدة ومتأخرة جدا في الميدان !! المهم، ان كل ما ترجم من ادبيات عربية الى الانكليزية والفرنسية والى لغات اخرى لم يكن مندفعا من قبل العالم نحونا، بل كان بجهود استثنائية وشخصية لتقديمه على هامش الثقافة العالمية.. صحيح ان نجيب محفوظ قد حصل على جائزة نوبل في الاداب.. ولكن لا احد يعرف ادبيات نجيب محفوظ في هذا العالم، مقارنة بكتاب معين او اشعار او رواية معينة اندفع نحوها العالم لماركيز او نيرودا او رشدي او غيرهم في امريكا اللاتينية او اليابان او ايطاليا او الهند.. الخ ولم يقتصر امرنا على الادب، بل اخفقنا ايضا في الفنون التشكيلية والموسيقية وتراجعت الحركة المسرحية والنقد الادبي والعلوم الانسانية والاجتماعية.. الخ. انه باستثناء الاديب الللبناني الشهير جبران خليل جبران الذي مضى عليه قرابة مئة سنة، فليس ثمة اديب عربي ملأ الفراغ الكبير في هذا العالم المتنوع، واثبت نفسه اديبا عالميا طوال القرن العشرين او على منعطف نهاياته وبدايات القرن الواحد والعشرين.. ان قراءة النخب الخاصة وطلبة الدراسات العليا في اوروبا الغربية وامريكا الشمالية لأدبنا العربي المترجم شيئ.. والطلب على منتجات اديب عربي معين في هذا العالم كله شيئ آخر !! ان المهجريين من المثقفين والكتاب العرب وعلى الرغم من قوة بعض اعمالهم وابداعاتهم، الا انها بعيدة كل البعد عن منشورات مليونية تتبؤأ مركز الصدارة في المركزية العالمية.. ولقد اضرت قضايانا السياسية ومشاكلنا الشرق اوسطية بابرز مبدعينا العرب الذين نالهم تهميش فاضح من ناشرين عالميين لهم علاقتهم بالصهيونية، وهذه حقيقة واضحة لا يمكن ان يجادل فيها من له تجربة وخبرة.. فضلا عن ان المبدعين العرب ليست لديهم الوسيلة والاداة في ان ينشروا اعمالهم بكل ذكاء..
سميحة خريس: إما أدب جيد أو تجارب رديئة
اعتقد أن ما يكتبه ماركيز خاص جداً بامريكيا اللاتينية ولكنه عالمي لأنه صادق ومميز ولأنه منتم جداً، الأدب لا يخضع لمقاييس عالمية ولكنه أما أدب جيد أو تجارب رديئة، ما يتوسل منه الارضاء والتسجيل لا يكتب له الاستمرار، ما كان مشروعاً حقيقياً سيستمر ويمكنه أن يصنف عالمياً، المشكلة تكمن في الترجمة إلى لغات العالم، وفي محاولات بعض الكتاب الكتابة على مقاييس مفتعلة لنيل رضا المترجمين، وهذه مشكلة لا تعني احداً من المبدعيين الحقيقين الذين يكتبون ما هو بديع وجديد وقيم وهم كثر في عالمنا العربي وإن كان حظ الاطلاع على نتاجهم قليل، أما أن يكون الأدب خاص بنا فالمحلية مفتاح العالمية لا العكس، وإذا كان سنتفاخر بالكتابة للبشر فإن علينا تحقيق الغاية في الكتابة لمحيطنا أولاً لننطلق إلى العالم. كل من نالوا جائزة نوبل وتمت ترجمتهم كتبوا عن محيطهم وبأساليبهم الخاصة المميزة واستمتع العالم معهم بهذه الاجواء وقدر ابداعهم دون شروط مسبقة.
محمد توفيق: صناعة الكتاب العربي الادبي
مسألة المحلية والعالمية من أكثر القضايا التي طالما حيرت المثقف العربي، وقد يرجع ذلك إلى أن الأدب هو في جوهره محصلة للإنجاز الحضاري لثقافة ما ومن ثم فله وظيفة معيارية كثيرا ما تشعل مشاعر الشوفينية والبارانويا في آن، حيث أن محاولة استشفاف نظرة الآخر إليك لا تخلو في حد ذاتها من التعقيد موضوعيا وانفعاليا، وعند تناول مثل هذه الموضوعات يتعين الحذر من الانزلاق إلى مستنقع خداع النفس من جهة أو دهاليز جلد الذات من جهة أخرى. فلا يمكن إنكار أن فشل المنتج الأدبي العربي في الوصول للقارئ العالمي يرجع لنقاط ضعف عديدة على الجانب العربي ثقافية أكانت أم تنظيمية، فتراجع عادة القراءة لدى الشعوب العربية مقارنة بشعوب أمريكا اللاتينية مثلا يعد أحد مظاهر فشل المنظومة التعليمية بأسرها وتحول وزارات الثقافة إلى نجيب محفوظ يروقراطيات عاجزة عن التأثير تخفي فشلها البين ـ وتبديدها لموارد ضخمة دون عائد حقيقي ـ بتنظيم الحفلات الصاخبة، كما أن اللوم يقع على المشتغلين بالأدب أنفسهم والذين تحولوا تدريجيا عن مخاطبة الشعوب إلى مخاطبة أنفسهم. ومحصلة هذا الإخفاق الجماعي تجلت عندما دعي العالم العربي ليكون ضيف الشرف في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004، واقتصرت المشاركة العربية بأشكالها المختلفة على عنصر الدعاية، وأغفلنا أن معرض فرانكفورت هو ملتقى لصناعة الكتاب وأن الهدف من دعوة العالم العربي هو إتاحة الفرصة لخلق صلات بين صناعة الكتاب في العالم العربي وقريناتها العالمية، وهو ما لم يحدث لسبب بسيط هو عدم وجود صناعة كتاب أدبي ( بخلاف الكتاب الدراسي أو الكتاب الديني) في العالم العربي أصلا، فهيئات الكتاب الرسمية معنية أساسا بالدعاية والناشرون الأهليون يعملون بشكل أقرب إلى العشوائية، ومن البديهي أن الوصول إلى العالمية في غياب صناعة كتاب أدبي درب من دروب الخيال. ومن الثابت أن اهتمام العالم برواية ما صدرت في بلد من البلدان يأتي بالضرورة كرد فعل للاهتمام الذي تحظى به الرواية بين أهل البلد أنفسهم، ومن النماذج القليلة الناجحة في الفترة الأخيرة لوصول رواية عربية إلى القارئ العالمي "عمارة يعقوبيان" للروائي المتميز علاء الأسواني، لكن هذا لم يحدث إلا بعد أن اكتسبت الرواية شعبية كبيرة داخل مصر وفي العالم العربي، ويؤكد هذا النموذج مقولة أن الوصول للعالمية يكون من خلال الإمعان في المحلية، ومن هنا فلا يعيبنا أن يكون أدبنا "ما زال خاصا بنا " إنما الذي يعيبنا هو الفشل في الوصول إلى القارئ العربي ذاته. ومن جهة أخرى فإن الميل لإلقاء اللوم على الجانب العربي بالكامل هو أيضا بعيد عن الموضوعية، لأنه يغفل طبيعة النظام الثقافي الغربي شديدة المركزية - الطريق إلى العالمية يمر حتى الآن من خلال نيويورك ولندن وباريس - فهل حقق الأدب الصيني أو الأدب الياباني العالمية؟ وهل يبرز ذلك قصوراً في الإنجاز الأدبي لهاتين الثقافتين؟ الشوفينية الثقافية الغربية هي حقيقة يصعب إنكارها بل ولا ينكرها كثير من المثقفين الغربيين أنفسهم. لكن الإشكالية الكبرى فيما ذهب إليه الأستاذ محمد شكري تتمثل في اعتبار أن السبب في عدم وصول الأدب العربي في معظمه إلى التوزيع العالمي يرجع إلى كونه " أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير"، وبخلاف أن هذا الادعاء يقلل بشكل غير مبرر موضوعياً من شأن إنجازنا الأدبي بما له وما عليه، فإنه يعبر عن منظور ضيق للأدب بصفة عامة يتعامل معه كمصفوفة من الكلمات والجمل ويقيمه في معزل عن المجتمع الذي أفرزه، ويغفل بذلك أن الإنجاز الأدبي هو نتاج تفاعل بين الأديب والقارئ، فالإبداع هنا متبادل والأدوار تكمل بعضها بعضا، أي أن أدب التسجيل والإرضاء يتحول إلى أدب التفكير والتغيير في بوتقة الواقع، والمعاني تتشكل بفعل حركة التاريخ، فأعمال نجيب محفوظ ويحي حقي ويوسف إدريس وصفت الواقع الذي رصده مؤلفوها لكنها بهذا الفعل ساهمت في تشكيل مستقبل المجتمع المصري، وعودة إلى مثال "عمارة يعقوبيان" سنجد أن هذه الرواية اكتسبت معان جديدة من خلال تفاعلها مع القارئ، وهي معان ما كانت ستكتسبها لو لم يتحقق لها هذا التفاعل الكبير. ختاما أتصور أن اهتمامنا بالعالمية هو استسهال نابع من ميل ثقافتي إلى تفضيل التجميل على الإصلاح، وأستغرب كثيرا مما يذهب إليه البعض بأن التغلب على ظاهرة انخفاض معدلات التوزيع محلياً يكون من خلال التوزيع العالمي، ففضلاً عن كون هذا مسعى غير قابل للتحقيق سوى في أحلام اليقظة، فإن هؤلاء يغفلون أن قيمة الأدب لا تتحقق إلا من خلال تفاعله مع المجتمع، ومن ثم فالطريق الصعب هو الطريق الوحيد المجدي، والاهتمام بالعالمية هنا يكون من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين الناجحة سواء فيما يتعلق بتحسين مستوى المنتج الأدبي أو - وهو الأهم في رأيي - بالاقتداء بهم في توظيف الموارد المتاحة لإنشاء صناعة حقيقية للكتاب تستطيع الوصول للقارئ وإحداث التوازن المطلوب في الإنجاز الأدبي، أما العالمية سوف تتحقق عند نجاحنا في الوصول إلى القارئ المحلي.
فضيلة الفاروق: نحن الكتاب مساكين
لست مع أن يكون أدبنا عالمياً و لكني مع أن يكون أدبنا أدب تفكير وتغيير. لست مع أن أوضع في خانة كتاب غربيين لأكون عالمية. لقد ضيقت مساحة مقروئيتنا حين كتبنا باللغة العربية، وهي لغة شعوب لا تقرأ. نحن لسنا حتى محليين، في أحيائنا التي نسكن فيها هناك من يجهل تماماً من نكون. بل الأنكى من ذلك كنا نعتبر "طواغيت" أو "كفرة" أو"شياطين "و إلى يومنا هذا يستطيع شخص من أن يأتي القطب الشمالي ويرفع علي قضية ويفصلني عن زوجي، ويحجز على ممتلكاتي، و ينفيني من البلاد أو يسجنني لأني طرحت فكرة مغايرة لفكرته. نحن نعيش صراعاً مع مجتمعاتنا مختلف عن صراعات الكاتب الغربي مع مجتمعه. نحن مجتمعات دموية، يدفع المثقف والروائي والفنان حياته ثمناً لزحزحة فكرة صغيرة من رأسهن... كيف يمكننا أن نكون عالميين. نحن الكتاب مساكين في الحقيقة، وفعلاً قلة منا من يحملون رسالة وقضية. الأغلبية أبواق لمجموعاتها وكأننا في العصر القبلي القديم. على هذا الأساس يمكن تصنيف أدبنا إلى مجموعات أيضا "أدب إسلامي. أدب شيوعي. أدب ماجن. أدب فاسق. أدب جنس. أدب مغزو ثقافيا. أدب أخلاقي. لكن الأدب المجرد من هذه الرداءات يجد دائماً من يحاربه، و هو القليل الذي تحدث عنه محمد شكري. (يتبع)