الادب العربي وعالميته: أدب تسجيل أم أدب تغيير وتفكير (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
(2/2)
اعداد سلوى اللوباني من القاهرة: كتب الراحل "محمد شكري" في كتابه "غواية الشحرور الابيض" أن معظم أدبنا العربي ما زال خاصاً بناً..ولم نستطع أن نجعله أدباً عالمياً الا القليل..فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير".. استطلعت ايلاف آراء بعض المثقفين العرب حول مقولته.. تنوعت الاجابات الا انها اتفقت بان الامعان في المحلية والتركيز على القضايا التي تهم العالم العربي يؤدي الى العالمية.. هنا الحلقة الثانية من الاستطلاع:
شوقي مسلماني... خلاصة معرفة
بالقطع، الأدب العربي في محنة مفروضة عليه مِنْ جهات كثيرة وفظّة إلى درجة لا تتوانى معها عن ممارسة الإرهاب المعنوي والجسدي مِنْ دون أن يرفّ لها جفن، ومنها السلطات القائمة الممسكة بالسيف الزمني وبشراسة يعزّ نظيرها في القرن الواحد والعشرين، وفي الآن تتمسّح بمسوح الدين بقدر ما تفرضه الحاجة في المكان والزمان المحدَّدين. وأيضاً منها سلطات الظلّ المجبولة بتعبير عبد القادر الجنابي "مِنْ طمي التأويل الظلامي للنّصوص" الكفيفة بصراً وبصيرة إلى مستوى أنّ لا حدودَ لانفجارِها بوجه عدوّ خارجي شيطاني بامتياز في التوصيف الديني وإمبريالي بامتياز في التوصيف الزمني بدورِه لا يرى بمجتمعاتِها وأبنائها وتاريخها سوى ما يجب أن يُمحى ليس مِنَ الذاكرة وحسب بل مِنَ الوجود ككلّ، إنّما المصيبة، بل أمّ المصائب، حين تتعمّد سلطات الظلّ هذه ألاّ يوفِّر عصفُ انفجارِها مَنْ يُقاسِمونها الهموم والمآسي والويلات ولكنْ لا يُشاطِرونَها الرؤى (إذا مِنْ رؤى) والمنهج (إذا مِنْ منهج) في كيفيّة إدارة المواجهة المريرة. ومِنْ دون شكّ فالأدب العربي بأشكالِه كافّة هو في صلب المواجهة على الصعيدين: الخارجي، ضدّ الإمبريالي، والداخلي، ضدّ السلطات القمعيّة الظلاميّة بوجوهها المتعدِّدة، إنّما للأسف هو في الأراضي المنخفضة، وتكاد تنعدم حِراب الأحزاب والقوى الإجتماعيّة المختلفة المتنوِّرة جميعاً التي تنصره وتحميه. وفي المدى الأبعد فكعب الكاتب محمّد شكري عالٍ ليقرِّر "إنّ معظم أدبنا العربي ما زالَ خاصّاً ولم نستطع أن نجعلَه أدباً عالميّاً إلاّ القليل.." و "إلاّ القليل" هذه حقّاً وفّرتْ الكثير مِنَ الجهود التي كان على الكاتب أن يبذلَها لإثبات خلاصة معرفته.
أحمد إبراهيم الفقيه..نحتاج الى افق عالمي في التفكير
لا ادري إذا كان يمكن لكاتب مثل "محمد شكري" رحمه الله امضي عمره الادبي في الاهتمام والانشغال بالكتابة الابداعية أن يكون مرجعاً في مثل هذه القضايا التي تتصل بالجوانب التي تجعل أدب شعب من الشعوب أدباً عالمياً أو غير عالمي،ولاشك ان هناك باحثين وعلماء في آداب الشعوب وأهل اختصاص في الادب المقارن أن يقولوا قولاً أكثر جدارة بالاهتمام وأقرب للصواب من هذا
والجمود بحثا عما فيها من مؤهلات الحكم لتجدوا ان هذه المؤهلات هي مجرد اصفار
فلاغرابة ان يبقى التخلف مقيما في أوطاننا العربية ويبقى الادب نائما في جوارير الكتاب ليس بسبب انه لم يترجم فقط بل بسبب انه لا يجد في اغلب الاحيان ناشرا ينشره.
محمد العشري..المشكلة تكمن في اللغة العربية
مقولة محمد شكري قاصرة على انتشار وتداول الأدب العربي عالمياً، دون البحث عن الأسباب. في ظني أن المشكلة تكمن في اللغة، بإعتبارها الوعاء الحامل للفكرة، ونحن لم نستطع أن نجعل اللغة العربية لغة عالمية، لأسباب كثيرة، منها التهاون أو التنازل عنها بسهولة لصالح لغات أخرى، في ظل هيمنة رأس المال. مثلاً، اتجهت المجتمعات العربية إلى تعلم اللغات المختلفة، وأصبح بإمكان الأفراد العرب أن يتعاملوا بلغات البلاد التي يسافرون إليها، أو يقيمون فيها، وهذا لم يحدث مع الأجبني الوافد إلينا، فنسارع نحن بالتكلم معه بلغته. حتى في الشراكة معه، نجد المؤسسات تنشأ على التعامل بلغة ذلك الأجبني، رغم أن تلك المؤسسات والشركات في بيئات عربية، وتعتمد على الفرد العربي في إنجاز مهامها، وتضخيم ثرواتها. هذا ما أوجد نظرة لدى هؤلاء الأجانب، باتت مستقرة في بيئتهم، أنهم ليسوا في حاجة إلى تعلم تلك اللغة. طالما أن العرب يسهلون عليهم، ويوفرون لهم الوقت والجهد المطلوبين لتعلم لغة صعبة مثل اللغة العربية. الأدب وحده غير قادر على لعب دور المنقذ، المفكر، الدافع للتغيير، لأنها منظومة متكاملة، علمياً، وصناعياً، وفكرياً، وأدبياً، تشد من أزر بعضها في كيان واحد لحمته ونسيجه اللغة، ويمكن أن تدفع بالأدب إلى المكانة التي يستحقها عالمياً، بناءً على تكامل تلك المنظومة. وبقدر ما يسعى الأخرون إلى تعلم لغتنا، سينتشر الأدب العربي، وإلا سيظل رهن ما ينقل ويترجم منه إلى لغات أخرى حية، يحكم انتشاره في النهاية أهواء، وأفكار، وتوجهات تسعى إلى معرفة العربي، بشيء من الخبث والحيطة والحذر.
عمر شبانة..عالمية الابداع انسانيته
بعيدا عما يقوله المبدع الكبير محمد شكري، الذي شكل بكتابة سيرته حالة متميزة في الإبداع العربي خصوصا، وحتى في الإبداع العالمي الذي يقول إن قليلا من النماذج العربية قد بلغته، فأنا لست ممن يميلون إلى التقليل من قيمة وإنجازات الأدب العربي، والإبداع العربي عموما، خلال القرن العشرين، وحتى الآن. فقد أنجز المبدعون العرب خلال هذه الفترة، التي تزيد عن مائة عام، قدرا من لإبداع كبيرا وعالي القيمة، وأنا لا أتحدث هنا عن "الكم" الكبير من هذا الإبداع، بل عن المستوى والمضمون، عن النقلة الكبيرة التي أحدثها، وعن مستوى مساهمته في الإبداع العالمي، وذلك بصرف النظر عن حجم الترجمة التي تمت من العربية إلى لغات أخرى، رغم أهمية هذه الترجمة، لكنها في اعتقادي ليست معيارا أكيدا على أهمية الإبداع الذي يترجم، وربما كانت واحدا من
د.عبد المالك أشهبون..التركيز على القضايا المحلية
حينما نفكر في سبل الارتقاء بأدبنا العربي من مجال المحلية إلى آفاق الآداب العالمية الأوسع والأرحب، يتبادر إلى أذهاننا رائد الرواية العربية بامتياز وهو نجيب محفوظ الذي تحتفل الأوساط الثقافية العربية في مصر وخارجها بالذكرى الأولى على رحيله عنا إلى دار البقاء...وهنا ينطرح السؤال التالي: كيف وصل نجيب محفوظ إلى أن يجعل من رواياته هدفا للمترجمين الأجانب؟ من المؤكد أن الترجمة ـ كما نعلم ـ أساس مكين من أسس نقل التجارب الأدبية من مداها القطري المحدود إلى عوالم ثقافية وإبداعية أخرى...لكن الذي لفت انتباهي، وأنا أفكر في هذا الموضوع الشائك، هو أن نجيب محفوظ جعل من البعد الإقليمي القطري في رواياته الوسيلة الأنجع نحو بلوغ العالمية...فالمتأمل لعناوين رواياته، يجدها تحتفي ـ في معظمها ـ بالمكان الأم/مصر، ولا شيء غير مصر، فعن تاريخ مصر: نجد من هذه العناوين ما يحيل على أمكنة مستمدة من تاريخ الفراعنة: "كفاح طيبة"، ومن المدن المصرية الحديثة: "القاهرة الجديدة"، ومن الحواري والأزقة: "بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"السكرية"، و"زقاق المدق"...،ومن فضاء النيل: "ثرثرة فوق النيل"، وأخيراً من الأسواق الشعبية المصرية المعروف: "خان الخليلي". من خلال هذه العناوين ـ على سبيل التمثيل لا الحصرـ نستنتج أن نجيب محفوظ صعد سلم العالمية من أول أدراجه: أي من اهتمامه المفرط بما هو محلي، بحيث لا نجد عنوان مدينة عربية أو غربية في خضم عناوينه الروائية التي سبق ذكرهاhellip;فالدرس البليغ من تجربة نجيب محفوظ هذه، يكمن في ضرورة تأصيل الأدب العربي وجعله أكثر التصاقا بقضايا الواقع المحلي، أكثر من الانهماك في إرضاء رغبات الآخر الذي عادة ما يتهافت على نموذج الروايات التي تستهدف أن تجعل من البعد المحلي بعداً مبتذلاً أو تضفي عليه الطابع الفلكلوري البدائي. ففي رأينا المتواضع، هذا هو السبيل لضمان انتقال الأدب العربي عامة من بعده المحلي إلى مصاف الآداب العالمية عن جدارة واستحقاق...لا عن تزلف وتملق نزولا عند ما يرغب الآخر ويرتضيه ارتضاء...
ناصر عراق..شيوع الافكار المتخلفة والمتشددة
إذا تناولنا الأدب العربي في القرن العشرين تحديدا فإننا لن نختلف كثيرا مع مقولة محمد شكري، لأن ما أبدعه الكتاب العرب بامتداد قرن من الزمان لم يستطع أن يؤثركثيرا في ثقافة الأمة ومزاج الجموع والدليل هو شيوع الأفكار المتخلفة والمتشددة فضلا عن ترسيخ الاستبداد من قبل النظم الديكتاتورية التي تمسك بخناق معظم الدول العربية. فإذا كان الأدب يدعو إلى التغيير نحو الأفضل من خلال دعوته إلى الحفاوة بضرورة التفكير في أوضاعنا العامة سياسيا واقتصاديا وفكريا فإن المحصلة الآن، بعد قرن من الأدب، ليست على ما يرام إن لم نقل بائسة
وهكذا نستطيع أن نفسر لماذا نحن العرب تحديدا نعاني من احتلال دولتين ينتميان الينا وننتمي اليهما هما فلسطين والعراق؟ ولماذا توضع دولنا دوما في أسوأ المراكز الدولية عند الحديث عن التقدم والتحضر؟ ولماذا تنمو أشجار الفساد بكثافة في بلادنا؟ ولماذا ينتشر الفقر في أوطان العرب؟ ثم نـأتي إلى الكارثة الكبرى وهو وجود 70 مليون أمي لا يعرفون القراءة والكتابة في أمة العرب.هذا هو الحال الآن، فأين هو الأدب العربي الذي زلزل الأمة ودفع الناس نحو القبض على حقوقها من أجل حياة أكثر عدلا وجمال وحرية.
حسين سليمان.. معظم أدبنا العربي المعاصر لا فكر فيه
إن كان أدبنا عالمياً أم لا فهذه مسألة لا يمكن البت بها الآن. من هو الذي بيده مفاتيح العالم كي يقول أن هذا الادب عالمي أم لا؟ ماهو مفهوم الأدب العالمي؟ كلمة عالمي تعقد الموضوع ومن الأفضل نسيان هذا النسب الوهمي الذي إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف شخصية وعدم إيمان بالمستقبل. "أما أدبنا فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير" فهذه الفكرة ممكن مناقشتها وطرح الرأي فيها. نعم، فمعظم أدبنا العربي المعاصر لا فكر فيه، وهو أدب سهل وإن كان هناك فكر فهو فكر مستورد. هو أدب لا تأمل فيه، أدب متسرع جانح يعالج السطح أكثر مما يعالج الأعماق. إلا أنني غير متشائم حيث أنني من المؤمنين أن العقل العربي هو عقل خاص وله رؤية خاصة ورؤيته للعالم رؤية مهة يجب ألا تغفل، وإن عرف كيف يجد طريقه ويتحرر من التبعية الغربية فسوف يبدع ويحقق نموذجه الفريد والمميز. هناك بعض الأعمال المهمة التي تقترب من التميز والتي يمكن أن تقارن مع أعمال أدباء كبار من امريكا أو أوربا، إلا أن هذا البعض لا يشكل ظاهرة.