ثقافات

الادب العربي وعالميته: أدب تسجيل أم أدب تغيير وتفكير (2/2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

(2/2)

انظر الحلقة الأولى

اعداد سلوى اللوباني من القاهرة: كتب الراحل "محمد شكري" في كتابه "غواية الشحرور الابيض" أن معظم أدبنا العربي ما زال خاصاً بناً..ولم نستطع أن نجعله أدباً عالمياً الا القليل..فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير".. استطلعت ايلاف آراء بعض المثقفين العرب حول مقولته.. تنوعت الاجابات الا انها اتفقت بان الامعان في المحلية والتركيز على القضايا التي تهم العالم العربي يؤدي الى العالمية.. هنا الحلقة الثانية من الاستطلاع:

شوقي مسلماني... خلاصة معرفة
بالقطع، الأدب العربي في محنة مفروضة عليه مِنْ جهات كثيرة وفظّة إلى درجة لا تتوانى معها عن ممارسة الإرهاب المعنوي والجسدي مِنْ دون أن يرفّ لها جفن، ومنها السلطات القائمة الممسكة بالسيف الزمني وبشراسة يعزّ نظيرها في القرن الواحد والعشرين، وفي الآن تتمسّح بمسوح الدين بقدر ما تفرضه الحاجة في المكان والزمان المحدَّدين. وأيضاً منها سلطات الظلّ المجبولة بتعبير عبد القادر الجنابي "مِنْ طمي التأويل الظلامي للنّصوص" الكفيفة بصراً وبصيرة إلى مستوى أنّ لا حدودَ لانفجارِها بوجه عدوّ خارجي شيطاني بامتياز في التوصيف الديني وإمبريالي بامتياز في التوصيف الزمني بدورِه لا يرى بمجتمعاتِها وأبنائها وتاريخها سوى ما يجب أن يُمحى ليس مِنَ الذاكرة وحسب بل مِنَ الوجود ككلّ، إنّما المصيبة، بل أمّ المصائب، حين تتعمّد سلطات الظلّ هذه ألاّ يوفِّر عصفُ انفجارِها مَنْ يُقاسِمونها الهموم والمآسي والويلات ولكنْ لا يُشاطِرونَها الرؤى (إذا مِنْ رؤى) والمنهج (إذا مِنْ منهج) في كيفيّة إدارة المواجهة المريرة. ومِنْ دون شكّ فالأدب العربي بأشكالِه كافّة هو في صلب المواجهة على الصعيدين: الخارجي، ضدّ الإمبريالي، والداخلي، ضدّ السلطات القمعيّة الظلاميّة بوجوهها المتعدِّدة، إنّما للأسف هو في الأراضي المنخفضة، وتكاد تنعدم حِراب الأحزاب والقوى الإجتماعيّة المختلفة المتنوِّرة جميعاً التي تنصره وتحميه. وفي المدى الأبعد فكعب الكاتب محمّد شكري عالٍ ليقرِّر "إنّ معظم أدبنا العربي ما زالَ خاصّاً ولم نستطع أن نجعلَه أدباً عالميّاً إلاّ القليل.." و "إلاّ القليل" هذه حقّاً وفّرتْ الكثير مِنَ الجهود التي كان على الكاتب أن يبذلَها لإثبات خلاصة معرفته.

أحمد إبراهيم الفقيه..نحتاج الى افق عالمي في التفكير
لا ادري إذا كان يمكن لكاتب مثل "محمد شكري" رحمه الله امضي عمره الادبي في الاهتمام والانشغال بالكتابة الابداعية أن يكون مرجعاً في مثل هذه القضايا التي تتصل بالجوانب التي تجعل أدب شعب من الشعوب أدباً عالمياً أو غير عالمي،ولاشك ان هناك باحثين وعلماء في آداب الشعوب وأهل اختصاص في الادب المقارن أن يقولوا قولاً أكثر جدارة بالاهتمام وأقرب للصواب من هذا جبران خليل جبران لقول المؤسف الذي قاله الكاتب الراحل، والادب العربي الذي أصدر عليه هذا الحكم هو الادب الذي يكتبه ادباء ينتمون لاثنين وعشرين وطناً تتكلم شعوبها التي تبلغ ثلاتمائة مليون اللغة العربية. هذا الادب لا يقتصر على الرواية أو القصة ولكن هناك أيضاً الشعر الذي يكتبه العرب منذ ما قبل عصر التدوين وهناك حديثا -وأقول حديثا بمعنى بدءا من قرن ونصف مضت المسرحية أو الادب المسرحي وهناك أيضاً الشعر الشعبي الذي بلغ بعض مبدعيه مثل بيرم االتونسي وصلاح جاهين في العصر الحديث مراتب عالية في الابداع وملاحم كتبها كتاب شعبيون تصف المعارك أو تحكي عن ملاحم الجهاد بل وأغراض اخرى كالحب والرحيل والحنين للاوطان تتكافأ مع أرقى ماوصل اليه الشعر لدي أي شعب من شعوب الارض دون حاجة لان نتحدث عن المقالة الفنية والاجتهادات في التنظير الادبي واللغوي. وغيرها من مجالات أدبية اذن.. فهي بانورما أدبية واسعة شاسعة تحتوى على أشكال وألوان من التعبير الادبي لا يستقيم معها هذا التعميم الوارد في هذا الاقتباس الماخوذ من كلام السيد شكري الذي يبدو أنه كان واقعاً تحت تأتير الانشاء الادبي فكتب يقول انه أدب تسجيل وارضاء أكثر منه أدب تغيير وتفكير. والحقيقة فان هذه الجملة تتحدى تفسير المفسرين فليقل لي أي كاتب من شراح محمد شكري أو السيدة الكاتبة التي وقعت هي الاخرى في غاوية هذا الكلام فوضعته في سؤالها.. ما معنى أدب تسجيل وهل يكون الادب أدباً إذا اكتفى بالتسجيل، إذا كان المقصود هو المعنى القاموسي لهذه الكلمة، اما الارضاء فلا أجد له معنى. إرضاء من ؟ وإغضاب من؟ ونحن نعرف أن كاتبنا العربي دفع الثمن غالياً من السجن وأحيانا السحل الى حد أن شاعراً غزلياً مثل نزار القباني كان يلاحق ويطارد وتحرق كتبه بل أن محمد شكري نفسه عاشت معظم أعماله شريدة طريدة حتى داخل مدينته طنجة التي يحكي سيرة حياته في شوارعها ولحقت سكينة القتلة من أهل التطرف عنق كاتب مثل نجيب محفوظ تريد ذبحه بعد أن أطاح رصاصهم بشعراء ومبدعين ومغنيين كما حدث في الجزائر وغيرها وإذا أخذنا نسبة من دخلوا السجون من كتاب العالم بسبب كتاباتهم فلا شك لدي أن أكبر نسبة في العالم ستكون تلك التي سجلها (هذا هو التسجيل ربما) أدباءالوطن العربي أما أدب التفكير والتغيير فالادب كله يحتوي في جوهره على مثل هذه القيم الجمالية التي تدعو الى التفكير والتغيير اذا كنا نتكلم لغة الادب الذي يتغلغ في فكر وعقل قارئه ويدعوه لتأمل حياته ويسهم في صياغة وجدانه ويرتقي بذوقه ويجعل رؤيته أكثر إتساعاً وأفق تفكيره أكثر رحابة أما إذا كان الكاتب صاحب الاقتباس يتحدث عن تغيير آخر مثل ذلك الذي يرد في الادبيات الراديكالية التي تتحدث عن تغيير آخر ربما في السياسة أوالمجتع أو نظم الحكم فلا اعتقد أن ما أعطى الكوميديا الالهية الخلود هو هذا المعنى فهي لم تكن مانيفستو حزبي أو سياسي وإنما قيمة جمالية ابداعية وجوانب انسانية هي التي أبقتها خالدة وأبقت اشعار ومسرحيات شكسبير وقصص انطون تشيكوف. نعم انها جملة مجانية باطلة، الادب العربي قد لايكون بنفس القوة والزخم الموجدة عند كتاب امريكا اللاتينية أو كتاب الهند ولكن هناك أعمالاً كثيرة لا تقل قيمة عما ترجم للغات عالمية اخرى من آداب هذه الشعوب ويكفي أن أتوقف عند آخر المحاولات لرصد الاعمال التي تستحق الترجمة وهو ما أجمعت عليه اتحادات الادباء القطرية ثم انتقل الى اتحاد الادباء العرب صاحب المبادرة الذي رصد مايقرب من مائة وعشر روايات لترجمتها الى لغات العالم ذات الحضور والتاثير مثل الانجليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية والصينية والروسية وغيرها الا أن االمشروع يتعثر ولا اعتقد انه الاتحاد سيكون قادراً على إنجازه كاملاً لضعف الموارد والميزانيات التي يحتاجها هذا المشروع وهنا ياتي الفرق الذي يجيب عن لماذا انتشرت آداب شعوب اخرى مثل امريكا الجنوبية والهند واحتجب أدبنا. فهناك شعوب تعتني بادابها وتملك المؤسسات والموارد التي تخصصها لتقديم الوجه الحضاري لشعوبها وفي رأس القائمة الاداب والفنون بمثل ما تنشط في ترجمة آداب الشعوب الاخرى اليها في حين نعرف جميعا المستوى المتدني لما ننقله من شعوب أخرى وما ننقله من أدبنا الى تلك الشعوب فنحن نأتي في اسفل القائمة وهي (اي الشعوب الاخرى) تفعل ذلك مع انها تملك نقاط قوة أكثر مما لدينا فالهند مثلا يكتب أغلب كتابها باللغة الانجليزية مباشرة، وباعتبارها اللغة الاولي في العالم فان أدبهم يجد الانتشار والتداول كما يجد من يهتم بترجمته للغات اخرى من الانجليزية أما امريكا اللاتينية فاغلب كتابها يكتبون بالاسباني وينتمون لثقافة هذه اللغة التي هي واحدة من أعمدة الثقافة الغربية فالادب في ذلك الجزء من العالم قريب من العنصر الغربي الذي يدخل أساساً في تكوينه ويشكل هذا الادب مع عناصر أخرى كثيرة بينها الفنون وألوان من التراث وعادات وتقاليد تشمل حتى أساليب الاكل وأنوعه جزءا من ثقافة الغرب فسهل بالتالي التواصل مع هذا الادب ولقي الاهتمام بترجمته ونشره. نحن نحتاج لا الى أدب يصلح للعالمية فهو موجود رواية وقصة وشعرا ومسرحية ولكننا نحتاج الى افق عالمي في التفكير لدى حكومات الاقطار العربية التي لا تنشغل بشيء غير انشغالها بمحاصرة المواطن وتكبيله بالقيود وابقائه تحت السيطرة.لا تفتشوا عن الادب العربي بحثا ًعما فيه من مؤهلات العالمية فهي موجودة ولكن فتشوا في العقول التي تحكم الاقطار العربية واالتي ابقته في هذه الحالة من التخلف
والجمود بحثا عما فيها من مؤهلات الحكم لتجدوا ان هذه المؤهلات هي مجرد اصفار
فلاغرابة ان يبقى التخلف مقيما في أوطاننا العربية ويبقى الادب نائما في جوارير الكتاب ليس بسبب انه لم يترجم فقط بل بسبب انه لا يجد في اغلب الاحيان ناشرا ينشره.
محمد العشري..المشكلة تكمن في اللغة العربية
مقولة محمد شكري قاصرة على انتشار وتداول الأدب العربي عالمياً، دون البحث عن الأسباب. في ظني أن المشكلة تكمن في اللغة، بإعتبارها الوعاء الحامل للفكرة، ونحن لم نستطع أن نجعل اللغة العربية لغة عالمية، لأسباب كثيرة، منها التهاون أو التنازل عنها بسهولة لصالح لغات أخرى، في ظل هيمنة رأس المال. مثلاً، اتجهت المجتمعات العربية إلى تعلم اللغات المختلفة، وأصبح بإمكان الأفراد العرب أن يتعاملوا بلغات البلاد التي يسافرون إليها، أو يقيمون فيها، وهذا لم يحدث مع الأجبني الوافد إلينا، فنسارع نحن بالتكلم معه بلغته. حتى في الشراكة معه، نجد المؤسسات تنشأ على التعامل بلغة ذلك الأجبني، رغم أن تلك المؤسسات والشركات في بيئات عربية، وتعتمد على الفرد العربي في إنجاز مهامها، وتضخيم ثرواتها. هذا ما أوجد نظرة لدى هؤلاء الأجانب، باتت مستقرة في بيئتهم، أنهم ليسوا في حاجة إلى تعلم تلك اللغة. طالما أن العرب يسهلون عليهم، ويوفرون لهم الوقت والجهد المطلوبين لتعلم لغة صعبة مثل اللغة العربية. الأدب وحده غير قادر على لعب دور المنقذ، المفكر، الدافع للتغيير، لأنها منظومة متكاملة، علمياً، وصناعياً، وفكرياً، وأدبياً، تشد من أزر بعضها في كيان واحد لحمته ونسيجه اللغة، ويمكن أن تدفع بالأدب إلى المكانة التي يستحقها عالمياً، بناءً على تكامل تلك المنظومة. وبقدر ما يسعى الأخرون إلى تعلم لغتنا، سينتشر الأدب العربي، وإلا سيظل رهن ما ينقل ويترجم منه إلى لغات أخرى حية، يحكم انتشاره في النهاية أهواء، وأفكار، وتوجهات تسعى إلى معرفة العربي، بشيء من الخبث والحيطة والحذر.

عمر شبانة..عالمية الابداع انسانيته
بعيدا عما يقوله المبدع الكبير محمد شكري، الذي شكل بكتابة سيرته حالة متميزة في الإبداع العربي خصوصا، وحتى في الإبداع العالمي الذي يقول إن قليلا من النماذج العربية قد بلغته، فأنا لست ممن يميلون إلى التقليل من قيمة وإنجازات الأدب العربي، والإبداع العربي عموما، خلال القرن العشرين، وحتى الآن. فقد أنجز المبدعون العرب خلال هذه الفترة، التي تزيد عن مائة عام، قدرا من لإبداع كبيرا وعالي القيمة، وأنا لا أتحدث هنا عن "الكم" الكبير من هذا الإبداع، بل عن المستوى والمضمون، عن النقلة الكبيرة التي أحدثها، وعن مستوى مساهمته في الإبداع العالمي، وذلك بصرف النظر عن حجم الترجمة التي تمت من العربية إلى لغات أخرى، رغم أهمية هذه الترجمة، لكنها في اعتقادي ليست معيارا أكيدا على أهمية الإبداع الذي يترجم، وربما كانت واحدا من رجاء الصانع لمعايير، لكنها ليست الحكم الأخير في كل الأحوال. وبعيدا عما يقول به الكثيرون من ضآلة الإسهام العربي في مشهد الإبداع العالمي، نتيجة عقد النقص حينا، ونتيجة الحرص على المزيد من المساهمة حينا آخر، فالحقيقة الساطعة تؤكد أن العرب شاركوا- ويشاركون- بفعالية وقوة في رسم المشهد العالمي للإبداع، حتى لو كان علينا أن نطلب المزيد، أو نتوقع الأفضل، فهذا لا يجعلنا نغمط هذا الإبداع ما حققه ويحققه من مساهمات مهمة، حتى لو كانت لم تفعل الكثير في المجتمع العربي، ولم يصل الكثير منه إلى العالم، لكن ما وصل منه يقدم صورة واضحة عن عالمنا العربي. لقد استطاع الإبداع العربي، شعرا ورواية وقصة وفنونا مسرحية وتشكيلية وسينما، أن يقتحم المشهد العالمي بقدر ما يريد العالم أن يتقبل من هذا الإبداع، فنحن في نهاية الأمر نعيش في عالم معقد العلاقات، حتى في الإبداع لا يستطيع الوصول إلى العالم إلا من عرف الطرق والمسالك الصعبة، وكيفية اجتيازها، وهذه عملية تنطوي على الكثير من الأبعاد والتعقيدات، بعضها مباح والآخر مرفوض. فليس كل ما تمت ترجمته من الإبداع العربي هو إبداع حقيقي، بل تلعب وسائل الإعلام دورا كبيرا في هذا المجال، دورا ينطوي على "تسليع" لكل شيء بما في ذلك الإبداع وحتى تسليع الإنسان. ثمة ترجمة تتم عبر الترويج والتسويق بناء على ما تحتاج إليه السوق، أو بناء على ما يلتقي مع الصورة القذرة التي يرسمها الغرب للإنسان العربي (مثلا: ظاهرة الروايات الجديدة التي تتناول المجتمعات المغلقة والمتخلفة في الخليج). المهم أن عالمية الإبداع، ومنه الأدب طبعا، لا ترتبط- في اعتقادي- بمدى انتشاره عالميا، فهذا الانتشار محكوم بمعادلات ومعايير أخرى، لكن العالمية ترتبط أولا وأخيرا بحجم الإنسانية التي ينطوي عليها هذا الإبداع. وكم من إبداع عظيم جرى طمسه لمراحل طويلة، لكن عظمته لم تحجب طويلا، حيث لا بد من انطلاقة تعيد اكتشاف العظيم دائما. وكم من نماذج الأدب العالمي تأخرت حتى وصلتنا، ولكنها في النهاية لا بد أن تصل. وهذا ينطبق على الإبداعات العربية التي ما تزال لم تجد الفرصة للقاء مع القراء في اللغات الأخرى، بل هي لم تجد قارئها العربي بعد. فالأمر يتعلق بمجموعة من العوامل التي قد تساعد نصا ما على الانتشار، وتمنع نصا آخر. لكن ما تمر به المنطقة العربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا، يشكل ظروفا ومناخات لا تشجع على حضور مميز لكل نواحي الثقافة والإبداع. نحن نعيش في ظل حكومات وأنظمة لا تفهم من كلمة ثقافة وإبداع سوى كونهما يشكلا خطرا على الحكم والسلطة، وهو ما يضع المبدع بين نيران السلطات المختلفة في المجتمع، سلطات سياسية حاكمة، وسلطات فاشية تتخذ من الذريعة الدينية وسيلة لكل من يخالفها، وسلطات اجتماعية ترفض حرية الفرد وتقمعها، إضافة إلى سلطات "ثقافية" متخلفة أو تابعة تحارب كل إبداع جديد وعميق. لكن كل هذه الظروف لا تمنع النص الحقيقي من الوصول إلى القارئ أينما كان، مع التأكيد على أن العمق مرتبط بمدى وعمق إنسانية النص والقضية التي يعالجها، وزاوية النظر واللغة التي يعالج بها الكاتب نصه. وبهذا المعيار، فلا شك لدي أن ثمة الكثير من التجارب الإبداعية التي تستطيع الوقوف إلى جوار التجارب العالمية، أي أن تصمد أمام الزمن، وتسهم في نشر القيم الإنسانية الكبيرة. وإلا أين نضع نماذج من الشعر العربي مثل محمود درويش وأدونيس والسياب وعبد الصبور ودنقل واللعبي، ونماذج من الرواية مثل محفوظ وصنع الله ومحمد ديب وبنجلون وفؤاد التكرلي وإلياس خوري وكنفاني، وفي المسرح والتشكيل والسينما نماذج لا تقل إبداعا عما يقدم في العالم، من ضياء العزاوي وجواد الأسدي حتى يوسف شاهين وصولا إلى المبدعين الشباب. وليست هذه سوى أمثلة سريعة كي لا نغرق في بحر الأسماء والتجارب، ما يتطلب كتبا ومجلدات.

د.عبد المالك أشهبون..التركيز على القضايا المحلية
حينما نفكر في سبل الارتقاء بأدبنا العربي من مجال المحلية إلى آفاق الآداب العالمية الأوسع والأرحب، يتبادر إلى أذهاننا رائد الرواية العربية بامتياز وهو نجيب محفوظ الذي تحتفل الأوساط الثقافية العربية في مصر وخارجها بالذكرى الأولى على رحيله عنا إلى دار البقاء...وهنا ينطرح السؤال التالي: كيف وصل نجيب محفوظ إلى أن يجعل من رواياته هدفا للمترجمين الأجانب؟ من المؤكد أن الترجمة ـ كما نعلم ـ أساس مكين من أسس نقل التجارب الأدبية من مداها القطري المحدود إلى عوالم ثقافية وإبداعية أخرى...لكن الذي لفت انتباهي، وأنا أفكر في هذا الموضوع الشائك، هو أن نجيب محفوظ جعل من البعد الإقليمي القطري في رواياته الوسيلة الأنجع نحو بلوغ العالمية...فالمتأمل لعناوين رواياته، يجدها تحتفي ـ في معظمها ـ بالمكان الأم/مصر، ولا شيء غير مصر، فعن تاريخ مصر: نجد من هذه العناوين ما يحيل على أمكنة مستمدة من تاريخ الفراعنة: "كفاح طيبة"، ومن المدن المصرية الحديثة: "القاهرة الجديدة"، ومن الحواري والأزقة: "بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"السكرية"، و"زقاق المدق"...،ومن فضاء النيل: "ثرثرة فوق النيل"، وأخيراً من الأسواق الشعبية المصرية المعروف: "خان الخليلي". من خلال هذه العناوين ـ على سبيل التمثيل لا الحصرـ نستنتج أن نجيب محفوظ صعد سلم العالمية من أول أدراجه: أي من اهتمامه المفرط بما هو محلي، بحيث لا نجد عنوان مدينة عربية أو غربية في خضم عناوينه الروائية التي سبق ذكرهاhellip;فالدرس البليغ من تجربة نجيب محفوظ هذه، يكمن في ضرورة تأصيل الأدب العربي وجعله أكثر التصاقا بقضايا الواقع المحلي، أكثر من الانهماك في إرضاء رغبات الآخر الذي عادة ما يتهافت على نموذج الروايات التي تستهدف أن تجعل من البعد المحلي بعداً مبتذلاً أو تضفي عليه الطابع الفلكلوري البدائي. ففي رأينا المتواضع، هذا هو السبيل لضمان انتقال الأدب العربي عامة من بعده المحلي إلى مصاف الآداب العالمية عن جدارة واستحقاق...لا عن تزلف وتملق نزولا عند ما يرغب الآخر ويرتضيه ارتضاء...

ناصر عراق..شيوع الافكار المتخلفة والمتشددة
إذا تناولنا الأدب العربي في القرن العشرين تحديدا فإننا لن نختلف كثيرا مع مقولة محمد شكري، لأن ما أبدعه الكتاب العرب بامتداد قرن من الزمان لم يستطع أن يؤثركثيرا في ثقافة الأمة ومزاج الجموع والدليل هو شيوع الأفكار المتخلفة والمتشددة فضلا عن ترسيخ الاستبداد من قبل النظم الديكتاتورية التي تمسك بخناق معظم الدول العربية. فإذا كان الأدب يدعو إلى التغيير نحو الأفضل من خلال دعوته إلى الحفاوة بضرورة التفكير في أوضاعنا العامة سياسيا واقتصاديا وفكريا فإن المحصلة الآن، بعد قرن من الأدب، ليست على ما يرام إن لم نقل بائسة
وهكذا نستطيع أن نفسر لماذا نحن العرب تحديدا نعاني من احتلال دولتين ينتميان الينا وننتمي اليهما هما فلسطين والعراق؟ ولماذا توضع دولنا دوما في أسوأ المراكز الدولية عند الحديث عن التقدم والتحضر؟ ولماذا تنمو أشجار الفساد بكثافة في بلادنا؟ ولماذا ينتشر الفقر في أوطان العرب؟ ثم نـأتي إلى الكارثة الكبرى وهو وجود 70 مليون أمي لا يعرفون القراءة والكتابة في أمة العرب.هذا هو الحال الآن، فأين هو الأدب العربي الذي زلزل الأمة ودفع الناس نحو القبض على حقوقها من أجل حياة أكثر عدلا وجمال وحرية.

حسين سليمان.. معظم أدبنا العربي المعاصر لا فكر فيه
إن كان أدبنا عالمياً أم لا فهذه مسألة لا يمكن البت بها الآن. من هو الذي بيده مفاتيح العالم كي يقول أن هذا الادب عالمي أم لا؟ ماهو مفهوم الأدب العالمي؟ كلمة عالمي تعقد الموضوع ومن الأفضل نسيان هذا النسب الوهمي الذي إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف شخصية وعدم إيمان بالمستقبل. "أما أدبنا فهو أدب تسجيل وإرضاء أكثر منه أدب تفكير وتغيير" فهذه الفكرة ممكن مناقشتها وطرح الرأي فيها. نعم، فمعظم أدبنا العربي المعاصر لا فكر فيه، وهو أدب سهل وإن كان هناك فكر فهو فكر مستورد. هو أدب لا تأمل فيه، أدب متسرع جانح يعالج السطح أكثر مما يعالج الأعماق. إلا أنني غير متشائم حيث أنني من المؤمنين أن العقل العربي هو عقل خاص وله رؤية خاصة ورؤيته للعالم رؤية مهة يجب ألا تغفل، وإن عرف كيف يجد طريقه ويتحرر من التبعية الغربية فسوف يبدع ويحقق نموذجه الفريد والمميز. هناك بعض الأعمال المهمة التي تقترب من التميز والتي يمكن أن تقارن مع أعمال أدباء كبار من امريكا أو أوربا، إلا أن هذا البعض لا يشكل ظاهرة.


salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف