صندوق الرمل مسرحية لإدوارد البي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تأليف: أدوارد ألبي
ترجمة: زعيم الطائي
(مسرحية قصيرة)
المؤلف:
الشخصيات:
الرجل الشاب: 25عاماً، جميل المظهر، جسم جيد البناء، يرتدي بدلة سباحة.
مامي: 55، أمرأة بشحصية محترمة، وملبس لائق.
دادي:60، صغير الحجم، ضعيف، أشيب.
الجدة: 86، ضئيلة، وهي أمرأة حكيمة بعينين لامعتين.
الموسيقي: ليس له عمر محدد، يفضل أن يكون شاباً.
ملاحظة:
أثناء المسرحية، مامي ودادي يتخاطبان بهتين الصفتين، خاليتين من التلميح أو القصد والمناطقية، وهما صفتنان مجردتان، موحيتان وتشيران الى الوقار و أنعدام القصد فيهما الى أية دلالات أخرى للشخصيتين.
المشهد: خشبة المسرح خالية، ماعدا الأشياء التالية: قريباً من الأضاءة السفلية، بعيدا يمين الخشبة، كرسيان بسيطان أحدهما يحاذي الآخر، بمواجهة الجمهور، قرب الأضاءة السفلية يساراً، هناك كرسي يواجه يمين الستيج، أمامه حامل النوتة الموسيقية. وفي الخلف بعيداً، تتوسط الستيج، مرتفعة قليلاً حاملة صندوق رملي طويل مع مجرفة بلاستيكية صغيرة للأطفال، لعبة شاحبة اللون ودلو صغير، الخلفية هي السماء، التي تتغير من نهار مشرق الى ليلة حالكة الظلمة. وفي البداية يكون النهار مشمسا براقاً، الرجل الشاب وحيداً على الخشبة خلف الصندوق الرملي، يقوم بتمارين أحماء لما يشارف انتهاء المسرحية، تلك التمارين مختصة بالذراعين فقط، من خفض ورفع كما يشبه الأجنحة المهيئة للطيران، يتبين بعد ذلك أن الرجل الشاب ليس الا ملاك الموت. مامي ودادي يدخلان المسرح من جهة اليسار، مامي أولاً.
مامي: (تتجه نحو دادي) حسن، ها نحن هنا الآن، وهذا هو الشاطىء.
دادي: (يئن) أنا بردان !
مامي: (منصرفة عنه بضحكة صغيرة) لاتكن أحمق، فالحرارة تكاد تشوينا، أنظر ذلك الشاب الوسيم هناك، فهو لايعبأ بالبرد (تلوح للشاب محيية) هلو...
الشاب: (مع أبتسامة محببة) ها ي..
مامي: (ناظرة حولها) سيكون ذلك شيقاً، ألا تعتقد ذلك يا دادي، الرمال من حولنا هنا وهناك
المياه، ماذا تظن يادادي؟
دادي: (يرد بأبهام) كما تقولين، مامي.
مامي: (بنفس الضحكة السابقة) نعم، بالطبع مثلما أقول، فالأمر محسوم.
دادي: (هازاً كتفيه بلا مبالاة) إنها والدتك وليست والدتي.
مامي: أعرف أنها والدتي، مالذي تقصده؟ (تصمت) حسناً، ليكن ذلك، (تنادي الى ماخلف الكواليس، يسار المسرح) أنتم يامن هناك، يمنكم الدخول الآن.
(يدخل الموسيقي، يتخذ له مكاناً على الكرسي، يسار الخشبة، يضع نوتاته على حامل الموسيقى، متهيئاً للعزف، مامي تهز رأسها بأستحسان).
مامي: جيد، جيد جداً، هل أنت جاهز يادادي؟.
دادي: صحيح كل ماتقولين يامامي.
مامي: (تخطو نحو جهة الخروج الى اليسار) بالتأكيد، صحيح كل ماأقول (الى الموسيقي ) يمكنك البدء الآن.
(يبدأ الموسيقي بالعزف، مامي ودادي يغادران، وطوال مدة عزفه يؤدي أنحناءة مستمرة برأسه، محيياً الرجل الشاب )
الشاب: (بنفس الأبتسامة اللطيفة ) هاي...
(بعد لحظات، مامي ودادي يعودان، حاملين الجدة، واضعين أذرعهما أسفل أبطيها، وقد بدت منهكة أشد الأنهاك، وقدميها تتأرجحان في الفراغ، دون أن تلمسا الأرض، وظهرت على وجهها العجوز معالم الحيرة والخوف.)
دادي: أين نضعها؟
مامي: (بنفس الضحكة القصيرة ) في أي مكان أشاءه أنا، بالطبع، لنر، حسناً، جيد، هناك، في صندوق الرمل، (صمت) حسناً، مالذي تنتظره؟ صندوق الرمل.
(يجلبان الجدة العجوز الى الصندوق الرملي، ويلقونها فيه لاأكثر ولا أقل )
الجدة: ( تعدل وضعها متخذة وضع الجلوس، صوتها يشبه ضحكة الطفل وبكاءه معاً) أههههه..جراااا....
دادي: (يعفر جسده بالرمل ) مالذي سنفعله الآن؟
مامي: (الى الموسيقي) تستطيع أن تتوقف الآن (الموسيقي يتوقف عن العزف، فتعود موجهة كلامها الى دادي) ماذا تقصد بما سنفعله الآن؟ سنذهب هناك لكي نجلس بالطبع.(الى الشاب)
تحياتي.
الشاب: (يبتسم ثانية) هاي.
(مامي ودادي، يتخذان طريقهما نحو الكرسيين يمين الخشبة، يجلسان صامتين)
الجدة: (كما في السابق ) آههههههه.. جرااااااااا...
دادي: أتظنين في أعتقادك أنها مرتاحة؟
مامي: (بفراغ صبر) كيف لي أن أعرف؟
دادي: (بعد فترة صمت) مالذي علينا أن نفعله الآن؟
مامي: (كما لو أنها تذكرت شيئاً).لننتظر، نجلس هنا وننتظر، هذا كل ماعلينا فعله.
دادي: (بعد صمت) أيمكننا أن نتحادث؟
مامي: (بضحكتها القصيرة، تلتقط شيئا علق بملابسها) حسن، تقدر أن تتحدث، إن رغبت في ذلك، ولو تعتقد أن هناك مايمكن التحدث بشأنه، إن كان لديك جديدا ً.
دادي: (يفكر ) كلا ليس لدي.
مامي: (تتضاحك منتصرة ) كلا، بالتأكيد.
الجدة: (تضرب الجاروف اللعبة بالدلو) هاههها ها....ههههااااا..
مامي: (تصرخ بمواجهة الجمهور) أهدئي ياجدتي، فقط أهدئي، وأنتظري.
(الجدة تقذف الرمل بالمجرفة نحو مامي)
مامي: (تواجه الجمهور) تقذف الرمل بأتجاهي، توقفي عن ذلك ياجدتي، توقفي عن رميي بالرمال (لدادي) قذفت الرمل بوجهي.
(ينظر دادي الى الجدة، فتصرخ بوجهه)
الجدة: جررررررراااا....
مامي: دعك من التطلع اليها، فقط، أجلس عنك، أبق جالساً، وانتظر، (للموسيقي) أنت، أ أ ه، أذهب هناك، وأفعل ماترغب به.
(الموسيقي يأخذ بالعزف، مامي ودادي يركزان أنتباههما، يحدقان بأتجاه الجمهور، تنظر اليهما الجدة، وتحول نظرها نحو العازف، ثم الى صندوق الرمل، تلقي من يدها المجرفة الصغيرة)
الجدة: أأههها.. جراااا (تنتظر ردة الفعل، لم يحدث شيئ، الآن تتوجه نحو الجمهور،) بأخلاص، كيف نتعامل مع العجائز؟نجرجرها خارج البيت، نحشرها في العربة، نأخذها خارج المدينة، نلقيها في كومة رمل، ثم نتركها حتى الغروب، أنا في الثامنة والستين من عمري، تزوجت وأنا في السابعة عشرة، من مزارع، مات وأنا لم أبلغ الثلاثين، (للموسيقي) أوقف ذلك رجاء، (الموسيقي يتوقف عن العزف، أنني أمرأة واهنة، من يتوقع أن ينتبه أحد لسماعي وسط هذه الوصوصة والزعيق، بيب...بيب..بيب، (لنفسها) لاأحترام هنا، (تخاطب الشاب) لاأحترام لأحد في هذا المكان.
الشاب: (بنفس الأبتسامة ) هاي..
الجدة: (بعد فترة توقف، تتوجه بلطف زائد نحو الجمهور، مستمرة في سرد حكايتها) توفي زوجي وأنا في الثلاثين (مشيرة الى مامي) عكفت على تنشئة البقرة الكبيرة التي هناك لوحدي، وحدك تعلم ياإلهي مايعنيه ذلك، (للشاب) كيف عرفوك؟
الشاب: أوه.. أنا هنا منذ فترة
الجدة: أراهن أنك كنت هنا، صحيح.؟ يبدو ذلك.
الشاب: (يثني عضلاته) أترين؟ (يستمر في تمريناته)
الجدة: جميل ياولد، أقول أنه جميل.
الشاب: (بلطف) قلت ذلك.
الجدة: من أين أنت؟
الشاب: جنوبي كاليفورنيا.
الجدة: (وهي تنود) أتخيل ذلك، أتخيله، ماأسمك ياحبيبي؟
الشاب: لاأعلم...
الجدة: مشرق وجميل أيضا ً.
الشاب: أقصد، أنهم لم يعطوني واحداً لحد الآن، الأستديو...
الجدة: (تتغاضى عنه برهة) أنت لم تقل ذلك، لم تقله، حسنا ً..أوه.. يجب أن أحكي شيئاً آخر، لا تبتعد.
الشاب: أوه..كلا.
الجدة: (تعطي أنتباهها ثانية الى الجمهور) جميل، جميل (بعد ذلك تعود الى الشاب) أنك أحد الممثلين ها؟
الشاب: (وقد أشرق وجهه) نعم، نعم..
الجدة: (تتجه الى الجمهور وهي تهز كتفيها يائسة) فهمتك، على كل حال، قمت لوحدي بتربية التي هنالك تلك، وماذا سأنتظر منها بعد، تلك التي ماذا تزوجت، غنياً؟ أقول لك، نقود...نقود.. أبعدوني عن الحقل، حقاً، الشيء المهذب الذي فعلاه من أجلي حقاً، أنهم نقلوني الى المدينة الكبيرة وآوياني في بيتهم، رتبا لي مكاناً قرب الموقد، أعطياني بطانية عسكرية، وصحني الخاص، الخاص جداً ! لذا فما الداعي لشكواي؟ لاشيء بالطبع، لست أشكو، (تنظر عاليا الى السماء، تصيح بأحدهم خارج الخشبة)الآن عليك أن تظلم المكان ياعزيزي.
(يخيم الظلام على المسرح، (دِمْ) كامل، الليل يقبل، الموسيقي يبتدئ العزف، الليل حالك الظلام، الا أن بقع الضوء مسلطة فقط على الممثلين، بما فيهم الشاب الذي مازال مستمراً في تأدية ألعابه الرياضية).
دادي: (بأضطراب) لقد أتى الليل.
مامي: ششششش.. أبق صامتا، وأنتظر.
دادي: (متشكيا) أنها حارة جداً.
مامي: ششششش.. أبق منتظراً.
الجدة: (لنفسها) الليل، هذا أحسن (للموسيقي) عزيزي، أتستمر بالعزف طوال هذا الفصل؟(يحني العازف رأسه) أذن، أجعله ناعماً، وعذباً، ولد جيد (ينحني العازف مرة ثانية، ويعزف لحنا ً خفيفاً) هذا رائع.
(تسمع دمدمة ودوي خارج الخشبة)
دادي : (يفز فجأة) ماذا هناك؟
مامي: (تبدأ بالنحيب) أنه لاشيء.
دادي: لا، هنالك شيء، رعد، أو تكسر أمواج، أو شيء ما.
مامي: (تهمس من خلال الدموع) أنها ضجة خارج الخشبة، وأنت تعرف مايعنيه ذلك.
دادي: لقد نسيت.
مامي: (بالكاد تستطيع الكلام) معناه أن وقت الجدة المسكينة قد حان، ولم تعد لي قدرة على التحمل دادي: (بصوت خال من العاطفة) أنا.. أعتقدت أنك تملكين شيئاً من شجاعة.
الجدة: (بتصنع) حسناً ياأولادي، تشجعوا، يجب أن تتحملوا، أنتم أكبر من ذلك.
(صوت دوي آخر يأتي من الخارج، أعلى هذه المرة )
مامي: أووووووووه... جدتي المسكينة، جدتي المسكينة.
الجدة: (لمامي) جيد، أنا بخير، لم يحدث بعد..
(عنف الضجة، يطفئ الأنوار، فقط تبقى البقعة الضوئية حول الشاب، يتوقف الموسيقي عن العزف).
مامي: أوووووووه...أوووه
(صمت )
الجدة: لم يحن أطفاء النور بعد، فأنني لست جاهزة، لست جاهزة تماماً (صمت) كل شيء تمام، أنا على وشك الأنتهاء.
(يعود الضوء الى المسرح، اليوم مشرق، الموسيقي يعزف من جديد، الجدة مازالت موجودة في صندوق الرمل، جاثمة على جنبها، مستندة على الكوع، نصف مغطاة، تشغل نفسها بذر الرمال حول جسدها بالمجرفة الصغيرة)
الجدة: (متمتمة بصوت خفيض) لاأعلم ماذا علي أن أفعل بهذه المجرفة اللعينة؟
دادي: مامي، أنه النهار.
مامي: حقا ً ! حسناً، لقد أنقضت ليلتنا الطويلة، يجب أن نكف عن سفح الدموع، لنستقبل الصباح، ونواجه المستقبل، ذلك هو واجبنا.
الجدة: (مازالت تجرف الرمل بالشفل الصغير، وهي تقلدهم) خذ صباحنا، ودعنا نواجه المستقبل، ياربي.
(مامي ودادي ينهضان وهما يتمغطان، مامي تحيي الشاب ملوحة بذراعها)
الشاب: (بنفس الأبتسامة) هاي.
(الجدة تفتعل الموت (!) دادي ومامي يهرعان للنظر اليها، وقد تغطت تقريباً الى منتصفها بالرمال، ومازالت المجرفة الصغيرة بين يديها، وضعتها بشكل متقاطع على صدرها)
مامي: (تهز رأسها أمام صندوق الرمل) بديع، من الصعب أن نبقي أحزاننا، كم تبدو راضية وفي أتم السعادة (بقناعة وأفتخار) لقد دفعت لكي يتم كل شيء بشكل جيد (للموسيقي) حسن، يمكنك التوقف الآن، لو أردت، أقصد، أذا أردت أن تبقى للسباحة، أو لشيء أخر، كل الأمور مناسبة لنا.(تتنهد بعمق ) حسن يادادي، لنذهب.
دادي: تشجعي مامي.
مامي: تشجع يادادي. (يغادران من الجهة اليسرى للخشبة)
الجدة: (بعد مغادرتهما، تبقى مستلقية في هدوء تام) دفعت من أجل أن تتم الأمور بسهولة، أه ياأولاد (تحاول الجلوس) حسنا ً ياأولاد، (ولكنها تكتشف عدم قدرتها على ذلك)لاأستطيع النهوض، ليست لدي القدرة على الحركة.
(يوقف الشاب تمريناته، ينحني للموسيقي ويتمشى ناحية الجدة، يركع عند صندوق الرمل)
الجدة: لاأستطيع التحرك.
الشاب: أششششش.. أبق عندك هكذا.
الجدة: لاأقدر أن أتحرك.
الشاب: أوه، أيتها السيدة، أنا متجه اليك، لدي خط أنا سائر عليه.
الجدة:أوه آسفة أيها الجميل، توجه الى مقصدك رأساً.
الشاب: سأفعل، أه..
الجدة: خذ وقتك ياعزيزي.
الشاب: (يحضر نفسه ويتجه نحوها في حركة لاتدل على أحتراف) أنني ملاك الموت، وأنا..آه.. جئت من أجلك.
الجدة: ماذا؟ ما... (ترضخ أخيرأً للأمر الواقع) أوووووه.. أوووه، عرفت.
(ينحني الشاب، ويقبل الجدة برقة على جبهتها )
الجدة: (مغلقة العينين، يداها متشابكتان حول صدرها مرة أخرى، ومازال الشفل الصغير بين يديها، وأبتسامة لطيفة تعلو محياها) حسن، أنه شيء بالغ الروعة ياعزيزي.
الشاب: (مازال راكعا) أششش، أبق هادئة.
الجدة: ماقصدته هو، أنك تفعله بشكل جيد، ياعزيزي.
الشاب: (خجلاً) أوه....
الجدة: حقا، أقصده، لقد نجحت، لديك الآن خبرة جيدة.
الشاب: (بأبتسامته المحببة) أوه، شكراً، أشكرك كثيرا... سيدتي.
الجدة: (برقة وهدوء، كرقة الشاب وهو يرفع يده فوقها) على الرحب والسعة ياعزيزي.
(الموسيقي يستمر بالعزف، حتى تنزل الستارة الى الأسفل بهدوء)