ثقافات

رسالة من المس كارولاين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الليل يرتدي وشاحاً أسود اللون كالقطع السوداء التي تملأ كل جدران العاصمة، أو كجنازة ترتدي بدلة عرسها تزف الى منتدى المقابر، القمر يزاحم النجوم يبحث عن مكانٍ آمنٍ يلوذُ به والصبح يكشر عن انيابه أشبه بهبوط الليل بعد غروب الشمس، اليوم وكالمعتاد امتطي صهوة حاسوبي الشخصي لأرى ما يأتيني من بقايا الرسائل التي تشكل سلماً منتظماً في بريدي الالكتروني، اليوم لم يكن كباقي الايام فقد اختلف تماماً عن بقية الايام.. مايميزه هو تلك الرسالة التي تحمل عنوانا غريباً (دير هيثم) لم يكن هذا العنوان ديراً للمسيح او رسالة ارسلها لي كبير الاساقفة او عنواناً لقصيدة غزلية، كما تغزل أحد اصدقائي بعشيقتِِهِ من الطائفة الارمنية، اذ قال فيها (ما بين نهديك للعاشقين محراب وصليب) اذ كان هذا مطلع القصيدة الا انني لن اغور في ثناياها ولن اواصل النزول الى قاعها او عمقها لانه ربما بالغ كثيرا في وصفهِ لها، لنعد سوية الى الوراء " Dear haithem" كانت الرسالة بالانكليزية وكلمة " Dear" تعني بالعربية (عزيزي هيثم) إحساسٌ جميل ينتابني هذا الصباح، اشبه بنسمةٍ تمر على البساتين المخضرةِ ٌوالتي تغفو على جرف شاطئ..
فجراً وقبل بزوغ خيط الشمس، أسرعتُ وبدافعَ التعطش الشديد لمعرفة تفاصيل الرسالة.. على مقربة مني زميلتي التي اجادت الانكليزية تماماً كبتهوفن الذي يتعامل مع آلة البيانو بكل رشاقة رغم اضمحلال النور في عينيه، لاستعين بها على فك طلاسم وشفرة الرسالة، اقتربت من الكمبيوتر.. تلك الفتاة الجميلة ذات الجسم الممشوق التي تغزلت بها اكثر من تغزلي بلوحة الموناليزا، لتمعن النظر بعينيها التي سرقت منها النظارة سر رونقها وجمالها، ومن خلف زجاج نظارتها بدأت تحملق جيداً في تلك الرسالة التي لم اكترث لها في بادئ الامر بقدر ما اسعدني جلوسها الى جانبي، كانت يدي متكأ ً لي.. لاغور بلحاظ عينيها وجمال شفتيها واحمرار خديها، بعيداً كل البعد عن اجواء الرسالة، ما إن نظرت الى وجهها حتى قرأت الرسالةُ من خلاله بكافة تفاصيلها، اذ لاحت في أفق وجهها ابتسامة تسحب فمها الى الاعلى تدريجياً وبدء حاجباها بالألتواء كألتواء الافعى على الاشجار في الغابات الصنوبرية، تقربت شيئاً فشيئاً لترى جيداً فحوى الرسالة.. عندها قاطعتها بمعرفة ما يدور بتلك الرسالة اذ رشقتني بسهام ٍ مليئة بالارتياب، لم تكن سوى بطاقة تعريفية للمس كارولاين،
بعد ان اغدقتني بمقدمة غزلية اغضبت زميلتي ونالت استحساني، كانت المس كارولاين في الثلاثين من عمرها، تعمل في أحد المصارف البريطانية وتتخذ من لندن مسكناً لها، اذ عرضت عليّ عملاً مشتركاً بالمبلغ الذي ورثته.. وان اقدم لها الدعم والمساعدة، شعرت نوعاً ما بالارتياح الشديد.. لابادرها بإرسال رسالة اطالب فيها معرفة نوع المساعدة وأنا أعيش في بيئة أحوج للمساعدة، اذ كيف لي ان اساعدها وها أنا أقبع في عاصمة المفخخات ويتربصُ بنا المتربصون.
وفي اليوم التالي كنت انتظرُ وبشغفٍ كبير ان يمزق الليل أثوابه السوداء ليرتدي النهار هالة النور التي تطوق عنقه، وها قد لاح في الافق تباشير الصباح.. رسالةُ اخرى تزين بريدي الالكتروني وبعنوان "Hi haithem" العنوان يدل على ترحيبها بي، لأستغل زميلتي مرة أخرى لتكون بالقرب مني، كنت انظرُ الى شفتيها الجميلتين وهي تترجمُ لي الرسالة بوقارٍ وسكينة.. لأرى تلك الكلمات المتساقطة من فمها كتساقط كياني وانهيارِهِ أمام تلك الكلمات التي تزحف ساجدة على اعتاب فمها وعلى شفير شفتيها، كنت اتعطش لمحتوى الرسالة، كما يتعطش الرضيع لنهد أمه، مضمون الرسالة أحتوى على سرٍ يجب ان يكون بيني وبينها شريطة ان لايعلمه أحد.. وبكونها من منتسبي قسم الاضابير وعلى علم ٍ تام بما يدور في تلك الاضابير، اذ ان احد العملاء وأسمه أحمد أمين قد وافاه الاجل قبل شهور وليس له أي وريث شرعي، وباستطاعتي ان أدرج اسمك في اضبارة المتوفى على اعتبارك أحد اقربائِهِ لتكون انت الوريث الشرعي وستحصل على مبلغ قيمته خمسة ملايين ونصف الباوند، وسأساعدك في المحاكم البريطانية وسيحول المال باسمك وعلى رصيد حسابك... كان الكلام يبعث في نفسي البهجة
والسرور ويعطيني طاقة كي اغمض عيني لأرى حلماً جميلاً، تابعت زميلتي فك الشفرة الانكليزية، وانا انظر الى خيط الكلام الذي تتبعثر حروفهُ هنا وهناك فوق شفتيها، لتعيد لي التصاق الروح بالجسد.. بعد ان اعيش للحظات امنيات ٍ وردية بضع ثوانٍ... تابعت زميلتي كلامها الذي اثلج قلبي.. كما يجب ان لاتعلم الحكومة البريطانية بما افشيتُ لك من سر ٍ، وسنلتقي كلانا في مدينة دبي ومعالمها التي كنت لا اراها سوى في شاشات التلفاز وعبر شبكات الانترنت تلك المدينة التي يحج اليها الآف السياح العرب ويتخذها العالم محطة للتجارة والاقتصاد، وسنتفق كلانا على مشروع عمل أنا وأنت، كما شكرتُ الله الذي القى بي على قارعة طريقها، لتختتم الرسالة قائلة (انا بانتظار ردٍ منك).
فقمت بإرسال رسالة اطلب فيها فيزا للسفر الى مدينة دبي التي كنت انتظر ان اراها وبفارغ الصبر، كما اني بانتظار الموعد الذي يحددُ لي، كما لاأخفيكم اني طلبت منها بعض المال لتكاليف السفر الباهظة... ارسلت لها الرسالة على امل انتظار اليوم الثالث، وبشغفٍ اكبر من اليومين الماضيين مزقتُ رداء الليل بيدي لألبس النهار قلادة النور لاسرع الى صندوقي البريدي... كان الصندوق فارغاً تماماً، ولم ترد لي رسالة منها، لذا انتظرتُ اليوم الرابع والخامس.. ولم ترد لي ايُّ رسالة منها، ارسلت لها رسالة أسألها عن سبب تأخرها في كتابة رسالة لي، لكن من دون جدوى، مر شهرٌ على رسالتها الجميلة التي كنت انتعش بها كل صباح، وبعد مرور ِعام قاطعتُ صندوق بريدي مقاطعة تامة... وها انا اتذكرها عندما امتطي صهوة حاسوبي في هذا الصباح وعند كل صباح.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف