ثلاث ثغرات في إستراتيجية العمل الثقافي لطه حسين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جابر عصفور: ثلاث ثغرات في إستراتيجية العمل الثقافي لطه حسين أهمها النخبوية
محمد الحمامصي من الاسكندرية: طه حسين (1889-1973)، عميد الأدب العربي الذي يعد واحدا من قادة مصر الحديثة وأحد كبار مفكري القرن العشرين، وهو رجل من جيل العمالقة الذي كان هدفه الأول هو تحرير الأرض من الاحتلال البريطاني وتحديث مصر ونقلها من مجتمع تقليدي لآخر عصري متقدم. ومازالت أعمال طه حسين و معاركه الأدبية و الفكرية من أجل التقدم والبعد عن الجمود الذي قيّد العقول لعدة قرون، من أهم الروافد التي يتسلح بها المفكرون سعيا نحو مزيد من النهضة والتقدم.وليس من شك في أن عميد الأدب العربي كان من أكثر المعاصرين سعيا إلى استيعاب تجارب العقول الإنسانية الكبيرة والتعرف على محاولاتها لفتح طريق الإنسان إلى الوعي والحرية. ولعل دراسة لأعماله المختلفة والمتنوعة تستطيع أن تهيئ أمامنا تصورا متكاملا أصيلا وخاصا لشخصية فريدة استطاعت أن تحقق قدرا عاليا من التوازن بين ما تقرأه من ثقافات أوروبية وبين ما تدخره من كنوز تراثنا القديم وثقافتنا العربية الإسلامية.
ونظرا للثقل الذي يمثله طه حسين في الساحة الفكرية والأدبية العربية والدولية، ولتشابه الرسالة التي كان يدعو إليها في أعماله مع ما تهدف إليه مكتبة الإسكندرية، وهي الانفتاح على الآخر وسعة الأفق والتجديد مع التأصيل، أصدرت المكتبة مؤخرا كتابا بعنوان "طه حسين معلم الأجيال" قدم له د. إسماعيل سراج الدين وحرره لطفي عبد الوهاب. ويتضمن الكتاب الذي يقع في 174 صفحة من القطع المتوسط، عددا من المقالات والأبحاث لنخبة من العلماء والمفكرين، تتناول عدة موضوعات منها: طه حسين والنقد الأدبي وموقفه من الدراسات الكلاسيكية إلى جانب حياته وفكره وإسهاماته الثقافية.
ولم يكن إدراك طه حسين للثقافة الأوروبية واستيعابه لها سوى لخدمة تراثنا العربي، فكانت الغاية هي الاغتراف من منابع هذه الثقافة وهضمها ثم طبعها بطابع عقائدنا، مثلما فعل فلاسفة العرب قديما عندما تناولوا آثار أفلاطون وأرسطو.
إلا أن الدكتور جابر عصفور في مقال له بالكتاب، ذكر أن إستراتيجية العمل الثقافي التي اتبعها طه حسين كانت بها ثلاث ثغرات، أولاها تمثلت في الانحصار في نطاق الثقافة الأوروبية وخاصة الفرنسية، وكتابات طه حسين في المجمل خير دليل على ذلك، في حين كانت النخبوية هي الثغرة الثانية، فعميد الأدب العربي لم يكن شعبويا أو منشغلا بتوصيل الثقافة إلى الجماهير، كما أن إستراتيجيته التي اتبعها لم تضع في اعتبارها أن هناك ما يمسى بثقافة الطفل، إذ كانت تتوجه لفئة عمرية واحدة وهي المثقف الناضج.
وفيما يتعلق برحلة طه حسين بين الفكر والسياسة، حصر الكاتب رجاء النقاش خصائصها في عدة نقاط منها أن علاقاته السياسية كانت تقوم على خدمة أفكاره، فيرتبط بالبيئة المناسبة لفكره الحر المتفتح، كما أنه لم يدخل ضمن تنظيمات حزبية محدودة، بل كان يرتبط بالأحزاب ارتباط صداقة وتعاطف دون أن يكون عضوا فيها، ومن هنا فإنه يؤخذ عليه أنه كان مرتبطا بالأحزاب الرجعية، واشترك مع هذه الأحزاب في بعض حملاته على الوفد وسعد زغلول.
وفي الجانب التعليمي، لخص طه حسين أهداف التعليم وبالتالي منهجه ومضمونه حين قال في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر": إن المطلوب هو التعليم الذي يمكن الفرد من أن يعرف نفسه وبيئته الطبيعية والوطنية والإنسانية وأن يتزيد من هذه المعرفة وأن يلائم بين حاجته وطاقته وما يحيط به من البيئات والظروف.
وقد شدد عميد الأدب العربي على ضرورة تعليم ما أسماه "علوم الوحدة" في المدارس الحكومية والخاصة بل والأجنبية بالذات، حفاظا على مقومات الوطنية المصرية. ومن تلك العلوم الوحدوية: التاريخ القومي والجغرافيا والدين واللغة. وحرص طه حسين على نشر اللغات والثقافات الأجنبية كي نأخذ منها ما يلزمنا في نهضتنا، إلا أنه رفض تماما أن تكون هناك ثقافة واحدة أو لغة مهيمنة تحيد بالنشء عن المسار الوطني.
ويذكر الدكتور هيام أبو الحسين، أستاذ الأدب الفرنسي المقارن بجامعة عين شمس، في أحد الأبحاث التي يحويها الكتاب، أن من الوسائل التي ركز طه حسين على استخدامها هي الترجمة، والتي حذرنا في ذات الوقت عميد الأدب العربي من الشره الذي وقعت فيه أوروبا في عصر النهضة، مطالبا بترجمة عصرية مفهومة وواضحة كي يستوعبها القارئ، حيث إن الغاية من ورائها أن نتمثل ما نأخذه عن غيرنا ونضيفه إلى أفضل ما نستبقيه من تراثنا وننتج جديدا نساهم به في بناء الحضارة الإنسانية.
وشمل الكتاب عددا من الأبحاث حول طه حسين وجهوده في مجال النقد الأدبي والدراسات الكلاسيكية، حيث كان يدعو لضرورة دراسة التراث الإغريقي الروماني لفهم تراثنا القومي، إلى جانب الإلمام بالتراث الشرقي القديم والحضارة العربية الإسلامية. وبالتالي فإنه يجب تعلم اللغتين اللاتينية واليونانية وإتقانهما، حيث إنهما يعتبران الوسيلة التي من خلالها يمكن إحياء التاريخ والقومية المصرية.
إن طه حسين سواء اختلف معه البعض أو أيّده، يعد بحق أحد كبار مفكري القرن العشرين وركنا أساسيا في تكوين العقل العربي المعاصر وصياغة الحياة الفكرية والأدبية في عالمنا العربي. ومع أن طه حسين قد توفي منذ 34 سنة، إلا أنه لا يزال يعيش في ذاكرتنا حتى الآن من خلال آرائه وأفكاره وكتاباته وإنجازاته.