ثقافات

طاش ما طاش وذهنية التحريم: أو كيف تجمع كتاباً على عجل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مضى الزمن الذي كانت فيه دور النشر العربية تنظر بتعالٍ الى كل ما يأتيها للنشر من كتاب الخليج (والسعودية بشكل خاص). وجاء زمن آخر أصبحت فيه دور النشر تتسابق على اقناع الكاتب السعودي (تحديدا) أن ينشر كتابه لديها؛ حتى وإن كان الكتاب لازال نيئاً أو بروفة أولية لكتاب.. ولم يتأت هذا عن تبدل الذهنية العربية اتجاه الكتابة الخليجية!؛ وسيادة روح الانفتاح على (الاطراف) من قبل (المراكز)؛ بل قدم من (شباك التذاكر) وتحول كتلة القراء من(المراكز) إلى(الاطراف)؛ وهو ما تؤكده المبيعات المرتفعة لأي كتاب كاتبه سعودي حتى لو كان مازال على مقاعد الدرس الثانوية؛ ويندرج ما يكتبه تحت " محاولات في الانشاء ". وفي هذا السياق جاء سيل الروايات التي كتبها شبان وشابات من السعودية وحصدت مبيعات مرتفعة وطبعات متتالية...
وعليه لايبدو مستغرباً أن ينشر كتاب بدرية البشر عبر دار " المركز الثقافي العربي " المعنون بـ (معارك " طاش ما طاش ") وعنوان فرعي عريض وفضفاض (قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي). وكذلك لا يبدو مستغربا أن يحظى الكتاب باهتمام واسع، فهو يحقق خلطة تسويقية جيدة في العنوان إذ يتكأ على اسم " طاش ما طاش " المسلسل السعودي الذي حقق نجاحاً كبيراُ خلال 15 عاماً من عمره ولازال مستمراً، وكذلك فهو يضيف الى " طاش " في العنوان كلمة معارك والعرب عموماً يهوون المعارك حتى لو كانت تكلف الكثير من الدماء، فما بالكم بمعارك لا تتطلب سوى الكلام!. أما العنوان الفرعي فهو يتكأ على عنوان شهير لصادق جلال العظم (ذهنية التحريم - سلمان رشدي وحقيقة الادب) تناول فيه آنذاك تحريم آيات شيطانية وليس مستغرباً أن تسبق صدور الكتاب حملة ترويجية في الصحف والمواقع الالكترونية تحت عنوان سيصدر قريبا بمادة موحدة صادرة عن الجهة الناشرة او الكاتبة تعرض فحوى الكتاب.

سيرة الحركات المتشددة في الكتاب
تقدم الكاتبة كتابها بـ " تقديم ليس مهما أن تقرأه " تؤكد من خلاله أنها " مشغولة بهموم مجتمعي؛ ومهتمة برصد ظواهر الواقع الاجتماعي ومحاولة فهمها وتشريحها وعرضها للرأي العام..." ولا تني عن التأكيد أنها هنا باحثة وكاتبة رأي... وتبدأه بفصل أول عن ذهنية التحريم تسرد فيه نشأة (ذهنية التحريم) في المجتمع السعودي والتي أدت الى (سيطرة نوع من التفكير يقوم على نظرة مطلقة في تطبيق الشريعة، غيبت سماحة الاسلام...) لكنها تعود لتؤكد في ص 17 (وليس صحيحا أن تلك الذهنية تنطلق في معاداتها للآخر من منطلق الدين بل من منطلق التمسك الأعمى بأفكار وقيم ومبادئ تاريخية معينة)!! ولا تذكر الباحثة هذه " المعينة " لكنها تذكرنا بأن كثير من الحركات السياسية المتطرفة كالنازية والشيوعية والبعثية!!لاعلاقة لتعصبها وتطرفها علاقة بالدين!!
وتسرد الكاتبة نشأة هذا " التيار " بدءاً من حركة الاخوان 1921- 1927 (غير حركة الاخوان المسلمين التي أنشأها حسن البنا في مصر فيما بعد) التي تأسست في بدايات تأسيس الدولة السعودية الحديثة. وتذكر الكاتبة أن الملك عبد العزيز بعد فتح الحجاز ورغبة منه في استقرار مملكته وبعد ان راح الاخوان يعملون بمنهج مغرق في التشدد أسس جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر للحد من الصلاحيات التي كان يمارسها الاخوان، وأمر الملك عبد العزيز الأخوان أن يبلغوا هذه الجماعة بكل ما يرونه منكراً على أن لا ينزلوا هم العقاب وفق هواهم... ص 25. إلا أن ذلك قاد الى معركة السبلة بين حركة الاخوان وقوات الملك عبد العزيز و التي تم فيها(القضاء على الوجود السياسي لحركة الاخوان، لكن فلسفتهم ظلت باقية تحت رعاية آخرين).ص28
وتصر الكاتبة، من خلال العنواين الفرعية للحركات المتشددة اللاحقة، على ربطها بحركة الاخوان التي تعتبر الأم لكل الحركات المتشددة التي ظهرت في السعودية في تاريخها المعاصر، وإن كل تلك الحركات هي محاولة لاستعادة سطوة حركة الاخوان في بداياتها ويندرج تحت ذلك حركة جيهمان العتيبي(وتيار أخواني ثان) التي بلغت ذروتها في اقتحام الحرم المكي في عام 1979، وكذلك تيار الصحوة (صحو أخوانية جديدة) والذي تؤرخ لبداياته بالانقلاب الشيوعي في كابول عام 1978 ويندرج تحت هذا التيار الجميع من بن لادن الى الاخوان المسلمين الذين خرج منهم تيار تسميه استنادا الى احد المراجع تيار السرورية والذي تقول انه اصبح اكبر التيارات الدينية في المشهد!!!...
بعد هذا الفصل الذي استهلك 62 صفحة من 156 هي صفحات الكتاب يأتي دور مسلسل " طاش ما طاش " الذي احتل عنوان الكتاب لياخذ فصلين من الكتاب هما (طاش في عيون الصحافة) و (معركة تحريم طاش ماطاش).

مالذي يريد أن يقوله الكتاب
يمكن تلخيص مقولة الكتاب الاساسية أن التيارات المتشددة في المجتمع السعودي ظهرت في بدايات تأسيس الدولة السعودية الحديثة وتحت جناحها وتحت سمعها وبصرها، بل أنها في البدايات كانت أحدى اذرعتها، كما في علاقة الملك عبد العزيز مع حركة الأخوان. لكن السلطة ما أن تجد هذه التيارات غرقت في التشدد حتى تسعى لأن تحد من سلطاتها. وفي الغالب ما أن يقوى عود إحدى هذه الحركات حتى تنقلب على السلطة نفسها التي رعتها. وهكذا كانت علاقة السلطة مع هذا التيار هي علاقة ممالئة حينا وغض نظر في احيان وتحجيم وسحب بساط في احيان أخرى. ووفق هذا السياق تأتي الحرب على مسلسل طاش ما طاش التي قادها ما تسميه تيار الصحوة كما أن مقولات الكتاب على فقرها، لا تمضي بعيداً شأنها في ذلك شأن كل الخطاب الذي عرف بالخطاب الاصلاحي السعودي في علاقته مع سلطة الدين؛ فهو يركز على أن هذه الحركات " ضالة " و " لا تمثل سماحة الاسلام " ويدعو بمواجهة ذلك الى " الوسطية " في فهم الدين وتطبيقه ؛ إذ نادراً ما نعثر على قول واضح في هذا الخطاب يدعو لتعزيز سلطة الدولة؛ بصفتها سلطة زمنية مدنية يخضع لها جميع المواطنين بصفتها حارسة للقوانين والتشريعات الصادرة عنها؛ في مواجهة خطاب ديني يعتبر نفسه فوق تشريعات وقوانين الدولة التي يعيش في كنفها.. * وهذا ما بدا واضحا في الكتاب إذ لا توجد رؤية واضحة تحدد " زبدة القول " بل نرى المقولات في هذا الكتاب مجزوءة مترددة، تعاني من خلط في مفاهيم من نوع الليبرالية والحداثة... الخ. وهذا الخلط والتردد منشأه الى محاولة تجريد (الخصم) أي الخطاب الديني " المنغلق " هنا، من مستنده الاساسي بكلام تعويمي لا تسنده الباحثة بأي نصٍ، بينما الخطاب الديني لا يترك باعاً ولا ذراعاً من نصه إلا ويسنده بنص واضح قاطع. وقد اشارت الكاتبة أن كتاب التيار الآخر الذي تسميه " ليبرالياً " صمتوا ردحاً أمام الفتوى التي حرمت طاش ما طاش مؤثرين السلامة، ولم يتكلموا إلا عندما أصبح كلامهم دون كلفة تذكر، وهذا حال المثقفين عادة في أغلب " المنعطفات الحاسمة ".

في منهج الكتاب
اعتمدت الكاتبة " منهجا تاريخياً " في كتابها و بدت حذرة في سردها التاريخي وهي تؤرخ لتاريخ التشدد الديني، إذ تخفت خلف كم من المراجع التي أرخت لتاريخ المملكة العربية السعودية وكأنها تريد أن تقل " أنا لم أقل شيئا من عندي " في استباق حذر لما يمكن أن يجلبه عليه كتابها رغم أنه لم يسرد إلا ما هو مجمع عليه ومعروف تاريخيا لاي مطلع على تاريخ المملكة. هذا الكم من المراجع جعل الفصل الاول أشبه بالقص واللصق إلا بتدخل ربطي من الكاتبة!! وهذا ينطبق على الفصول اللاحقة للكتاب، ويمكن أن نشير إلى أن الكاتبه في كم المراجع التي استخدمتها ركنت الى بعض المراجع التي لا يمكن الركون اليها دون تمحيص ككتاب فاسيلييف المعنون بـ تاريخ المملكة العربية السعودية، وكذلك اعتمدت تسميات هذه المراجع كاستخدامها تعبير " غزو شبه الجزيرة العربية " وقد ساد التداخل في قسم تيار الصحوة والخلط بين تيارات متباعدة والتواريخ والاحداث وفي ربط التنظيمات ببعضها فالقاعدة جزء من تيار الصحوة وكذلك الاخوان المسلمين هم أب روحي لتيار الصحوة الحديث بينما تؤكد في عنوانها الفرعي لتيار الصحوة أنه تيار أخواني ثان يعود لحركة الاخوان السعودية...

عن طاش ما طاش:
اكتفت الكاتبة ما عدا نزرا يسيراً من تدخلاتها بربط ما كتبه كتاب سعوديون وعرب واجانب عن مسلسل طاش ما طاش، وتقول انها بلغت 411 (مقالاً) وأنهتها باحصائية تؤكد ان نسبة عالية من مقالات الرأي تؤيد طاش. مع غياب أي رؤية تحليلية لما كتب عن المسلسل...
لا يقدم الكتاب جديدا لمن عاصر طاش ما طاش بل إن مهمته هي تنشيط الذاكرة واستعادتها لتلك الاحداث، لكنه يبالغ في جعل طاش ماطاش محور التنوير والمواجهة مع التيار الديني في السعودية، إذ - وإن بشكل خفي -تنسب الكاتبة الى طاش انكسار شوكة التيار الديني!! ودخول المجتمع في السعودية عصر الانفتاح والتغيير.. كل ذلك قدمه " طاش ماطاش " ولا أحد يدري بذلك...

الكتاب: معارك " طاش ما طاش "
قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي
المؤلف: بدرية البشر
الناشر: المركز الثقافي العربي 2007

*انظر: خطاب الاصلاح لدى المثقفين السعوديين واعادة انتاج الاصولية- خلف علي الخلف


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف