شكراً سيدتي..!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قصة: لانكستون هيوز
ترجمة: زعيم الطائي*
المؤلف: لم تتسن للانكستون هيوز، وهو من أشهر الشعراء الزنوج في أمريكا، فرصة أكمال دراسته الجامعية، فأضطر للعمل في مهن
تراوح الوقت عند الحادية عشرة ليلاً، كانت هناك أمرأة ضخمة تحمل كيساً جلديا واسعاً يحوي أشياءها وعدتها بما فيها المطرقة وبعض المسامير، أخذ سيره البالغ الطول يتدلى الى الأسفل، وهي ترفعه فوق كتفها كل مرة ، كانت تمشي متمهلة في وحدتها، عندما رأت صبياً يركض بأتجاهها، حاول أختطاف الكيس أثناء ركضه، لكن السير قد أنقطع فجأة مع شدته السريعة، فأمتلاء الكيس بأشياء عديدة وثقل الصبي جعل الكيس يفقد توازنه ويسقط وشيكا، مما تسبب أيضاً في سقوط االصبي على ظهره بجانب الرصيف وقد أنثنت رجلاه أثر سقوطه مع ضياع آماله في الحصول على بغيته، أندارت المرأة
الهائلة الحجم نحوه بسهولة، عاجلته بركلة عند مؤخرته، وأنحنت عليه رافعة أياه عالياً من مقدم قميصه، ثم راحت تهزه حتى أخذت أسنانه تصطك لقوة حركتها، بعد ذلك أصدرت أمرها:
- التقط الكيس ايها الغلام وناوله لي.
وبينما كانت تحمله جعلته ينحني لكي يمكنه تناول الكيس وهي تقول:
- والآن، ألم تخجل من نفسك؟
أحس الصبي بقبضتها القوية أثناء تمسكها بقميصه، فأجاب:
- نعم.
قالت المرأة:
- لماذا أردته؟
قال الصبي:
- لم أقصد ذلك.
قالت: تكذب.
في نفس الوقت، عبر شخصان أو ثلاثة، توقفوا وقد استرعى الأمرانتباههم، فأخذ بعضهم يراقب ما يحدث:
- لو أفلتك من يدي، فهل ستهرب؟ (سألته المرأة).
- نعم سيدتي. (قال الصبي).
- أذن سوف لن أفلتك. (قالت المرأة وهي مازالت ممسكة به).
- أنا متأسف جداً، ايتها السيدة، أنا آسف جدا. (همس الصبي)
- آم همم. . ووجهك متسخ، سأقوم بتنظيفه لك، ألم يخبرك أحد في بيتكم أن تقوم بغسله؟
- كلا. . ياسيدتي. (قال الصبي)
- أذن ستقوم بغسله هذا المساء .
قالت
- كان من المفروض ان تكون واحداً من أبنائي، ولسوف أعلمك سبيل الخطأ والصواب، على الأقل سأقوم معك بالخير من الآن وسأبدأ بتحميمك، أتشعر بالجوع؟
- لا. ياسيدتي. (أجاب الصبي بينما كانت تسحبه )فقط أريدك أن تطلقي سراحي.
- هل أزعجك لو أقتدتك هناك عند الركن، (قالت المرأة)
- كلا. . سيدتي (أجاب الصبي)
- ولكن أصبحت بيننا صلة كما ترى، (قالت المرأة) لو أعتقدت هذه الصلة لن تستمر طويلا ً، سنفكر في شيء آخر، وأن نجحت طريقتي معك، ياسيد، ستتذكر دوماً السيدة لولا بيتس واشنتن جونز.
غمرت حبات العرق وجه الصبي، فبدأ يجاهد محاولاً الأفلات، لذا توقفت السيدة جونز عن هزه وهي تسيره أمامها، لكن قبضتها المسترخية ظلت متمسكة قرب عنقه، مستمرة في جره عبر الشارع. حين وصلت بابها، سحبته خلفها الى الداخل، دلفا معا الى الهول، ثم الى المطبخ عند الخلفية، أضاءت النور وتركت الباب مفتوحا ً، أستطاع الصبي سماع أصوات النزلاء الآخرين، وهم يتضاحكون ويتحدثون في أنحاء البيت الواسع، بعضهم تركوا أبوابهم مشرعة، لذا فقد عرف حين ذاك أنه والمرأة هنا ليسا لوحدهما، لم تكن المرأة قد أطلقته بعد، ووقفت الى جانبه وسط الغرفة، سألته :
- ماأسمك؟
- روجر (أجاب الصبي)
- أذن ياروجر، عليك الذهاب الى تلك المغسلة كي تنظف وجهك. (قالت المرأة وهي تفلته من يدها أخيراً، تطلع روجر الى الباب، وألقى نظرة نحو المرأة، نظر الى الباب ثانية، ثم توجه نحو المغسلة)
- دع الماء يجري حتى يكون ساخنا ً. (قالت) خذ هذه المنشفة النظيفة .
- هل ستأخذينني الى السجن؟ (سأل الصبي وهو يقف منحنياً الى جانب المغسلة).
- ليس بهذا الوجه، لاأريد أخذك الى أي مكان(قالت المرأة) أأتي الى بيتي هنا محاولة تهيئة لقمة، وتأتي أنت لتسرق عدة أدواتي، ربما أنت أيضاً تتناول عشاءك متأخراً، اليس كذلك؟
- ليس هناك أحد معي في البيت (قال الصبي)
- أذن سنأكل معاً (قالت المرأة) أعتقد أنك جائع تماماً، أو حاولت سرقة أدواتي لأنك كنت تشعر بالجوع.
- لقد كنت أريد الحصول على زوجين من الأحذية الجلدية الزرقاء (قال الصبي)
- لم يكن متوجباً عليك سرقة أدواتي لكي تحصل على الأحذية الجلدية. (قالت السيدة لويلا بيتس واشنتن جونز) كان عليك أن تطلب مني ذلك.
- سيدتي؟
أخذ الماء يتقاطر من على وجهه، وهو يحدق اليها بأستغراب، ساكتاً فترة طويلة، بعد أن فرغ من تنشيف وجهه، لم يعرف مالذي عليه فعله بعد ذلك، فعاد الى تجفيفه مرة ثانية، متلفتاً حوله، متسائلاً عما سيجيئ لاحقاً، كان الباب لايزال مفتوحاً، أذن فبأمكانه الأفلات الآن والأندفاع بأتجاه الهول الواسع، في ركضة سريعة عاجلة. بأمكانه أن يركض، ويركض، ويركض دون أن يوقفه أحد.
جلست المرأة على السرير، بعد فترة صمت قصيرة، قالت:
- أثناء شبابي، كانت لدي رغبات بأشياء كثيرة، لم أتمكن من الحصول عليها أبداً.
استمرت فترة صمت أخرى، فغر الصغير فاه، وعبست ملامحه، غير انه لم يشعر بتغير ملامح وجهه المؤسية، قالت المرأة:
- أمم. . همم. . تعتقد انني سأقول، ولكن، أليس هذا ما أعتقدته؟ تظنني سأقول، ولكنني لم أفعلها، أن أنشل أغراض الآخرين، حسناً، سوف لن أتفوه بذلك (بقيت فترة ساكتة)، لقد أنجررت الى فعل نفس الأشياء، أنا الأخرى، ولكنني لن أطلع أحداً على مافعلت، ماعدا الرب ياولدي، إن لم يكن قد أطلع عليها، يمكنك أن تستريح حالما أفرغ من أعداد شيء نأكله، كما يمكنك في هذه الأثناء تمرير المشط على شعرك لكي تبدو أكثر لطفاً.
بجانب النافذة، عند الزاوية، كان الموقد الغازي، وصندوق الثلج، نهضت مس جونز ووقفت قرب خصاص النافذة، وقد كفت عن محاولة مراقبة الصبي، أو منعه من الفرار، أو حتى مراقبة محفظتها الملقاة على الفراش، بيد أن الصبي أتخذ له مجلساً بعيداً، قرب الزاوية الأخرى من الغرفة، وقد أحس بأنها ستلمحه بطرف عينيها، لو أرادت أن تشك فيه، غير أنه كره أن لاتثق به، وأن تضعه الآن في موقع شبهة وأرتياب.
- ألا تحتاجين أحداً للذهاب خارجاً الى الدكان؟ ( تساءل الصبي) ربما لجلب الحليب أو أي شيء آخر؟
- لاتعتقد أنني سأكلف أحداً بذلك. (قالت المرأة) ومادمت تريد شيئاً حلواً، سأعمل لك شيئا ً من الكاكاو وسكر الحليب من هذه العلبة التي هنا.
- ذلك أفضل ( قال الصبي)
قامت بتسخين بعض الفاصولياء باللحمة، بعد أن أخرجتها من الصندوق المثلج، وعملت شيئاً من الكاكاو المغلي، ثم جلست بعد فراغها الى المنضدة، دون أن تسأله عن المكان الذي يعيش فيه، أو عن أهله، أو أي شيء آخر، ممكن أن يثير حفيظته، وبدلاً من ذلك، راحت تحدثه عن عملها في محل التجميل التابع للفندق الذي تشتغل فيه، حتى وقت متأخر من الليل، وطبيعة ذلك العمل، ونوعية الزبائن من النسوة اللواتي يرتدن المحل أثناء قدومهن ومغادرتهن، الشقراوات، وذوات الشعر الأحمر، والسمراوات، بعد ذلك قطعت له نصفاً من قطعة الكيك التي أشترتها بعشرة سنتات بيدها.
- خذ هذه يابني (قالت)
عندما فرغا من وجبتهما، نهضت المرأة وخاطبته قائلة، (الآن، خذ هذه الدولارات العشرة، وأشتر لك بها حذاءً من الجلد، ولكن في المرة القادمة لاتقترف خطأ سرقة محفظتي أو محافظ الآخرين، لأن الأحذية التي تأتي عن طريق الشيطان ستؤدي حتماً الى أحراق قدميك، والآن أسمح لي أن آخذ قسطاً من الراحة، واتمنى أن تفكر، من ألآن فصاعداً يابني بطريقة أخرى لنمط حياتك .
بعد قليل قادته عبر ممر الهول الخارجي ، وفتحت له الباب، (ليلة سعيدة، تصرف جيدا ياولدي) قالتها وهي تتكشف في نظرتها الطريق. أراد الولد ان يقول شيئاً، أكثر من
(شكراً سيدتي) الى مس لولا بيتس واشنتن جونز، لكنه لم يستطع أن ينبس ببنت شفة، فأكتفى بالأنحناء لها وهو يتطلع متلفتاً، خلفه، متوجهاً نحو الخلاء، وهي مازالت واقفة للأطمئنان عليه عند الشرفة، لكنه لم يتمالك نفسه وصاح ثانية (شكراً) قبل أن تقوم بأغلاق الباب للمرة الأخيرة، ولم ير أحدهما الآخر بعد ذاك أبداً.
*الولايات المتحدة الأمريكية
Ziam50@hotmail. com