ثقافات

رومانس أو قصة حب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قصة: وليام سارويان
ترجمة : زعيم الطائي

المؤلف:
ولد في كاليفورنيا من أبوين مهاجرين، وعاش في ميتم للأطفال بعد وفاة أبيه، قام بتعليم نفسه ذاتياً، وأشتغل بائع صحف وساعياً للبريد، قرر الكتابة بعد أن أطلعته أمه على كتابات تركها والده، ظهرت أقاصيصه المبكرة عام 1930، حققت مجموعته الأولى (أسمي آرام) مبيعات هائلة، ترجمت حال صدورها الى لغات عديدة، تلتها مجموعته (الشاب الجريء على الأرجوحة الطائرة) تدور معظم أحداث قصصه الساخرة التي أستمدها من حياته، بين الأطفال الأرمن الأمريكان في وادي سان جواكين، نال جائزة الأوسكار لأعداده سيناريو روايته (الكوميديا الأنسانية) للسينما، من وصاياه للكاتب الشاب (تنفس بعمق، وكل بأقصى ماتستطيع من شهية، نم نوماً عميقاً، وأضحك كالجحيم) كتب قصصاً ومقالات لاتحصى، وله مسرحيات عديدة، من أعماله (قلبي في الجبال، وقت لحياتك،مجنون في العائلة، عشاق الأغاني القديمة، وسويني بين الشجر).
المترجم


- هل تفضل الجلوس في هذه الجهة أم تلك؟ (سأله ذو الكاب الأحمر*).
- هممم.. (غمغم الشاب).
- هذا الركن مناسب جداً.
- أه... (قال الشاب) بالتأكيد.
ناول الرجل ذا الكاب الأحمر عملة (دايم)، تقبل الرجل العملة الصغيرة الناعمة، طوى معطف الشاب ثم وضعه فوق المقعد.
- بعضهم يفضلون هذا الجانب (قال) وآخرون يفضلون الجانب الآخر.
- ماذا؟ (قال الشاب) .
لم يعرف الرجل ذو الكاب الأحمر أن كان عليه المضي في أعطاء تفاصيل أكثر، حول الناس وكيف يفضلون أشياء بعينها، في مشاهدة المناظر الخارجية للقطار من أحد الجوانب، بينما البعض الآخر يحب التطلع نحو الجانبين على طول الطريق في المقاعد التي وجهتها أماماً أو خلفاً، متخذين المقاعد المتجهة الى الوراء، عادة من جهة الظل، وفي بعض الأحوال يفعلون العكس، فالنساء يجلسن في الأماكن المشمسة، حيث تكون ملائمة صحياً لأوقات القراءة، بينما تترى المشاهد من الأتجاه الأمامي. لكنه فكر أنه سيحتاج وقتاُ أطول لتوضيح كل شيء، خصوصاً كما يتبين في الحقيقة أنه لايشعر براحة وقد قضى أغلب صباحه بتمكن ضعيف في أعطاء أنطباع حسن بالأفضلية المقنعة لكل فرد وأرضائه بشكل كامل.
- أعني (قال) ليس هناك أفضل مما يرغبه المرء نفسه،كما أظن.
تصور الرجل أن الشاب يعمل موظفاً،في عطلة الأحد القصيرة، مستقلاً القطار من المدينة الكبرى الى المدينة الأصغر، ذاهباً وعائداً في اليوم نفسه،لكن الشيء الذي لم يفهمه،لماذا يبدو الشاب ساهما ً وضائعاً هكذا؟ أو بتعبير أصح ميت في الحياة، فالولد مازال فتياً، ومن المحتمل أنه لم يحصل على شهادة جامعية، كمعظم الشباب الذين يغادرون المدرسة العليا لأجل الألتحاق بعمل في أحد المكاتب، هنا وهناك، ربما لم يكن تجاوز الثالثة والعشرين من عمره بعد، وربما كان مغرماً بحب أمرأة ما، على أية حال، فكر الرجل ذو القبعة، الشاب يبدو كما لو أنه سيقع في الحب في أية لحظة، دون جدال، وفقاً لمظهره الحالم الحزين، وعلائم الهيام الكامنة فيه ورقته البادية في ألوان ملابسه وشعره المسترسل الطويل وجلدته الناعمة.
كاد الشاب أن يطلق عنفاً متيقظاً مما أنزعج له الرجل ذو الكاب الأحمر.
- أوه، (قال) أنا واقع في حالة من أحلام النهار.
هز أصابع يده اليمنى قرب رأسه، أو كما يتخيل البعض واحداً من أحلام نهاراتهم.
- هل أعطيتك بغشيشاً؟ (سأله).
دهش الرجل ذو الكاب الأحمر .
- أجل ياسيدي. (أجاب).
هز الشاب أصابع يده اليسرى أمام وجهه.
- دائماً، أنسى مافعلت،(قال بعد فترة صمت طويلة) - بعض الأحيان لسنوات، هل لك أن تخبرني كم أعطيتك؟
لم يستطع ذو الكاب الأحمر أستيعاب الأمر، فيما إذا كان الشاب مازحاً أو بغيته اللهو به، ليس مستحسناً فعل ذلك، فالرجل ليس أبن البارحة، لم يعطه الشاب غير الدايم، فأذا أدخله في معمعة من السخف في أنه سلمه مبلغاً كقطعة من فئة الخمسة دولارات ذهبية، فسيحمل القطعة النقدية بيده ويقول : كل ماأعطيتنيه، هذا الدايم.
- أعطيتني (دايم) واحد فقط. (قال)
- أنا آسف (قال الشاب) خذ ...
سلم الرجل قطعة دايم أخرى .
- شكراً ياسيدي،(قال الرجل).
- هل قلت شيئاً عندما أجتزنا الممر؟ تساءل الشاب .
- ليس مهماً، فقط كنت أتحدث عن الناس الذين يستهويهم جانب وآخرين غيره.
- أوه، (قال الشاب) هل هذا الجانب أحسن؟
- نعم (رد ذو الكاب الأحمر) أذا كنت بالطبع تفضل تفادي الشمس الساطعة.
- كلا (قال الشاب) أنا ممن يرغبون بأشراقة الشمس.
- كما أنه يوم جميل أيضاً (قال الرجل).
تطلع الشاب من خلف الشباك، لرؤية النهار لكنه لم يلمح سوى القطارات المتوقفة،ونظر كمن يريد أن يتعرف إن كان النهار حقاً كما وصفه.
- الشمس لاتدخل من هنا بسبب السقف (قال الرجل) لكن عاجلاً ما سيداهمك شعاعها ما أن يغادر القطار المكان. لقد شبع االناس منها في كاليفورنيا، تراهم ينتقلون الى الجوانب الأخرى، هل أنت من نيويورك؟
لم يكن هناك مايوحي بأن الشاب من نيويورك أو من أي مكان آخر، لكن الرجل بقي يتساءل مع نفسه من أي منطقة هو، لذا خاطبه بذلك.
- كلا، (قال الشاب) لم أغادر كاليفورنيا قط.
لم يكن ذو الكاب الأحمر في عجلة من أمره،اذا أخذنا بعين الأعتبار الحركة النشيطة التي عمت العربة بعد أندفاع الركاب الى الداخل،وقدوم ذوو الكابات الحمر للمساعدة في الحقائب، والخروج رغم ذلك بسرعة، لكنه كان متباطئاً مأخوذاً بالنقاش، وفتاة توقفت عند الممر راحت تتابع محاورتهما، حيث راحا معا يظهران لها، بطريقة أو بأخرى، أن محادثتهما شيقة تماماً، بين روحيين نقيتين، كونها تدور بين محطات مختلفة في الحياة، مفعمة بالمشاعر الأخوية بين شخصيتين أحداهما قادمة من الشرق والأخرى أمريكية.
- لم أغادر كاليفورنيا بتاتاً أنا الآخر. (قال ذو الكاب الأحمر).
- عليك أن تعرف أنك من النوع الذي تتهيأ له فرص أرحب بالسفر. (قال الشاب).
- نعم، كما قلت،(قال الرجل) فالعمل في القطارات أو على الأقل قريباً منها، قضيت معظم حياتي منذ كنت في الثامنة عشرة، حوالي ثلاثين سنة مضت من عمري، ولكنها الحقيقة، فلم أخطو خطوة واحدة خارج حدود هذه الولاية، بالرغم من أنني صادفت العديد من المسافرين، (أضاف قائلاً).
- سأتدبر الوصول الى نيويورك ذات يوم. (قال الشاب).
- لاألوم فتى مثلك طموحه الذهاب الى نيويورك (قال الرجل) فنيويورك من أمتع الأماكن من حولنا.
- أكبر مدن الدنيا .(قال الشاب).
- بالتأكيد هي كذلك (قال الرجل وهو ينوي الذهاب، بعدها أنسحب من مكانه رويداً، ثم أبتعد وقد بدت عليه علامات ندم قاهر.
- حسن (قال) أتمنى لك رحلة سعيدة .
- شكراً (قال الشاب).
غادر العربة، فتلهى الشاب بالنظر خارجاً من خلال النافذة، بعدها التفت بغتة في نفس الأثناء ليكتشف أن الفتاة التي تقف عند الممر كانت تحدق فيه، فأدار رأسه ناحية أخرى بشكل سريع. ومرة أخرى دون أن تؤثر حركته في مضايقتها، التفت مسرعاً حتى كاد يؤذي رقبته، ثم أعاد رأسه الى الوراء بعجل حيثما كان، قرب النافذة،متطلعاً الى الخارج، وقد راودته رغبة حارقة في أعادة عينيه نحو الفتاة، وبأحساس مدهش في الوقت نفسه بمعرفة النهاية منذ البدء، في عدة أوجه،كما يلاقي المرء أشخاصاً مثلها فيتزوج أحدهم، ويستقر معه في بيت واحد.
لم ينظر الى الفتاة ثانية، مع هذا، لبعض الوقت، رغم رغبته الزائدة في ذلك، لذا فما أن حانت منه ألتفاتة آخر الأمر، حتى ظهر عليه الخجل والأرتباك فأخذ يبتلع ريقه محاولاً جهده أن يرسم أبتسامة ضئيلة على وجهه بأعياء، حاولت الفتاة أيضاً فلم توفق هي الأخرى .
حدث ذلك بعد عشر دقائق من التحرك والأنتقال القلق كل لوحده، وقد أستدار القطار متخذاً طريقه بين السهول، باعثاً في أهتزازه البهجة الكامنة في النفوس كلما تقدم أكثر على طول الدرب، ناشراً الغبطة المرحة وأجواء الأحلام الرومانسية والفطرة. خصوصاً الأشياء البعيدة مثل اللقاء بها ومصاحبتها وملاطفتها والتعرف اليها شيئاً فشيئاً حتى يغرما ببعضهما.
أخذ ينظر أحدهما الآخر مرة ثانية لمدة سبع دقائق، وبعد مرور أربع دقائق أخرى، تطلعا لبعضهما بشكل ثابت، أثناء تظاهرهما بالنظر الى مناظر الريف الطبيعية عند الجانب الآخر، حتى أوقفا نظراتهما المتبادلة أخيراً في تحديق متواصل بالمناظر العابرة لوقت طويل، وأخيرأ تكلم الشاب:
- هل أنت من نيويورك؟
لم يدر مالذي قاله، شعر بسخافته، على خلاف فتى السينما في المشاهد المماثلة التي تحدث في القطارات.
- نعم، أنا منها. (قالت الفتاة).
- ماذا؟ (قال الشاب).
- أما سألتني إن كنت من نيويورك؟ (قالت الفتاة).
- أوه.. (قال الشاب) أجل قلته.
- حسن (ردت الفتاة)، أنا منها .
- لم أكن أعرف أنك من نيويورك.(قال الشاب).
- أعرف أنك لم تكن تعرف (أجابت الفتاة).
حاول الشاب جاهداً أن يبتسم كما في الصور.
- كيف عرفت؟
- أوه، لم أكن أعرف (قالت الفتاة) أأنت ذاهب الى ساكرمنتو؟
- نعم (قال الشاب) وأنت؟
- نعم أنا أيضاً (أجابت الفتاة).
- مالذي تفعلينه وأنت مبتعدة كل هذا البعد عن مسكنك؟ (سأل الشاب).
- لست ساكنة في نيويورك (قالت الفتاة) فقط ولدت فيها ، عشت في سان فرانسسيسكو أكثر سنوات حياتي.
- أنا أيضاً قضيت فيها أكثر عمري، (قال الشاب) أو بالأحرى عمري كله.
- عشت في سان فرانسسيسكو حياتي كلها تقريباً أنا الأخرى (قالت الفتاة) بأستثناء شهورقليلة أمضيتها في نيويورك.
- هل هذا كل الوقت الذي عشته في نيويورك؟ (أستفسر الشاب).
- نعم (قالت الفتاة) فقط الأشهر الخمسة الأولى مباشرة بعد ولادتي هناك.
- ولدت أنا في سان فرانسسيسكو، (قال الشاب) هناك غرف عديدة بمقعدين (خاطبها بجهد بالغ) أتحبين الجلوس هنا في الشمس؟
- حسناً (قالت الفتاة موافقة).
تخطت الممر وأتخذت مجلسها في الكرسي المقابل.
- فقط فكرت قضاء عطلة الأحد في ساكرمنتو.(قال الشاب).
- زرتها ثلاث مرات من قبل (قالت الفتاة).
بدأ الشاب يشعر بالحبور، صارت الشمس أكثر أشراقاً وأشد حرارة، لولا وجود ذلك الخطأ اللعين الذي سيفسد كل شيء، أو ماعدا أنه سيطرد من وظيفته صباح يوم الأثنين، ولو لم تدخل أمريكا حرباً يقاد اليها بعيداً كجندي فيقتل هناك من أجل لاسبب، لديه حدس أنه في يوم من الأيام سيعود الى عمله، ويتعرف بتلك الفتاة فيتزوجها، وسيقضيان بقية عمريهما معاً في حياة مستقرة.
أرخى جسده الى الخلف على الكرسي، متمدداً تحت الشمس المنيرة، بينما مضى القطار مجلجلاً في طريقه، وأرسل أبتسامة حالمة صوب الفتاة عند الممر.
،متهيئاً لخوض غمار قصة حب..

-------
cap * الكاب، كاسكيت ملون غطاء الرأس للعاملين في الخدمات.
كما يرتديه مزاولو بعض الألعاب الرياضية وأفراد الجيش.


Ziam50@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ماأحلاها
أليسا -

الله شو حلوي هالقصة

مممم
lgh; -

قصة مشوقة لكن انا طبعي رومنسية زيادة لو ان القصة كانت اطول وعرفنا مااذا كانت النهاية مثلما يحلم الشاب

قصة جميلة
ليلى -

قصة جميلة وممتعة، أجمل ما فيها انها بسيطة وبعيدة عن التكلف..أنا مولعة بقراءة ترجمات الكاتب زعيم الطائي، لغة جميلة، سلسة واختيارات جداً موفقة. تحياتي