غابرييلا ميسترال: قصيدتا نثر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الترجمة، من الإنجليزيّة، والتّقديم: تحسين الخطيب: كانت "غابرييلاّ ميسترال Gabriela Mistral" أوّل شاعرة أميركيّة لاتينيّة تفوز بجائزة نوبل في الأدب العام 1945. بدأت كتابة الشّعر أثناء عملها كمعلّمة في مدرسة القرية وبعد
في مديح الحجارة
حجارةٌ راكعةٌ، حجارةٌ تَسَّاقطُ في مواكبَ، وتلكَ التي لا ترغبُ في السّقوطِ أبداً، كثيرةَ سأمٍ، مثلَ قلبٍ، تصيرُ.
حجارةٌ تستريحُ على أكتافها كمحاربينَ موتى- مغلقةٌ بصمتٍ نقيٍّ، لا بضماداتٍ، جراحُها.
حجارةٌ تحملُ إيماءَاتٍ متناثرةً كأطفالٍ ضائعينَ: حاجبُ عينٍ على سلسلةِ الجبالِ الوعرةِ، كاحلٌ في مسطبةِ الحجرِ.
حجارةٌ ثقيلةٌ بنومٍ، غنيَّةٌ بأحلامٍ، كَحَبِّ فُلفلٍ يحرسُ روحاً صافيةً. واهناً، نعسانَ، كشجرةٍ حالاتٍ، بوحشيّةٍ يقبضُ الحجرُ على كنزِ الأحلامِ المُطْلَقِ.
حجارةٌ راكعةٌ، حجارةٌ مُتمازِجَةٌ، حجارةٌ تَسَّاقطُ في مواكبَ، وتلكَ التي لا ترغبُ في السّقوطِ أبداً، كثيرةَ سأمٍ، مثلَ قلبٍ، تصيرُ.
منذورةٌ لِعُنِقِ يعقوبَ شاهدةُ القبرِ، كَرَقْمٍ حجرُ الحِدَادِ، بلا خَجَلٍ، وَبلا أيِّ نَدَىً، كَرَقْمٍ، ليسَ إِلاَّ.
ليسَ غير جفنٍ عظيمٍ هُوَ الحجرُ الدّائريُّ، كطاعنٍ في العُمْرِ. القمّةُ المعقوفةُ لجبالِ الأَنْدِيزَ الغامضةِ- تلكَ الشّعلةُ التي لا ترقصُ- تَلَعْثَمَتْ، فجأةً، كَسَارَةَ زوجةِ لُوْطٍ. لَمْ تَشَإِ الأجابةَ حينَ، طفلةً، سألتُهَا، وَإِلى الآنَ لَمَّا تَزَلْ.
حجارةٌ تُومِضُ بالذّهبِ أوْ بالفضّةِ- التي فجأةً نَخَبَهَا النّحاسُ- أَجْفَلَها الاقتحامُ. حجارةٌ أَغْضَبَها لوزٌ مَعدِنِيٌّ كانَ سهاماً مُرَيَّشَةً لا تُرَى.
حجارةٌ راكعةٌ، حجارةٌ مُتمازِجَةٌ، حجارةٌ تركضُ في فيالِقَ أوْ حُشودٍ، ولا تَصِلُ إلى أيِّ مكانٍ.
حجارةُ نهرٍ عتيقٍ، مِنْ شواطِئَ زَلِقَةٍ، كالغرقَى- تحملُ النَّبَاتَ الذّابِلَ ذَاتَهُ الذي، راسخاً، يلتصِقُ بِشَعر الغَرقَى. غيرَ أنْ ثمّةَ حجارةٌ حَانِيَةٌ؛ تستطيعُ لَمْسَ المَسْلُوخِ جِلْدُدُ، دونَ أنْ تجرحَهُ. بِلِسَانٍ كالّذي لِأُمِّهِ تَمُرُّ على جسدهِ ولا تَتْعَبُ.
حجارةُ نهرٍ فَتِيٍّ الحَصَى المَرْسُومُ كَثِمَارٍ. بَلَى، يقدرُ أنْ يُغنِّيْ! مَرَّةً، وأنا في الخامسةِ، وضعتُهُ تحتَ وسادتي فَأَحْدَثَ ضجيجاً كَجَبلٍ من أطفالٍ صغارٍ يختنقونَ، أَوْ عَلَّهُ على الغناءِ تَنَاوَبَ، هُنَا وَهُنَاكَ، في قلبِ أحلامِيْ. كانَ سَيِّدَ النّهرِ: حَصَىً حَانِيَاً، طاعناً في العُمْرِ، جاءَ إلى مِلاءَاتِي وَلَعِبَ مَعِيْ.
بعضُ الحجارةِ لا ترغبُ أنْ تَصِيرَ شواهدَ قبورٍ أوْ ينابيعَ؛ تجتنبُ أَيَّ لَمْسٍ غريبٍ وترفضُ النَّقْشَ المُقْحَمَ كَيْ تَنبعِثَ إيماءاتُهَا، ذاتَ يومٍ، ولُغَتُهَا الفريدةُ.
حجارةٌ خرساءُ، وُهِبَتْ قلوبُهَا شَغَفَاً قد يَتَفَشَّى. لِئَلاّ تُقْلِقَ هَجْعَةَ لَوزِهَا المُتقلِّبِ تظلُّ ساكنةً: من أجلِ ذلكَ، ليسَ إِلاَّ.
التِّين
مُسَّنِيْ: إِنّها نعومةُ السَّاتَانِ الطّاهرِ؛ حينَ تَفتحُنِيْ، يَا لِوردةِ الفُجَاءَةِ! أَنَسِيْتَ عباءَةَ المَلِكِ السّوداءَ التي تحتها توهَّجَتْ حُمْرَةٌ؟
أُزْهِرُ فِيَّ لأَنْعَمَ بتحديقةٍ جُوّانِيَّةٍ، لِسبعةِ أيّامٍ، بِشِقِّ النَّفْسِ.
ثُمَّ، بِنُبْلٍ، وفي عناقٍ طويلٍ لضحكٍ كُنْغُولِيٍّ مَديدٍ، انفتحَ السّاتانُ.
لمْ يعرفِ الشّعراءُ لونَ اللّيلِ ولا التِّينَ الفلسطينيّ. ما نحنُ سوى الزُّرقةَ الأكثرَ عِتَقَاً؛ الزُّرقةَ المُتَّقِدَةَ التي بِغِنَىً تحشدُ نَفْسها لِتَوَهُّجِهَا.
وَإِذْ أَسكبُ أَزهاريَ المعصورةَ في يَدِكَ أَخلقُ مَرْجَاً قزماً لِبهجتكَ؛ أُمطركَ بِشَذَا المرجِ حتّى يغمرَ قدميكَ.
كلاّ. أتركُ الأزهارَ مَعقودةً: تُثيرُنِيْ؛ فَالوردةُ الهاجعةُ تعرفُ إحساسِيَ هذا.
أنا قلبُ وردةِ شارونَ، مجروحةً.
دَعْ تسبيحِيَ يكتمِلُ: آزَرْتُ الإغريقَ فَمَجّدُونِيَ أَقَلَّ مِن "جُوْنُوْ" التي لمْ تَهَبْهُم شيئاً.
التعليقات
يقظى وقلبها نائم
عبد الرحيم الخصار -من أجمل الكتب التي قرأت خلال الفترة الأخيرة مختارات شعرية لغابرييلا مسترال أعدها الشاعر العميق المتوحد في خلوته العالية حسب الشيخ جعفر كان حسب الشيخ جعفر يترجم النصوص مثل عاشق كبيرحتى أن صورة مسترال ظلت تشغل حيزا كبيرا من غرفتي ولا تزالما يجعل النصوص شاهقة أيضا تلك الحياة الكبيرة و التي عاشتها مسترال، حياة شجن.