ثقافات

ردّاً على إجابات الشَّاعر علي الشلاه حول ارتباك الشعر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الشاعر العزيز علي الشلاه،
تحية:
لم تلتبس هوية التجارب الشعرية العربية التي عاشت في الغرب بهوية الغرب، هذا التصريح يفتقر إلى الدقّة والموضوعية، صحيح تأثَّر بعض الشعراء بتجربة الغرب لكن هناك الكثير من الشعراء العرب والوافدين من العالم العربي لهم بصمتهم الخاصّة وأسلوبهم المميز كشعراء شرقيين بامتياز! لهذا لا يجوز أن نطلق أحكاماً عامة على تجارب مَن عاشوا في الغرب وكأنهم نسخ منبثقة من التجربة الغربية!
أنه من الضروري بمكان أن يمدَّ المثقف العربي عراقياً كان أم من أي قطر عربي آخر، يد العون والتواصل والتضامن مع أخيه العراقي في الداخل والخارج، لكن الغريب بالأمر أن تصرِّح بأنكَ اكتشفت أنَّ بعض الشعراء والأدباء العرب الذين يقيمون بالغرب يوهمون الغرب بأنهم الأهم في الشعر العربي، في حين أنهم مجرد أكاذيب!!
هذا التصريح من جانبك، غير دقيق وغير وارد أن يصدر من شخصية أكاديمية وشعرية! والسؤال، كيف اكتشفت أن تجربة وطروحات هؤلاء هي مجرد أكاذيب وأوهام؟!
إنْ طرحوا أنفسهم بالشكل الَّذي أشرتَ إليه غير وارد وغير دقيق، وردُّك عليهم بهذه الصيغة غير دقيق أيضاً! لأنهم بالنتيجة لهم تجربتهم وليسوا أكاذيب ولا أوهام!
إن ما قالته الشاعرة السويسرية إرما لاكوزا حول احجامها عن قراءة شعر العرب المقيمين في أوربا، ينمُّ على أن المختارات الشعرية المنشورة في الأنطولوجيات أو المترجمة والمنشورة عبر دواوين أو مجلات وما شابه ذلك، تدلُّ على أنها اختيارات غير موفَّقة، طالما كانت تجد فيما تقرأه، شعراً متأثراً بالتجربة الغربية أو كأنه شعر غربي، لهذا التساؤل المطروح هو: لماذا تم اختيار نصوص قريبة إلى النصوص الغربية إلى حد التماهي، وإلا لماذا تولّد احساس لدى إرما لاكوزا بعدم رغبتها بقراءة هكذا نصوص للشعراء العرب المقيمين في أوربا؟! وهل نصوص كل العرب المقيمين في أوربا مترجم بطريقة أدّت إلى الإحجام عن قراءتها، ولماذا أصلا تُترجم قصائد بعض الشعراء ويحجم عن بعضهم الأخر، وربما هذا الآخر المحجوب أفضل ممن تمّ ترجمته وضمّه إلى أنطولوجيات، إلى متى ستبقى الشلليات والمحسوبيات تطغى حتى على الأدب والإبداع؟!
هناك تساؤلات عديدة ممكن طرحها في هذا السياق، مَن هي الجهة، اللجنة، الهيئة المخوَّلة التي تختار قصائد هذا الشاعر دون ذاك، وهل هناك مسح فني للشعراء المنتشرين في أوربا، وكيف يتم هذا المسح الفني، أم أن القضية وما فيها لا تعدو عن علاقات شخصية بين هذا الشاعر أو ذاك وبالتالي يتم الاختيار بحسب مزاج هذا الشاعر أو ذاك أو بحسب العلاقات والصداقات المشوبة بالشللية، بعيداً عن المكانة الشعرية التي يستحقها الكثير ممن حجبت أسماؤهم ونصوصهم وظلوا في ظلال الغمام بعيداً عن دائرة الضوء؟! وهناك الكثير من الشعراء والشاعرات لا يجيدون فنون العلاقات مع هذه الجهة أو هذه الهيئة التي لها مكانتها وقراراتها في الاختيار وهم بالأساس لا يحبذون هكذا طرق للظهور، بل يكتفون بكتابة نصوصهم بعيداً عن كل هذه الشلليات والمحسوبيات!

تقول في سياق ردِّكَ على بعض الأسئلة، أنكَ تضطرُّّ أن تقرأ ما لا يقل عن عشرين شاعراً سنوياً، هم الشعراء الذين تختار منهم عشرة شعراء لمهرجان المتنبي الذي يجمع بين عشرة شعراء أوربيين، حيث تشير إلى أنك تقرأ مجمل الأعمال ثم تقرروا بعد ذلك أن تختاروا مَن سيتم ترجمتهم ومَن سيتم دعوتهم؟!
هل تقصد أنكَ تقرأ بمفردك وتقرِّر بعدئذٍ اختيار الشعراء، أم أن لديك لجنة مختصة بقراءة النصوص، ثم تختار اللجنة ما تراه الأفضل والأنسب؟!
إن كنتَ تقرأ النصوص والدواوين وحدك وتختار الأفضل مما تقرأه، فعلى أية أسس تعتمد، على تذوقكَ الشعري، أم على رؤيتك النقدية، وهل تكون رؤيتك واختياراتك مصيبة، ألا ترى يا صديقي أن هكذا طريقة في اختيار النصوص والشعراء هي طريقة غير موضوعية وغير حيادية، حيث من الممكن أن تجهل الكثير ممن لم تختَرهم أصلاً، ومن جهة أخرى فان اختيارك لمن هو أفضل من غيره ربما يكون اختياراً تذوقياً، فما تراه نصاً جيداً، ربما يراه ناقد آخر على عكس انطباعك، لهذا من الضروري أن يكون هناك لجنة متابعة اختيار وقراءة وانتقاء النصوص، كي تكون الرؤية شمولية وذات قراءات متعددة، لتحقيق الحد المقبول من موضوعية الاختيار!
وإذا كان هناك لجنة قراءة واختيار لهذه النصوص، أتساءل كيف تم تشكيل هذه اللجنة وكيف اختارت اللجنة الشعراء؟! وكيفما تكون طريقة الاختيار والقراءة، فإن هناك عشرات الشعراء والشاعرات في أوربا، لم تصلوا إليهم وربما هم أفضل من بعض من وقع اختياركم عليهم، لهذا يستحسن أن يكون هناك دقة موضوعية ورؤية شاملة في متابعة المسح الفني الشعري وبالتالي اختيار الافضل ما أمكن، كي لا تعزف الشاعرة الفلانية الغربية عن قراءة ما تختارونه لأنها تجد النصوص متأثرة كما قلنا بشعراء غربيين، فهناك عشرات الشعراء وفدوا من دنيا الشرق إلى الغرب، ولهم خصوصيتهم وبصمتهم وحضورهم وهم بعيدون عن مهرجان المتنبي وأنطولوجيات المعالي وانطولوجيات أخرى ربَّما في طريقها إلى النور!
أرى بكل أسف، أن أغلب المهرجانات العربية التي تقام في العالم العربي والغربي أيضاً، مهرجانات للدعاية والاعلام، ونادراً ما أجد أسماء بعض الشعراء غائبة، حيث تتكرر منذ عقود وسنين، فهي المتربعة على عرش هكذا مهرجانات! هذا إذا كان هناك عرشاً لهذه المهرجانات، لأنني أراها أقرب ما تكون إلى مهرجانات البهرجة والعرض، صحيح أن هناك الكثير من القامات الشعرية تساهم وتشارك فيها لكن ألا يوجد سوى تلك القامات، وأتساءل، ألا تملُّ تلك القامات من تطاول قاماتها، فهل تريد أن تصل إلى أربعة أمتار، لماذا لا يتم رفد المهرجانات سواء التي تُقام في الشرق أو في الغرب، بتجارب معاصرة جديدة، كي يصبح هناك تفاعلاً حضارياً بين كافة الأجيال كما هو الحال في أوربا وسائر بلاد العالم، أم أن عُقد وخلخلات سياساتنا تنعكس على الثقافة والأدب والفن والآداب الرفيعة؟!
أراك نادماً على دراسة الماجستير والدكتوراه، وأدهشني اشتراطكَ أن لا يكون الشاعر أكاديمياً، وما العيب أن يدرس الشاعر النظريات النقدية ويهضمها ويستوعبها؟ بالعكس تماماً، أنا أرى أن الشاعر عندما يقرأ هذه النظريات النقدية، ممكن أن يسبر أغوارها ومعالمها وتساعده في الولوج إلى أعماق براري الشعر وتخلق بالتالي مسارات جديدة غير مطروقة في عوالم الشعر، بعيداً عن التأثر بهذه النظريات، لأنه ليس من الضروري أن يقرأ الشاعر النظريات النقدية ويتقيَّد بها ويكتب بموجبها أو على غرارها، لأن الشاعر المبدع هو من يقرأ النظريات النقدية في الشعر والأدب وفي الكثير من مجالات الفكر ثم يحفر مساراً خاصاً به، ويلج عوالم فسيحة تخصه بعيداً عن أي تيار نقدي أو فكري، المبدع هو من يهضم نظريات الإبداع ويخلخلها في مراحل تجلياته الشعرية، لأن الشاعر عندما يكتب نصه لا يجوز إطلاقاً أن يصيغ نصه عبر مسارات وأطر فنية جاهزة أو محددة، وإلا لظل أسير رؤى ضيقة محفوفة بقيود تحد من آفاق الإبداع لهذا فمعرفة النظريات تساهم في تجاوزها عبر لحظة التجليات الشعرية، إلا إذا كان الشاعر الذي تتلمذ على النظريات النقدية أسير ما قرأ من رؤى نقدية، وبهذه الحالة أستطيع القول أن هكذا شاعر سواء قرأ النظريات النقدية أو لم يقرأها فهو محدود الأفق! ومن هذا المنظور أود التأكيد على أن الدراسات الأكاديمية والمدارس والنظريات النقدية تساهم في فتح آفاق المبدع على أي صعيد كان، وإلا فإن ظلَّ المبدع أسير عوالمه النقدية، مبدع قصير النظر سواء كان متخصصاً بهذه العوالم أو لم يكن!
وفي سياق ردِّك على أحد الأسئلة، أراك تشير إلى أن المترجمين وخصوصاً العرب منهم حكّموا مزاجهم الشعري بنقل التجربة إلى الآخر، لماذا أصلا نترك الأمر لهذا الشاعر أوذاك يقوم بهذه المهمة ولا تقوم بها جهات متخصصة بالترجمة ولها حضور عالمي وعربي وجهة مشهود لها بالحياد والموضوعية، ومسؤولة عن اختياراتها وترجماتها بحيث تعكس وتقدِّم أفضل ما لدينا من شعر وشعراء؟!
أوافقك الرأي أن صورة المشهد الشعري المقدمة للغرب، صورة مرتبكة ومكركبة أيضاً، لأنها كما أسفلتُ لم يتم تقديمها بشكل يليق بها، لا عبر الانطولوجيات ولا عبر الترجمات الأخرى ولا عبر المهرجانات، لهذا لا بدَّ من الوقوف مليّاً عند هذه المعضلة ونضع في الاعتبار تأسيس هيئات ومؤسسات خاصة بالترجمة ترعى وتهتم بهذا الجانب الهام من حياتنا المعاصرة، كي لا يظل إبداعنا الشعري مهمّشاً، فيهب واحد من هنا أو من هناك ويختار على مزاجه بعض الشعراء وينشرها على أنها انطولوجيا شعرية تمثل شعر حقبة من الزمن أو الشعر المعاصر، وهي ليست أكثر من مختارات مزاجية غالباً ما يكتنفها، كما قلتَ في نهاية ردِّكَ، علاقات الأصدقاء، وقد تكون هذه العلاقات بعيدة عن حفاوة الشعر والشعراء، فإلى متى سيظلُّ هذا الجانب الإبداعي الهام مهمّشاً ومهملاً ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين، قرن التواصل الكوني من خلال كبسة زر، فكيف بنا لو كبسنا آلاف الأزرار بدقة وموضوعية، ونقدِّم شعراءنا للعالم بطريقة تليق بتجليات إبداعهم الجامح وبمستجدات حضارة العصر؟!
أنْ لا تجد سعادة في أي لقب أكاديمي، إلا بلقب الشاعر، هذا ينم على جنوحكَ إلى عالم الشاعر، وإلى أنكَ كنتَ وستبقى شاعراً، لأن هذا الفضاء هو الذي يعانقُ روحك مهما عبرتَ عوالم النقد، لكن برأيي لا ما نع من أن تلج معارج النقد، إن وجدتَ أن النقد وسيلة أخرى من وسائل التعبير، لأننا نحتاج إلى النقد مثلما نحتاج إلى الشعر!
أجل، أن المشهد الشعري الذي يقرأه الألماني من خلال ما نشر بالألمانية عبر أربع أنطولوجيات، هو فعلاً نتاج مزاج المترجمين الذين ترجموا هذه الانطولوجيات، وبالتالي لا تعكس بدقة المشهد الشعري العربي، لهذا يجب أن يتصدَّى المهتمون بالأدب العربي والثقافة العربية والشعر العربي لهذا الأمر، وأن يؤسسوا مؤسسات خاصة بالترجمة من وإلى العربية، وباللغات الحية العالمية، لنقل الشعر العربي بكل مراحله وبكل تجاربه خاصة التجربة المعاصرة إلى اللغات العالمية لأنها ستكون منارة رحبة يطل عبرها القارئ الغربي، ناقداً كان أو شاعراً أو قارئاً متذوقاً للشعر والإبداع، ومن الضرورة بمكان أن نقدِّم المشهد الشعري العربي بكل تلاويينه ومجاييله وأجناسه في الوقت الراهن بطريقة تليق بالشعر والشعراء إلى الآخر الغربي، بحيث أن تكون الجهات التي تضع على عاتقها هذا الأمر جهات متخصصة ولها باع كبير في رصد التجارب على مختلف أجناسها ومراحلها، وإلا سيبقى الشعر العربي والإبداع العربي يتقدم إلى الغربي بشكل هامشي وخجول، باستثناء تجارب قليلة وغير كافية أن تمثل التجربة الشعرية الخلاقة، وكفانا نرصد مليارات الملايين من الدولارات في حروب فاشلة أودت بنا إلى بوَّابات الجحيم ولم نحصد منها سوى الفشل تلو الآخر، فلم يعد أمامنا سوى الشعر والأدب والفن والثقافة نقدِّمه للعالم وللغرب ولأنفسنا بشكل حضاري يليق بنا وبحضارة العصر وبحضارة الشرق التي كانت من أولى الحضارات على وجه الدنيا!

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف