ثقافات

جنديان (2/2)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قصة: وليام فولكنر ويليام فولكنر: جنديان(1/2)
ترجمة: زعيم الطائي

ملخص ماسبق:

يتبع ويللي الريفي الصغير، وهو في الثامنة من عمره، خطى شقيقه بيت الذي ذهب ليلتحق بمعسكرات الحرب منذ الليلة الماضية، هارباً من البيت دون علم والديه ، وبعد ليلة شاقة من المسير عبر الطريق الخارجي لمقاطعة " يوكناباتاوفا " تحمله قدماه الى مدينة جيفرسون، يصدف أن يلمحه شريف البلدة، ويقوده الى مقر أنطلاق الباصات، وماأن يغيب عنه لفترة، يقرر مغادرة المكتب بعد أن يطلبون منه أجرة السفر الى ممفيس حيث سيلحق بأخيه، يقرر السير الى هناك راجلاً، لكن مراقب المحطة يمنعه من الخروج . فيثور ويللي غاضباً..

الجزء الثاني والأخير

هرعت الى الباب، لكنه أمسكني، وضع أحدى يديه على طاولة التذاكر وبقفزة واحدة قبض على قميصي بيده الأخرى، أسرعت بحركة خاطفة بأخراج سكينة الجيب من ملابسي.
- تبعد يدك عني أو أستعملها (قلت).
حاولت تفاديه والركض الى الباب، لكنه لم يتحرك بسرعة كالكبار الذين رأيتهم، مثل بيت على الأقل، و قاطعني حائلاً بظهره مابيني والباب، رافعاً أحدى قدميه قليلاً، فلم يعد لي مجال للهرب، (عد هناك وأجلس على المصطبة) قال.
لم يترك لي مخرجاً، وبقي واقفاً عند الباب، لذا أضطررت للرجوع الى المصطبة، بعدها بدا المكتب ممتلئاً بالناس، وكان الشريف بينهم مرة أخرى، وأمرأتان بمعاطف فراء ووجوه مصبوغة، تسمروا كلهم هناك في أستعداد يقظ، المرأة الكبيرة والأخرى الصغيرة، أستمرتا بالتحديق.
- أنه لايملك جاكيتاً.(قالت الكبيرة) مالذي جعله يأتي وحيداً.
- أنا أسألك، (قال الشريف) لم أفهم منه سوى أن شقيقه في ممفيس ويريد أعادته.
- هذا صحيح (قلت) علي الوصول الى ممفيس اليوم.

- بالطبع يجب أن تصل (قالت الكبيرة) هل أنت متأكد أنك ستجد شقيقك حالما تصل هناك؟.
- أظن أنني سأقدر (قلت) أنه الأخ الوحيد الذي عرفته في حياتي، وأعتقد أنني سأتعرف عليه أيضاً لو رأيته مرة أخرى.
نظرت الي المرأة الكبيرة، (الظاهر أنه لايعيش هناك) قالت.
- من المحتمل أنه لايعيش هناك (قال الشريف)لايمكن القول مع ذلك أنه قد يعيش في مكان ما، عبر التلال أو غيره، فهم ينتشرون هناك هذه الأيام طول الليل حتى مجيىء الصباح، أولاداً وبنات، لو يأخذونها مشياً لبلغوا ميسوري أو تكساس، منذ البارحة، هذا كل مانعرفه، لكنه لايبدو متيقناً من وجود أخيه في ممفيس، كل ماعلينا فعله أن نرسله هناك ونتركه يقرر.
- نعم. (قالت الكبيرة).
جلست الشابة الى جواري على المصطبة وقد فتحت حقيبتها اليدوية، مخرجة قلم حبر وبضع وريقات.
- الآن، حبيبي (قالت الكبيرة) سنذهب لنرى أن كنت ستجد أخاك، ولكن علينا تعبئة فايل لملفك التأريخي أولاً، نريد معرفة أسمك، وأسم شقيقك، ومكان ولادتك، وأين توفي والداك؟
- لا، لست محتاجاً الى ملف تاريخي (قلت) كل ماأريده الوصول الى ممفيس اليوم.
- أرأيت؟ (قال الشريف، قالها وكأنه يتمتع بقولها) هذا ما حكيته لك.
- أنت محظوظ بمسز هابرشام (قال الرفيق) لاأعتقد عنده مسدساً، لكن بمقدوره أشهار سكينه بوجه أي واحد بسرعة فائقة.
لكن المرأة بقيت على وقفتها، وهي تطيل لي النظر.
- حسن (قالت) أنا في الحقيقة لاأعرف ماعلينا القيام به.
- أنا أعرف (قال الرفيق) سأعطيه تذكرة على حسابي، وأعتبره حامياً لباص الشركة من مثيري الشغب وقاطعي الطريق، وعندما يخبر مستر فوت هيئة مجلس المدينة، سيقدرونني بميدالية، هاي، مستر فوت؟
لكن أحداً لم يأبه لكلامه، وظلت المرأة الكبيرة تتطلع نحوي، حتى قالت (حسناً) للمرة الثانية، وأخرجت دولاراً من محفظتها ناولته الى الرفيق قاطع التذاكر.
- أعتقد أنه محسوب على أجرة الأطفال، اليس كذلك؟
- حسن أممم... (قال الرفيق) لاأعلم بالضبط ماذا تقول الأنظمة، سأطرد أن لم أرسله دون أشارة، لكنني سأقوم بالمجازفة.
بعدها خرجت المرأتان، بعدها جلب لي الشريف سندويتش، سلمه لي.
- متأكد أنك ستجد ذلك الأخ. (سألني).
- لدي قناعة أنني سألقاه (قلت) لأنني أن لم أر بيت أولاً، فسيراني هو، أنه أيضاً يعرفني.
بعدئذ غادرنا الشريف نهائياً، هو الآخر، فأكلت الساندويتش، وأقبل أناس آخرون، أبتاعوا التذاكر، حتى أعلن الرفيق أن وقت الأنطلاق قد حان، فصعدت الى الباص تماماً كما فعل بيت، وبدأنا الرحلة.
شاهدت المدن كلها، رأيتهن، وماأن أستمر الباص في السير، حتى وجدتني أضعف لسلطان النوم، لكن هنالك الكثير الذي لم أره من قبل، أجتزنا جيفرسون، وعبرنا حقولاً عديدة وغابات، بعدها وصلنا مدينة مليئة بالدكاكين والحانات والمحالج وصهاريج المياه، سرنا بموازاة خط السكة الحديدية فترة من الزمن، ورأيت أشارة اليد المتحركة، بعدها مررنا بمدن أخريات، فأضعفتني وطأة النوم، غير أنني بقيت متيقظاً حتى وصولنا مشارف ممفيس، بدت لي كأنها تمتد لأميال عديدة، أجتزنا رقعة من الأسواق والحوانيت، تصورت أنها كل شيء، لكن الباص لم يتوقف عن المسير، لكنها لم تكن ممفيس، فهي لم تأت بعد، وعدنا من جديد نتجاوز صهاريج الماء والمداخن العالية فوق الطواحين، والمحالج ومعامل النشارة، لم أعرف أبداً أنها بهذا العدد، ولابهذه الضخامة، فمن أين لها بالقطن الكافي والألواح لتثرمها؟ لاأدري.
بعدها لاحت لي ممفيس، أعرف أنني على صواب هذه المرة، رأيتها شامخة في الهواء، بدت كأنها دزينة من مدن أكبر من جيفرسون تجمعت على حافة حقل هائل، واقفة في الفضاء، تفوق بحجمها كل تلال مقاطعة " يوكناباتاوفا ". وماأن دخلناها حتى صار الباص يتوقف كل بضعة أقدام، كما يبدو لي، وكانت العربات المسرعة تمرق من الجانبين والشوارع مزدحمة بالناس في كل مكان في المدينة ذلك اليوم، حتى رحت أتساءل كيف تركوا كلهم المسيسبي دون أن تحرر لهم محاضر تأريخ كما أخبرني بائع التذاكر، أخيراً توقف الباص، كانت هناك محطة أخرى، أكبر من تلك التي في جفرسون، ماأن نزلت حتى قلت (حسن ٌ، أين يلتحق الناس بالجيش؟).
- ماذا؟ (قال الرفيق). فأعدت قولي (أين مكان ألتحاق الناس بالجيش؟).
- (أوه..) قال، ثم راح يحكي لي كيفية الوصول هناك، خفت بداية الأمر من وجودي في مدينة عملاقة كممفيس، حائراً مالذي سأفعله فيها، وهاأنذا هنا الآن، متجاوزاً
حشد السيارات المندفعة، شاقاً طريقي بين الجموع وسط الجلبة، فكرت، ليس طويلاً حتى يذهب هؤلاء الناس، وفكرت هل أتوا كلهم للألتحاق بالجيش أيضاً؟ سيلمحني بيت قبل أن أشاهده، لذا بقيت سائراً في كل مكان، لكنه لم يكن هناك.
حتى أنه ليس موجوداً، رأيت جندياً بأزرار كبيرة على كمه، يكتب في ورقة، وأثنان من الصحاب أمامه، مع أناس عديدين، بدوا لي يتجمعون حوله، على ماأذكر، أقتربت من الجندي المنهمك بالكتابة، وخاطبته.
- أخي بيت كراير، أين أجده؟
- ماذا؟ (قال الجندي) من؟
فأخبرته ثانية، (ألتحق بالجيش يوم أمس، سيتوجه الى بيرل هاربر، فهل أستطيع رؤيته، أين سأجده؟).الآن، أخذوا جميعاً يتطلعون نحوي، فلم أأبه لهم، (أخبرني، أين هو؟).
توقف الجندي عن الكتابة، واضعاً ذراعيه فوق المنضدة (أوه..) قال (هل أنت ذاهب أيضاً ، هاه!؟).
- نعم (قلت) يحتاجون الى ماء وخشب، أستطيع تقطيعه، هيا قل لي، أين بيت؟
نهض الجندي من مكانه (من أتى بك الى هنا؟) ثم قال (أذهب من هنا، أنصرف).
- اللعنة (قلت) الا تخبرني أين بيت؟
سأغلبه أن لم يكن بسرعة الرفيق في مكتب الباص، فلم يقفز على المنضدة وأنما أستدار من حولها، هجم علي بشكل مباغت، فلم أملك الا قليل وقت للتراجع مستلاً مديتي، وما أن فتحتها حتى أصبته، فأطلق صيحة، وهو يتقهقر ويمسك يده بالثانية، حيث وقف يشتم ويصرخ.
أمسكني أحدهم من الجانب، لوحت بسكينتي لكنها لم تصله، فأمسكني أثنان من كلا الجانبين، عندها أقبل الجندي الآخر من الباب الخلفي، كان عنده جعبة ربطت بحزام على كتفه، (ماهذا؟).
- ذلك الولد الصغير جرحني بالسكين (صرخ الجندي الأول) حينما نطق ذلك كنت أحاول الهجوم عليه ثانية، لكن الأثنين أحكما قبضتيهما، أثنان ضد واحد، فقال الجندي ذو الجعبة الأضافية (توقف عندك ياصاحبي وأرم سكينك، لاأحد منا يحمل سلاحاً، فالرجل لايقاتل الناس العزل بمديته) أصغيت اليه، فصوته يشبه صوت بيت حينما يكلمني (دعوه وشأنه) قال لهم فأطلقا سراحي (الآن، لم كل هذه المشكلة؟) فحكيت له (رأيت) قال (وأنت، تعال لكي نعرف أن كان موجوداً قبل أن يغادر).
- كلا، (قلت) أنا أتيت لكي...
لكنه أستدار الى الجندي الأول الذي ربط منديلاً حول ذراعه، (أريد أن تعثر عليه) قال، رجع الجندي الأول الى المنضدة، ونظر في عدة أوراق (أنه مسجل يوم أمس. أرسل مع المجموعة التي غادرت هذا الصباح الى " لتل روك ") رأيت ساعة على معصمه، أخذ ينظر اليها، (تحرك القطار قبل خمسين دقيقة، أنا أعرف أبناء الأرياف فهم مايزالون يتسكعون في المحطة).
- أجلبه الى هنا (قال ذو الجعبة) خابر المحطة، قل لمسؤول الخدمة أن يعطه كاسكيتة، وأنت تعال معي) قال.
كان هناك مكتب آخر الى جوار الأول، زود بمنضدة واحدة وكراس قليلة، جلسنا هناك بينما كان الجندي يدخن، ولم تمض غير فترة قصيرة، تعرفت وقع خطوات بيت حالاً، حالما سمعتها، بعدها فتح الجندي الأول الباب، فرأيت بيت داخلاً، لم يكن مرتدياً ملابس عسكرية، بدا كما تركته صباح البارحة وهو يستقل الباص، فقط تراءى لي أنها مرت على الأقل كأنها أسبوع، فقد حدثت أثناءها حوادث كثيرة، سافرت خلالها عدة أسفار، لقد أتى وهاهو الآن معي، نظر الي كما لو أنه لم يغادر بيته أبداً، ماعدا كوننا الآن في ممفيس، في الطريق الى بيرل هاربر.
- مالذي تفعله هنا بحق الجحيم؟ (قال).
أخبرته (تحتاج الى خشب وماء للطبخ، أستطيع تقطيعه لك وتجهيزه).
- لا..(قال) سترجع الى المنزل .
- كلا، يابيت (قلت) علي الذهاب أنا أيضاً، لقد أوجعوا قلبي، يابيت.
- لا (قال بيت ناظراً الى الجندي) لاأعرف مالذي حصل له، أيها الضابط (قال) أنه لم يعتد على أحد بسكين طيلة عمره.
نظر الي (لم فعلت ذلك؟).
- لاأعرف (قلت) فقط أردت أن أأتي هنا، فقط أردت أن ألقاك.
- حسناً، لاتفعلها ثانية، أتسمعني؟ (قال بيت) ضع السكين في جيبك وأحتفظ به هناك، أذا سمعت مرة أنك أعتديت على أحد، سأعود من أي مكان أكون فيه، وأطلق عليك النار، أتسمعني؟
(سأقطع رقابهم لو أعادوك لتبقى) قلت (بيت) قلت (بيت).
- (كلا) قال بيت، لقد خفت حدة صوته وسرعته الآن، أصبح هادئاً، فعرفت أنني لن أستطيع تغيير رأيه (يجب أن تعود الى البيت، عليك رعاية ماو، أعتمد عليك بالأعتناء بأفدنتي العشرة، أريدك أن ترجع الى البيت هذا اليوم، هل سمعت؟
- سمعت (أجبته).
- أيستطيع الرجوع لوحده؟ (قال الجندي).
- لقد جاء هنا لوحده (قال بيت).
- أستطيع العودة، كما أعتقد (قلت) أنا أعيش في مكان واحد لاأظنه قد تغير.
أخرج بيت دولاراً من جيبه، سلمه لي (ستشتري بهذا تذكرة مباشرة الى صندوق بريدنا) قال، (أريدك أن تنتبه للضابط، سيأخذك الى موقف الباص، عد الى البيت وأهتم بماو وأفدنتي العشرة، وأترك تلك السكين اللعينة في جيبك، أتسمعني).
- نعم، بيت (قلت).
- حسناً (قال بيت) الآن علي الذهاب، (وضع يده على رأسي من جديد، لكنه لم يضغط عنقي هذه المرة، مربتاً على شعري لدقيقة، ، ولاأعرف ما إذا أنحنى وقتها وقبلني أم لا، فبقيت أسمع وقع خطواته وأغلاقة الباب، فلم أعد لرفع رأسي، وهذا كل شيء، بقيت متسمراً في مكاني، أتلمس موضع قبلة بيت، أنطرح الجندي على كرسيه، الى الوراء، ناظراً عبر النافذة وهو يسعل، مد يده الى جيبه وناولني شيئاً، دون أن يلتفت، كانت قطعة علكة.
- أشكرك جداً (قلت) حسن، من الأفضل أن أعود، العودة أسلم لي.
- أنتظر (قال الجندي، بعدها أخذ يتلفن، فقلت ثانية (من الأفضل أن أعود)، فقال ثانية (أنتظر، أتذكر مالذي أخبرك بيت؟).
لذا رحنا ننتظر، عندها رأيت أمرأة جديدة تدخل، كبيرة هي الأخرى، بمعطف فرو، أيضاً، جاءت مبتسمة، ليس لديها قلم حبر، ولاملف تأريخي، ماأن دخلت حتى نهض الجندي من مكانه، أخذت تنظر فيما حولها مسرعة حتى لمحتني، وأقتربت واضعة يدها فوق كتفي، برقة ولين، كما كانت تفعل ماو.
- تعال معي (قالت) لنذهب الى البيت لتناول الطعام.
- لا.. (قلت) علي أن آخذ الباص الى جيفرسون.
- أعرف، لدينا كثير من الوقت، سنذهب الى البيت ونتناول الغداء أولاً.
كانت لديها عربة، وهانحن الآن وسط السيارات الأخرى، لكننا أدنى من مستوى الباص، وكان الناس قريبين مني، فلو كنت أعرفهم لتكلمت معهم، بعد فترة توقفت بنا العربة، (هنا..!) قالت، نظرت الى البيت الضخم، أذا كان هذا بيتها، فلابد لها عائلة كبيرة، ولم يكن كذلك، أجتزنا الهول، الذي نمت فيه الأشجار، وتوجهنا الى غرفة صغيرة، ليس فيها أحد غير زنجي يرتدي بزة نظيفة، لامعة تفوق تلك التي يرتديها بقية الجنود. أغلق الزنجي الباب، فصحت متذمراً(أنظرعندك) ثم سكت، كان أمراً عادياً، فالغرفة الصغيرة أرتفعت بنا فقط ثم توقفت، وأنفتح الباب، فوجدنا أنفسنا في الهول الآخر، فتحت السيدة الباب ودخلنا، كان هناك جندي واقف، بشرائط ملونة مع طائرين فضيين فوق أكتافه.
- هانحن هنا (قالت السيدة) هذا الكولونيل ماك كيلوج، الآن ماذا تحب أن تأكل؟
- أظن أنني سآخذ فقط بيضاً وقطعة هام وقهوة) قلت.
تناولت التلفون وهي واقفة (قهوة) قالت (متى بدأت التعود على القهوة؟).
- لاأعرف (قلت) أظن قبل أن تكون لي القدرة على التذكر.
- بلغت حوالي الثامنة، أليس كذلك؟ (قالت).
- لا (قلت) تجاوزت الثامنة بعشرة شهور، سأدخل في الشهر الحادي عشر.
خابرت بعدها، وجلسنا هناك أتحدث لهم عن بيت الذي تركنا ذلك الصباح للذهاب الى بيرل هاربور وكيف فكرت أن أتبعه، لكن علي العودة الى البيت من أجل الأم والأعتناء بالأفدنة العشرة. قالت أن لهم ولداً بمثل حجمي أيضاً، أرسلوه الى المدرسة في الشرق، بعدها أقبل زنجي آخر، يرتدي معطفاً قصيراً، يدفع أمامه عربة صغيرة عليها قطعة اللحم والبيض وكوباً من الحليب وقطعة كيك الباي بالفاكهة أيضاً، أعتقدت أنني جائع، ولكن ماأن وضعت اللقمة الأولى بفمي، حتى أحسست بعدم قدرتي على أبتلاعها، فنهضت مسرعاً.
- يجب أن أذهب(أخبرتهم).
- أنتظر (قالت).
- يجب أن أذهب (قلت).
- دقيقة واحدة (خاطبتني) لقد خابرت من أجل عربة، ستكون هنا خلال دقائق، ألا تستطيع شرب الحليب على الأقل، أو بعض قهوتك؟
- كلا (قلت) لست جائعاً، سآكل حالما أصل بيتنا، عندها رن جرس التلفون، لكنها لم تجب.
- هاهنا (قالت) العربة وصلت.
فنزلنا تلك الغرفة الصغيرة المتحركة بصحبة الزنجي ذي البزة، هذه المرة كانت سيارة كبيرة يقودها عسكري، جلست في المقدمة معه، ناولت الجندي دولاراً (ربما سيجوع في الطريق) قالت (حاول أن تجد له مكاناً ملائماً).
- أوكي، مسز ماك كيلوج (قال الجندي).
بعدها أتخذنا طريق العودة مرة أخرى، الآن بدأت ممفيس تغيب عن ناظري، وتلتمع في الشمس المتوهجة، بينما كنا ندور من حولها، والشيء الأول الذي عرفته، رجوعنا الى نفس الطريق الخارجي الذي سار عليه الباص ذلك الصباح - رقعة الحوانيت، والمحالج والطواحين. وممفيس تبتعد ميلاً بعد ميل، فصارت تبدو لي كما رأيتها لاول مرة عند البداية، راحت تختفي رويداً بين الحقول والغابات، وتبتعد مسرعة، وماعدا وجود ذلك الجندي، كأنني لم أكن فيها بالمرة، زادت سرعتنا الآن، بهذا المعدل سنصل البيت قبل الموعد الذي توقعته، تصورت نفسي راكباً بصحبة فرنسي متجمعاً هنا في العربة الكبيرة التي يقودها الجندي، فشرعت فجأة بالنشيج، لم أستطع الثبات، ولم أقدر على التوقف.
كنت غارقاً في البكاء، بينما أنا جالس هناك الى جوار الجندي، والسيارة تنطلق بأقصى ماتستطيع من السرعة، ناهبة بنا الطريق .


Ziam50@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من الروائع الأدبية
ماجد - أستراليا -

لولاك لما قرأنا هذه القصة ياصديقي ،كان عليك أن تضع لنا ثبتاً كملحق بلغة أهل الجنوب حتى نعرف الفرق ويكون ذا فائدة أكبر ،ونحن في أنتظار جديدك المفاجىء دائماً .ورحم الله فولكنر الخالد .