قراءة في شامة ليل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي: منذ سنوات تجاوزت العشرة قرأت ديوانه (قبل الحرب بعد الحرب) فأدهشني حسه الراقي باللغة وصفاء ونقاء رؤيته، فكتبت عنه دراسة نشرتها وقتها بمجلة البيان التي يصدرها اتحاد الكتاب في الكويت، والآن يأتي إليّ ديوانه (شامة ليل) متوهجا بنفس الدهشة،
كل مفاتيحك التي جربتها.. تثلّمت
كل أبوابك التي طرقتها.. صدتني
كل همساتك التي أسمعتني
نسيت وقع أنفاسي
شبابيك التي لوّحت لي
عيونك التي صعّدت قامتي
بحارك التي ملحت راحتى
سفنك التي شتّتت جزري
حقولك التي قلمت طفولتي
ها أنذا أراها
من ثقب الباب
تسهر قرب روحي
ليلة إثر ليلة
ويقول:
شامتك القديمة
الباقية هناك منذ سنين
كم غفت وحيدة
قرب حائط الكلس
لربما جاء أحد ما
من أغنية قديمة
وأيقظتها ذات ليل..
الأمر الثاني في هذا الديوان تراوح التجربة بين زمانين زمن الطفولة الذي يحن إليه الشاعر بحثا عن أحاسيس نقية وصافية وبريئة من خلال ذكرياته، ويمكن التدليل علي ذلك بأكثر من نص في الديوان، وزمن يدخله أو دخله بالفعل وهو الآني والمستقبلي حيث يبدو إحساس الشاعر بالعمر عاليا دون أن يكشف عن ذلك الزمن صراحة ولكنه يتجلي واضحا في قلقه وصراعه مع مفردات حياته، وأيضا في مقابلته بين الزمنين الطفولي والآني المستقبلي، يقول:
كلما تقابلنا
عيوننا خارج الزمان
مائدتنا غريبة كمهاجر آسيوي
علي الأطراف
يتساقط منها الوقت
ويموت علي حوافها
عشب حدائق الصباح.
ويقول في قصيدته (عطرها):
العطر الذي تركته
علي مخدتي
كان كافيا
لأحلم بعودتك
كل يوم
لتمشّطي وحدة أيامي
أيامي التي تسيل
نعاسا علي دروب
الضجر..
وقوله:
كأس ماء قرب السرير
مساحين الزوجة
قبل النوم
لفائف الشعر
الأغطية السميكة
لجسدين أنهكهما النهار
أغطية بيضاء
تليق بمنتصف العمر
نصف كأس ماء قرب السرير
أيضا من الملفت في هذا الديوان هو هذه القدرة الفائقة للشاعر علي تشكيل صورة بثراء بصري وسمعي وحسي وذوقي جامعة بين تقنيات الصورة التراثية والحداثية، حيث تتمتع الصورة بالحركة والحيوية والقُدرةٍ على الانزياح بالمدلولات عن دَوَالِّها، صورة يمكن تلمسها وتحسس روحها وجسدها دون أن تفقد عطاءها الدلالي والموسيقي والجمالي.
هذه الصورة ليست منفصلة عن طزاجة اللغة وحميمية مفرداتها، ولا عن حميمية الأماكن والأزمنة، ولا عن توترات الشاعر وأحلامه، لذا هي تمثل خصوصية النص كاملا يقول الشاعر:
ياسمينها
ياسمينك مرّ بالباب
عندما كنت أطرق حوائط البيت
بحثا عن شال يرفّ خلف حديقتك
حيث يجتمع الغرباء
بثيابهم الضيقة
وقبعاتهم المخرمة
يلوحون لظلال ثيابك
خلف النافذة.
ويبقي النص مفتوحا قابلا للعطاء الدلالي والجمالي والفني عبر الدرس النقدي.
ديوان: شامة ليل
الشاعر: حسين درويش
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
الطبعة الأولي ديسمبر 2007