مسرحية غومبروفيتش: "زواج" بالعربية لأول مرة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وأمام هذه الصعوبات :"قررت استعمال بعض التعابير العامية المعروفة تماماًً في المشرق العربي، وخشية ألا تكون معروفة في بلدان المغرب العربي فقد قررت أن أصيغها بالفصحى واضعاًً إياها بين قوسين كي يتسنى للقارئ المغاربي أن يفهمها ويصوغها في ذهنه كما يشاء في لهجته وكذلك للمخرجين إن أرادوا يوماً عرض المسرحية كي يتسنى لهم إبدال العامية الشرقية بمغاربية". غومبروفيتش والمسرح: في عام 1933 وهو العام الذي ظهر فيه أول كتاب له في وارسو(مذكرات من مرحلة المراهقة) وبداياته النقدية، أخذ يهتم بالمسرح، فقد كتب أثناء عنايته بوالده المريض أولى مسرحياته (إيفونا أميرة بورغوندا) والتي نشرت في مجلة (سكاماندر) البولندية عام 1938، دون أن تثير اهتمام الأوساط المسرحية في وارسو. وبعد عشرين عاماًً أعيد نشرها في وارسو. وهذه المسرحية تروي قصة أمير يريد التمرد على العادات السائدة في قصره وأن يسيطر على غرائزه التي تقيدها الرسميات والشكليات فيقرر الزواج بفتاة تعيسة، خجولة، غير جميلة لا تفقه شيئاًً بالاتكيت الملكي، ومن عامة الشعب اسمها "إيفونا" لكن القصر يلفظها. وتكون النتيجة مأسوية تنتهي بقتل "إيفونا"، لأن القصر بجموده وشكلياته يرفض كل ماهو شخصي أو ذاتي.
أما المسرحية الثالثة فهي "أوبريت" التي كتبها عام 1958 وصدرت بالبولندية عن "المعهد الأدبي" في باريس عام 1966، ثم نشرت بالفرنسية عام 1969. يصور الكاتب فيها حركة سقوط الأنظمة الدكتاتورية لتنتهي المسرحية بشكل من الأشكال نهاية سعيدة تنبئ بمستقبل مشرق للبشرية.
أول عرض مسرحي لأعمال غومبروفيتش كان في عام 1958 حيث قدم (المسرح الدرامي) في وارسو مسرحية "إيفونا أميرة بورغوندا". وفي عام 1964 قدم المخرج الأرجنتيني جورج لافيللي عرضاًً لمسرحية "زواج" على مسرح (ركامييه) في باريس. وفي العام التالي أخرج جورج لافيللي في باريس مسرحية "إيفونا أميرة بورغوندا"، وقــام المخرج السويدي ألف شيوبرغ بتقديم "زواج" و"إيفونا أميرة بورغوندا" على المسرح الملكي في ستوكهولم في عامي 1965 و1966. وبفضل النجاح الذي حققته مسرحياته إضافة إلى مؤلفاته المترجمة والمنشورة، بدأ غومروفيتش يحصل على التقدير والشهرة في أوروبا والولايات المتحدة. وبعد وفاته في عام 1969 فإن أعماله المسرحية أخذت طريقها الى أهم المسارح في العالم، وقام باخراجها أشهر المخرجين من أمثال السويدي إنغمار برغمان الذي عرض مسرحية "إيفونا أميرة بورغوندا" في ستوكهولم عام 1995 والتي كانت آخر أعماله المسرحية. ومنذ عام 2004 وبرامج المسارح البولندية والأوروبية تكاد لا تخلو من عروض مسرحيات غومبروفيتش الثلاث. ففي يوم 23 من هذا الشهر/اكتوبر/ سيبدأ في ستوكهولم عرض مسرحية "زواج" من إخراج السويدي نيلس بولتي ضمن مهرجان غومبروفيتش الذي سيستمر حتى العام القادم تحت إشراف المركز البولندي في العاصمة السويدية ومسرح (تورتآترين ). وحسب المعلومات الواردة من مصر، من المؤمل أن تعرض مسرحية "زواج" في أحد المسارح الطليعية في القاهرة خلال الموسم المسرحي /2009/ 2010.
مسرح غومبروفيتش مليء بالنبلاء والملوك والأمراء على عكس أعماله الأدبية الأخرى، وهذا الشيء يوحي بأنه اراد أن يستلهم من المسرح الشكسبيري في أعماله الدرامية. فمسرحية "زواج" تذكرنا بمسرحيات شكسبير وخاصة "هاملت " و"الملك لير" و"ماكبث ". هنريك بطل المسرحية هو هاملت وقد قذف به في عالم غير عالم شكسبير ولكنه ليس غريباً عنه تماماً. و" زواج" هي مسرحية تصيغ الحلم لغوياًً فهي حلم وفي الحلم بيت، ووالدان وخطيبة تحت الاحتلال الشيء الذي يقلق هنريك، وهم في الوقت نفسه يتطهرون، الشيء الذي يتوق اليه هنريك. غير ان البعض يرى أن فواجو صديق هنريك يمثل هنريك الشاب، وموت فواجو هو رمز لموت هنريك الشاب. وقد يكون بيت هنريك الذي تحول الى ماخور رمزاً إلى بولندا وطنه. وبشكل عام فإن أغلب شخوص المسرحية هي أصوات تمثل شخصية هنريك، وتجسد ما يختلج في نفسه بل أن هنريك بحد ذاته شخصية من بنات أحلامه لأنه في الوقت الذي يحلم فيه فإنه يعلم أنه يحلم. وهي تشكل أساساًً لتداعيات قد تكون عبثية أحياناًً بل قد تخرج عن الشكل ولكنها تبقى محكومة بمنطق يسيّرها.
ويرقى التظاهر أو التمثيل المستمر بين الناس الى مصاف الشعائر. فنحن أمام قوة خلاقة لإيماءة أو كلمة قد تأخذ طابعا ً قدسيا ً وسحريا ً، وهو الشيء الذي نجده في مسرحية "زواج " فحركة من بطل المسرحية "هنريك " تحول صاحب الماخور الى حاكم، والأب الى ملك، والخادمة المعهورة الى عذراء طاهرة. فالشكل إذا ً يظهر في مجال العلاقات البشرية بشكل رئيس وهو يؤدي في النتيجة الى نسبية الإنسان. فقد أكون نبيلا ً تجاه شخص، ونذيلا ً تجاه الآخر، ومن هنا يمكننا القول : "إنني أصنع أو أنتج من قبل الآخرين".
وغومبروفيتش لاينكر على الإنسان سعيه الى الأصالة والابتعاد عن الزيف ولكنه ينفي امكانية التوصل الى ذلك. لأنه في لعبة وتمثيل دائمين. هي اللعبة إذا ً لعبة المرايا والأقنعة، فإن أزلت قناعا ً وجدت تحته قناعا ً آخر. لذلك لا يحاول غومبروفيتش إزالة هذه الأقنعة ليظهر الإنسان على طبيعته. انه السجن الكبير للشكل الذي نحاول جاهدين أن نتخلص منه دون جدوى. فإذا طرحنا عن أنفسنا الحركات والإشارات والتعابير التي نختفي خلفها سوف لن يبقى منا شيء على الإطلاق. الشكل كما يفهمه غومبروفيتش هو مجموع الوسائل للتعبير عن ذواتنا بكلمة، أو فكرة أو اشارة أو قرارات نتخذها أو أعمال نقوم بها. الشكل هو الثوب الذي نرتديه كي نستر عرينا المخجل.. نحن إذا ً أمام تناقض طبيعي بين الأصالة والشكل والذي تجسده مسرحية " أوبريت " حيث التناقض الواضح بين العُري والتستر بالثياب. في صالة العرض: تتكون مسرحية "زواج" من ثلاثة فصول، في الفصل الاول :أمامنا الجندي البولندي هنريك في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية وهو يحلم ببيته في بولندا ووالديه. وفي هذا الحلم يظهر البيت وكأنه تحول الى خمارة، وأن أبويه أصبحا ساقيين فيها.. يدرك هنريك بصعوبة أن خادمة الخمارة هي خطيبته مانيا. وفجأة يدخل سكير على رأس مجموعة من السكيرين ويحاول أن يتحرش بمانيا فيمنعه الأب، فيبدأ السكير حينها باضطهاده. لكن الأب يصرخ وهو في حالة رعب، أنه ذو حصانة ولايمكن مسه، فيصرخ السكيرون بأنه ذو حصانة كالملك. عندها يركع هنريك أمام أبيه بعد أن تشبع بحالة من حالات الجلال والعظمة. وفي اللحظة التي يقَدم فيها هنريك شعائر الولاء لأبيه، يعلن أنه ذو حصانة. والحصانة هذه تمنع السكير من لمسه، وبهذا يستطيع أن يتجنب اضطهاده. وهنا تبدأ مشاعرهنريك تضعف تجاه أبيه، فيقترح عليه أبوه الاتفاق التالي : أنت تعترف بي ملكاً، وأنا وبفضل سلطاتي الملكية سأرد لخطيبتك - العذراء- شرفها ونقاوتها اللذين فقدتهما في الخمارة. سأحولها الى عذراء ذات حصانة، وسآمر بزفكما "زفافا ً لائقاً" يقدس ويطهر من كل شيء.
في الفصل الثالث: يظهرهنريك كطاغية، ويعد لزواجه وعندما يفهم أن الناس يرفعون الانسان إلى كائن متعال ويسلحونه بالسلطة، بل ويحولونه الى إله، عندها يقرر إكراه رعيته بأن تضخ فيه الألوهية عن طريق التقديس والطاعة ليتمكن من منح نفسه بركة الزواج ويكون زواجه مقدساًً حقاًً يعيد الطهارة والبتولة الى خطيبته. ولكن الغيرة تضعف كيانه.. ويعمل الوالدان على تأجيج نيران الشك في قلبه انتقاماًً منه بسبب الاضطهاد والتعذيب. وفي هذه الحالة لايستطيع أي شيء أن يعيده الى هدوئه وقوته سوى موت فواجو. ولكي يكون موت فواجو تأكيداًً نهائياًً للسلطة الملكية، فإن على فواجو أن يقتل نفسه بأمر من هنريك. وفعلا ً يسر هنريك لـفواجو بهذه الفكرة، وهو يعلم أنها ليست مسألة جدية. وفي اللحظة الحاسمة التي يريد فيها هنريك تزويج نفسه، وبسبب عذاباته وتأنيب ضميره وغيرته، يبدأ بالانهيار أمام ضربات السكير الذي جدد حربه. وفي هذه اللحظة نرى جثة فواجو: لقد انتحر الصديق لكي يحقق إرادة الطاغية.
في المشهد الأخير من هذا الفصل يقف هنريك إلى جانب أمه ويصيح : "عبثاًً أريد أن أخرج من ذاتي اليكم.. سجين أنا.. رغم براءتي ماذا أردت أن أقول؟.. حين أقف هنا هكذا وأتكلم.. أريد أن تلمسني من أياديكم.
(يضع الحراس الذين يقفون خلفه أياديهم على كتفه)
لحظة.. هذا ليس كل شيء.. إذا كان قد تم القبض علي هنا.. لترتفع اذاًً فعلتي هناك بعيداًً (يرفعون جسد فواجو) وتحركوا مع هذا المارش الجنائزي ".
الزواج الذي أراده هنريك لنفسه في هذا الفصل الأخير من المسرحية ماهو إلا نتيجة لفكرته القائلة إن الله لم يخلق الانسان، بل الانسان خلق الله. ولذلك فان الزواج يتم في كنيسة دنيوية كبديل للكنيسة الربانية. وبشكل عام ينصح غومبروفيتش النقاد والمشاهدين ألا يغرقوا في تفسيرات عميقة وعقيمة، وينصحهم أن يفهموا السطح قبل أن يغوصوا في العمق، وعليهم أن يربطوا بين السطح والعمق. وبطريقته الساخرة يقول: "نعم هناك ميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) ولكننا يجب أن نبدأ من الفيزيقا (الطبيعة)".
مراجع إضافية :
M. P. Markowski:Czarny* nurt. Gombrowicz,Swiat,Literatura,krakow2004.Kazimierz Glaz :Gombrowicz w Vence, Krakow1989. *
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الى دار حوار والمترجم
أشرف حسن -شكرا لأحمد حسين على هذه المتابعة الممتعة..وأنا من المهتمين بأدب أوربا الشرقية وكتابها فهل هذه المسرحية موجودة في سوق الكتب في القاهرة أم هناك طريق آخر للحصول عليها.
معلومة للسيد أشرف حس
جورج يعقوب -بالحقيقة هذا ليس تعليقاً إنما معلومة للسيد أشرف حسن بإمكانك الحصول على مسرحية " زواج" من السفارة البولندية في القاهرة وإذا تعذّر ذلك أرجو أن ترسل عنوانك لأرسلها .