قناع من الساحل الغربي: تجربة روائية لانحراف حجاب
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
العشق قدَرُ الإنسان في هذه الحياة.. والعاشق غالباً لا يختار قدره ولا محبوبته، بل تأتي بها رياح الأقدار فتضعها أمامه في مصادفة جميلة أو موقف مُحرج أو نظرة عابرة تتبعها خاطرة ثم بادرة تنتهي بغرام ٍ قد يحمل نهاية طبيعية أو - وهو الغالب - ينتهي هذا العشق بمأساة عاطفية للطرفين أو لأحدهما تستمر معهما فترات طويلة قد تهدم جزءاً كبيراً من الجوانب العاطفية عند هؤلاء العشاق.. أو ضحايا العشق!
"قناع من الساحل الغربي" تجربة روائية مستوحاة من قصة حقيقية.. قصة تحمل معان وتجارب.. قصة تختفي وراءها رغبات وسقطات وضغوط وأحلام وآلام وآمال.. قصة خلّفت وراءها ضحايا جلدتهم بأسواط القدر، فاهتزت عواطفهم وانكسرت خواطرهم وغزاهم ألم الإحباط، فمالوا حيث كان الثبات خياراً!! لم أختر كتابة هذه القصة، ولست بصاحبها.. ولم أستمتع بسرد تفاصيلها أو سماع أحداثها.. وليس لي منها إلاّ حظ حروفها.. ويبقى الأسى لصاحبها الحقيقي الذي هدمت أحداث هذه القصة قيماً كان يؤمن بها وأحلاماً كان يعيشها وصوراً يعشقها.. تلك القيم التي جعلته يرى تلك الفتاة ملاكاً تتقازم عنده ملائكة! ليس للإثارة مكان في هذه القصة.. ولا تعنينا الأسماء بقدر ما تعنينا الأحداث.. وليس هناك جلاد.. بل مجموعة ضحايا.. ضحايا الأقدار!.. الذين أجادوا أداء أدوراهم.. رغباتهم.. نزواتهم.. بعدها نالوا أجورهم وغادروا أرض المسرح دون أن يدفعوا ثمن أخطائهم، ليأتي بعدهم لاعبون آخرون ليرسموا بقية الصورة.. فتزداد معهم تلك الصورة بشاعة وتمرد!.. وينحرف الحجاب لينحر ما تبقى من عفاف!! أحداث هذه القصة وقعت في مكان ما في الولايات المتحدة.. أبطالها لازالوا يتنفسون هواءها ويعيشون تحت سمائها.. قصة جمعت بين اثنين!.. فتاة غرست فيها ظروف الحياة بذور التمرد والانحراف.. وشاب أحب الحياة من خلال عيون تلك الفتاة، فقتلت هي تلك الحياة!.. وهناك أطراف أخرى شاركت في أدوار البطولة.. البطولة الزائفة التي كانت أدوات نجوميتها عبثا وغفلة وابتزازا.. ابتزاز المشاعر واستغلال الحقائق واللعب على أوتار العاطفة وإدمان الاستغفال والجري وراء الأوهام والمتعة الحرام! لقد أسقطت هذه القصة ذلك الملاك من عرشه.. سقط يبحث عن الأمل!.. عن السعادة خلف أحزان الحياة.. خلف قضبان الندم!.. سقط يجري واهماً، يضحك من ضحايا القدر!.. يبكي يائساً تحت أنوار القمر.. كالطير يرقص مذبوحاً من الألم!!
هذه التجربة الروائية مكونة من عدة فصول.. كل فصل ٍ منها يتحدث عن جانب من جوانب هذه القصة.. وفي كل فصل أحداث جديرة بالتوقف عندها والتفكر في أسبابها وتداعياتها.. ويحوي كل فصل تفاصيل عميقة وحوارات مثيرة نكتشف من وراءها طبيعة شخصيات هذه القصة، والقلق الذي يعيش فيه بعضهم والاضطراب الذي يتملك آخرون!! (خليل اليحيا)
قناع من الساحل الغربي: تجربة روائية لانحراف حجاب
لحظة الحقيقة
قابلني (هو) بابتسامة باهتة تعلوها كآبة ويُغلفها حزن عميق.. سألته: ما الذي حدث؟.. ولماذا هذا الحزن الذي لم أعرفك به من قبل؟.. أشاح بوجهه عني وتنهد تنهيدة كادت روحه أنْ تخرج معها.. أدركت حينها أنه إنْ لم يكن موت عزيز فهو إذاً عشق دفين لأنني أعرف صاحبي جيداً.. استنطقته فما نطق!.. استحلفته فما همس!.. أيقنت أنّ الإلحاح لن يُجدي وأنّ الاستجداء لن يُفيد.. تركته وجلست بجانبه أترم بأبيات من قصيدة غزلية لعلها تستفزه للكلام.. وفي لحظة صمت قصيرة، قال: لقد انتهى كل شئ!.. قلت: هكذا هي الحياة!.. أكمل: لقد ذهبت وأخذت معها روحي وأحلامي، وتركتني أسيراً للهَمّ والحزن والشك!!.. التفت ُ إليه قائلاً: إذاً هو العشق؟.. قال نعم لكنه لم يعد كذلك.. وهنا كان يتوجب عليّ الصمت لأدع له ساحة الكلام.. فما خاب ظني وأكمل (هو) قائلاً: لقد أحببتها حُباً نسيت نفسي معه وضحيت بها لأجلها!.. لقد كانت هي كل شئ في حياتي.. كانت هي أنفاسي.. وكانت هي سمعي وبصري ومصدر إلهامي ومستودع أسراري.. كان صوتها لحناً يُطربني وكان حديثها شعراً يأسرني وكانت رؤيتها حُلماً يستهويني.. كان اسمها من أحب الأسماء إليّ وكانت أخلاقها هي الأنموذج بالنسبة لي!.. كنت مأسوراً بجمالها وذكائها وحشمتها.. وكنت مبهوراً بجديتها مع خفة دمها وحيويتها ونشاطها.. ثم صمت (هو) قليلاً أتبع هذا الصمت بتنهيدة أخرى عميقة، ثم أضاف قائلاً: ولكن لكل شئ نهاية، وبعد كل حلم جميل يقظة!.. قلت مُستفهماً: ما لذي حدث؟.. هنا كانت الدموع هي الإجابة التي حصلت عليها، فقد كان صاحبي يبكي كالطفل اليتيم الذي فقد والديه في غفلة من زمن ٍ بائس لا يشعر معه الإنسان بالاطمئنان أو الأمان!.. كُنّا وقتها في سيارتي، فجعلت الحديث لآيات من القرآن الكريم قد تحمل معها شيئاً من الطمأنينة وراحة البال.. هدأ صاحبي وأنصت يستمع للقرآن، وأنصت ُ معه.. توقفت حينها عند إحدى محطات البنزين متذرعاً بحاجة السيارة لبعض الوقود، وكنت راغباً في أن أدعه مع نفسه لبعض الوقت لعل قطرات ٍ من دموع الحزن ومياه الهوى لم تخرج حياءً وخجلاً تجد مُتنفساً أثناء غيابي!.. بعد دقائق عُدت للسيارة ومعي بعض العصائر والمياه الغازية وشيئاً من المأكولات الخفيفة تكفي للقيام برحلة قصيرة على إحدى الطرق السريعة!.. وجدت صاحبي على صمته وهدوئه وهو يستمع للقرآن الكريم.. انطلقنا باتجاه إحدى المُدن القريبة من مدينتنا، هُنا بادرني صاحبي متوتراً وطالباً الاستدارة والسير بالاتجاه الأخر!.. نفذت طلبه دون استفهام، فالرحلة له، وليس لي مآرب في تلك المدينة التي استفزته!.. لكني أدركت وقتها أنّ ثَمة أمر خلف هذا التوتر!.. لم أكن لحُوحاً بالكلام ولم أكن شُغوفاً بالإطلاع على الأسرار ولذا مارست هوايتي المُفضلة في هذه الأوقات وهي الصمت، ولعل نسمات الهواء العليل والمناظر الطبيعية الجميلة على الطريق السريع تفتح شهية صاحبي لاستكمال حديثة والغوص أكثر في تفاصيل حزنه وأنينه!.. طلب صاحبي المكلوم أن نتوقف عند إحدى الهضاب التي تكسوها خضرة جميلة تفتح النفس وتريح النظر وتملأ الرئتين بأكسجين الحياة الخالي من تلوث المدن وصخب الحياة فيها ونفاق الناس فوق أرضها.. تباطأت في خطواتي لأدع له حرية اختيار المكان الذي يناسبه.. توقف (هو) عند منطقة جميلة في هذه الهضبة الخضراء تسمح بالنظر للمدينة التي انطلقنا منها.. أخذ صاحبي يُحدق النظر في تلك المدينة وكأن سكاكين الشوق تُقطع أوصاله وأهات القهر تعبث بأفكاره!!.. نظر إليّ صاحبي وقال: هل جربت الحب؟.. قلت نعم ولكن ليس بمفهومه الدارج.. قال كيف: قلت: جربت الحب بمفهومه التقليدي حيث أحببت بعد أن ارتبطت.. قال: آه كم أغبطك.. قلت: ولِم؟.. قال: على الأقل تملك قلب محبوبتك وروحها.. قلت له: أفهم من هذا انك خسرت قلب محبوبتك؟.. قال: هي من خسر قلبي وحناني.. قلت: ولماذا إذاً كل هذا الحزن؟.. قال: لازلت أفتقدها وافتقد روحها وابتسامتها وهمسات صوتها!!.. هنا بدأت عيناه تغرقان بقطرات من دمع يكاد يحرق عينيه الحائرتين بألف علامة استفهام!.. هدّأت من روعه قليلاً وقلت له: لقد انتهى الأمر ولا يجب أن تعيش في الماضي فهو لن يجلب لك سوى الأسى والألم.. عليك أن تنظر للأمام وتحلم بالمستقبل، فقصتك تجربة عاشها الكثيرون وسيعشيها آخرون فلا تُرهق نفسك وأعصابك كثيراً.. نظر (هو) للشمس وهي تتجه إلى مسكنها وتختبئ خلف الغيوم لتشرق في أجزاء أخرى من عالم آخر!.. أطلق حينها شهقة من أنفاس ٍ لم تعد تخرج بسهولة وقال: كمْ يقتلني منظر هذا الغروب!.. إنه يذكرني كثيراً بها حيث اعتدت على لقائها والاستمتاع بالحب الشريف معها وسماع صوتها، بل وإلى بكائها أحياناً وأنينها!.. قلت له: لست أفهم!.. طالما أحببتها كل هذا الحب فلماذا هذا الفراق؟.. قال: إنه قدرنا الذي كُتب علينا!.. قلت: وهل من سبيل للرجوع!.. قال ليس بعد الخيانة رجوع ولا بعد الكذب والاستغفال حب!.. قلت: هل أفهم أنها قد خانتك مع أحد؟.. قال: ليس واحداً أو اثنين، بل أكثر!.. قلت إذاً هي لا تستحق مشاعرك ولا حتى قطرات ٍ من دمع العين!.. قال: وماذا عن مشاعري التي تحطمت، وعن أحاسيسي التي تبعثرت، وعن أوقاتي التي ضاعت معها!.. بل وماذا عن شكوكي التي زادت تجاه كل أنثى!.. لقد تلاعبت بمشاعري وتاجرت بعواطفي واستغلت عشقي لها لتلسعني أكثر بسمومها وتستفزني بجنونها وتقتلني بحماقاتها ونزواتها!.. قلت له: لعلك أسرفت في سوء الظن بها، ولعل غيرتك عليها وعشقك الكبير لها قد أعمى بصيرتك تجاهها وربما تكون قد ظلمتها!.. قال: سرها قد انكشف وسيرتها قد انفضحت وسلوكها أصبح حديث ذلك المجلس!.. قلت له والدهشة تأسرني والفضول بدأ يتملكني: سترك يا رب، وكيف هذا؟.. بدا صاحبي حينها كمن اعتراه مسّ من جنون أو نوبة صرع مزمن لا دواء له أو شفاء!.. فقد كان يبكي بكاء ملدوغا أصابته سموم أفعى تطلب الراحة من تراكم تلك السموم في جسدها!!.. أخذت صاحبي سِنة من نوم من أثر الإرهاق ثم أفاق.. وقال: دعنـي أطــرح علــيك قضـيتي بكـل تفاصيـلها وأسـرارها.. بكـل أسمائـها وألآمـها وأحزانـها.. بكـل أماكنـها وأزمانـها وأيامـها.. بكـل أبعادها وألفاظـها.. لتعلـم حجـم مصيبـتي وعدالـة قضيـتي لفتاة كانـت ملاكـاً فتحولـت إلـى شيـطان تعـبث به شياطـين!، وجسـدٌ تعـبث به سكاكـين!، وشـرف ٌ مُستـباح لرجـال ٍ وأشـباه رجـال!!
قناع من الساحل الغربي: تجربة روائية لانحراف حجاب
(حنـان) .. من تكون!
لا يوجد تصنيف يستوعب (حنان) أو يتعامل مع غموضها وأكاذيبها ورغباتها!.. فهي تنجح كثيراً في أن تبقى خارج نطاق أيّ تصنيف!.. لا تنجح التوقعات معها ولا تفلح الاجتهادات.. عليك أن تكون جندياً مخلصاً في منظومة حماقاتها، وإلاّ فالجزاء هو الإعدام!.. والطرد من رحمة وجودها وجنة قربها!.. تلك الجنة التي تستنزف وجودك وتستهلك مواردك وتستفز عواطفك!.. ثم بعدها ترميك لتستدرج آخر يُرضي غرور تناقضاتها ويتغزل في همسات أنينها وصمت صراخها، ليقع بعدها (الآخر) في الفخ المرسوم ويكون رقماً في دفتر علاقاتها!.. وتاريخاً يسود أكثر صفحات عفافها وانحراف حجابها!.. إنها تحلم دائماً أن تلعب دور ملكة النحل حيث تجري ليلهث خلفها الشباب فتستميلهم بدهائها لترمي أملاً خادعاً لا يناله احد من أولئك العابثين!.. فكلاهما يعبث بالأخر.. كلاهما يبحث عن متعة الوقت! تعيش (حنان) غربة قاتلة!.. تعيش صراعاً مع نفسها ومع شهواتها!.. تعيش قلقاً على مستقبلها وألماً من حاضرها ورعباً من ماضيها الذي يلاحقها!.. تعيش تناقضاً عميقاً مابين حجابها الذي يستر جسدها أمام الناس ومابين رغباتها التي تصطاد من خلالها الشباب أو تُصاد في الغرف المظلمة ومن خلف شاشات الكمبيوتر!.. هذه الرغبات التي تدفعها لأن تكون ضحية بإرادتها وتهورها وغبائها!.. فهي تعبث كثيراً لتدفع دائماً ثمن عبثها من أخلاقها وأعصابها وسمعتها.. يهرب منها الأخلاء حينما تظن أنها قد ملكتهم.. وتتمنع حينما يعاملونها كملكة!.. ومع هذا المعادلة من الكر والفر، تعيش (حنان) ضغوطاً نفسية وعصبية تجعلها تبكي حينما تعانق فراشها وتتلحف بغطائها، لكنها تملك القوة لأن تنهض مع شروق الشمس فتمسح تلك الدموع وتمضي في برنامج حياتها، وفي عبثها! وكأن تلك الدموع التي ذرفتها ليلاً لم تُبلل ذلك الفراش الذي يشهد على حجم القلق النفسي والفراغ العاطفي الذي تملكه (حنان)! (حنان) ليست جلاداً بالفطرة!.. إنها ضحية الظروف!.. ضحية الطفولة البائسة وحنان الأبوة الغائب!.. هي ضحية القدر.. واعتداء ذلك المحرم!.. لقد صنعت الأحداث من (حنان) جلاداً في صورة ملاك رفض إلاّ أن يكون شيطاناً!.. فقد كانت ملاكاً يملك كل خصائص الملائكية.. وكانت مُدللة!.. وكانت تضع تاج مملكتها على رأسها من خلال حجابها، فتنازلت عن هذا العرش ونزعت التاج وارتضت العيش في الظل مع طيور الأحلام وخفافيش الظلام!
يتبع
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف