ثقافة المواطنية في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع طائفي، تُعد من أعقد الأمور لا سيما في الدول التي تشهد تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا كلبنان والعراق..، فالتصوّر السائد عن الطائفية فيها يُعد مكمن الفساد، لأنه يُكرس مفهوم أن الطائفية داخل الدولة هي انعكاس للطائفية داخل المجتمع، وعلى الأفراد القبول بالتعايش داخل الدولة مع ممارسات طائفية عديدة، الأمر الذي أدَّى مع مرور الوقت إلى شرعنة قيام الدولة الطائفية نفسها، بوصفها حتميّة اجتماعية أو تعبيرًا عن خصوصية محلّية لا يمكن التجاوز عنها، من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه اقتسام غير عادل للسلطة والثروة المرتبطة بها.
هذه المعطيات أفرزت حكومات تخلَّت عن مسؤولياتها في بناء دولة حديثة حقيقية قوامها مفهوم الحق والقانون، وأصبح دورها محصورًا في تقاسم السلطة بين نخب الطوائف وأرباب الكراسي والعشائر القائمة، كما أدّى إلى رفع الممارسات الطائفية عن طاولة النقد واصبحت "الطائفية " ذلك "اللاهوت المحرم" الذي ينبغي ألا نقترب منه، وهذا التصور وَحَّد تمامًا بين منطق عمل الدولة ومنطق عمل المجتمع الأهلي، ملغيا بذلك أي إمكانية لبناء دولة سياسية ديموقراطية.لذلك يجد المحلل نفسه أمام إشكالية معقدة ومركبة ومتشعبة في آن، فمعالجة موضوع المواطنية يرتبط قبل كل شيئ بمسألة الهوية عند الكائن الانساني نفسه والخلفية الثقافية والحضارية، كما يرتبط بالديمقراطية والحريات من جهة أخرى.
وكثيرا ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية و وجود طوائف ومذاهب، وفي واقع الأمر لا يوجد اي تناقض بين المواطنية والطوائف شرط توسيع المجال العام والقضايا المشتركة و توحيد الهمّ والأهداف الوطنية وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوءالسلبي على الاختلافات الثقافية، لأن تعدد الثقافات يثري التجربة الإنسانية، فالمواطنية طرح يحتوي الطوائف والتيارات الفكرية جميعها و يتجاوزها في آن من خلال توسيع مجال المشترك العام بين ابناء الوطن الواحد.لذلك فإن عملية تكوين المواطنية الحقيقية في مجتمع متعدد، تبدأ من إيجاد صيغة ثقافية وتربوية قائمة على أسس فلسفية إنسانية تؤدي الى صهر الطوائف في بوتقة الوطن الواحد دون تلغي دور الأديان في حياة الأفراد، او ان تمس بالحريات الفردية للأشخاص.فالطائفية السياسية هي ليست مجرد شعور عدائي لأفراد من طائفة نحو طائفة أخرى، بل هي أيضًا استراتيجية موازية تستخدمها بعض فئات النخبة السياسية في التنافس على السلطة أو سياسة منهجية تتبعها سلطة معينة في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية شعبية او إثنية أو مذهبية تعزز مواقعها الاستراتيجية وهو ما تعمد إليه "الأحزاب الطائفية المؤدلجة في لبنان "لتكريس الطائفية كحتمية اجتماعية وتاريخية لا ترد.
ويزعم"ملوك الطوائف" اليوم أنهم يريديون تطبيق اتفاق الطائف، بالرغم من ان اتفاق الطائف ليس "مقدسًّا " وبالرغم من أنه كرّس التمثيل الطائفي في الفئات الأولى، فاتفاق الطائف يطالب ب" إلغاء الطائفية "وفق صيغة نُقلت إلى الدستور اللبناني بعد تعديله بناءً على مضمون وثيقة الوفاق الوطني.
وذلك عبر المادة 95 من الدستور التي ورد فيها:" إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى من الموظفين وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأ الاختصاص والكفاءة".
و في المادّة نفسها ورد ايضًا: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية". هذه الهيئة لم تشكَّل حتّى الآن، و هذه النصوص لم توضع موضع التطبيق بعد اكثر من سبعة عشر عامًا على إعلان اتفاق الطائف، وفي هذا مخالفة للدستورمع العلم أنه كان من الواجب تشكيلها من اوائل التسعينيات وكان بالامكان تجاوز الحالة الطائفية واعتبار هذه الهيئة مرجعية و منبراً للحوار المنتظم في كل شأن وطني، وتسخير السياسات التربوية والانمائية لها. الديموقراطية والمواطنية الحرة في ظل المتغيرات العصرية:
ساهمت القفزة النوعيّة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال السريع، الى زعزعة ممالك الأنظمة الشمولية التوتاليتارية المنتشرة في العالم لا سيما العربي منه، وفتحت الأفاق أمام الشعوب في الاطلاع على المعلومات كافّة بما فيها السياسية بطبيعة الحال، فلم تعد الأنظمة الرسمية هي مصدر المعلومات الوحيد، بل على العكس فإن وكالات الانباء الرسمية في هذه الانظمة لم تعد تلقى أي متابعة شعبية على الاطلاق.من ناحية ثانية فإن الطفرات الإقتصادية العالمية الأخيرة جعلت من المتعذر على السلطة المركزية أن تبقى المخطط الوحيد للرعية ما لم يشارك هؤلاء او لم يشعروا بأنهم معنيون بخطط التنمية وهو ما يُعرف بقوة التمكين Empowerment أو Capacitation؛ إذن فالمتغيرات العصرية تفرض اليوم على الدول خيار الديموقراطية المنبنية على مواطنية حرّة.
إضافة الى أمر غاية في الأهمية وربما تعد قضية محورية في الموضوع، وهي أن المواطنية هي جهاز مناعة الدول بالدرجة الأولى والطائفية السياسية هي الفيروس المدمر لها، فعندما يكون الولاء السياسي لرعايا دولة ما للطائفة على حساب الوطن فإن التدخلات الأجنبية في السياسة الخارجية ستأخذ مداها الدراماتيكي، وستؤدي الى انفراط عقد الدولة نفسها التي تتحول الى ممالك هشة تتلاعب بها القوى الاقليمية وتتحول الى ساحة لتصارع النفوذ الدولي على ساحتها.
مكونات المواطنية وعوائقها في المجتمع الطائفي:
أركان المواطنية ومكوناتها:
يمكن ان نستخلص العلاقات المكونة للمواطنية ونحصرها بنقاط أهمها:
bull;العلاقة المكانية: المرتبطة بالأبعاد الجغرافية والتاريخية للوطن.
bull;العلاقة الإنسانية المجتمعية: المتعلقة بالأفراد الذين يعيشون في هذه البقعة الجغرافية.
bull;العلاقة بالسلطة التي ترعى الشؤون العامة في هذا المكان ومع هؤلاء الرعايا الذين ينتمون ويعيشون فيه.
وبالرغم من أهمية العلاقات تلك الا ان المكون الأساسي للمواطنية يبقى مكونًّا فكريًّا قبل كل شيئ يرتكز في الخلفية الذهنية المنغرزة في اللاوعي المجتمعي.
ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:
bull;المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية لذلك فهي مرتبطة بالديموقراطية الفعلية قبل كل شيئ.
bull;أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها.
bull;يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و وفق معايير المواثيق الدولية.أمام العناصر والمعطيات الآنفة الذكر نجد ان هناك خلالا فادحًا وفاضحًا، في بنية الأنظمة القائمة فالمواطن الحالي "غير تامّ"، سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية والعلاقات.
فالسلطة في مجتمعاتنا الطائفية العنصرية منبع قيم سلبي، والمواطن حاليًّا لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير والقوانين مفصّلة على مقاس "المسؤول"...لذلك فإن الاصلاحات الدستورية ووضع قانون إنتخابات عادل يؤدي الى ديموقراطية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وأطياف الشعب كافة تعد من أولى الأولويات. اما على صعيد العلاقة الحالية بين المواطن بالسلطة فهي علاقة مأزومة تاريخيا، ومفهوم المعارضة مرتبط في الاذهان بالطامعين، وهو مفهوم خاطئ، علما ان المعارضة في الدول العصرية لا علاقة لها بالطمع على السلطة، فالمعارضة في الدول الحديثة هي جزء من مكونات المنظومة الديموقراطية والعمل المؤسساتي الذي يضمن الحق القانوني للمواطن بالمسائلة والمحاسبة على المشاريع التي تتبناها الحكومة، ومعالجة قضايا الرشوة والهدر والفساد.. فالمعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة مرتبط بالتداول أصلا ولا وجود لسلطة ابدية. بعض الاجراءات العملية: بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وفوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال " توبة " تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها وان يضمن ذلك الدستور كما اقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات. ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافة ديمقراطية ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة بالمعنى العام فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن... وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد الناس على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات..لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب"الزعيم " او "ولي الأمر"..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية..وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى. فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية.فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون "الدين " هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر - بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه...ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية...في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات.إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس التي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك...
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف بل أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف. محاربة التعصب:
التعصب هو ترجمة لاتجاه شعوري نفسي جامد تصاحبه مواقف انفعالية، ويتبلور من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، والادعاء المبرم بامتلاك الحقائق المطلقة؛ والتعصب نقيض الديمقراطية وآفة المواطنية لأنه شعور مرَضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
فالوضع السياسي والثقافي القائم حاليًّا،يساهم في اشاعة مناخات نفسية مشحونة بالبغضاء تجاه "عدو" او اعداء قد يكونوا حقيقين او مُتخَيلين، وترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول.
وكثيرًا ما يتعلم الأطفال التعصب من ذويهم والمجتمع المحيط فيهم، فالفضائيات التي تنقل خطابات الساسة المتشنجة وحين لا نبدي احترامًا للأفراد ولاختيارات الآخرين، ينتقل هذا الأمر الى الاطفال فيشوّه براءتهم.
ترسيخ فلسفة الصفح والتسامح
إن الصفح ليس فكرة طوباوية، بقدر ماهو قوة روحية كامنة في شيفرة تراكم سيرورة الروح الانسانية في رحلة حياتها، ويكمن دور الكائن الانساني في تحويل تلك القوة الكامنة فيه أصلا من وجود كامن الى وجود بالفعل، وترجمة قدرات الروح الصفحية والتسامحية الى سلوك ظاهر يتجلى من خلال انفتاح حتى على من يُصنف انه "عدّو"، وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت بعض الفلسفات القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية.
إن هذه الحالة لا تبلغها إلا الحضارات المزدهرة دون شك، لأنها تكون قد ارتقت في ذروة إدراكها الروحي حيث يصبح الصفح جزء من حقيقة منظومة تكامل الانسان.
بطبيعة الحال لا يمكن الارتقاء الى هذا المستوى من التسامح بين ليلة وضحاها ما لم يتم تعزيز ذلك بالتربية ومؤسسات المجتمع المدني كافّة.
وترسيخ هذه الفلسفة يكون عبر تقوية النزعة الروحية لحقيقة تساوي الكائنات امام المكون وامام الكون وذلك عبر ترسيخ الآداب الرفيعة والفنون الراقية ولا يمكن ان نغفل دور الفن والتمثيل والمسرح...في تعزيز ثقافة التسامح والرقي بالكائن من طور الغريزة والانانية والجشع إلى مصافي الابداع الروحي والعطاء الوجداني... الأسس الثقافية والفكرية لبناء المواطنية في مجتمع متعدد:
bull;بناء الهوية الوطنية: فالمواطنية هي في الواقع سؤال الهوية، والهوية هي في الحقيقية سؤال الثقافة والحضارة، لذلك لابد من الارتكاز على فلسفة إنسانية وجودية منفتحة قوامها المحبة والسلام والعدل والانفتاح وقبول التنوع واحترام الاخر، وعندها يكون الدين هو مجرد علاقة خاصة بين الانسان وربه أما علاقة المواطن بأخيه فيحددها الانتماء الوطني.bull;الانفتاح والتسامح هي الخصائص الأساسية للموقف الوطني الجامع، وذلك ينبي من خلال حريّة الفكر ويشتمل على الاعتراف بحق الآخر في تبني أفكار وحقائق قد تكون مخالفة لحقائقنا وأفكارنا. فالرؤية الوطنية للطوائف هي رؤية متسامحة بحيث إنها تتخطى مجال الخلافات وتجعلها تتحاور وتتصالح، ليس فيما بين المذاهب والاديان وحسب بل حتى مع سائر التيارات العلمانية والفكرية.bull;ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز اساسي مفاده أنه لا يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خلاله إطلاق الحكم على الآخرين ولا يجوز الحكم على ثقافة ما او فئة ما، لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف موقف منفتح إزاء الأديان جميعها و تحترمها.bull;إن الأخلاق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار وللمناقشة، سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي ام عقائدي أم فلسفي.... فالحياة المشتركة تنبني عن توسيع القضايا المشتركة العامة والفهم المشترك المنبني على الاحترام المطلق لكافة التنوعات الاثنية والدينية للجماعات والافراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض الواحدة نفسها bull;المواطنية محورها الإنسان لذلك فهي تقتضي صياغة سياسة اقتصادية تكون في خدمة الكائن الانساني لا العكس، فالاقتصاد ينبغي ان يكون لحماية البشر من خلال تبني فلسفة اقتصادية تحترم الفرد ومتطلبات الشعب. bull;المواطنية الحقة تقتضي الاعتراف بحق المواطن في اختيار دينه او تغييره ومن واجب الدولة تأمين نظام مدني للمعاملات لأولئك الذين لا يرغبون باللجوء الى المرجعيات الطائفية في معاملاتهم الخاصة.bull;إن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية والاحكام المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق فلا يوجد شيئ مطلق من شأنه أن يستبعد الآخر ويقصيه. bull;فلسفة المواطنية تقوم على الإعتراف بوجود مستويات متعددة للحقائق وأبعاد متعددة القيم وللواقع ايضا، وان كل مستوى قد يحكمه أشكال متنوعة من المنطق، و بناء عليه كل محاولة لاختزال الواقع إلى مستوى واحد ومصادرة الحقائق ببعد واحد من شأنه ان يقوض مفهوم المواطنية نفسه. bull;كل محاولة لاختزال المواطن الإنسان بدينه او انتمائه او مذهبه وتحويله إلى مجرد رقم انتخابي طائفي وإلى تقليصه في بنى شكلانية، أياً كانت، تتناقض مع مفهوم المواطنية. الطروحات العملية للاسس النظرية:
bull;بناء الوسائل العمليّة لدعم المشاعر الوطنية المشتركة بين جميع الطوائف والأعراق والمذاهب والتيارات والأحزاب، تكون بمثابة الحصن الثقافي الحامي لمبدأ المواطنية ووعاء قابل لاستيعاب التبعات القانونية والسياسية للمواطنة.bull;دعم التنوع الثقافي وحرية الرأي والتعبير، فالوحدة الوطنية تكون بدعم التعددية بوصفها إثراء للتجربة الانسانية. bull;هذا الأمر يحتاج لآليات تترجم عمليا من خلال إعداد قادة ونخب فكرية ومراكز بحوث ودراسات تساعد في ارساء المفهوم الكوني المنفتح للانسان.bull;دعم الخطاب الاعلامي المنفتح وتشجيع الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتبنون افكار تساهم في ارساء فلسفة التسامح والانفتاح.bull;إنشاء مراكز ثقافية وطنية تهتم بالأطفال والشباب وبناء مكتبات عامة تعني بالمواطنة وتنظيم ندوات وفعاليات تعزز الانتماء الوطني. bull;المساهمة في توجيه طلاب الدراسات العليا لاختيار أبحاث علمية ودراسات ميدانية تعزز الانتماء الوطني وتساهم في تقديم افكار مبتكرة وآليات لتعزيز مبادئ الديموقراطية والحرية ونبذ العنف.bull;محاولة تحييد وعزل الخطابات الانعزالية التي من شأنها تكريس العنصرية والطائفية والدعوات المغرضة التي تقضي على وحدة النسيج الوطني وترفض قبول الآخر وذلك من خلال تهميشها إعلاميا ومحاولة محاصرتها وتسليط الضوء على أضرارها.bull;إعداد خطة تربوية لتنقية الكتب الدراسية من كل ما من شأنه إثارة النزعات الطائفية والمذهبية دون ان يمس بحرية التعليم، أو يحط من شأن طائفة معينة و يطعن فى معتقداتها، مع ضرورة تسليط على تاريخ الليبراليات والحريات والديموقراطية في محاولة لبناء تربية مستدامة قوامها المشاركة العامة والتعاون وبناء الوطن.bull;التنسيق مع المراجع الدينية والطائفية كافة لبناء خطاب وطني خالي من شحنات التحريض والكراهية ضد الآخر، و استبعاد كل ما يدعو فيه إلى التعصب، وضرورة إحداث تجديد في مستوى الخطاب الديني ، وليس المقصود هنا الخطاب المعلن في المنابر والكنائس وحسب بل الخطاب المؤسِّس للممارسات الدينية، فتجديد الخطاب الديني يعني إعادة قراءة النصوص اللاهوتية المؤسسة للأفعال وتقديم رؤية منفتحة تتلاءم مع العصر الراهن.bull;جعل مادة حقوق الإنسان فى الكليات الدينية المسيحية والإسلامية والحوزات العلمية مادة الزامية، وتوضيح العلاقة بين مبادئ حقوق الإنسان والعقائد الدينية. bull;استغلال المناسبات الوطنية العامة والاعياد لتعزيز الوحدة الوطنية:مثل عيدالاستقلال وعيد العلم وعيد الجيش...كما يمكن استحداث مناسبات لها علاقة بالبيئة والاخوة والوحدة والمحبة.bull;دعم جمعيات المجتمع المدني التي هدفها التنوير، وتوفير الفرصة في الإعلام للمتنورين ودعاة التنوير والانفتاح. في الختام نود الاشارة الى أن كل الطروحات المذكورة هي طروحات انتقالية بهدف الوصول الى مرتكزات دولة علمانية كاملة و قوامها الديموقراطية وحرية الكائن الانساني و احترام حرمته وحقوقه بغض النظر عن الاعتبارات الاخرى Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
التعليقات
التوحيد
نادين -أين الولاء للدين والإسلام وديننا واضح وعلى المحجة البيضاء ولا يقبل الإنتماء لغير التوحيد فلا احزاب ولا طوائف ولا وطنية يقول عز وجل ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ولا اكراه في الدين ومن اراد أن يعيش في دولة المسلمين يستطيع العيش بسلام ولكن لا راية تعلو على راية التوحيد ولا شرع يعلو على شرع الخالق عز وجل
صـور !
عنـادل -والله دمرتنا صورك فعلاً فانشغلي بفعلك الثقافي " الجبار " واتركينا بسلام . في حر تموز والكهرباء مقطوعة عن أصقاع الله وأنتِ تطلين بقبعة كأنها " يوفو " فضائي أصابت مزاجنا بالحمى .
الانسان
مهاب -لك التحية فقط من الواجب علبنا العمل اكثر فى مفاهبم حقوث الانسان وتوضيح عدم تقاطعها مع كريم المعتقدات الدينية لانها فى الاساس تدعوا الى كرامة الانسان وفيما يختص بالطائفة ارى انها تطور طبيعى للمجتعات ويمكن بالطرق المعرفى المتواصل حدوث عملية الانتقال
دراسة نحتاج اليها
مواطن لبناني -لو كل لبناني فكر كما تفكر السيدة الكريمة لكنا بألف خير ... هذه دراسة تستحق الوقوف عندها وتقديمها كمشروع لتأسيس مواطنية في بلدان تتعدد فيها الديانات ومن الجيد ان يدرس هذا الفكر في الجامعات ......فكر علماني وعلمي سليم وشكرا للباحثة مروة كريدية