ثقافات

طه حسين في السعودية قصة التحريض الديني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السويد لإيلاف: في المعهد الديني في بريدة وفي المرحلة الثانوية، كنا نستعيد بالله من الشيطان الرجيم ومن طه حسين عند ذكر اسمه أو سماع لقبه، كما عودنا شيوخنا.
مداهمات قام بها رجال دين قبل ثلاثين سنة لمكتبة تنويرية في بريدة كانت تقوم بإعارة كتب طه حسين.

فهد الشقيران من بريدة: عاد اسم "طه حسين" مرةً أخرى إلى الظهور، وذلك من أجل إنصافه للدور التاريخي الذي لعبه من أجل دفع مسيرة التنوير العربي، صحيح أن كتاباته لم تكن فكرية عميقة ومنهجية صارمة على طريقة "المشاريع"، وإنما جاءت مبطّنة في سياق "الأدب" غير أن بعض الباحثين في دراساتهم الجديدة رأوا أن هذا "الدفن" للأفكار بين سطور الأدب، هو سر تفوّق اسم "طه حسين"، ولعل إنصاف طه حسين جاء مبكّراً من "المغرب" العربي، حيث كتب عبد الله العروي: "إن ثلاثة أرباع النقد الأيديولوجي يظهر عندنا على شكل نقدٍ أدبي، فيتخذ الرواية والقصة والمسرحية كوسيلة لترويج الأفكار السياسية والاجتماعية، ومحمد عبده وسلامة موسى، وطه حسين روّجوا لأفكارهم التجديدية، بواسطة دراستهم للأدب العربي قديمه وحديثه" عبد السلام بنعبد العالي -المغربي هو الآخر- يوافق العروي على النص السابق، فهو رأى أن طريقة "طه حسين" في عرض الفكرة كان لها أبلغ الأثر في الترويج للمنهج الديكارتي بشكل أكبر مما روّجت له كتابات فلسفية رصينة. ويمكن أن نعرف قيمة طه حسين بنتائجها، حيث ساهم في إلهام بعض أهم المفكرين العرب ويذكرون هذا في كتاباتهم منهم "حسن حنفي، ومحمد أركون، وعبد الرحمن بدوي، ونصر حامد أبو زيد". طه حسين في السعودية:
يلفت المارّ من طريق "محمد بن عبد العزيز" المعروف بشارع "التحلية" في مدينة الرياض يوجد شارع اسمه "شارع طه حسين"، وهو شارع فرعي لطريق رئيسي وحيوي، و شارع "التحلية هو أهم شارع للمقاهي والمطاعم والتنزّه في الرياض وهو موطن تجمّع شبابي، وفيه تحدث الاحتفالات وترتفع أصوات موسيقى السيارات، كأن طه حسين وجد نفسه بجوار شارع لا يعرف إلا الفرح. لكن -ومن جهةٍ أخرى- عُرف اسم "طه حسين" في السعودية عبر المكتبات "التنويرية" المتحررة التي نشطت في بعض المدن، وهي مكتبات كانت تروّج لمبادئ رئيسية حول الحرية والعدالة والتنوير وتعارض البرامج الدينية الأيديولوجية، كما عُرف عبر التصعيد الديني الذي وجّه من قبل "خطباء المنابر" في تلك الفترة الهامة من تاريخ الثقافة في السعودية، وكان التشنيع الديني ضد طه حسين-ربما غير مسبوق- ضد أي شخصية عربية فكرية حتى اليوم.
عبد العزيز السويد شاهد على مرحلة حجب النور:
إيلاف زارت في مدينة بريدة عبد العزيز السويد وهو مثقف سعودي وكاتب في صحيفة المدينة، وهو شاهد على مرحلة "المكتبة الثقافية" التي كان لها دور تنويري ريادي قبل ثلاثة عقود، وتحدّث لنا عن تلك المرحلة قائلاً: (اللاعنون رحلوا وبقي طه حسين ذاكرة الأدب ونور في عقل الفكر العربي، نسي الناس أولئك الذين تبرموا من العميد طه حسين، ويتذكر الناس حتى الآن أنوار ذلك الرجل الأعمى الكفيف طه حسين). عبد العزيز السويد يتذكّر أيام المعهد العلمي في مدينة بريدة -وهو معهد ديني شرعي يتبع جامعة الإمام محمد بن سعود- يقول: (في المعهد وفي المرحلة الثانوية، كنا نستعيد بالله من الشيطان الرجيم ومن طه حسين عند ذكر اسمه أو سماع لقبه، كما عودنا شيوخنا لقد كنا إذا اضطررنا لكتابة بحث أو موضوع عن الأدب المعاصر آنذاك وجاء اسم طه حسين كعملاق ورائد للأدب والفكر , لابد أن نصحب الاسم بالتعوذ منه).
أما عن موقع طه حسين في "المكتبة الثقافية التنويرية" فيقول عن تلك المرحلة: (عندما أنشأ بعض الشباب مكتبة ثقافية في بريدة لتكون مصدراً للثقافة الحديثة، طالت السنة بعض المشايخ عبر اتهام المكتبة أنها تضم كتباً في الإلحاد والزندقة، فطلب القائمون على المكتبة من هؤلاء الناقمين عليها الحضور للمكتبة والتفتيش عن كتب الإلحاد والزندقة، فلما لم يجدوا شيئاً وخابت ظنونهم، قالوا ولكن لديكم كتب لـ طه حسين وهذا يخرب عقول الناشئة)!
(وحينما أتيحت كتب "طه حسين" للاستعارة من تلك المكتبة اعتبر البعض استعارة تلك الكتب من دلائل ضعف الإيمان) وتلك المكتبة التنويرية لم تعد قائمةً الآن بالطبع، وكانت معارضة لتوجهات دينية كانت تنضج في تلك الفترة خاصةً في المعهد العلمي "الديني" في بريدة الذي كان في تلك الفترة يضم من بين أساتذته محمد سرور زين العابدين (مؤسس الحركة السرورية الإسلامية).
شيخ سعودي "طه حسين شيطان أدبي":
يتعجّب عبد العزيز السويد من ذلك التحريض العلني ضد طه حسين، ويحكي لنا في ذكرياته عن تلك المرحلة فيقول: (مرة قلت لشيخي الكفيف يا شيخ طيب لو كتبت اسم " طه" لوحده هل يلزمني التعوذ منه قال شيخي لا "طه" اسم نبي، قلت له: و "حسين" اسم ابن نبي، قال: نعم ولكنك إذا جمعت "طه وحسين" صار اسم "شيطان أدبي"). يتذكّر السويد في حديثه لإيلاف مواقف أخرى مع شيوخه في المعهد الديني، يقول (سألت شيخي مرة بعد أن مُلئت عقولنا الناشئة بأسماء الفرق الضالة وزعماء هذه الفرق من مثل الجهمية والقدرية والمعتزلة، قلت له يا شيخ: طه حسين يصنّف تحت أي فرقة من فرق الضلال والبدع؟ هل يكون مع معبد الجهني أو الجهم ابن صفوان أو غيلان الدمشقي؟ قال شيخي: بل يصنف مع فرعون وهامان).
وإذا كان "طه حسين" حظي بعد أن تمّ فرم اسمه على المنابر بشارعٍ فرعي متفرّع عن شارع الموسيقى والمرح الذي هو شارع محمد بن عبد العزيز في الرياض غير أن وضع هذا الشارع لا يعبّر عن حقيقة الموقف الديني من "طه حسين" حيث كان للمنابر دورها في التحذير من اسم "طه حسين" ويتذكّر عبد العزيز السويد أن (خطب الجمعة صار بعضها يخصص للتحذير من قراءة كتب عميد الأدب العربي، حتى ولو كان خطيب الجمعة لم يقرأ حرفاً واحداً من مؤلفات ط حسين).
حصار ديني ضد كتب طه حسين:
لئن كانت أقسم المراقبة الإعلامية في "الجمارك" السعودية بدأت تتسامح بعض الشيء مع الكتب التي تُستخدم للاستعمال الشخصي كما صرّح بذلك وكيل وزارة الثقافة والإعلام لشؤون الثقافة، غير أن عبد العزيز السويد يطرح موقف بعض المراقبين في "الجمارك" من كتب طه حسين، يقول: (في إحدى المرات أحضرتُ مجموعة كتب من إحدى الدول، وعرضْتها على مراقب المطبوعات في الجمارك لفسحها وكانت تضم بالإضافة إلى كتب "طه حسين" مجموعة كتب فلسفية لنيتشة وأسيبنوزا وغيرهم، وفسح الموظف لجميع الكتب إلا كتاب:( الوعد الحق) و(الحب الضائع) لـ طه حسين، فقلت له أنها كتب فكرية أدبية وروائية عادية، فقال:لا، إذا كان المؤلف طه حسين فأنا أريد أن أبرئ ذمتي، قلت له وهل هي من ضمن قوائم الكتب الممنوعة رسمياً , قال: لا , ولكني لن اسمح بأن تتسبب هذه الكتب لـ طه حسين بتضليل أحد من الناس). فقد وصل التحريض الديني ضد طه حسين إلى حدّ اعتباره مروّج الضلال في البلاد. أثر طه حسين الفكري:
ساهم طه حسين في رسم آثار فكرية هامة على امتداد الوطن العربي، وربما كان هذا التأثير يأتي بوضوح لدى مفكرين رئيسيين في السعودية، حيث تحوّل طه حسين إلى "ديكارت عربي" عبر نشره منهج الشك، وربما كان من أبرز من يردد مبدأ الشك في المسلمات من المفكرين السعوديين الكاتب الستيني "إبراهيم البليهي"، أما الكاتب عبد العزيز السويد فيتحدّث بحميمية عن أستاذه الفكري والأدبي طه حسين حينما يقول:(هذا الرجل العقلاني الفذ طه حسين علمني أول درس في الحياة كيف اشك بعقلي، وإذا شك الإنسان بعقله سيبحث ويتعرف على عقول أخرى، مجرد الشك بنتاج العقل يصنع أسئلة، وهذا هو دور عقل الإنسان السوي علمنا طه حسين كيف نفحص أفكارنا ومسلماتنا وعقولنا كيف نشك بما لدينا، حتى نصل بالبحث الدؤوب عن الحقيقة) يصفه السويد لا بـ"عميد الأدب العربي" وإنما أيضاً بعميد "الشك" العربي.
السويد يختم حديثه عن مرحلة "التحريض الديني" ضد طه حسين بقطعة أدبية: (في كل يوم نتذكر طه حسين حاملاً كومة من الكتب فوق ظهره كومة من اللعنات هناك من قال له: أنت أعمى لكنك شيطان يا طه لكنه لم يبال كثيراً، كان يتذكر (مرجليوث ) و(الأيام) ويبتسم لنا تاركا لنظارته السوداء جدا أن تشرح الموقف، موقف العقل من الذات، موقف الشك من العقل وموقف العقل من البداهات الأولى، في كل اليوم نتذكر طه حسين رحل بعيداً هناك في عصر ضوئي تماماً).
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عجبي
مصري صميم -

واخيرا كالعاده نفهم ونعي ولكن بعد فوات الاوان لقد ذكر في المقال رحل الشيوخ وبقي طه حسين والحقيقه هي كذالك هذا شعاع نور نتمني ان يسطع في باقي المملكه ويندثر الفكر الظلامي ولاتتاثر بالثقافه الصحراويه المفلقه واللذين يقودنا الشيوخ اللذين يتدخلون في كل شيء في الماكل والمشرب وكيفيه الضاجعه نسال الله ان تكون بادره خيرا لهم

لنقرا ونقرا
حسين -

ليرحم الله طه حسين

We Kill Ourselves
Dr. Ayad -

We kill ourselves in the middel-east. Our people think that they can control other people minds and think instead of them. They take away the freedom that God gave it to us and they put themselves instead of him. Now, look at the results, put the Oil aside and look at our socities and see how far they get, where they started and where they end

نريد الكثير من أمثال
إمراة متخلفة -

أشهد واعترف أنني لم أقرا في حياتي كتابا وهزني مثل الشعر الجاهلي ، أنه كالزلزال في العقل وهذا ما يحتاجه شيوخنا اليوم اللهم ابعث فينا من طه حسين ما لا يحصى من الرجال لاننا نحتاج لهزة عقلية

هل قرأناه وذكرناه!
السيناوي -

من اعجب الامور عندما اعدت قراءة كتاب مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين والصادر عام 1937 تعجبت فكانما يتكلم عن حالنا اليوم ونبؤتة اننا نتحدث ونكتب ولانفعل مازالت سارية رحمة الله عليه هل قرأناه وجددنا ذكراه!

ياكبرها !
ماكن ! -

يا أخي ما أعرف ليه أحسك نصاب ..أجل بالجمرك يخلون كل الكتب تدخل الا كتب طه حسين ؟! روقنا بس ..اعوذ بالله من سوء المقالة !

المأخذ على طه حسين
قارىء -

اعتقد ان سبب عدم تقبل كتابات الاديب طه حسين هي انه ربط بين القرآن الكريم وبين الشعر الجاهلي حينا قال اما ان نقول بوجود القرآن او ان نقول بعدم وجود الشعر الجاهلي