ثقافات

اللغات السامية في العراق: مقاربة لسانية معاصرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
د. سعيد الجعفر: انتقل الإنسان من الإشارة الى الكلام، وهي الثورة التكنولوجية الأولى، في عملية استغرقت مئات الآلاف من السنين لتتكون اللغة الإنسانية الأولى التي لم تلبث أن تفرقت الى مجاميع لغوية. رغم أن علماء اللغة ينقسمون الى فريقين فأحدهم يقول بوجود منشأ واحد للجنس البشري وبالتالي وجود لغة بدائية واحدة. والثاني يقول بمناشئ مختلفة للبشر وبالتالي مناشئ مختلفة للغات البشرية. وتستند محاولة العثور على تقارب في المفردات الأساسية - مفردات القرابة والمفاهيم الأساسية كالموت والحياة والحب والكره والأعداد وهكذا- بين الشجرات اللغوية المتباعدة الى فرضية المنشأ الواحد للبشر.
أردت من هذه النبذة البسيطة أن أقدم للحديث عن واحدة من أكبر الشجرات اللغوية وهي الشجرة الحامية السامية أو التي تواضع العلماء على تسميتها في العقود الأخيرة بالشجرة الأفروآسيوية.
أول من وضع مصطلح اللغات ألا فرو آسيوية هو العالم جرينبيرج. وتضم هذه الشجرة 200 لغة لكن طبقاً لعالم آخر اسمه جريمز فإنها تضم 372 لغة. وكان يطلق عليها سابقاً شجرة اللغات السامية الحامية وهو مصطلح يستخدمه اليوم قليل من الباحثين وكان أول من وضعه العالمان الألمانيان شولتز وايكهورن والاسم الأخير يستند الى قصة النبي نوح وأبناءه الثلاثة الذين تفرقوا في جهات الأرض الثلاث لتتكون المختلفة ابتداء منهم. لكن علم اللسانيات لا يؤمن إطلاقاً بهذه القصة ويعتمد أسساً أخرى لظهور اللغات. والفروع الرئيسة لهذه الشجرة هي المجموعات. البربرية، التشادية، المصرية، والكشيتية، والأموتية والسامية. وتشمل اللغة المصرية كلاً من اللغتين المصرية القديمة والقبطية. واللغة القبطية تطورت من المصرية القديمة لتتحول تدريجياً الى لغة كنسية بعد أن أخذت العربية محلها كلغة للتخاطب في مصر ابتداء من القرن السابع الميلادي.
أما بالنسبة للفرع السامي فيضم مجموعة كبيرة من اللغات منها لغات ميتة مثل الأكدية والأمورية والأوغاريتية والكنعانية، والفينيقية- البونية، والعبرية القديمة، والآرامية والعربية البائدة أوعربية النقوش وتضم اللهجات الصفوية واللحيانية والثمودية. لكن من هذه اللغات ظهرت لهجات تحولت تدريجياً الى لغات.
قبل أن أبدأ ببحث اللغات السامية في العراق أود أن أقدم شرحاً مختصراً لقوانين الصراع اللغوي لأن ذلك سيوضح سبب انهزام لغات معينة أمام لغات أخرى. فكما نعلم مثلاً أن العرب احتلوا إيران لفترة من القرن السابع وحتى القرن الرابع عشر حيث ضعفت الخلافة وحلت محلها ممالك وإمبراطوريات بدأت تتكلم بالفارسية وتفرضها كلغة رسمية. لكن رغم المدة الطويل للوجود العربي في إيران لم تنهزم الفارسية أمام العربية. وتفسير ذلك يتعلق بقوانين الصراع اللغوي التي سأمر عليها واحداً واحداً مع أمثلة ليس من الضروري أن تكون من منطقتنا بل من أماكن مختلفة.
يحدث تغلب لغة على أخرى في الحالات التالية:
حين يكون كلا الشعبين همجيين أو منحطي الثقافة ويزيد عدد أفراد أحدهما على الآخر زيادة كبيرة. في تلك الحالة تتغلب لغة الشعب الأكثر عدداً ولا يهم سواء كان هو الغالب أم المغلوب، المستعمر أو المستعمر. فانعدام الفرق في النوع يجعل الكم يتحكم. لكن ذلك يحدث بشرط أن تكون اللغتين المتصارعتين من فصيلة لغوية واحدة أو فصيلتين متقاربتين. فالإنجليز أو الإنجلو سكسون حين نزحو من أواسط أوربا الى إنجلترا، لم تلبث لغتهم أ تغلبت على اللغات الكلتية أو السلتية التي كان يتكلم بها السكان الأصليون. في حين أن النورمنديون حينما أغاروا على إنجلترا في منتصف القرن التاسع الميلادي واحتلوا معظم أقاليمها لم تلبث لغة الشعب الإنجليزي المقهور أن تغلبت على لغتهم وذلك لكون كلا الشعبين منحطي الثقافة ويتكلمان لغتين من الفصيلة الهندو- أوربية لكن عدد الإنجليز أكثر. هنالك تفريع في هذا القانون يخص كون اللغتين من فصيلتين مختلفتين لشعبين منحطي الثقافة لكن الغازي عدد أفراده قليل وبذا تتغلب أيضاً اللغة التي يكون عدد المتكلمين بها أكثر مثلاً البلغار الذين كانوا يتحدرون من أصل فينوي وهو شعب يمت بصلة للفنلنديين والإستونيين، حينما نزحو الى البلقان وامتزجوا بالصقالبة أو السلافيين انهزمت لغتهم شيئاً فشيئاً أما لغة السكان المحليين الصقالبة الكثيري العدد حتى انقرضت لغتهم واصبحوا يتكلمون لغة سلافية أو صقلبية.
الحالة الثانية حين يكون الشعب الغالب أكثر رقياً من المغلوب في ثقافته وحضارته وأشد منه بأساً وأكثر نفوذاً. ففي هذه الحال تنتصر لغته وتصبح لغة جميع السكان سواء كانوا المستعمرين أم المستعمرين، حتى ولو كان عد أفراد الشعب الغازي قليل، لكن بشرط أن يكون تدوم غلبته وقوته فترة طويلة وأن تكون لغة الشعبين من فصيلة واحدة أو من فصائل متقاربة. فالفتوح الرومانية لوسط وجنوب أوربا وشرقها نجم عنه أن تغلبت اللاتينية على اللغات الأصلية لإيطاليا وأسبانيا وبلاد الغال(فرنسا وما يجاورها) والألب. مع أن الرومان المغيرين كانوا في هذه البلاد أقلية بالنسبة للسكان الأصليين. وقد نجم من غزو الآراميين للبلاد الناطقة بالأكدية والفينيقية والعبرية أن تغلبت لغتهم على هذه اللغات رغم قلة عدد الآراميين.
وقد نجم عن فتوح العرب في آسيا وأفريقيا أن تغلبت لغتهم على كثير من اللغات السامية الأخرى والقبطية والبربرية والكوشيتية. وفي كلتا الحالتين السابقتين لا يتم النصر غالباً لإحدى اللغتين إلا بعد أمد طويل يصل أحياناً الى أربعة قرون وقد يمتد أكثر من ذلك. فالوما أخضعوا بلاد الغال فر القرن الأول الميلادي لكن النصر لم يتم للغتهم اللاتينية على الكلتية التي كان يتكلم بها أهل البلاد الا حوالى القرن الرابع الميلادي. كما نلاحظ أيضاً أن اللغة الغالبة قد تخرج من صراعها مع اللغة المغلوبة وقد تركت عليها آثار في النظام الصوتي. مثلاً خرج الرومان الى أسبانيا والبرتغال وفرنسا، لكن نلاحظ أن اللغات الإيطالية والأسبانية والبرتغالية أقرب الى بعضها قياساً للفرنسية التي يفترض أن تكون أقرب للإيطالية بسبب الامتداد الجغرافي. لكن تأثير اللغة الكلتية كما يبدو كان كبيراً على اللغة الفرنسية رغم أن الغلبة تمت للفرنسية أخيراً الآن أعود الى الحالات التي لا تقوى فيها إحدى اللغتين على التغلب على الأخرى.
حين يكون الشعب المنتصر أقل حضارة من الشعب المغلوب ومثال ذلك انتصار الرومان على اليونان الذي لم يجعل اللغة اللاتينية تحل محل اللغة اليونانية لأن اليونان شعب أرقى حضارياً وثقافياً ولغته أكثر تطوراً. كذلك الأمر بالنسبة للفتح العربي لإيران الذي لم يؤد الى انتصار العربية على الفارسية لكون الفرس كانوا أرقى حضارة من العرب وكذلك لكون عدد العرب قليلين هناك، ولكون اللغة العربية سامية والفارسية هندو أوربية أي من فصيلتين مختلفتين.
الآن أعود الى تأريخ اللغات السامية في العراق. وقبل أن ادخل الى الموضوع أمر بسرعة على الشعوب التي سكنت العراق قبل مجيء الساميين. فمنذ الألف الثامن وحتى الرابع قبل الميلاد سكنت شمال ووسط العراق وجنوبه شعوب أطلق عليها إسم الحضارات الفراتية وهي الحضارات الحلفية نسبة الى تل حلف قرب الخابور والسامرائية والعبيدية نسبة الى تل يبعد بضعة كيلومترات عن الناصرية. وقد جاء إسم سامراء من إسم الحضارة السامرائية وليس إسم سر من رأى سوى تنويع عربي مختلق على هذا الإسم كأن تقول مثلاً أن كربلاء أرض كرب وبلاء في حين أنها تعني قرب أو قرية الإله من مفردتي كرب إيل الأكديتين. وقد جاء اسم دجلة والفرات من هذه الحضارات ولم يطلقه عليهما لا السومريون ولا الأكديون، كذلك أسماء بعض الحرف مثل نجار وملاح وفخار وإسكاف. وقد امتازت هذه الحضارات بكونها لم يكن لها نظام كتابة بل تركت آثارها على شكل قرى وخزف وأدوات القطع الحجرية وفيش مختلفة الأنواع لإحصاء البضائع والمواشي أقدمها يعود الى متصف الألف الثامن ق.م.. كما أن الطور العبيدي تميز ببداية صناعة النحاس وذلك في حوالى 4000 ق.م. ويعتقد بعض الباحثين أن الحضارة السومرية التي ازدهرت في العراق في الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد لم تتأثر بالحضارات الفراتية خصوصاً آخر حضاراتها العبيدية لأن هنالك فجوة زمنية عمرها 800 عام بين أفول الأولى وظهور الثانية في حين يعارض الدكتور طه باقر هذا الرأي ويقول أن الحضارة السومرية استمرار للحضارة العبيدية لأن السمات الحضارية المختلفة في الحضارة السومرية تحمل بصمات الحضارات الفراتية خصوصاً أخر حضارة مها وأقربها الى بلاد سومر الا وهي حضارة العبيد. وبذا فإنه يصعب التكهن بأصل الحضارات الفراتية مادامت كلها قد أفلت ومادامت لم تترك لنا آثاراً كتابية..
والسومريون كما هو معرف شعب ظهرت حضارته في القسم الجنوبي من العراق وهم أول شعب اخترع الكتابة وأول أثر كتابي عثر عليه يعود الى عام 3100 ق.م. وقد عرضه المتخصص الكبير في السومريات آدم فالكنشتاين في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين. وقد أسماهم الأكديون، وهم قبائل سامية نزحت من الجزيرة العربية، بإسم "مات شوميريم" أي أرض أو بلاد السومريين. وتقول قسم من النظريات أن السومريين نزحوا من شرق العراق أو من الشمال الشرقي في منتصف الألف الرابع. وكان آخر بحث قرأته عن أصل السومريين يتحدث فيه الباحث وهو روسي عن علاقة لغوية بي السومرية واللغات البربرية. وقد أظهرت دراسة الجماجم أن هنالك عرقين أساسيين كانا موجودين في حقب مبكرة من تأريخ العراق أولهما له صفات جنس حوض البحر المتوسط والذي يمتاز بطول الرأس واليه ينتمي الساميون، وثانيهما يمتاز برأس عريض ينتمي اليه السومريون. وفي الحقيقة فإن الدليل الرئيس على وجود السومريين هو دليل لغوي يدعونا الى الحذر في إطلاق الأحكام لأن اللغة لا تتطابق دائماً مع العرق أو الإثنوس. واللغة السومرية بحسب الباحثين لا تنتمي الى أي عائلة من العوائل اللغوية المعروفة فهي ليست سامية ولا هندو أوربية. وأقرب شجرة لغوية اليها هي شجرة لغات "الأورال - التاي" التي تنتمي اليها اللغات المنغولية. وهذه اللغات تسمى باللغات الإلصاقية. ومن اللغات الإلصاقية الأخرى اللغة التركية واليابانية. ويمتاز هذا النوع من ناحية الصرف ونظم الجملة بأن تغير معنى الأصل وعلاقته بما عداه من أجزاء الجملة يشار إليهما بحروف تلصق به وتوضع هذه الحروف قبل الأصل وتسمى سابقة وأحياناً بعده وتسمى لاحقة. في حين أن اللغة العربية وجميع اللغات السامية والهندوأوربية هي لغات تحليلية وكذلك اللغات الهندواوربية وتتميز هذه اللغات من ناحية النظام الصرفي بأن معاني كلماتها تتغير بتغير أبنيتها مثل الفعل كتب حين تضيف له ياء في بدايته فإنه يصبح معبراً عن الزمن الحاضر وكذلك أن الفعل writeبالإنجليزية حين تتغير بنيته الى wrote فإنه يصبح معبراً عن الماضي. ولو أخذنا هذه اللغات من ناحية نظم الجملة أو ما يسمى في علم اللغة السنتاكس فأن أجزاء الجملة ترتبط ببعضها بروابط مستقلة تعبر عن مختلف العلاقات فنقول مثلاً ذهب محمد وعلي الى المدينة فحرف الواو وحرف الجر الى يعبران عن علاقات تغير معنى الجملة . وبالإضافة الى اللغات التحليلية والإلصاقية هنالك نوع ثالث من اللغات يسمى اللغات العازلة كاللغة الصينية وهو أكثرها بدائية. فالباحثون في علم اللغة يعتقدون أن اللغات بدأت عازلة ثم تحولت الى إلصاقية وبعدها تطورت الى تحليلية.
ولو انتقلنا الآن الى اللغات السامية والشعوب التي نزحت الى العراق وبلاد الشام لوجدنا أن هنالك خمس هجرات كبرى حدثت بفاصل زمني متقارب وهو الف سنة وسأذكر بشكل مختصر هذه الهجرات ثم أنتقل الى تفاصيل حول الشعوب واللغات التي تتعلق بهذه الهجرات الخمسة. ودون الخوض في تفاصيل أسباب هذه الهجرات نقول أن العراق جاذب والجزيرة طاردة والعراق لم يكن جاذباً لسكان الجزيرة فقط بل لشعوب كثيرة في شرقه وشماله وغربه.
وقد طور علم اللغة الحديث موديل الهجرات فأصبح ينفي فكرة أن شعب بكامله يهاجر الى مكان جديد، بل أن اهجرات تتم في مجموعات صغيرة لا تلبث أن تتبعها موجات أخرى. وقد تحدث كولن رنفرو بالتفصيل عن ذلك في كتابه " الأركيولوجيا والغة".
وكانت الهجرة الأولى هي هجرة الأكديين في متصف الألف الرابع ق.م. وقد كانوا في بدية الأمر خاضعين لحكام الدويلات السومرية ثم استطاعوا تدريجياً تكوين دولة عظمى في منتصف الألف الثالث ق.م واشهر ملوكهم سرجون الأكدي. وكانت الهجرة الثانية هي هجرة الأموريين الى بلاد الشام في منتصف الألف الثالث ق.م. والذين اشتق اسمهم من كلمة مارتو السومرية وتعني الغرب، كما أن إسم أمورو صار يطلق حينها على سوريا. لكن الآموريين استطاعوا أن يؤسسوا تدريجياً دولة قوية في العراق عرفت بإسم سلالة بابل الأولى وأشهر ملوكها حمورابي. بالإضافة الى الأموريين هاجر الكنعانيون في فترة متقاربة واستوطنوا بلاد الشام ومنهم تفرعت شعوب ولغات عديدة أهمها الفينيقية والعبرية. والهجرة الثالثة حدثت في منتصف الألف الثاني ق.م. وكانت تتمثل في القبائل الآرامية التي استطاعت تأسيس إمارات وممالك كثيرة. وفي منتصف الألف الأول ق.م. استطاعت قبيلة آرامية هي الكلدانيين أن تقيم مملكة كبرى في بابل أهم ملوكها نبوخذ نصر. والهجرة الكبرى الأخيرة كانت هجرة العرب بعد الفتح الإسلامي.
قبل أن أدخل في الحديث عن اللغات السامية كل على حدة أذكر الخصائص العامة التي تتميز بها جميع اللغات السامية. فالأصل السامي يعتمد على ثلاثة أصوات صحيحة مثل كتب، فرح. في حين أن بعض الأصول يتألف من صوتين مثل يد أو بعض الضمائر هو، هم, من.
تنال الأصوات الساكنة أو ما يسمى بالأحرف الصحيحة أهمية أكبر من الأصوات اللينة أو أحرف العلة ولذلك حين تكتب الكلمة في اللغات السامية يجرى إغفال الأصوات اللينة. كما أن اللغات السامية تتشابه في المفردات الدالة على أعضاء الجسم والضمائر وصلة القرابة والعدد وبعض الأفعال ومرافق الحياة الشائعة لدى الشعوب السامية.
كما تتميز اللغات السامية بعدم وجود الأشكال المعقدة للزمن الموجودة في اللغات الهندوأوربية فالزمن نوعان هما الماضي والحاضر وهنالك حروف تدل على المستقبل. أما الجنس فهو نوعان في اللغات السامية هما المذكر والمؤنث. وهنالك ظاهرة تنفرد بها اللغات السامية هي العلاقة المتعاكسة بين العدد والمعدود من الثلاثة الى العشرة فتقول الآية القرآنية "سخرها عليهم سبع ليل وثمانية أيام" ويفسر بعض العلماء هذه الظاهرة بمبدأ الاستقطاب الجنسي POLARITY أي أن المؤنث يكمل المذكر وبالعكس. كما يندر في اللغات السامية الكلمات المركبة إي إدماج كلمة مع أخرى لتصير كلمة واحدة كما يحدث في اللغة السومرية التي هي من النوع الإلصاقي.
أما وجوه الخلاف بين اللغات السامية فمنها أداة التعريف ففي العربية تستخدم "ال" وفي اللغة العبرية وبعض اللهجات العربية البائدة الهاء، وفي السبئية حرف نون في آخر الكلمة وفي السريانية حرف آ في آخر الكلمة. أما الآشورية والحبشية فليس فيهما أداة تعريف. وتختلف اللغات السامية في أداة الجمع فالعربية فيها الواو والنون للمذكر والألف والتاء للمؤنث مع وجود جمع التكسير، بينما يعبر عن الجمع في العبرية بحرفي "يم" وفي الآرامية بحرفي "ين".
ومن وجوه الاختلاف في الأصوات هو أن الأصوات العربية ذغ ظ ض لا وجود لها في العبرية ولا وجود للقاف والسين في البابلية.
ولو عدنا الآن الى الهجرة السامية الأولى الى بلاد الرافدين وهي هجرة الأكديين الذين عاشوا في بداية الأمر تابعين للسومريين الذين ظهر لديهم ملك قوي هو لوكال زاكيزي وحد دويلات المدن، لكن لم يلبث أن ظهر ملك أكدي مكين هو سرجون ويلفظ بالأكدية شروكين وتعني الملك الصادق الذي كون في حدود 2350 مملكة موحدة بعد ان قضي على لوكال زاكيزي. وقد نسجت حكايات حول سرجون الأكدي منها القصة التي تخص ولادته والتي يبدو أن قصة ولادة النبي موسى نسجت على غرارها. انتهى العهد الأكدي بمجيء الكوتيون وهم من سكان الجبال لربما من منطقة لرستان. وقد حكموا زهاء مئة عام عادت بعدها السيطرة الى حكام مدينة لجش السومريين واشهر ملوكهم هو الملك جوديا. ثم ثار أهل أوروك بقيادة اوتوحيكال على الكوتيين لكن حكمه لم يدم طويلاً فقد ثار حاكم أور المسمى أور-نمو وكون سلالة أور الثالثة وهي آخر سلسلة للمدن السومرية. أردت من هذا العرض المختصر أن أبين أن اللغتين السومرية والأكدية عاشتا جنباً الى جنب وجرى بينهما صراعاً لغويا انتهى بانتصار اللغة الأكدية بشكل نهائي ولو عدنا الى قوانين الصراع اللغوي لوجدنا أن اللغتين السومرية والأكدية هما لغتا شعبين كلاهما متطورين حضارياً لكن يبدو أن عدد سكان الأكديين أخذ يفوق عدد السومريين وكذلك كون الملوك الأكديين حكموا سومر زهاء 800 سنة وهي مدة طويلة جداً تكفي لانتصار اللغة الأكدية. ولذا كتبت الغلبة للغة الأكدية. فكون اللغتين مختلفتين من ناحية الشجرة اللغويةً يجعل انتصار الأكدية على السومرية صعباً. وبعد موت اللغة السومرية كلغة للتخاطب استمر وجودها كلغة علمية ولغة للتدوين لمدة الف عام، كما أن الكتابة المسمارية استمرت أطول من ذلك لحين تطور الخط الفينيقي. وكان الخط المسماري الأكدي يقرأ غالباً من اليسار الى اليمين لكن في مراحله البدائية كان يقرأ من الأعلى الى الأسفل. وكما يؤكد الباحثون اللغويون فقد فقدت اللغة الاكدية الأصوات الحلقية بسبب احتكاكها باللغة السومرية وقد أوردت أمثلة في بداية المحاضرة على كون اللغة المنتصرة قد تخرج وهي متاثرة باللغة التي انتصرت عليها مثل اللغة الفرنسية التي تأثر نظامها الصوتي باللغة الكلتية فخرجت لا تشبه اللغات الرومانية الأخرى من هذا الجانب.
الموجة الثانية من الهجرات كانت كما قلنا هي هجرة الأموريين الذين هاجروا بشكل متزامن تقريباً مع هجرة الكنعانيين الى بلاد الشام ثم لم يلبثوا ن دخلوا العراق من الغرب وازدادت هجماتهم في زمن أبي- سين واستطاعوا أن يقيموا سلالة جديدة في بابل كان من أشهر ملوكها الملك السادس حمورابي. الذي هزم العيلاميين ومملكة اشنونا السامية قرب ديالى لكن علماء التاريخ واللغة والآثاريون لا يذكرون كون الأموريين فرضوا لغتهم الأمورية المصنفة ضمن اللغات السامية، بل يؤكدون استمرار اللغة الأكدية كلغة للتخاطب ولغة أدب وكتابة وفي هذه الفترة أي متصف الالف الثاني ق.م. تميزت لهجتان تفرعتا من الأكدية هما اللهجة البابلية التي تطورت من عهدها القديم ثم الأوسط ثم الحديث، واللهجة الآشورية. لكن اللغة الاكدية بقيت هي لغة الأدب والدواوين. لفترة طويلة. ويبدو أن قوانين الصراع اللغوي فعلت فعلها فالأموريون كانوا شعباً ذو ثقافة متدنية ولهم لغة تشبه لغة أهل بابل ذوي الثقافة المتطورة ولذا انتصرت اللغة الأكدية على الأمورية التي تصنف من قبل العلماء كونها إحدى اللغات السامية الميتة.
بعد سلالة بابل الأولى التي كان اشهر ملوكها حمورابي جاءت سلالة بابل الثانية التي يرجح ان حكامها كانوا مجموعة من الأمراء السومريين استقلوا في القسم الجنوب من العراق ولذا سميت سلالتهم بسلالة القطر البحري.
ولو أخذنا الكشيين الذين جاءوا من شرق أو شمال شرق العراق وحكموا البلد لمدة خمس قرون لوجدنا أنهم حين احتلوا العراق لم يتكلموا بلغتهم بل استعملوا اللغتين الأكدية وأحياناً السومرية بل وحتى عبدوا الآلهة البابلية واتخذ ملوكهم أسماء بابلية. وهذا يؤكد قوانين الصراع اللغوي فهم حين جاءوا كانوا بأعداد قليلة كما أنهم من الناحية الحضارية متدنين قياساً الى بابل ذات الرقي الحضاري ثم أن لغتهم تختلف عن لغة أهل العراق فهم هندوأوربيون والعراقيون لغتهم سامية أكدية بابلية. وبذا تنطبق معظم قوانين الصراع التي تخص انتصار لغة على لغة. فليس شرطاً أن تنتصر لغة المحتل إذا لم تتوفر الشروط الأخرى لانتصارها.
تزامن مع حكم الكشيين أن ظهرت الملكة الآشورية التي كانت على علاقة معهم تتراوح بين السلم والحرب. وقد غزا الآشوريون بابل التي اصبحت ضعيفة بعد سقوط الحثيين ولم يأت القرن التاسع ق.م. حتى كان الآشوريون قد أسسوا مملكة واسعة ضمت من ضمن ما ضمته بابل وأجزاء كبيرة من الشرق الأدنى. كما أن سنحاريب احد اشهر ملوكهم أحرق بابل في القرن السابع. ويعتقد معظم الباحثين أن الآشوريين سكنوا العراق منذ فجر الحضارات حيث كونوا منذ الألف الثاني مملكة قوية استقت عواملها من الحضارة السومرية. أما موطنهم الأصلي فهو الجزيرة العربية لكنهم لم يأتوا الى شمال العراق مباشرة من هناك، بل تعتقد طائفة من الباحثين أنهم جاءوا من بابل. وسبب هذا الاعتقاد أن لغتهم تشابه اللغة البابلية لكن اللغة الآشورية لا تشابه كثيراً اللغة البابلية في عصورها القديمة بل اصبحت تشابهها تدريجياً. ويأتي اسم آشور من أسم الإله آشور وتسمى في الكتابات المسمارية مات آشور أي بلاد آشور. بينما تسمى في المصادر العربية والآرامية بإسم آثور. ولا يعرف اصل كلمة آشور لكن احدى الفرضيات تقول أنها مشتقة من آشر التي تعني الرحمن بالآشورية كما أن اسم عاصمتهم نينوى قد يكون مشتق من إسم نينا الذي كان يطلق على جزء من المدينة الدولة لجش وكلتا الصيغتين اشتقا من اسم إلهة بهيئة سمكة أي كلمة نون الأكدية.
كان الصراع بين الآشوريين والقبائل الآرامية قد بدأ بعد عهد تجلاتبليزر الأول الذي حكم في نهاية الألف الثاني ق.م.
ونحاول الآن أن نلقي نظرة تأريخية على هجرة الآراميين فلغتهم هي أكثر اللغات اهمية في مجال الصراع اللغوي.فقد اتجهت القبائل الآرامية في ثلاث اتجاهات.فقد حل قسم منهم في وسط الأراضي السورية وكون تدريجياً دويلات اصطدمت بعد ذلك بالدولة الآشورية التي بدأت تتوسع منذ القرن التاسع ق.م. كما نوهنا. واستوطن قسم ثان الفرات الأوسط والأراضي الزراعية في شمال العراق وكان هو الفرع الذي اصطدم به الآشوريون في بداية الأمر. في حين اتجه قسم ثالث الى مناطق فلسطين والأردن. وكان فرع من الآراميين استوطن العراق منذ منتصف الألف الثاني ق.م. في منطقة بابل لكنهم لم تتح لهم الفرصة للإنتفاض على الإمبراطورية الآشورية إلا في عهد أميرهم نبوبلاصر الذي كان على ما يبدو يحكم بإسم الآشوريين فتحين الفرصة للانسلاخ عن الإمبراطورية الآشورية. وبذا تحالف مع الماذيين واشترك في حصار نينوى وتخريبها وفي عهده تأسست الدولة البابلية الأخيرة ولذا يسمى عهده بالعهد البابلي الأخير أو الحديث. وقد استمر هذا العهد مئة سنة فقط وكان أبرز ملوكه نبوخذ نصر.
ولو القينا نظرة على اللغة الآرامية لوجدناها قد انتصرت على اللغة العبرية في أواخر القرن الرابع ق.م. وعلى الفينيقية في القرن الأول ق.م. في بلاد الشام. كما انتصرت على الأكدية في العراق فلم ينتصف القرن الرابع ق.م. حتى كانت الآرامية قد طغت على جميع الألسنة وأصبحت اللغة الأكدية من عداد اللغات الميتة. وهكذا اصبحت اللغة الآرامية لغة التخاطب في العراق وبلاد الشام. وقد وصلت عنفوانها في الفترة المحصورة بين 300- 650 ق.م وفي عهد الحكم الفارسي كان لها موقع اللغة العالمية في المناطق التي كان يسيطر عليها الفرس. وقد انتشرت كلغة كتابة حتى مصر وآسيا الوسطى وأثرت على اللهجات العربية الميتة في مدائن صالح وتيماء في شمال الحجاز بشكل كبير. ولقد كان لتوسع الآرامية أن تفرعت منها لهجات عديدة بلغت الفروق بينها حدوداً تتعدى مفهوم الفروقات بين اللهجات فاللهجات الآرامية الغربية تستخدم الياء في أول المضارع المفرد الغائب كحال معظم اللغات السامية في حين أن اللهجات الشرقية تسبدلها بالنون. كما أن الألف في آخر الكلمة دلالة على التعريف أصبحت في اللهجات الشرقية من الآرامية جزءاً من الكلمة لا يحمل وظيفة التعريف.
ولو اردنا أن نقسم الآرامية الشرقية فإننا نجد اللهجات التالية:
اللهجة التي شرح بها يهود مدرسة بابل كتاب المشناة ويسمى هذا الشرح الجمارا ويؤلف مع المشناة مايسمى بتلمود بابل.
اللهجة المندائية التي كانت تتكلمها الطائفة المندعية أو الصابئة. وهي الآن لغة ميتة تستخدم مثل القبطية في الطقوس الدينية فقط.
وثالثها لهجة حران وهذه المدينة كانت مركزاً ثقافياً كبيراً منذ أزمنة قديمة وهي المدينة التي شد اليها الرحال النبي إبراهيم.
ورابعها اللهجة السريانية وهي أهم اللهجات الآرامية وأغناها في الإنتاج الأدبي والعلمي والفلسفي. وهي لهجة مدينة الرها أو اديسا كما كان يسميها اليونانيون أو أوراهاي كما يسميها السريان أنفسهم. فمنذ اعتناق أهلها المسيحية أصبحت مركزاً للثقافة المسيحية. وقد حدث خلاف بين المسيحيين حول طبيعة المسيح هل هي مزدوجة أم واحدة فالذين قالوا بمذهب وحدة المسيح متبعين مذهب يعقوب بارادوس سموا باليعاقبة وهم السريان الغربيون. أما الذين قالوا بازدواج طبيعة المسيح أي أن له طبيعة بشرية وإلهية واتبعوا مذهب نسطوريوس فهم السريان الشرقيون أو النساطرة و الذين كانوا خاضعين للإمبراطورية الفارسية.
أما الآرامية الغربية فتضم الآرامية الغربية الميتة حوالى القرن الثامن ق.م.
واللهجة التي دون بها بعض اجزاء سفري عزرا ودانيال وأية من سفر أرمياء.
والآرامية الفلسطينية الحديثة وهي التي استخدمها اليهود في الغرب في ترجمة العهد القديم عن العبرية وفي شرح كتاب المشناة.وهو شرح الجمارا ويؤلف معه ما يسمى تلمود بيت المقدس.
وقد طرح كل من الدكتور طه باقر والدكتور إبراهيم السامرائي آراءً قيمة حول تحديد الكلمات التي تتحدر من أصل آرامي كي لا يجري الاعتقاد أن كل كلمة سامية سواء كانت عربية أو أكدية هي ذات أصل آرامي وهو اتجاه ساد لدى القائمين على اللغة السريانية الوريثة الكبرى للغة الآرامية. وقد ميز الدكتور إبراهيم السامرائي بين الكلمات العربية الآرامية الأصل وبين تلك التي تعود الى اصل سامي مشترك وذكر هو ذلك في معرض نقده لمعجم الألفاظ السريانية في المعاجم العربية الذي ألفه الأب اغناطيوس أفرام. كما أن الدكتور طه باقر ميز بين المفردات الآرامية والأكدية من خلال التأكيد على ان الكلمات التي تكون قد وجدت قبل القرن العاشر قبل الميلاد لا بد أن تكون من أصل أكدي فكلمة آجر المستخدمة في اللغات اليونانية والفارسية والآرامية والعربية كانت موجودة أصلاً في اللغة الأكدية ولذا فهي ليست آرامية الأصل.
الهجرة الأخيرة للساميين كانت هجرة العرب بعد الفتح الإسلامي. وقد بدأت اللغة العربية تنتزع من الآرامية معاقلها واحداً واحداً، وطبقاً لقوانين الصراع اللغوي ولكن بعد مرور فترة طويلة وبعد أن تأثرت العربية بالآرامية والسريانية التي تفرعت منها. فمفردات مركزية في اللغة العربية مثل الصوم والصلاة هي آرامية الأصل.
والحديث عن اللغة العربية حديث طويل ومتشعب يحتاج الى دراسة منفردة قد تفوق في حجمها كثيراً هذه الدراسة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
معلومات جمة
صلاح حسن -

يا استاذنا العزيز مقالتك مهمة للغاية وفيها معلومات هائلة لكنك القيتها علينا دفعة واحدة كمن يريد ان يلتهم دجاجة كاملة دون ان يقطعها . يمكن ان تكون هذه المقالة كتابا كبيرا لو قمت بتفصيل افكارها وشرحها .. فقد ذكرت عددا كبيرا من اللغات الميتة والحية وعلاقة هذه اللغات ببعضها بشكل متعجل تماما . نتنمى عليك ان تأخذ برأينا كي تستفيد شريحة كبيرة من القراء . مع التقديرصلاح حسن

كتاب أميون
amin salam -

أنصاف المتعلمين هم أخطر من الأميين على العلم، ويبدو أن السيد الجعفر من هؤلاء كزميله سليم مطر، فهو يضرب أخماساً في أسداس. فلا أحد يستطيع أن يعين متى هاجر العرب، أو الأكديين أو الآراميين الخ. حتى السومريين لم يحدد متى هاجروا، وما ترك الجميع من آثار وكتابة لا يعني البدء، فربما كان هناك من سكن آلاف السنين لكنه لم يلجأ إلى الكتابة! ولست أدري ماذا عنى الكاتب بقوله انتصرت اللغة الفلانية على اللغة الفلانية، فهل كانت بين اللغات معارك لتنتصر واحدة وتهزم أخرى؟إذا لماذا ورد في القاموس الأكدي مئات الكلمات العربية، وكذا في اللغة البابلية؟الشيء الذي لم يفهمه انصاف المتعلمين أن التعصب القومي آنذاك لم يكن موجوداً قط، وأن الشعوب المتعددة كانت تتكلم لغات متعددة في نفس الوقت، وقد شاهدنا ذلك في المدن العراقية المختلطة الأعراق ككركوك في الخمسينات والستينات إذ كانت لغة المدينة تركمانية، لكن العراقيين في كركوك جميعاً كانوا يتكلمون اللغات: التركية العربية الكردية، وبالرغم من ان الموصل عربية مئة بالمئة إلا ان السوق الموصلي كان يتكلم بالاضافة إلى هذه اللغات العبرية والآرامية لأن سكان الريف كان فيهم عبريون وآراميين وتركمان وأكراد، ولم يحاول من يصل إلى السلطة تغيير اللغة بالقوة، أنصح الكاتب بقراءة بنات يعقوب

معلومات جمة
صلاح حسن -

يا استاذنا العزيز مقالتك مهمة للغاية وفيها معلومات هائلة لكنك القيتها علينا دفعة واحدة كمن يريد ان يلتهم دجاجة كاملة دون ان يقطعها . يمكن ان تكون هذه المقالة كتابا كبيرا لو قمت بتفصيل افكارها وشرحها .. فقد ذكرت عددا كبيرا من اللغات الميتة والحية وعلاقة هذه اللغات ببعضها بشكل متعجل تماما . نتنمى عليك ان تأخذ برأينا كي تستفيد شريحة كبيرة من القراء . مع التقديرصلاح حسن

كتاب أميون
amin salam -

أنصاف المتعلمين هم أخطر من الأميين على العلم، ويبدو أن السيد الجعفر من هؤلاء كزميله سليم مطر، فهو يضرب أخماساً في أسداس. فلا أحد يستطيع أن يعين متى هاجر العرب، أو الأكديين أو الآراميين الخ. حتى السومريين لم يحدد متى هاجروا، وما ترك الجميع من آثار وكتابة لا يعني البدء، فربما كان هناك من سكن آلاف السنين لكنه لم يلجأ إلى الكتابة! ولست أدري ماذا عنى الكاتب بقوله انتصرت اللغة الفلانية على اللغة الفلانية، فهل كانت بين اللغات معارك لتنتصر واحدة وتهزم أخرى؟إذا لماذا ورد في القاموس الأكدي مئات الكلمات العربية، وكذا في اللغة البابلية؟الشيء الذي لم يفهمه انصاف المتعلمين أن التعصب القومي آنذاك لم يكن موجوداً قط، وأن الشعوب المتعددة كانت تتكلم لغات متعددة في نفس الوقت، وقد شاهدنا ذلك في المدن العراقية المختلطة الأعراق ككركوك في الخمسينات والستينات إذ كانت لغة المدينة تركمانية، لكن العراقيين في كركوك جميعاً كانوا يتكلمون اللغات: التركية العربية الكردية، وبالرغم من ان الموصل عربية مئة بالمئة إلا ان السوق الموصلي كان يتكلم بالاضافة إلى هذه اللغات العبرية والآرامية لأن سكان الريف كان فيهم عبريون وآراميين وتركمان وأكراد، ولم يحاول من يصل إلى السلطة تغيير اللغة بالقوة، أنصح الكاتب بقراءة بنات يعقوب