يانسون: كلمة... صورة... حياة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وكتاب " توفي يانسون كلمة، صورة، حياة" حصيلة دراسة هذا الأرشيف الجديد من المواد، حيث تقدم فيه صورة غنية عن حياة الرسامة والكاتبة وأعمالها الفنية والأدبية.
اشتهرت توفي يانسون في العالم لإبتكارها عالم المومين السحري، وهي قصص خيالية تدور حول عائلة من المخلوقات السحرية أقرب الى الجن تعيش مع بعضها في وئام ومحبة. وتسكن أسرة مومين في منزل إسطواني الشكل أزرق اللون يقع في وادي المومين. وقد بدأت فكرتها عندما أبتكرت علامة خيالية استخدمتها كرمز لتوقيعها الخاص في أعمالها الفنية. وبمرور الزمن، طوّرت يانسون هذه العلامة إلى شخصية متميزة في سبعة كتب وثلاثة البومات مصورة، إلى جانب سلسلة من كتب الرسوم التوضيحية انتشرت في معظم بلدان العالم. وقد تطور عالم المومين السحري ليشمل مسلسلات تلفزيونية من أفلام الكارتون في اليابان، وعروضا في المسرح والاوبرا والبالية قدمت على العديد من المسارح العالمية.
ولدت توفي يانسون عام 1914 ونشأت في كنف عائلة فنية، كان الأب نحاتا والأم مصصمة طوابع فنلندية لعقود عديدة، وقد بدأت ترسم أولى لوحاتها وهي مازالت طفلة صغيرة،. كتبت يانسون عددا من الحكايات الصغيرة رسمت لها بنفسها رسوما توضيحية. قامت بعد ذلك بنشر تخطيطات ساخرة عن هتلر وستالين في جريدة غارم السياسية الساخرة التي كانت والدة توفي تعمل فيها. كانت توفي في الرابعة عشرة من عمرها عندما إشترت جريدة "غرام" الفنلدية أولى تخطيطاتها. ثم مضت في التحصيل الدراسي، حيث درست توفي فن الرسم في هيلسنكي وستوكهولم وباريس وأعتبرت بعد إكمال دراستها بمدة وجيزة واحدة من أشهر الرسامين في فنلندا و السويد. بزغ نجمها خصوصا إبان الحرب العالمية الثانية حيث قامت بتنظيم معارضها الفنية بصورة متواصلة طيلة سنوات الحرب.
وحظيت بإعجاب النقاد ومتذوقي الفن كرسامة متميزة وكانت ترغب في ان يخلد إسمها في تأريخ الفن كرسامة، لكن تخطيطاتها الفنية لحكاياتها حول أسرة مومين العجيبة جلبت لها شهرة عالمية وبسرعة مذهلة بحيث أخذت منها كل طاقتها و وقتها في رسم سلسلات مصورة وإضطرت في تلك الفترة الى الإنتقال الى لندن.
وقد إنتشرت رسوماتها التخطيطة في أرجاء العالم على شكل كتب أعيد طبعها مرة تلو الأخرى. وعرضت عليها شركة ديزني شراء أعمالها الفنية والأدبية لعائلة مومين السحرية لقاء مبلغ كبير، لكن يانسون رفضت العرض.
خلال الحرب العالمية الثانية وفي الوقت الذي قامت فيه القوات السوفيتية بقصف فنلندا بالطائرات، كانت تسكن هيلسنكي وتعمل بكثافة في مرسمها رغم مخاطر القصف الجوي.. وكانت ترسم وتفتح معارضها الفنية وحدها أو بمشاركة الآخرين. ولم تقتصر أعمالها على الرسم والتخطيط، بل تعداها الى تصميم إعلانات الصحف وديكورات المحلات العامة. ان أسرة مومين التي أكتسبت شهرة عالمية بدأت من مجرد علامة توقيع على أعمالها الفنية ثم أكتسبت لاحقا حياة خاصة بها. كانت يانسون تسعى الى تجسيد الحياة الإجتماعية لأسرتها في لوحات فنية ولم تنجح في ذلك إلا بإبتكارها شخوص عائلة مومين التي توحي بحياة أسرة يانسون في جوانب كثيرة.
في كتابها تكتب فيستين عن يانسون ليس خارج سياق أعمالها الفنية والأدبية، وهي تفهم بذكاء وعمق العلاقة بين الكتابة والرسم، التصوير بالكلمة والتجسيد بالصورة. فهي تحلل كتاباتها ولوحاتها بشكل متواز. ولم تقتصر رسومات يانسون التوضيحية على قصصها وحكاياتها بل تعداها الى تجسيد أعمال كتاب آخرين مثل آليس في بلاد العجائب ووقصص لتولكين.
وتؤكد فيستين على أمر جوهري في اعمال يانسون وهو ان الفنانة كانت ترى ان الرسم هو الجوهري في أعمالها، لكنها نالت شهرتها بالدرجة الأولى بسبب رسومها التوضيحية لحكاياتها عن أسرة مومين الخيالية، بمخلوقاتها الكروتيسكية. وتؤكد فيستين على كون يانسون رسامة بارعة على الرغم من شهرتها العالمية كمبتكرة لعوالم المومين السحرية.
في ضواحي مدينة نانتالي الصغيرة بفنلندا ثمة جزيرة، اتخذته يانسون مسرحا لعالم مومين الخيالي، وفي هذه الجزيرة بالذات، ينتصب منزل أسرة مومين بحجمه الطبيعي وببرجه الأزرق المتألق لإستقبال الزائرين.
تبحث فيستين في كتابها عن نشؤ شخصيات مومين الخيالية وجذورها. لقد رسمت الفنانة هذه الشخصيات الخيالية باللون الأسود مستخدمة الألوان المائية منذ الثلاثينات من القرن المنصرم، الى جانب نموذج واحد كان يمثل توقيعها الشخصي ورمزها الفني تحت إسم (سنورك). وقد أضيفت بعض الألوان الأخرى لمخلوقات مومين لأول مرة بعد ان تحولت الى مسلسلات يابانية. وفي الفترة الأخيرة من حياتها اكمل اخوها لارس المسلسلات حيث قام بتلوينها بشكل كلي اما توفي فقد تفرغت كليا الى الرسم.
بحسب فيستين ان جذور عالم مومين السحري تعود الى الحرب وويلاتها وإلى رغبة الإنسان في إستعادة الفرح والإبداع. تبتكر يانسون عالما متكاملا يحكمه الخير، حيث يعيش الكل في تفاهم ووئام وحياة تزدهر يوما بعد يوم. في الكتاب الأخير من سلسلة كتب مومين نلتقي بمجموعة من أصدقاء عائلة مومين، قادمين في زيارة للقاء اسرة مومين، ويظهر ان العائلة غادرت المنزل في سفرة طويلة. ولابد لهم أن يتدبروا امرهم بأنفسهم، هل يفلح مثل هؤلاء في خلق جو مفعم بالتفاهم والإنسجام كما في عائلة مومين السحرية؟
ان يانسون في بعض أجزاء كتبها عن عائلة مومين، تدع شخصياتها تكتب قصصها بنفسها وتكتب مذكراتها كما في حالة مذكرات مومين الأب. وفي حكاية أبنة كاسر الصخر، نجد ان الفتاة تترك عالمها الصغير لتجوب اصقاع العالم لتحصل على جوائز ادبية وشهادات تقديرية لأعمالها الأدبية والفنية. ثم تقوم إبنة كاسر الصخور بشراء جزيرة لتبنى عليها منزلا، لكن توافد السياح بأعداد هائلة يسلب منها لذة الإستمتاع بالهدوء والراحة، فتتركها كي تبني لها منزلا في مكان ناء لا يبلغه أحد، فتبني أخيرا منزلها في قاع البحر.
كانت يانسون فنانة وكاتبة غزيرة الإنتاج عرفت بشغفها للعمل طوال سني حياتها دون إنقطاع، بإستثناء فترة قصيرة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الطائرات السوفيتية تسقط أطنانا من القنابل على هلسنكي بمعدل ستين طائرة في الغارة الواحدة ليلا، فإضطرت الى التوقف عن الرسم فترة قصيرة.
بعد ان وضعت الحرب أوزارها، أكملت يانسون سلسلة حكاياتها عن عائلة مومين السحرية في سبعة أجزاء مزدانة بصور فنية لأشخاصها الخيالية، وقد ظلت يانسون تعمل جاهدة بين مخلوقات مومين وإنجاز لوحاتها الفنية. كانت دائما تسعى الى ان تتفرغ للعمل كرسامة تنجز اعمالا فنية، لكن الطلب والإقبال الشديد على سلسلة رسوم عالم مومين السحرية، خصوصا عندما إنهالت عليها الطلبات من اليابان، لم تدع لها المجال الكافي لإنجاز لوحاتها.
وبحسب قول فستين كانت يانسون تعشق الوحدة وتحلم بالعيش وحدها في جزيرة معزولة لترسم وتكتب بهدوء، وقد تحقق لها حلمها في اواخر عمرها حيث إشترت لنفسها جزيرة صغيرة، وقد إنتقلت إليها بقاربها لتبني بيديها منزلا لها. بعد فترة وجيزة كانت يانسون تخطط للإنتقال مع أخيها لارس الى جزيرة مالي في المحيط الهادي والإستقرارهناك، لكنها تلقت رفضا من حاكم الجزيرة بحجة إرتفاع عدد الوافدين إليها.
وفي الأربعينات كتبت يانسون مذكرات مومين الأب التي حققت نجاحا كبيرا، وقد طبعت كتبها عدة مرات مع تنقيحها في كل طبعة.
كتبت يانسون جميع أعمالها بلغة سويدية، واضحة جميلة و شاعرية زاخرة بالخيال،على الرغم من انها ولدت و عاشت في فنلندا. وكانت تستمد قوتها من موهبتها الفنية في الرسم وحساسيتها في التعامل مع الألوان، الامر الذي دفع بها إلى تنقيح إعمالها مع تعديلات في اللغة في كل طبعة جديدة.
إبتكرت يانسون أصنافا من المخلوقات الخيالية التي مازالت تعيش في أذهان الناس ككائنات حية. و غم كونها عاشت أجواء الحرب إلا ان عالمها الداخلي زاخر بالحميمية والموّدة والصداقة، لكنه عالم مهدد من الخارج.الكتاب: توفي يانسون: كلمة، صورة، حياة
الناشر: ألبيرت بونيرس فورلاغ2007
الصفحات: 597 من الحجم الكبير
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف