ندوة الاستشراق خضّات اصطلاحية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إشكاليات مفهومية:
فهد الشقيران من دبي: أثارت الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات مؤتمر
أدونيس الهوية تبحث في المستقبل:
يتحدث أدونيس عن الهوية قائلاً إن البحث عنها ليس بحثاً في الماضي، وإنما هو بحث في المستقبل، وهو بهذا الطرح يذكرني بمقولة للفيلسوف الألماني مارتن هيدغر حينما يكتب عن الإنسان من جهة علاقته بوجوده أنه (إمكان مستقبلي) ومع أن طرح أدونيس مختلف عن طرح هيدغر إلا أن الجامع بينهما هو تحويل الإنسان إلى بُعد آتي، وإلى مستوى سيأتي يوماً ما، ولم يأت بعد. وهو تضخيم للمعنى الكينوني للإنسان على حساب المعاني الأخرى التي مُنحت للإنسان عبر امتداد نظري طويل، أن يتعامل مع الإنسان بوصفه نتاج "إرث" وليس صانع "الإرث" والقادر على تجاوزه في آنٍ واحد.
ومن جهةٍ أخرى يمكننا أن نستذكر طرح هيدغر المغاير لمعنى "التراث" ولمعنى "الهوية" خاصةً وهو من أشدّ من نقض التراث الغربي عبر تأسيسه لآلية التقويض التي ألْهمت مدارس "التفكيك" فهو من ألهم جاك دريدا مثلاً لدرجةٍ جعلتْ دريدا يقول (لم أكن لأكتب ما أكتب لولا قراءتي لهيدغر) ويقول دريدا أيضاً (ينبغي أن نسلك طريق هيدغر ونتبع السؤال الذي طرحه عن الوجود وطرحه وحده وذلك من أجل النفاذ إلى الفكر الصارم لهذا الاختلاف الغريب وتحديده تحديداً دقيقاً). إذن فهيدغر يطرح المفاهيم لا للتترس خلفها وإنما لإعادة نحتها ولتحديث دلالاتها وهذا ما جعله يعيد النظر في مفهوم الهوية حينما يقول (إن الفلسفة المثالية التأملية بعد أن مهّد لها الطريق كل من لا يبنتز وكانط هي التي أرست على يد فخته وشلينغ وهيغل للهوية أسسها ومنذ عصر المثالية التأملية لم يعد من حقنا أن نتمثل وحدة الهوية كمجرد انسجام) لم يكن طرح أدونيس حول الهوية وضرورة تحولها إلى انسحاب في أفق المستقبل وإنما كان يعبّر عن قلقٍ عربي فكري لم يحسم بعد معنى "الهوية" أن يعرف ماذا يريد من ذاته، وهل لا يزال الفكر العربي يتعامل مع الذات والآخر تعاملاً كلاسيكياً على طريقة الاحتكام إلى التاريخ وتكثيف مستوى اللوم على حساب مستوى النقد المستمر لتركيب مفاهيم محدّثة، كما هو مفهوم الهوية لدى المفكر اللبناني علي حرب وهو أهم الفلاسفة العرب الذين طرحوا مفهوم الهوية على سبيل المساءلة والمحاكمة.
مطاع صفدي لماذا نجهل الآخر:
أما مطاع صفدي فهو ارتأى تجنّب الخوض في أعماق الإشكاليات الفلسفية واتخذ من طرح الأسئلة وسيلة لتجنّب تسطيح الأجوبة، لذا لم يتجه نحو العمق الفلسفي الذي اشتهر به في كتاباته الهامة والتي يأتي في مقدّمتها أهم كتاب عربي يتناول "ما بعد الحداثة"، كما أن النزعة السياسية الفلسفية ضد الإمبراطورية الأمريكية تجلّت عبر نقده للهوبزية والقطب الواحد والتكرير السياسي كما في كتابه "نقد الشرّ المحض". أما كتابه "نظرية القطيعة الكارثية" فهو أحدث كتبه وأكثرها تأويلاً لخضّة الإخفاق العربية وهو أمر يعود إلى "عدم فهم الآخر" فالغرب بالنسبة للعربي وفق مطاع صفدي "من المجهولات" لذا لم يستنكف مطاع صفدي من الاستشراق أو الاستغراب بشرط الابتعاد عن "الأيديولوجيا".
كاترينا مومزن: أرق في العلاقات بين الأمم:
من الجانب الألماني كان اللافت ورقة مميزة طرحتْها كاترينا مومزن التي أسهبت في عرض الاستشراق وأبعاده الأدبية والشعرية، لذا هي تفضّل أن يوصف الاستشراق الألماني بـ(الاستشراق الرومانسي) فهو اتخذ من الشعر والأدب وسيلة للاحتكاك مع الآخر، لذا تحدّثت بوضوح عن الفكر العربي كإرث تاريخي خصب، ورأت- وهي كمستشرقة كبيرة وعريقة -أن الفكر العربي "الكبير" لا علاقة له بالإرهاب، اللافت في جذور الورقة هو "الأرق" من غياب التسامح وهي تضرب على هذا مثلاً فهي التي تعيش في جزيرة على المحيط الهادي تعيش في مجتمع مكوّن من خمسين طائفة لا تعرف انتماء أي واحدٍ منهم ولا تزعج الناس طقوس كل طائفة فلا تسمع أصوات الكنائس ولا المآذن، كما أن التعايش يأتي في صلب التعاطي اليومي، فهي مبتهجة أن صوت الآذان لا يقطع طقس تناول الوجبة على طاولة تضم مختلف أتباع الطوائف والأديان، المؤرّق في طرح كاترينا للاستشراق هو دور الاستشراق والاستغراب في تناول هذا التوتر والإلحاح على ضرورة تفتيت التأزّم المتبادل في العلاقات بين أتباع الدين الواحد وبين أتباع الأديان، كما تتعجّب وتأسف وتسخر كيف أن مرحلةً من مراحل أوربا ملئت بملاحقة المفكّرين والفلاسفة من أمثال أسبينوزا مثلاً الذي تمّت ملاحقته من قبل المسيحيين واليهود معاً!
أودو شتاينباخ: التفريق بين الاستشراق كموقف والاستشراق كعلم:
يفرّق شتاينباخ بين الاستشراق كموقف والاستشراق كعلم فهو لا يربط الاستشراق فقط بدراسة العالم العربي بل رأى أن الاستشراق درس الكثير من الحضارات حتى في جهات من أمريكا اللاتينية فهو ينأى بمعنى الاستشراق عن ربطه بنزعات استعمارية أو إرادات سياسية أو مواقف فئوية أو عنصرية، ذلك أنه يعتبر الاستشراق علم محض، وأن التناولات الأخرى أو التوظيفات الأخرى التي اختلطت بمفهوم الاستشراق كانت مؤذية لعلم الاستشراق نفسه، ومشوّهة له. ولعل هذا الطرح يعود بالطرح إلى "القلق" الأوّل الذي يكتنف المصطلح من أساسه. كما هو أرق مفهوم الاستغراب الذي وإن كان قد طرح غير أن الصدمة أن هذا المفهوم-باستثناء شرح واضعه حسن حنفي له- لم يجد الكثير من الصهر من أجل تمتينه وقتح دلالاته وآفاق معناه، باستثناء انتقادات كتبها علي حرب في كتابه "نقد النص" لكتاب حنفي "مقدمة في علم الإستغراب".