إنّها تضيق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"لو صحّ ما تخمنين فيه، فلا شيء صحيح إذن"
أرددّ في خاطري وخطواتي تكنس شارع ديدوش مراد ببطء، بالكاد أصنع لي مكانا في الطريق.الشارع يضيق..
أرفع رأسي المثبت في الأرض منذ عبورات وأحدّق في العيون، لا عينَ تـُقاطع عيني. وحدها الأكتافُ تتلامس وتتنافر و همهمات اعتذارات آنية تتلاقى وتتبخر في حينها.
الوقت يضيق..
صباحات ديدوش خانقة ووجهي الذي أحمله بين حاضنتيْ عمر يصنع شيئا من اختناقها.
أنفاسي تضيق..
أجرجرني إلى محطة أودان بعد أن أصعد السلالم التي تنبعث منها رائحة قذارة وأتجاهل صوت المرأة التي تمدّ لي يدها و ابتسامة بائع الكتب القديمة الذي أصبح يعرفني.
قلبي يضيق..
محطة كل الاتجاهات: حيدرة وباب الوادي، الأبيار و المدنية، المرادية و بئر مراد رايس..تتسعّ لتضيق..
هذا الصباح حزين، حزنه أكثر من أن ينجح عقلي في القبض على أسبابه و فهم طبيعة الكرة التي تحطّ على صدري و تمنعني من الكلام أو الحركة إلا بما تستلزمه الحاجة.
الحقيقة تضيق..
أمدّ يدي إلى الجيب الخلفي لجينزي وأسحب الموبايل الأخرس. أبحث عن رسالة منسية أتت من بعيد أو مكالمة لم أنتبه لها..لا شيء..وحدتي تتسع، أملي يضيق..
صوت يشدّني ويشدّ كل من في الشارع، تطل هياكل من الشرفات وتشرئب أعناق
وتتطاول أجساد لترى مصدره. يقترب الصوت مني أكثر حتى يحاذيني:
تحيا الديكتاتورية، يحيا الظلم، يحيا الجنرال(س)، يحيا الجنرال(ع)، يسقط الشعب."
الرجل الخمسيني الذي يقف جواري ويحدّق في الوجوه بعينين متقدتين، يصوّب يده إلى المقاهي المتجاورة والمتقابلة و المتوالدة مثل فطر و الملآى في مثل هذه الساعة وكلّ وقت. ينطق بصوت رزين هادئ وقوي:
تسقط يا أيها الشعب..كم أنت رخيص!"
تتحرك الرؤوس في أربع اتجاهات. شرق يصدّه غرب وجنوب يصدّه شمال. تُمَصمَص الشفاه و تعضّ بعضها ولا أحد يردّ..اللغة تضيق..يمضي الرجل ذو البذلة البنية والمعطف الأسود واللحية التي تبيّض و العينين اللتين نظراتهما تضيق..تتسع الهمهمات ويصّاعد لون تعب، يمتزج بلون سماء أول الربيع.. أو سماء آخر الشتاء.. ثم ينزل على خاصرتي يدين تقبضان وتضغطان. تنز مني دمعة أقتلها خلف نظارات سوداء و أكتم صرخة..
الوطن يضيق..الوطن يضيق..!وحده فستان الشيفون الأحمر، الذي أمضيت وقتا أجمع المال لأشتريه، أضحى أوسع من مقاسي بكثير أو أن..جسدي أيضا يضيق..
تسارع البائعة وهي تثبت دبابيسها على الكتفين وجانبي الخصر:
- سنعدله وفق مقاساتك الجديدة..
- لا أريده، كرهت الأحلام المعدلة.
فتحت حقيبتي، نظرت إلى الأوراق المالية التي أخذت من وقتي و جهدي الكثير، وبصقت فوقها.
تطايرت من حقيبتي فقاقيع كبيرة، بداخلها وجوه وأسماء و أمكنة وأزمنة و ذاكرة عمر يضيق...
التعليقات
الفرح عندما يخون
سراب علوان -الى اسيااحببت ما كتبت يا اسياحول العالم الذي يضيق رغما عنا ورغم محاولاتنا البائسة للبحث عن متسع من الامل.تذكرت يوميات الحزن العادي لمحمود درويش وتحديدا الفرح عندما يخون:علموك ان تحذر الفرح لان خيانته قاسية فمن اين ياتيك فجاة؟
وطن من ثقب الباب
ميلود حميدة -أسماء و أمكنة و أزمنة و ذاكرة عمر يضيق .. و هذا ما نشمه في رائحة التراب و رائحة الأشياء المتناثرة حولنا .. الأبواب و النوافذ .. أجساد المارة .. حرقة الكلمات التي لا تصل .. الدموع المستحيلة ..إن مفاتيح النص تكمن في تجسيد معاني الأزمة النفسية التي تتصارع بين أشكال القرب و البعد .. و الحب و البغض .. تلك الهاوية التي تحدق في تركيز الحواس .. و الفاصل يتجسد في غرق الشخوص المضمرة في شخصية الرجل الخمسيني .. دولاب الحياة الوطنية المتجدد بالجمود .. هذا النص يزيد في رغبة المتابعة لقلم يستحق الثناء ..
أسيا تنطلق من ذاتها
جمال غلاب -أسيا أختي الغاليةمحبتي و تقديري كتابات أسيا في مجال جنس القصة تستحق الكثير من الاهتمام ...بل تستحق أن تقرأ قراءة متأنية و صابرة لأنها بالمختصر المفيد تكتب بصدق ما يوجعها و أنا اتابع ابداعاتها على مدار عشر سنوات لاحظت أن صدقها و مصداقيتها في سردها تحاول تعبير عن نفسها من خلال معاناة الأخرين .....و أسيا اضافة الى كل هذا في كتاباتها لا تنطلق من اديلوجية بل هي تنطلق من ذاتها لرسم رؤية متفردة لابداعها و هذا هوالمبدع الحقيقي في نظري ...و النص موضوع تعليقي لا ينأى على ما سلف ذكره من انطباعي دمت الرائعة أسيا انهارا تتدفق بالحب و الابداع و دامت روحك بهذه العذوبة ترفرف فب نصوصك الجميلة جمال غلاب
شوارع لا تحتمل خطوة
طارق الكرمي -صديقتي آسيا علي موسى..لقد مشيتُ معكِ او كنتُ امشي معك في المكان..الجميلُ هو الملامسة المثستمرة والغير منقطعة في النص...أي كنتُ اشتمُّ الروائح معكِ..كنتُ أتلفّتُ كطائرٍ بلا ريشٍ...جميلٌ هي الظلالُ التي ما بعدَ هذا النصأصافحكِ يا آسيا
الوطن في انتظار
جبور ام الخير -هل هو ضيق يمس الجميع؟و يشمل كل الموجودات؟هل تسبب الوطن في تضييق الحرية و الأمل و الضمير و الخير و السعادة و كل شيء جميل ،أم حدث العكس و حينما ضاقت المبادئ ضاق الوطن من جراء ذلك؟ هل نملك الجواب بل هل نملك الشجاعة أن نطرح السؤال؟و ما جدوى من ذلك؟الأكيد أن الكلمة الصادقة توسع مساحة الوطن و الانسانية في الانسان .و قصة "إنها تضيق"أكثر من كلمة إنها كلمات بيضاء لم يدنسها الراهن و التزييف و العبث التافه المتلف، جميلة جدا هذه القصة يا آسيا.
أحس بك أختي
خالد ساحلي -الحقيقة لا نصل إليها بالفهم المباشر،ولا اليقين نصل اليه بالمباشر و الذي نصل إليه بسهولة الواقع والممكن يكون اللحظة التي تتقلص لتصبح في اللاشعور، كم هو مؤرق حالنا، الإنسان الذي يملك الامكانيات لا يفعل شيء و لا يستطيع حتى ولو اراد والفاقد لها اختنق، في النهاية أختي وصديقة الحرف الحقيقة لا تهب نفسها هكذا بل تدل على طريقها لا غير، هي غير متاحة لأنها تعطي الحرية في النهاية كل المعالم تدل على نقطة واحدة، هي النقطة التي نتوق لها لأجل أن نرضى بالذي يتدرج نحو النور ولادة حية... في الأخير تريدين فستان أحمر شيفون حين يغسل و يعطر ويكوى يصير ينافس الجديد بل متألق من الجديد.. إننا نريد روح الأصلي مهما كان فيه رائحة قديم لأنه يتجدد او قابل للإستمرار على غرار المغشوش مهما كان براقا.... معانقة أخرى لنص وكما قلت لك سابقا لا يمكنك الهروب والاضراب عن السرد.
المهم ان لا نختنق ..
فارس كبيش -ثمة كذبة جديدة تتسع وحقيقة قديمة تضيق ثمة اشياء يمكن ان نفقدها واخري لا يمكن ان تضيع منا مهما حدث .. مهما حدث فان الابجدية لن تضيق بنا .. لانها تحت بشرتنا التى احرقت شموس الانتظار الف تحية للغالية آسيا ..