ثقافات

الغروب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أولا
على الساحل، وعلى بعد أمتار من الجرف الصخري، يبرز نتؤ، على شكل تلة صغيرة، شكلته عوامل التعرية فأصبح معلما جغرافيا جميلا كان يقضي وقتا يرقب من خلاله البحري وقت الجزر، وقبل قدومه للساحل، يستعد كاستعداده للصيد.يرتدي، ملابس البحارة المعتادة، والعصا لا تفارق يده، ويحاول قدر الإمكان، إن لا يسبقه احد، إلى هذا المكان، حتى إن البعض أخد يعلق عليه قائلا ــ المكان محجوز للشيخ ــ وفي كل المساءات التي تعود إن يكون هناك البحر، يغرس عصاه في الرمل ويشبك يديه على رأسها المنحني على شكل قوس، واضعا حنكه عليها، ليرقب الأفق البعيد، اللامتناهي في عمق البحر كان حديثا طويلا وعتاب مرير، مع هذا الكم الهائل من الأمواج. التي تضرب الجرف بإيقاع متناغم، أحيانا يميل إلى العذوبة، تسترخي معها كل عضلات الجسم،... وتراها أحيانا تميل إلى الصخب، تصفع الصخور، كأنها في عراك دائم، فتحدث رغوة، سرعان ما تنحسر... كل هذه الأمور لا تثنيه عن التفكير في الماضي البعيد بعد الأفق الذي ابتلع أجمل أيام صباه، تراه يتناغم مع أفكاره، يرفع العصا بقوة، ثم يغرسها في الرمال، يتجهم تارة، وكأنه يشد الحبال ويحول الشراع باتجاه الريح... وبسرعة فائقة تبدو على محياه، علامات الارتياح، وتلوح على وجنتيه ابتسامة عريضة تأتي بعد جهد وهو يقلب صفحات تلك الليالي الصافية بالأغاني البحرية الشعبية، يدس يده اليمنى في جيب معطفه، يخرج تباغته ينقرها بسبابته، ليسوي ما بداخلها من تبغ، يفتحها بيد مرتجفة بحذر، يخرج ورقة (البافره) يملاْها تبغا، يمد لسانه وبطرفه المدبب الأصفر يخرج سائلا لزجا، للصق الورقة، تجري هذه العملية بسرعة، وبدقه لأنها وسيلته الوحيدة، التي اعتاد عليها، يشعلها بقداحة نفطية ينزل من صخرته، إلى حافة المياه تلامس قدماه المو جات المتكسرة لتغسل قدميه... يجلس القرفصاء.يحرص إن لايفوته منظر غروب الشمس يدقق بقر ص الشمس وهي تلامس مياه البحر، وترسل خيطا متلالا يمتد من حافتها السفلى إلى الشاطئ، حيث يتكسر تحت قدميه.. يأخذ قطعة من القواقع المنتشرة على الشاطئ.. يرميها بقوة محدثا دوائر صغيره تمتد إلى بعيد محاولا إن يعيد للشمس خيوطها.. لكن لايفلح..إنها كالسراب.. تنزل الشمس إلى الماء.إنها تغسل نفسها من خطيئة الأرض بمياه البحر، يشعر هو بالبرد أيضا وكأنها تأخذ جزء منه، تسلبه يوما من حياته، بالرغم أنها أخذت كل حياته بين شروق وغروب..يبتلعها البحر، يقف إجلالا ليودعها.. لكنه استدرك قائلا.. لازلت قادرا على المشي، سألقاك غدا ولي معك حد يثا أخر... انسحب قبل إن يأتيه المد ويضل الطــريق...!! ثانيا
وعلى غير عادته هذه المرة، حزم أمره مبكرا، ارتدى ملابسه تناول عصاه، واتجه نحو الشاطئ، وهو يهمهم بمواويل البحر، رفع رأسه تجاه البحر، رآه هادئا...!! إلا من بعض الموجات الصغيرة، وهي تأتي متسارعه لتتكسر على الصخور، حدثه قائلا:ــ
ـــ ما بالك اليوم على غير عادتك..!؟ ويجيب نفسه
ــــ عسى إن تكون رائقا، حتى نستمع لبعضنا جيدا!!
انحدر بحذر بين الصخور ليصل إلى مكانه، قفزت لديه فكرة،، لماذا لا يغير مكانه؟ ليكن أكثر ارتفاعا حتى يتمتع بالغروب، زم شفتيه، رأى إن الفكرة قد تسبب له مشكلة، وهي إن عدم قدرته، الوصول إلى أشعة الشمس، وهي تأخذ طريقها لملامسة الماء. صعد المرتفع الصخري، أحس انه قد تحرك إلى أمام، سال نفسه:ـ
ـــ هل المد سحب الصخرة إلى الإمام،، كما سحب قلبي الوحيد في لحظة من لحظات غضبه العنيفة.!! أو ماذا؟
لا ادري المهم، إنا اجلس الآن وجها لوجه معك أيها البحر العظيم، أعطيتني الكثير، وأخذت مني الكثير، أظن نحن متعادلان، الآن، رفع رأسه إلى قرص الشمس رآها تسرع في المغيب ليس كعادتها..حدث نفسه:ـــ إن سرعة الغيوم، ومرورها على وجهها الباهت، يخيل إلي أنها تسير بسرعة؟ ثم أردف قائلا:ــ
بان عليك الكبر أيها العجوز!!.
استقر بجلسته، وهو يتكأ على عصاه، ويمد ببصره إلى الأفق يلتقي مع قرص الشمس الهارب.... إلى عمق البحر وهي تأخذ دفأها الوردي من الأرض، الذي يميل إلى الصفرة، وعندما تقترب من حافة الأفق، ينزل هو إلى الساحل.ليغسل قدميه بالموجات المتكسرة تعقبها موجات أخرى متسلسلة، يتناول أصداف من القواقع ويرميها لتشكل دوائر متعددة، يخيل إليه أنها تصل إلى القرص الوردي النازل إلى البحر، يمد يديه يحاول أن يمسك بها حتى لاتغيب بسرعة فلم يفلح.تتراخى ركبتيه، ويجلس القرفصاء، وهو يتكئ على عصاه وينظر التقاء السماء بالماء، إلى الماضي عسا ه إن يعود وهو يحمل اللؤلؤ... لكنه حمل إليه الصدى والردى، غاب قرص الشمس والشيخ لا زال جالسا، حتى أدركه المد، وساد السكون والظلام الشاطئ، ولم يسال عليه احد.....!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف