الدور الثقافي للمسرح الإبداعي في المسرح التجريبي
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة: د. هناء عبد الفتاح
شعر الممثل صاحب الخبرة والتجربة، واللاعب الدور الرئيسي، شعر بشكل حدسي/ غريزي بما حدث!! وعلى الرغم من عجز مكبرات الصوت إيصال صوته للجماهير، إلا أنه بعد لحظات قصيرة ـ تعد دهراً (ردحاً) طويلاً من الزمن فوق خشبة المسرح ـ واصل أداءه للمونولوج المسرحي. وحدثت المعجزة: سكنت الجماهير وصمتت، توقفت محادثاتهم العابرة، سكنت أرجلهم عن احتكاكهم بالأرض، وأصغت آذان آلاف عدة من البشر في صمت مطبق الى صوت حي ـ من دون مكبرات صوتية ـ يتجه بقوة نحو السماء المتخمة بالنجوم. لقد أصبح هذا الخطأ التكنولوجي حجر أساس في تشييد النجاح الفني لهذا العرض المسرحي، وانتصار للروح والفن على التكنولوجيا والمادة. إنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن هذا الحدث قد جعلنا نرى في خلاصة ميتافيزيقية، ماهية العلاقة بين فن المسرح والتكنولوجيا الحديثة؟! إنه يجعلنا نعي ما هو جوهر المسرح والتجريب المسرحي من جانب، ومن الجانب الآخر الوعي بما هو مجرد كونه وسيلة وأداة لتجسيده فوق الخشبة. إن استخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة، والاكتشافات العلمية المعاصرة في العمل المسرحي بعينه هو عرض تجريبي. فالمصطلح ذاته "المسرح التجريبي" يمكن لنا تفسيره، إذا فهمناه وفقاً لمعناه الحرفي الذي يصاغ من بنية هذا المصطلح ومشتقاته. ومن وجهة نظري الذاتية، لديّ انطباع ـ ليس منفصلاً عن يقين الداخلي ـ من أن المسرح إما أن يكون تجريباً أو لا يستحق أن يسمى "مسرحاً". إننا نقدره باعتباره فناً، وواحداً من أهم الوسائل ـ بجوار العلم والمعتقدات ـ لتعرف الإنسان على ذاته، ومحاولة تفهم عالمنا المحيط بنا. فالمسرح إذن هو تجريب متواصل، تتوالى عليه تغيرات في "الفورم" أو الشكل يكون في معظمها فجائياً ومرناً، بينما يكون جوهر العمل المسرحي وموضوعه الأساسي ـ عبر تراكمات الحقب الزمنية عليه، ولقرون تالية ـ هو "الإنسان"!
المتناقضات
منذ بضع سنوات مضت؛ وفي احتفالية اليوم العالمي للمسرح؛ كتب المسرحي الألماني "تانكريد دورست ـ Tankerd Dorst": (...) دائماً ما نتساءل؛ هل المسرح يلاحق الزمن؟! عبر ألفي عام جعلنا المسرح نرى ـ تماماً كالمرآة ـ العالم ومكاننا فيه. فالتراجيديا ـ وغالباً الكوميديا أيضاً ـ جعلتنا نشاهد أن ما يحكمنا هو "القدر". وأن الإنسان ليس بمتكامل، يرتكب الأخطاء الفادحة، يتصادم مع المتناقضات، يشتهي السلطة، يرينا المسرح بأنه ضعيف، مخادع، ساذج، سعيد في جهله. ويظهر في الأفق نوع أو جنس آخر من الوجود الإنساني، يمكن صنعه، وإنتاجه عن طريق علم "الجينات" الذي يتحكم في توجيه مسارات الإنسان عن طريق استنساخه بشكل مثالي. هذا الإنسان المثالي ـ إن وجد ـ لن يكون في حاجة الى مسرح مثل ذلك الذي نعرفه. لن يكون بمقدوره تفهم تلك الصراعات التي تقوده وتحركه".
أريد أن أتحدث هنا ـ ولكني أختار أقل المسائل خلافية ومثيرة للجدل والنقاش ـ عن القيمة الفائقة غير العادية لاختلاف المسرح عن العلم والمعتقدات، وهي أن المسرح في اختلافه عن المعتقدات أو العلم، لا ينشغل بتوصيف تاريخ الظواهر؛ التي كان لها دور فاعل في الماضي، ولكنه يرينا الظاهرة ذاتها، يرينا الإنسان في لحظة حدوث هذه الظاهرة، وفي لحظة تغيرها. لا يوجد أي فن آخر كالمسرح؛ أو أي فرع من فروع العلم، ولا حتى المعتقدات نفسها بقادرة على أن تمنحنا فرصة لاقتراب حميمي يتّسم بهذه الاستثارة السيكلوجية مثل "دراما الوجود الإنساني".
كانتور
عندما سئل المبدع المسرحي البولندي الكبير "تادووش كانتور ـ Tadeusz Kantor"، لماذا يظهر بنفسه فوق خشبة المسرح في أثناء عروض مسرحه؟ أجاب بأنه في اللحظة النهائية لتقديم الإبداع المسرحي فوق الخشبة، في لحظة انكشاف الممثل أمام جمهوره، نجده منزوع السلاح، وهو كأنسان في حاجة الى حضور الإنسان الآخر. لأن المسرح الحقيقي، ذلك المسرح التجريبي الجاد، ليس مجرد نمر حواة، وليس بتهريج رخيص، بل دراما إنسانية معاشة هنا، وفي اللحظة الآنية".
وعندما نجلس في قاعة المتفرجين، فإنما نكتشف أنفسنا في موقف أقرب ما يكون الى زيارتنا لشخص مريض مرضاً ثقيلاً. نحن لسنا بأطباء، ولسنا بقادرين على مساعدته، ولكن يمكننا أن نكون مع هذا الشخص في أثناء البروة، في اللحظة التي يصارع فيها هذا الشخص المرض المميت. إن المرض المميت للمسرح هو التعوّد، في تحجّر قوالبه وتكلّسها، في تعوّده على المسلّمات، والتي تحتاج في معظمها الى حلول فاعلة. إن ظاهرة التحرّر من قيود ذلك "المتعارف عليه"، تعدّ ظاهرة نادرة. فبعض الممثلين يقوم بأداء إيماءات مفرغة خالية من المعنى، والبعض الآخر يبيع نفسه لوسائط (ميديا ـ media) أخرى، حيث يربت الممثل على جمهوره ويتملّقه، يسير في توافق فريد مع "الثقافة الشائعة ـ commen culture". وليس هذا بالشيء الذي يعاقب عليه، لأن الإنسان ـ والفنان على وجه الخصوص ـ هو وجود يتّسم بالخيلاء والغرور، يتعطّش الى الاعتراف به والوصول الى أعلى القمم، تماماً مثل السمكة في المياه. ولا يمكن لنا سجن الفنان في "بدروم"، أو نضع من حوله الأسوار التي تبعده عن العالم. لذلك فإن تطوّر "التكنولوجيا"، خصوصاً "تكنولوجيا وسائل الاتصال"، تسبّب عنها في أن العالم قد تقلّص وصغر. قيل ـ في وقت ما في بولندا ـ إن العبقري يأتي من الأقاليم. فالفرديات الشهيرة، والتي وهبت الشعور برسالة التبشير، ولا تملك قدرة إيجاد نفسها داخل البنية الرسمية (الحكومية)، قد هاجرت ـ جغرافياً الى الخارج، أو هاجر في الداخل. ولقد راهن "تادووش كانتور" في عمله الإبداعي على ممثليه غير المحترفين ـ أبناء الطبيعة غير المشكلة، أما ييجي غروتوفسكي ـ الذي ليس من الضروري التذكير باسمه ـ لم يبدأ عمله الابداعي في مسرحه المعملي بالعاصمة "وارسو" أو بالمدن الكبرى مثل "كراكوف ـ Krakow" أو غيرها، بل بدأها في اقليم "اوبولي ـ Opole" الصغيرة وشيد مسرحه هناك: "مسرح الـ 13 صفاً. في تلك الحقبة الزمنية الصعبة بالنسبة للفنانين البولنديين، والتي تسمى "بزمن التخفي"، كان العثور على مأوي داخل هذه الأقاليم هو الطريق الأسهل. ولم تعد المشكلة في الوقت الحاضر في الهجرة فقط، بل حتى ايضاح تساؤل ملح: أين موقع هذه الأقاليم؟ ففي حيز المنطقة الثقافية وحدودها يختفي رويداً رويداً معنى هذا المصطلح "الاقليم". لقد اصبح من الصعوبة بمكان الاختباء أمام العالم، ليكون بمقدور الفنان العمل بهدوء، أن يسعد بما يبدعه، ان يجد الـ"تون" الصحيح غير التائه في شغب هذا العالم المحيط به واضطراباته.
مرة أخرى أعود الى المقولة المقروءة للكاتب المسرحي الألماني "تانكريد دورست". يكتب قائلاً: "المسرح هو فن ملتهم وفي ذلك قوته. بلا خجل او استحياء يستغل كل ما يلمسه ويقع ما بين يديه. يكسر مبادئه الذاتية. يخضع بالقطع لكل ما هو "موضة"، يتوغل داخل الوسائط الأخرى. أحياناً ما يتكلم ببطء، وأسرع في أحيان أخرى. يتلعثم ويصمت. انه متطرف ومبتذل (تافه)، خبيث ماكر: يقطع من أوصال الرواية الأدبية، وفي الوقت نفسه يبدع شيئاً جديداً منها. إنني واثق من ان المسرح دائماً زاخر بالحياة ـ اذا كان بمقدورنا ان نشعر بالحاجة الى اظهار: كيف نحن، وما لسنا نحن عليه، وكيف ينبغي ان نكون!!".
ميدانياً
تخفي هذه الأقوال مضامين بسيطة: يحتضن "المسرح" كل ما يقدمه العالم، لكنه لا يستسلم لفوضويته او زيفه ـ انه يحمل في قبضته كل ما يقدر عليه، من أجل التعبير عن نفسه كاملاً.
كيف تبدو هذه الظاهرة عملياً؟!، كيف يمكن لمبدعي المسرح البولنديين "الحداثيين" ان يبدعوا تطبيقيا "تجريبهم المسرحي"، و"معلمهم المسرحي"؟ في بحثي ـ وليس هذا الملخص ـ أتناول طرق ابداع فرقتين مسرحيتين بولنديتين، الأولى: تقدم العرض المسرحي "موروسوفوس ـ Morosophus" وهو أحد العرضين الممثلين لبولندا، والفرقة الثانية هي فرقة "فيرشالين ـ Wierszalin"، أما الفرقة الأولى فتاريخها حديث، وهي تتكون من شباب مبدعين لا تزيد أعمارهم عن خمسة وعشرين عاماً. أما الفرقة الثانية "فييرشالين" فهي فرقة مسرحية معروفة لها تاريخها المسرحي الطويل، ومعترف به في بولندا، واوروبا، ويقدرها اخصائيو "المسرح البديل ـ (Theater alternative) في العالم كله. وليس من الصدفة ان اخترت في بحثي هاتين الفرقتين! فما يعنيني هنا هو نوع التجربة المسرحية المغايرة لكل منهما، فهما غير متشابهين في "الموديل" المسرحي الذي تقرحانه، ويفرقهما "التشكيل" والصياغة المسرحية المختلفان، والتي لا تسمح على المستوى العملي بالوفاق بين جيلين من المبدعين. باختصار شديد لقد بحثت داخل ابداعات هاتين الظاهرتين المسرحيتين اللتين على الرغم من اختلافهما، الا انني وجدت ثمة رابطة تربط فيما بينهما: إنها مسارح تنضوي تحت مسمى "التجريب" بكل ما يعنيه هذا المصطلح؛ وهي تعد مثالاً جيداً لتلك المسارح التي تتعامل في تناولاتها المسرحية مع "التكنولوجيا الحديثة". عن تجربة الفرقتين يمكن للقارئ ان يجد في البحث المطول ما قصدته.نقلا عن "المستقبل" اللبنانية
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Experimental theatre
Nizar -Live performance is the most important vehicle that could engage and envisage the human''s view to the world. It great to see some one like Dr. hana translation and to discover the personal cultural background behind it.