ثقافات

مصطفى خليفة في القوقعة.. خيبات أمل وتكثيف للمألوف

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

جورج جحا من بيروت: قراءة رواية "القوقعة.. يوميات متلصص" لمصطفى خليفة قد تخلق في نفس قارىء او ناقد من المخضرمين شعورا بخيبات امل من اكثر من ناحية.

الناحية الاولى قد تتمثل في ذلك الشعور الذي يرافق القارىء في معظم الرواية وهو شعور بأن ما يقرأه -على رغم قدرة الكاتب الاكيدة على السرد والتصوير- لا يحمل إليه جديدا في محتواه ولا في اسلوبه. بل ان هذا النوع من القراء ربما استطاع باستمرار ان يتكهن بما يود الكاتب ان يقوله وان يدرك النتائج التي يريد التوصل اليها. فكأن كثيرا مما يورده يكاد يشكل منظرا مكررا معادا.

وربما نسب القارىء هذا الشعور الناتج عما قد يصح ان يوصف بانه اقرب الى عملية "تكثيف للمألوف" الى كاتب الرواية من هذه الناحية.. بمعنى انه لم يحمل الى القارىء ما يختلف جديا عما يعرفه من "واقع رهيب" وانه زيادة على ذلك حمله اليه بطريقة ليست ذات شخصية مميزة روائيا. ولعل مسؤوليته هنا هي اعظم من مسؤوليته السابقة.

الا اننا اذا نظرنا الى ناحية اخرى نجد ان هناك ما هو اشد فجيعة مما اخذناه على الكاتب وهو ان عالمنا العربي الحالي نفسه -كي لا نبتعد جغرافيا أبعد من ذلك- لا يزال والى حد بعيد يقوم بعمليات "تدوير" او اعادة انتاج او بعمليات استنساخ كما يقال للمفجع والوحشي فيه خاصة في مجال حقوق الانسان.

ربما خطرت في البال عند قراءة رواية مصطفى خليفة كتابات عديدة من ابرزها "شرق المتوسط" لعبد الرحمن منيف. وربما ابتعد بعض القراء في الزمن الى ابعد من ذلك الى منتصف العقد الاول من خمسينات القرن العشرين الماضي فتذكر عملا "رهيبا" من هذا النوع لم يحظ بانتشار كبير وواسع هو "تسجيل" روائي حي كتبه سوري اخر هو اسماعيل بطرش عن الحياة الكابوسية في عالم السجون المخيف وعن ضحاياها سجناء الرأي. هذه الفجيعة الكبرى تتمثل في ما يحمله لقول المألوف "ما اشبه الليلة بالبارحة".

صدرت الرواية عن "دار الاداب" البيروتية في 382 صفحة متوسطة القطع. يمكن اختصار الرواية بالأسطر القليلة التي حملها الغلاف وهي "رواية تسرد يوميات شاب ألقي القبض عليه لدى وصوله الى مطار بلده عائدا اليه من فرنسا وأمضى اثنتي عشرة سنة في السجن دون ان يعرف التهمة الموجهة اليه.. انه الظلم والفساد والقساوة التي لا تقرها شريعة... واساليب التعذيب التي لم نقرأ لها مثيلا من قبل." ولعل الكلام الاخير هو مما لا يوافق عليه القارىء "المخضرم" الذي اشرنا اليه والذي ربما كان لسان حاله كما يقال في العامية "بلى.. عشنا وشفنا" بل "شفنا كتير".

مصطفى خليفة رغم كل ذلك يكتب بتشويق وان لم يرو "جديدا" كل الجدة اجمالا. بعد بداية الرواية يذكرنا خليفة في شكل او اخر بصورة من رواية فرانس كافكا الشهيرة "المحاكمة" وضحيتها ذلك الانسان البريء ينقله رجال الامن فيشاهد مدينته في رحلته الاخيرة.

يقول بطل مصطفى خليفة "اثنان من رجال الأمن استلما جواز السفر وبلطف مبالغ فيه طلبا مني مرافقتهما. انا وحقيبتي التي لم ارها بعد ذلك.. ورحلة في سيارة الامن على طريق المطار الطويل وارقب الاضواء على جانبي الطريق ارقب اضواء مدينتي تقترب."

يسأل البطل احد رجال الامن ببراءة "خير ان شاء الله.. لماذا هذه الاجراءت؟" أما رجل الامن فانه "يصالب سبابته على شفتيه. لا ينطق بأي حرف. يطلب مني السكوت.. فأسكت. رحلة من المطار الى ذلك المبنى الكئيب وسط العاصمة."

يحكي بطل الرواية عن "حياة" السجن والاذلال والتعذيب بتفاصيل جنونية تكاد تكون مما يعرفه الانسان العربي المعاصر معرفة لم يعد فيها ما هو جديد له. يروي قصته وقصة صديقه وزميله الذي خرج الى الحرية بعد سنوات طويلة فلم يستطع التكيف فانتحر.

اما البطل فعاش بعد اطلاق سراحه حياة كأنها الموت. لعل الشاعر الراحل خليل حاوي عبر باختصار بليغ عما يشبه هذه التجربة وان في عالم من الرموز بقوله "رد باب السجن في وجه النهار/ كان قبل اليوم يغري العفو او يغري الفرار." وفيها يتساءل حاوي عن غاية السجان العاتي "اللعين" من الافراج عن ضحيته فيقول عنه انه "جاء بالعفو عقابا للسجين."

اما "السجين الواقعي" عند خليفة فيخرج من سجنه الى عالم متغير مكانا وبشرا مما جعله يفقد الاهتمام بالحياة.

في القسم الاخير من الرواية يقول بطل خليفة "...احمل مقبرة كبيرة في داخلي.. تفتح هذه القبور ابوابها ليلا... ينظر الي نزلاؤها يحادثونني ويعاتبونني.. اشرب العرق يوميا يا لينا.. لكي انام. مضى عام كامل ولا زلت ارى نفسي عند استيقاظي في السجن الصحراوي. هل يمكن القول انني خرجت من السجن قولا وفعلا..... في السجن الصحراوي شكل خوفي المزدوج قوقعتي التي لبدت فيها محتميا الخطر. هنا -ويسميه السجناء عالم الحرية- خوف من نوع اخر وقرف. ضجر..اشمئزاز.. كلها شكلت قوقعة اضافية اكثر سماكة ومتانة وقتامة.. لان الامل بشيء افضل كان موجودا في القوقعة الاولى.

"وتزداد سماكة وقتامة قوقعتي الثانية التي اجلس فيها الان. لا يتملكني اي فضول للتلصص على اي كان. احاول ان اغلق اصغر ثقب فيها. لا اريد ان انظر الى الخارج. اغلق ثقوبها لاحول نظري بالكامل الى الداخل.الي انا..الى ذاتي وأتلصص."

رويترز

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وقفة مع ماكتبه في القوقعة
محمود عاشور -

لم يلتقي خليفة مع سجناء الاخوان وهو ليس نصرانيا هو يروي عن غيره من خلال قصص سمعها فانشأ رواية تشويقية وتحدث فيها عن القتلة الذين يقتلون الكفار داخل المهجع ومن جانب اخر يذكر الالم والضيق والضنك والخوف الذي يمنع احدا ان يتصرف اي تصرف ولو بكلمة او برفع صوت وفي هذه النقطة ظلم للمظلومين الذين سجنوا واستمر سجنهم خمسة وعشرين عاما بالقهر والجوع والخوف والاعدام والامراض ثم يصورهم على انهم ارادوا ان يقتلوه ويصفوه وهذا كلام مجاف للحقيقة وما ذكرته الان على عجالة ساكتبه بالتفصيل من خلال ثمانية عشر نقطة وملاحظة تأكد ان مصطفى خليفة لم يكن في تلك الاحداث التي ذكرها بروايته ولا حتى وصف المهاجع والسحات لم يكن صحيحا هو حفظ القصص لكنه لم يحفظ جغرافيا السجن من الداخل للمهاجع ومن خارجها وكذلك الساحات