ثقافات

ديوان الزنادقة وإعادة الإعتبار للمنشقين!!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منير بولعيش من طنجة: بعد تحقيقه لكتب (الروض العاطر في نزهة الخاطر للنفزاوي، و نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب للتيفاشيّ، و النصوص المحرمة لأبي نواس، و كتاب الحمقى والمغفلين لابن الجوزي) أصدر الباحث و الشاعر و المترجم جمال جمعة (بغداد 1956) كتاب (ديوان الزنادقة)، و هو الكتاب الذي تشعر بعد أن تفرغ من قراءته بالجهد الكبير الذي تم بذله و لا شك في تقصي هذه (الحفريات الشعرية) المسكوت عنها و التي تجعلنا نعتقد أن تاريخ الشعر العربي الحقيقي هو التاريخ الغير المدون أو التاريخ الذي تم تهميشه و تحريفه و تزييفه بسبب خروجه على المواضعات و الوصايا و الأعراف، و لقد استهل جمال جمعة هذا الكتاب الذي صدر عن دار الجمل في 271 صفحة من القطع المتوسط بمقدمة عمد فيها إلى التمهيد للظروف و السياقات الإجتماعية و الدينية... التي ظهرت فيها هذه الأشعار، حيث يقول أنه حينما انبثق الإسلام في جزيرة العرب لم ينبثق من بيئة جاهلة كما روج دائما لذلك، بل كانت بيئة مدنية تؤمن بالتعدد المذهبي و الديني (الوثنية، اليهودية، النصرانية، الصابئية، الحنفية، المجوسية) حيث كانت مكة وقتها مثالا حيا على التنوع و الإختلاف، و هو الأمر الذي جعل الإسلام عند بدء دعوته لم يتعرض لأية مقاومة لكون الجزيرة العربية كانت دائما منبعا متجددا لأنبياء ظهروا ثم مضوا، و بالرغم من أن قريش لم تكن غافلة عن هذا المكون المذهبي الجديد الذي بدأ يتشكل في مكة، لكنها لم تأذي الرسول أو من اتبعه لأنه كان من سجايا العربي حينها التسامح في الإختلاف في الرأي و بغض التقاتل على قضايا لا تؤذي الشرف و لا تخدش مكانة الإنسان في مجتمعه لكونه كان مجتمعا له قابلية قبول و هضم مختلف الديانات و المذاهب، و يذكر جمال جمعة أن المحاورات التي وثقها القرآن بين المشركين و النبي تفصح في الواقع عن حياة عقلية قوية و اطلاع ثقافي واسع على أفكار الديانات المختلفة و الميثولوجيا المتداولة هناك، فجدال المشركين و مقارعة الحجة بالحجة و الرد على الخصوم الفكريين الأساسيين (ماديوا العصر الوثني الخالي) للدعوة الجديدة تشغل مساحة واسعة من السور المكية في القرآن، و يرى إلى أنه و بعد استفحال العداوات بين الرسول و قومه كان لا بد له من الخروج من مكة و هجرها و شد الرحال توخيا للسلامة و بحثا عن حلفاء جدد في يثرب التي كانت آنذاك معقلا لليهود و حلفائهم فهادنهم الرسول أول الأمر، إلا أن ذلك الحلف لم يدم طويلا بعد أن بدأت الخلافات العقائدية بالتفجر، فانتهى الأمر بتصفيتهم سواء عن طريق التهجير الجماعي(بني قينقاع و بني النظير) أو عن طريق الإبادة الجماعية (يهود بني قريظة)، أما فيما يخص أهل مكة فقد دخل الرسول معهم في جولات قتالية انتهت بدخوله إلى مكة مدشنا عصر التوحيد الذي قضى فيه على التعددية المذهبية و الفكرية.
بعدها سينتقل جمال جمعة للحديث عن دور الشعر خلال هذه المرحلة و التي كان حاضرا فيها بقوة سواء من جهة المسلمين الذين كان يمثلهم حسان بن ثابت أو من جهة الملحدين، و يذهب الباحث إلى أن تيار الزندقة لم يهدأ في صدر الإسلام بل كان دائما ما يعبر عن نفسه على ألسنة الشعراء و يتمثل في الحنين إلى شرب الخمر و الشك في مسائل المعاد و الفناء و التبرم من الفروض الدينية و التوق للأيام السالفة، و تعزز هذا التيار بدخول الأجناس الأخرى ذات المرجعيات الثقافية المختلفة في الإسلام التي رأت في (التزندق) الثقافي الطريقة المثلى للتمرد على سطوة العرب و ليتبلور هذا التيار في العصر العباسي إلى تنظيم فكري رصين يحاور و يناقش و يؤلف الكتب لدحض النبوة و تسفيه الشرائع و نقد القرآن مما اضطر بالمهدي ثالث الخلفاء العباسيين إلى إنشاء (ديوان الزنادقة) لغرض مطاردتهم و تعقبهم.
و يرى الكاتب أنه فيما يخص هذه القصائد و الأشعار فقد توزعت على كتب تراث متناثرة: (تاريخ الإسلام للذهبي، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، أخبار مكة لأبو الوليد الأزرقي، الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري، الأغاني لأبو فرج الأصفهاني، السيرة النبوية لابن هشام، طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي، البداية و النهاية لابن كثير، البيان و التبيين للجاحظ، الحور العين لنشوان الحميري، معجم الأدباء لياقوت الحموي، رسالة الغفران لأبو العلاء المعري، الأحكام السلطانية و الولايات الدينية للماوردي، تاريخ الأمم و الملوك للطبري، الكامل في التاريخ لابن الأثير، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، أنساب الأشراف للبلاذري، كتاب المغازي للواقدي، تاريخ الإسلام للذهبي، تفسير القرطبي للقرطبي، الإستيعاب في تمييز الأصحاب لابن عبد الرب القرطبي، نسب قريش لمصعب الزبيري، تهذيب الكمال في أسماء الرجال لجمال الدين المزي، جمهرة اللغة لابن دريد، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل و التوالي لابن عبد الملك بن المعاصي، الروض الآنف في تفسير السيرة النبوية لأبو القاسم السهيلي، عيون الأثر في المغازي و السير لابن سيد الناس، البدء و التاريخ لابن المطهر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، مروج الذهب للمسعودي، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، الجوهرة في نسب النبي و أصحابه العشرة، نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد الرب، الإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني...) و لم يضمها كتاب بعينه، أما نصوصهم النثرية فقد أتلفت تماما و كانت أخطر عملية تنقيح لكتب التراث و التي تقع في رأي الكاتب في (مصاف الجنح الثقافية الكبرى) ما قام به ابن هشام من (تشذيب) السنة النبوية التي كتبها سلفه ابن إسحاق، أو ما قام به ابن منظور من حذف لكل الأشعار التي يعتقد أنها نالت من النبي و المسلمين، و بذلك نكون كما يؤكد الباحث قد فقدنا وثيقة تاريخية بالغة الأهمية تؤرخ للصراع الفكري بين النبي و مناوئيه و قد استمرت سياسة التشذيب و تغييب النصوص حتى عصرنا الراهن حيث بدأت دور النشر باستصدار طبعات جديدة منقحة لكتب التراث قامت فيها ببتر كل ما لا يتلاءم و توجهات قوى الظلام، فكان لا بد بالتالي من جمع هذه النصوص و أرشفتها قبل أن تختفي نهائيا كما حدث لنصوص الشعراء و المفكرين المخالفة لما كان سائدا في العصور الخوالي
و في آخر هذه المقدمة يقول جمال جمعة انه وظف تسمية الزنادقة لشعراء هذا الديوان بمعناها المتداول لأنه يرى في تلك الكلمة إسما جامعا لكل من لم يؤمن بنبوة محمد سواء كان ملحدا أو موحدا أو نصرانيا أو يهوديا.

مختارات من ديوان الزنادقة


الحلاج:

كفرت بدين الله و الكفر واجب علي و عند المسلمين قبيح

دعبل الخزامي:

إنما العيش في منادمة الإخوان لا في الجلوس عند الكعاب
و بصرف كأنها ألسن البرق إذا استعرضت رقيق السحاب
إن تكونوا تركتم لذة العـيش حــذار العـقـاب يوم الـعـقـاب
فدعوني و ما ألذ و أهوى و ادفعوا بي في نحر يوم الحساب


أبو العلاء المعري:

دين و كفر و أنباء تقال و فرقان ينص و توراة و إنجيل
في كل جيل أباطيل ملفقة فهل تفرد يوما بالهدى جيل؟

أبو الطيب المتنبي:

أي محل أرتقي؟ أي عظيم أتقي؟
و كل ما قد خلق الله و ما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي

بشار ابن برد:

إبليس أفضل من أبيكم آدم فتبـينـوا يا معـشـر الأشـرار
النار عنصره و آدم طينة و الطين لا يسمو سمو النار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مبدع كبير
كاظم البصري -

جمال جمعة يستحق ان يطلق علية المثقف الشامل شاعرو مترجم وباحث ,من الاسماء العربية النادرة والمهمة التي تعمل بصمت وبرقي وبابداع دائم يا عزيزي منير في هذا زمن المر.

big heads
jordanian ben jordan -

very good

الزنادقة من هم؟
د.عبدالجبار العبيدي -

الزندقة مصطلح في الجريمةعند فقهاء المسلمين يطلق على الملحد الذي يكون تفسيره لنصوص الشرع خطرا على سلامة العقيدة،لكن الزندقة في العصر الجاهلي لم ترتبط بهذا المفهوم لضعف مفهوم العقيدة عندهم العرب والمسلمين لم يعالجوا الموضوع علاجا شموليا بل عالجوه علاجا احاديا حين عدوا الخارج عن العقيدة زنديقا،لان الحرية المطلقة التي عايشها العربي قبل الاسلام ربطت بقيود شرعية ثقيلة بعد مجيء الاسلام.لكن الزندقة اتخذت وسيلة لتصفية خصوم السلطة في العهدين الاموي والعباسي فقد قتل الخليفة المهدي ابن وزيره قاصدا اذلاله وعزله عن السلطة.ان الشعراء الزنادقة الذين ذكرهم الكاتب لم يكونا زنادقة دين بقدر ماكانوا مستوعبين للحركة التاريخية في مجتمعهم فجاء شعرهم معبرا عن ارائهم على ما اعتقد.

لماذا يا بلدي
د.قاسم الموسوي -

لم تطاوعني نفسي ان امدح احدا،لكن كلما قرأت تعليقا للدكتور العبيدي أقف حائرا مترددا بين الايجاب والسلب.العبيدي قكر بختلف عن افكار الاخرين ، فلسفة تناقض فلسفة الاخرين،اقول يا بلدي العراق لماذا لاتحتضن مثل هذه الافكار ،وتوظفها في اسعاد الوطن،ام ان العراق سيبقى لرافعي رايات الاستسلام للسلطة.

مصطلح متعدد المفاهيم
السيناوي -

الزِّنْدِيقُ: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية:زَنْدِ كِرَايْ، يقول بدوام بقاءالدهر.وقول د/عبيدي صحيح في الحذر من اطلاق المصطلح بشقية الديني والسياسي.المقال ممتع ورائع شكرا استاذ/منير

الكورد هم المعنيون
amedi -

اصل كلمة زنديق هى من زندا ويستا اى اصحاب كتاب افيستا ل زه ره ده شت .حيث ان هذه الكلمة كانت قاتلة .

أصل كلمة زنديق
ali110 -

أصل كلمة زنديق هي الكلمة الفارسية "زنده كَرْد" الزندقة كصفة فارسية معناها متتبع الزند أي الشروح القديمة للأفستا وهو كتاب زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية. دخلت هذه المفرده اللغه العربيه ولم تكن في عرب الجاهليه فالزندقه تاتي بعد الايمان و الدرايه الكامله و هذا ما كان يفقده عرب الجاهليه لذلك كانت الجزيره العربيه ارض خصبه لتقبل فكرة الاسلام يعتبر كتاب الزمرد لابن الراوندي من قبل البعض قمة ماكتب في الفكر الألحادي في عهد العباسيين ويمكن تلخيص بعض المناقشات والتشكيكات التي طرحها ابن الراوندي بالنقاط التالية : إمتحان سبب تفضيل اللغة العربية على غيرها من اللغات. نقد لشعائر إسلامية وإنها كانت تمارس من قبل العرب في الجاهلية. سبب عدم قدوم الملائكة لمعونة المسلمين يوم معركة أحد. لو كان مفهوم الزندقه في عصر الجاهليه لظهر الاسلام بصيغه مغايره للصيغه التي ظهر عليها . لاصبحت التناقضات في الفكر الاسلامي ادوات سهله للهجوم على الاسلام في اوائل نشئته.ان الذي ادخل مفهوم الزندقة لاسلام هم الفرس و ذلك للحفاظ عليه من التزندق العربي حيث كان الفرس متمرسين بالجدل الذي كان يملأ ديانتهم الزرادشتيه لانها قائمه على صراع خير و شر قوى رحمانيه و قوى شيطانيه لا تذم الانسان و لا تذم الشيطان بقدر ما يذمهما الاسلام لكن هو مفهوم صراع ليبقوا كلاهما لا لينفي الواحد الاخر في هذا الصراع تتجلى القوى مثلا الظلام من الشيطان و النور من يزدان صراع الظلام و النور لذلك استطاعوا الفرس ان يعالجوا التزندق باليات عديده كلاميه و فلسفيه بينما عالج العرب الزندقة بالسيف كما عالج ابو سفيان ظهور الاسلام بالسيف حتى دخل بيته!

جرأة
متتبع -

قراءة جريئة للشاعر منير بولعيش لكتاب ديوان الزنادقة للكاتب جمال جمعة

توضيح
رافد البحيري -

الاخوة المعلقين الاخ منير بولعيش لم يقدم قراءهبل قدم عرض للكتاب فقط وكل ماذكر هي المقدمة المكتوبة من قبل الكاتب جمال جمعة .اتمنى ان تحصلوا على الكتاب مثلي فقد حصلت علية بمعرض الكتاب بالقاهرة الاخير.

عودة الزنادق للزنديق
كوردي مغامر -

لم أحصل على نسخة من كتاب " ديوان الزنادقة" للشاعر جمال جمعة، خطوة رائدة في مجال البحث عن إشكالية شعراء التمرد، كما وأبارك عودة العلاقات الطبيعية بين المختلفين من زنادقة القرن الحالي، مبروك على الجميع وخاصة الناشر الثقافي، عودة سوف تفتح نوافذ التهتك الكتابي بوجه نبيذ العصر القديم.

تنقيح
حامد حميد -

ثمة خطأ ورد في اسم الشاعر دعبل الخزامي وليس دعبل الخزامي كما هو مذكور اعلاه والشاعر دعبل الخزاعي سمي بهذا الاسم نسبة الى خزاعة وهي قبيلة يمانية رحلت الى شمالي الجزيرة اثر تصدع سد مأرب. اصله من الكوفة كان بذيء اللسان مولعا بالهجاء اسخط الخلفاء العباسيين بهجائه اللاذع فمن قوله:أرى امية معذورين ان قتلواولا ارى لبني العباس من عذر.هجا مالك بن طوق امير الجزيرة فقتله. شاعر عراقي