ملحمة "كربلاء" الألبانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد م.الارناؤوط: هي صدفة ولكنها جاءت في وقتها هذا الشهر. فقد أعلن في الصحافة الالبانية(جريدة "شكولي" 7/1/2008) عن طبع الاعمال الكاملة للشاعر الالباني المعروف نعيم فراشري( 1846-1900) بما فيها ملحمة "كربلاء" التي تتضمن حوالي عشرة آلاف بيت من الشعر، والتي كانت قد نشرت لأول مرة في1898م.
أما الشاعر نعيم فراشري فهو يحتل مكانة كبيرة في الشعر الالباني في مرحلة النهضة القومية(1844-1912) التي تتوجت بإعلان استقلال ألبانيا عن الدولة العثمانية في أواخر1912. وقد كانت أشعار نعيم فراشري ملهمة لعدة أجيال من الالبان، بل إن أبياته مايزال يرددها الصغار قبل الكبار حيث تتردد في الكتب المدرسية على اختلاف مستوياتها. وقد اشتهر نعيم فراشري بإبداعه الفني في الشعر سواء في القصائد المتنوعة في مواضيعها الرومانسية أو في الملاحم المطولة التي يستلهم فيها شخصيات تاريخية تعزز الشعور القومي الالباني لكي يوحد ما بين المسلمين والمسيحيين لأجل الوطن المشترك.
وكان نعيم فراشري يتميز عن أقرانه بمعرفة اللغات والآداب الشرقية (العربية والتركية والفارسية) وكذلك الغربية، ولذلك فقد جاءت ابداعاته متميزة عن غيرها بالأصالة والروح القومية مع انه كتب أحد دواوينه المبكرة في اللغة الفارسية(تخيلات) وخصص أحد ملاحمه عن"كربلا ".
ومع أن أعمال نعيم فراشري طبعت مرارا وتكرارا خلال القرن العشرين، الا أنها كانت تطبع بمزاجية حسب الظروف السياسية. وهكذا يشار هنا الى أن ملحمة "كربلاء" طبعت لأول مرة في بوخارست بالالبانية في1898م، وبعد استقلال ألبانيا ووصول الحزب الشيوعي الى السلطة لم تطبع هذه الملحمة بالذات مع أن النظام الشيوعي كان يمجد باستمرار الشاعر نعيم فراشري طيلة حكمه1944-1992.
وعلى العكس من ذلك فقد سمح النظام الشيوعي في يوغسلافيا المجاورة بأن تطبع هذه الملحمة في كوسوفو خلال1978. ومن هنا فإن ملحمة "كربلاء" تطبع الآن لأول مرة في ألبانيا ضمن"الاعمال الكاملة" التي يشرف عليها الناقد الكوسوفي المعروف رجب تشوسيا.
وتتضمن"الاعمال الكاملة" أعمال نعيم فراشري المعروفة مثل "الرغبة الحقيقية للألبان" و"تخيلات" و"الفصول الاربيعة" و"كربلاء" و"اسكندر بك" الخ.
وتجدر الاشارة هنا الى أن نعيم فراشري ينحدر من أسرة معروفة في الجنوب الالباني قدمت كوكبة من الشخصيات التي لعبت دورا مهما في الحياة الثقافية والسياسية الألبانية في نهاية الحكم العثماني وبداية العهد الاستقلالي مثل عبدل فراشري وشمس الدين سامي فرشري(الذي أصبح اسما معروفا على نطاق الدولة العثمانية) ومدحت فراشري ومهدي فراشري وغيرهم.
وفي الواقع ان هذه الاسرة كانت تنتمي الى الطريقة البكتاشية التي انتشرت في جنوب ألبانيا بشكل خاص.وتعود هذه الطريقة في اصولها الى الحاج بكتاش، الذي يقال ان بارك للسلطان العثماني تأسيس الجيش الانكشاري الجديد، مما جعل هذه الطريقة تنتقل حيثما كانت تصل الفتوحات العثمانية. ولكن هذه الطريقة التي بدأت صوفية بميول قوية لآل البيت انتهت الى طائفة دينية متميزة عن السنة في وسط الالبان. وبعد إلغاء الطرق الدينية في تركيا الكمالية(1926) انتقلت رئاسة هذه الطائفة الى العاصمة الالبانية تيرانا على اعتبار أن ألبانيا كانت تحوي أكبر عدد من أتباع هذه الطريقة خارج تركيا.
وقد حرصت هذه الطريقة في اطار تعظيمها لآل البيت على اقامة مجالس العزاء في الايام العشرة الاولى لمحرم، حيث كانت تستذكر فيها الاحداث التي جرت للحسين بن علي(رضي الله عليهما) وتنتهي بتقديم
"العاشورية" Ashurije، وهي طبق بسيط من الحلوى كان يقدم خصيصا بهذه المناسبة.
في هذه المجالس كانت تنشد "المرثيات" المترجمة عن التركية في بداية الامر، حيث ترجم شاهين فراشري الى الألبانية كتاب "مختارات نامة" في حوالي اثني عشر ألف بيت من الشعر. ومع أن قريبه طالب فراشري حاول ان يبدع ملحمة خاصة عن كربلاء في الألبانية في حوالي ستة وخمسين ألف بيت من الشعر بعنوان"الحديقة"(على نمط "حديقة السعادة" للشاعر التركي المعروف فضولي) الا انها لم تحظ بالانتشار الذي حظيت به ملحمة "كربلاء" لنعيم فراشري، التي جاءت في حوالي عشرة آلاف بيت وفي روح ألبانية قومية تريد أن تستلهم المناسبة لتوحيد الالبان في جسم واحد للتحرر من الحكم العثماني.
ويبدو هذا واضحا في الفصل الأخير(الخامس والعشرون) لهذه الملحمة. فبعد أن يطوف نعيم فراشري بالقارئ في الاماكن والاحداث التي جرت خلال المعركة، والتي يصعّد فيها مشاعر القارئ الى الذروة، يصل في النهاية الى ما يريده للقارئ من أن يستلهم ماحدث في كربلاء في سبيل وطنه ألبانيا.
الغد الاردنية