ثقافات

في آخر لقاء صحفي قبل رحيله: فؤاد التكرلي يروي سيرته

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

bull;مرحلة الخمسينيات في العراق تشبه النهضة الايطالية في القرون الوسطى
bull;على الكاتب أن يتفادى السقوط في هوة المباشرة!

عبداللطيف السعدون: يخطر بذهن المحاور وهو يجالس فؤاد التكرلي الروائي الذي أقترن اسمه في مطلع خمسينيات القرن الراحل بتيار التجديد في القصة العراقية المعاصرة، أن التكرلي لو لم يكن روائيا لكان شاعرا مع أنه لم يجرب كتابة الشعر، والذي يقربه من الشعر دائما تدفق أحاسيسه واكتمال رؤيته الفنية، واتضاح نوازعه وخلجاته الانسانية. وهو بهدوئه ومثابرته وصبره وتسامحه مع الذين يحاولون النيل منه، وكذا بجسده النحيف وطوله الفارع وعينيه الثاقبتين يصبح شاعرا في نظر من يجالسه أو يحاوره، وقد التقيناه في منزله في العاصمة الأردنية عمان في شهر آب (أغسطس) 2007 على مدى أكثر من ثلاث جلسات، وكان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الثمانين، اذ ولد في الثاني والعشرين من آب عام 1927 وقطع مسيرة طويلة قبل أن ينضم الى جيل الرواد في القصة والرواية العراقية والعربية، على حد سواء.
لكننا ونحن نعد هذا الحوار للنشر، وفي انتظار أن يرسل الينا التكرلي مجموعة من الصور والرسائل والوثائق الشخصية، حسب وعده لنا، صدمنا خبر رحيله الى مثواه الأخير فلم نجد سوى أن نستعين بالصبر وبالعزاء. وبتذكر الفقيد الراحل وآرائه وكتاباته.
* * *
محطات حياته شملت أماكن شتى في الشرق والغرب، لكنه ظل ملتصقا بمكانه الأول في محلة (باب الشيخ) في بغداد، وهو في حواره معنا يبدأ من هذا المكان وينتهي اليه، لكن زمانه يظل مفتوحا على امتداد العقود الثمانية التي مرت:

* ماذا تعني محلة "باب الشيخ" بالنسبة إليك اليوم؟
** محلة "باب الشيخ" مسكونة في نفسي لحد اليوم، وقد تجاوز عمري الثمانين، مسكونة في حياتي كلها، بمعنى أني ما زلت عائشا فيها رغم مغادرتي لها، وقد كتبت عنها وأنا بعيد عنها، كانت هاجسي الأول والأخير في التعبير عما يشبه رمزها، وجذرها المعنوي في نفسي.
في هذه المحلة ولدت في 22/8/1927، وعشت فيها طفولتي، وقد صادف أن تركنا البيت الذي ولدت فيه وأنا في الخامسة أو السادسة، ولكن نفسي بقيت عالقة به، وما زلت أتذكر كل تفاصيله، حتى الصغيرة منها، كل حجارة من أحجاره.. كل محجر من محجراته العتيقة، حتى " دلكاته "، أعمدته والنقوش التي حملتها.
وحتى حديقته الصغيرة بقيت للآن جزءا من تاريخي الشخصي، ولم يكن فيها سوى شجرة زيتون واحدة وشجرة رمان واحدة وشجرة ليمون واحدة، ما زلت أتذكر كيف كنت أجري فيها، أقلد فيها " طرزان " الذي شاهدته في السينما.. أتسلق أشجارها وأقفز بين شجرة وشجرة، وأختفي فيها كما كان يفعل " طرزان " في أفلام السينما، ومازلت للآن أشعر بوجودها الحي في أعماقي!

* ظهر " البيت " الأول في أكثر من رواية وقصة لك، كيف ترى " المكان " في الرواية؟
** المكان في الرواية والقصة هو الأساس، اذا ما اعتبرناه يحدد " المحلية "، أي الانطلاقة الحقيقية للجو الروائي أو للجو القصصي.
لقد كتبت " الرجع البعيد" بدءاً من مكان بيتنا القديم، أنك عندما تختار المكان فإنك تختار، ضمنه أو معه، عناصر كثيرة: الشخصيات، المشاكل التي يعيشونها، الأحداث التي تمر من خلالهم.. وهو يشكل أهم عناصر الرواية أوالقصة.

* تعددت الأمكنة بالنسبة إليك، حيث تنقلت بين بغداد ومدن أخرى في العراق، ثم مدن أخرى في العالم: باريس، تونس، ودمشق وأخيراً عمان، كيف تنظر إلى كل هذه الأماكن من ناحية ارتباطها برواياتك وقصصك؟
** في الحقيقة تختلف النظرة الى مكان وآخر، هناك مكان تعيش فيه ويدخل نفسك، مكان تنسجم معه وينسجم معك، مكان تتدمج فيه، وآخر لا تشعر برغبة في الاندماج فيه.
أما بالنسبة لي فاعتقد أن المكان الذي حملته دائماً، وعشت فيه مجازاً حتى اليوم هو محلة " باب الشيخ "، فكل رواياتي وقصصي تقريباً تستند إليه، ولكن بعض الأماكن الأخرى التي أشرت إليها مرت بي، ومررت بها من دونما علامة فارقة تتركها علي، ربما اشعر أنني قضيت فيها وقتاً ممتعاً لا أكثر.. اذكر أنني عندما كنت في تونس مثلاً، على بعد آلاف الكيلومترات من " باب الشيخ " كنت استرجع " باب الشيخ " بكل تفاصيلها وادخلها في رواياتي.

* قضيت 20 عاماً تقريباً في "باب الشيخ" من الطفولة الى المراهقة وما بعدها، هل جعلت من معارفك فيها أبطالاً في قصصك؟
** في الحقيقة لا، رغم أن شخصياتهم ظلت في ذاكرتي واضحة الملامح، لكنني اخترت غيرهم من نفس المرحلة الزمنية، وحسب حاجتي إليهم في رواياتي، اخترتهم لضرورة التشكيل الفني للرواية.

* يقال إن الروائي ينتقي البطل، لكن يحدث أن البطل هو الذي ينتقي الروائي، هل واجهت هذا الصنف من الأبطال؟
** انني أنتقي أبطالي، كما قلت، حسب حاجتي إليهم، ولكن في "خاتم الرمل" البطل هو الذي انتقاني، وهو الذي طلب مني أن اكتب سيرته.
كذلك في "المسرات والأوجاع" البطل هو الذي عرض علي حياته، أما في " الوجه الأخر" فأبطالها كانوا في دائرة الوسط، هناك شخصية اخترتها من حادثة رواها أحد معارفي، لأنها كانت توحي لي بأشياء كثيرة.

* كيف كان تأثير محيط الأسرة عليك؟
** عندما ولدت كان أبي في الرابعة والستين، وحين أصبح عمري 6 سنوات كان قد اقترب أبي من السبعين، تلك كانت مفارقة، وكان عندي خشية من المستقبل، فقد شعرت أن الحياة أوقعتني بين عجوزين: والدي الهرم وبيتنا القديم، وقد كان والدي يدللني ويحبني كثيراً، وكان احساسي أن هذا الوضع لن يدوم لفترة طويلة.
كنت الأصغر في الأسرة، وأبي متزوج من اثنتين، أنجب من الأولى أخوين لي، ثم تزوج والدتي عام 1902 لكنها لم تنجب إلا بعد عشرين عاماً، ولذلك فان الفارق بيننا نحن وبين أخوتنا من الأولى يصل لأكثر من 30 عاماً، تلك كانت مفارقة أخرى..
المفارقة الثالثة أنني وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة، أنا وأخي نهاد، وشقيقتان وأمي، وجدتي وآخرون من أقارب قريبين، بعبارة أخرى أن البيت كان مليئاً بالبشر، وكان والدي قد تقاعد من عمله كمأمور كمرك في العهد العثماني، وبراتب بسيط 5-6 دنانير شهرياً، ومعيشتنا كانت أقل من متوسطة، لكنني لم أكن أشعر وأنا صغير بالمشاكل المالية التي تواجهها الأسرة، على العكس كنت أحس أحياناً برفاهية غريبة.
لكن عندما بدأت الحرب العالمية الثانية أخذت حياتنا تضيق شيئا فشيئا، وحين توفي والدي عام 1942 ضربنا سيف الفقر والحرمان كثيرا.

* ربما كان هذا هو السبب في أن تصبح في رواياتك صوتا للفقراء والمحرومين، حتى وأنت تتقدم صاعدا الى طبقة أعلى.
** لا أعتقد ان هذا هو وحده السبب فقد كانت مشاكل الفقراء تجذبني منذ بدايات عمري، وكنت أشعر بنوع من التعاطف معهم، ووفر لي عملي في سلك القضاء اطلاعا أكثر على تلك المشاكل ومعرفة مباشرة بها، وعندما بدأت أكتب الرواية كان لدي احساس بأنني لو كتبت عن أجواء الطبقات المترفة لما أمكنني أن أقدم شيئا ذا جدوى.

* متى بدأ اهتمامك بالقراءة؟
** اهتمامي بالقراءة بدأ من السادس الابتدائي، عام 1939، و بداية اهتمامي بالقراءة تؤشره حادثة طريقة فقد كان لنهاد صديق يقرأ " روايات الجيب" التي كانت تصدر آنذاك ويجمعها بعناية، ويهتم بها كثيراً، وكان يسارع لاقتناء كل عدد يصدر منها ويصل إلى العراق من مصر.. لكنه مع قراءاته هذه كان لا يهتم بدروسه، كان كسولاً ونادراً ما ينجح في الامتحانات، فاضطر والده أن يهدده بأنه إذا ما رسب فسيحرق كل هذه الروايات التي جمعها، وخوفاً من أن يقدم والده على تنفيذ تهديده نقل مجموعته من الروايات إلى أخي نهاد وطلب منه حفظها لديه إلى أن يجد حلاً للقضية مع أبيه.
وهكذا وضع نهاد مجموعة كتب صديقه في خزان صغير وحفظها فيه، وشرعت من جانبي أختار يومياً أحد الكتب لاقرأه، كان عمري 12 عاماً، وهكذا تملكتني وفي عمر مبكر، هواية القراءة.. قراءة الروايات بالذات، وتعرفت إلى أرسين لوبين، واجاثا كريستي وستيفان زفايج وسومرست موم... وغيرهم.. كنت اقرأ أحياناً روايتين في اليوم الواحد.. وأكملت في فترة العطلة وما بعدها بشهور قليلة قراءة أكثر من 150 رواية.

* ربما كانت هذه القراءات العامل الذي شدك إلى التفكبر في كتابة الرواية؟
** قراءاتي لتلك الروايات أعطتني القدرة على التمييز المبكر بين كتابات أجاثا كريستي مثلاً وديستويفسكي أو ستيفان زفايج أو سومرست موم أو غيرهم، كما أنها تركت تأثيرها علي، و شدتني أكثر لخوض مجال الكتابة.

* شهدت مرحلة الخمسينات تألقاً لك وظهوراً على صفحات الصحف والمجلات، كيف تراها اليوم؟
** مرحلة الخمسينات كانت مرحلة غنية بأشياء كثيرة ليس في القصة والشعر فحسب، إنما في الفنون التشكيلية، وفن العمارة، وفي المجالات الأخرى أيضاً.. كان ثمة نهضة غريبة تشبه النهضة الإيطالية في القرون الوسطى، ولو أنها لم تستمر سوى فترة قصيرة..
في تلك الفترة لم يكن يخطر ببالي أن أكون كاتباً كبيراً أو روائياً مشهوراً، كل ما كنت أسعى اليه أن اكتب قصة مكتملة فنيا ومؤثرة، كان شاغلي الوحيد هو التفكير في اختبار اللغة.. اختيار المضمون.. الحوار.. الشخصيات.. إلخ.
ولذلك كنت اكتب واكتب ثم أرمي في سلال المهملات، وكتبت أكثر من 50 قصة قبل أن أشعر أن بإمكاني أن أقدم ما أكتبه إلى القارئ.

* هل كنت ترى أن ما تكتبه غير مكتمل فنيا؟
** نعم.. وكنت أشعر أن قصصي التي اكتبها ضعيفة، لا تليق بأن تنشر، أو أن أضعها تحت أنظار الآخرين.. واستمر ذلك إلى أن كتبت رواية " العيون الخضر " عام 1950.

* في تلك الفترة كنت ضمن شلة تكتب وتقرأ وكنتم تتبادلون الأفكار والحوارات.. إذا استعرضنا أسماء أفراد هذه الشلة كيف كنت ترى كل واحد منهم.. لنبدأ بعبد الملك نوري.
** عبد الملك نوري شخصية مهمة في حياتي، كنت تعرفت إليه عام 1949 ربما بالصدفة، فقد كنت في حينها قد أنجزت (10) قصص قصيرة وقدمتها إلى صديقي نزار سليم (الفنان والروائي) لمعرفة رأيه فيها، إلا أنه سلمها إلى صديقها المشترك ساطع عبد الرزاق لإعاداتها لي بعد أن قرر السفر إلى سوريا لإكمال دراسته اثر اخفاقه في الدراسة في بغداد،
ومن الصدف أن يكون ساطع على معرفة بعبد الملك وأن تصل مجموعتي القصصية إلى يد عبد الملك عن هذا الطريق، وعند اطلاعه عليها عرض أن يلتقيني في " كافيه سويس " في شارع الرشيد وقد نشأ بيننا منذ اللقاء الأول نوع من المودة، فقد أحببت صراحته وحبه للحياة رغم أنه كان خارجاً للتو من مأساة شخصية بعد افتراقه عن زوجته. وأصبحنا نتبادل قراءة كتابات أحدنا الآخر، وكان قد سبقني بالكتابة والنشر، واشتهر في الأوساط الأدبية بقصصه التي كانت تنشرها له مجلة " الأديب".
واستمرت علاقتنا على هذا النحو حتى وفاته رحمه الله، عام 1998، وكنت كلما نشرت رواية جديدة فإن النسخة الأولى منها تذهب لعبد الملك.
وآخر رسالة وردتني منه قبل أسبوع من وفاته، كنت في حينها في تونس وقد شعرت أنني فقدت صديقاً حميماً قل أن يجد المرء مثيله.
والثاني الذي كان ضمن شلتنا هو الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي ارتبطت به منذ زمالتنا في الصف الأول الابتدائي، اذ كانت أسرته تسكن في نفس محلتنا " باب الشيخ "، وبقينا سوية على مقاعد الدراسة حتى نهاية الإعدادية.
كان يبدو على عبد الوهاب، منذ ذلك الوقت، طابع الميل إلى العزلة والانطواء على النفس، ولم يكن لديه أصدقاء، وربما كنت صديقه من بين أصدقاء معدودين.
وأتذكر أن عبد الوهاب كتب أول قصيدة له عام 1943، وكانت عن بغداد، وهي من الشعر العمودي وقد عرضها علي، من باب المودة لقرائتها، وقد بقينا على علاقة عندما تخرج من كلية الآداب عام 1950 وعين مدرسا في مدرسة ثانوية بمدينة الرمادي، في حين كنت أنا أعمل قاضيا يمدينة بعقوبة، وواضبنا على التراسل فيما بيننا، وكلما كان يكتب قصيدة كان يبعثها لي، وفي حينها أصدر ديوانه الأول " أباريق مهشمة ".
وطيلة سنوات النصف الأول من عقد الخمسينات كنا، أنا وعبد الملك وعبد الوهاب وأخي نهاد، نلتقي مساء كل خميس في " كافيه سويس " ومنها ننتقل إلى " مشرب غاردينيا " " المطل على شارع أبي نؤاس لنكمل السهرة، التي كانت مفعمة بالحوار، والنقاش، وتبادل الآراء في الشعر والأدب والسياسة.

* هل كنتم تشعرون، في حينه، أنكم متجهون نحو حركة تجديد وريادة سواء في الشعر أو الرواية أو غيرهما؟
** كان يسكنني هاجس أننا نحاول التجديد، ونحاول أن نتغلب على ما يواجهنا من صعوبات.. اي أننا كنا في مرحلة تجريب لتقديم شيء مختلف عما ألفناه.
كان أخي نهاد يحدثنا باستمرار عن حركات التجديد على الساحة الفرنسية، حيث كان باستطاعته متابعتها بحكم قراءاته باللغة الفرنسية، آنذاك كانت الحركة الوجودية، طاغية سواء كأدب أو كفلسفة، وكان هناك تجديد ومراجعة داخل حركات اليسار كلها..

* هل كنتم جزءاً من حركة يسار أو من تيار وجودي، أو كان لكل منكم اتجاهه الخاص؟
** كان لكل منا اتجاهه الخاص.. عبد الملك كان ماركسياً، أما البياتي فأنا منذ ذلك الوقت لا أأخذ أفكاره ووجهات نظره مأخذ الجد فهو، كما عرفته دائما، يسخر كل طاقته وعلاقاته الشخصية والسياسية لصالح إبرازه كشاعر، وللدعاية لشعره، كان يريد أن ينسج من حوله أسطورة " الشاعر العظيم، وقد نجح في ذلك.

* وحسين مردان؟
** حسين مردان كان من أصدقاء عبد الملك، ولم ارتح إليه في البداية وعاملته بجفاء عند تعارفنا، وقد التقيت به للمرة الأولى بعد خروجه من السجن اثر الحكم عليه بسبب ديوانه "قصائد عارية". بعد فترة، أصبحنا أكثر معرفة، لكن علاقتنا ظلت فاترة.
لكنني أراه اليوم نمطاً آخر، كان متمرداً وشجاعاً حين نشر " قصائد عارية " فيما لم أمتلك أنا الشجاعة لنشر " بصقة في وجه الحياة " في حينه، كنت أخشى أن أحاكم وأسجن، وكنت أخاف أيضاً من الفضيحة!

*.. والآن بعد هذه السنوات الطويلة هل أنت راض عن كل ما كتبته؟
** كنت راضياً عندما كتبته في حينه، وأشعر الآن أن كل عمل كتبته يمثل إنجازاً فنياً، في مرحلة معينة، والكاتب يتطلع إلى إنجاز جديد في كل مرحلة، مختلف عما سبقه، وهذا ما أحاوله باستمرار، فقد كتبت مثلاً " خاتم الرمل " و " المسرات والأوجاع " بسهولة كبيرة، وشعرت أنني نضجت فنياً أكثر، بينما كتابتي لرواية " الرجع البعيد " استغرقت 11 سنة، وكنت أشعر، اثناء كتابتها، أنني باستمرار أمام مشاكل وعقد علي حلها قبل أن انتقل إلى صفحات جديدة..

* كيف تستقبل النقد بشكل عام؟
** أغلب النقد الذي وجه لكتاباتي كان إلى جانبي، وأنا شخصياً اشعر بالارتياح حينما أجد صدى لكتاباتي، لكنني أحياناً أواجه انتقادات جزئية صغيرة، أو حكما مجردا بجملة واحدة، ومن دون حيثيات على عمل بكامله، كأن يقول شخص ما "إن هذه الرواية تافهة!"، أو أن يهاجمني شخصياً... وهذا طبعاً لا استسيغه ولا اعتبره نقداً بأي حال!.
والنقد بشكل عام يشجع الكاتب على مواصلة الكتابة وتجاوز أخطائه.

* إذا اعتبرنا كتاباتك صورة للوضع السياسي والاجتماعي العراقي، فيها خيبات وانكسارات واحباطات كتلك التي يعاني منها الوضع العراقي، ما الذين تحمله الآن بخصوص المستقبل.. أي مستقبل تراه للعراق؟
** أرى ان الوضع الكارثي الماثل لا يمكن أن يدوم، وهذا البلد مهم في المنطقة، لا يمكن أن يترك على حالة الحاضر، فهو اليوم أشبه بمساحة خضراء تلعب فيها الكلاب كما تشاء... إنه أمر غير معقول، أنا أشعر بقدر من التفاؤل في أن الوضع لن يستمر هكذا!.

* هل ضمنت هذه الرؤية في عمل روائي جديد، أو ادخرت ذلك للمستقبل؟
** الواقع أنني نشرت ثلاث حواريات عن الوضع الماثل، واعتقد أن عملاً روائياً كبيراً بهذا الخصوص يحتاج زمناً أطول، لكي يتفادى الكاتب السقوط في هوة المباشرة. والكتابة بشكل وصفي عن العنف والقتل والدم... أن الروائي عليه أن يعثر على ثيمة كبيرة، وأن يخطط لعمل كبير ينجزه لاحقاً..

* ما هي عاداتك الحميمة وطقوسك الخاصة في الكتابة.. كيف تكتب ومتى؟
** لا عادات كثيرة لدي أثناء الكتابة ولا طقوس، وجدت دائما أن الفكرة الروائية او القصصية هي التي تقودني للجلوس والامساك بالقلم. ما يهمني غالبا، ان أكون وحيدا وأن يكون بمقدوري الاستماع الى موسيقى هادئة، كذلك أحب أن أكتب على ورق صقيل، لا يهم ان كان مخططا أم لا، وبقلم حبر رقيق الريشة.
أما وقتي المفضل فهو الليل، منذ ساعاته المتأخرة قليلا حتى ما بعد منتصفه، سكون الليل يمنحني هدوءا نفسيا وقابلية على التركيز.

ملاحظة: أجزاء مقتطعة من حوار مطول مع رائد الرواية العراقية الراحل فؤاد التكرلي، سينشر كاملا في كتاب (حوارات) المعد للطبع.




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اين النعي ؟
عشتار -

اين النعي الذي كان مخصص له قبل اسبوع اين اختفى بحثت عنه ولم اجده ارجوا افادتي ؟ عشتار

ذلك رجع بعيد
زعيم الطائي -

كانت ( الوجه الآخر ) قبسة من النار التي وجدنا على آثارها هدى ،أنتهت الحكاية ومات الأب الروحي لخيال الأسلاف ، معدماً في زقاق من أزقة عمان وليس في دروب الكرخ أو الرصافة والليالي البغدادية ،كانت الكلمات التي كتبها تتنفس من أرث واقع حزين ،لكنها وضعت خاتمة عهد من الرومانسية طال بها الأمد وجرفت القصة الى مديات أكثر بعداً في أوقيانوس بحار الأدب العربي ،فصارت سجلاً مدهشاً لزمان خمسيني غابر ،وعبرت بالقصة العراقية دروبها الضيقة المسدودة ،أنتهت الحكاية لكنها سوف تبدأ من جديد ، بوجوه أخرى ومسرات وأوجاع جديدة .

سياط الجلادين
مؤرخ الاضطهاد -

رحلت يا تكرلي وحيدا غريبا متواضعا مضطهدا بهدوء وسكينة غريبة لم ياءلفها العراقيون فيما بينهم نساءل الله فيك الرحمة وعزاؤنا فيك اننا سنبقى على عهدك باقون عيوننا لامعة تؤرخ الام سياط الجلادين عديمي الضمير والاخلاف في مدونات اضطهادهم وتفننهم في بشاعة ايذاءنا وتعذيبنا الى حين تداول الايام حيث سنحشر مجبرين سياطهم قي اماكنهم الحساسة ونتفنن في تقطيع امعاؤهم الغليظة ووين يروح المطلوبنا