المكوني: من صائغ للذهب الى مبدع بالخشب

المغربي كمال المكوني فنان يجمع أصالة التراث بحضارة الفن بـ"الماركيتري"

هيبت برادة: بفن الماركيتري (marquetry) قدم رسالته الفنية مترجمة من قلب الطبيعة النابض بالحياة، مستفيدا من قشرة شجرة تلونت تعاريجها وتباينت خطوطها، الفنان المغربي كمال المكوني ابن الست والعشرين ربيعا لم يتنازل عن الإبداع فتحول من صائغ للذهب إلى مبدع بالخشب، حاكى العين بما تبقى من الموروث الشعبي التقليدي لأقاليم المغرب العربي بصور لوحاته الغير تقليدية فاستطاع تجسيد التراث والتاريخ في لوحاته منتميا إلى المدرسة الواقعية، غيّر لقائه الفنان الإنجليزي "فليب كريس" مصير حياته فكانت نقطة انطلاقه في عالم الفن والإبداع، فاعتبر النقاد والفنانون العرب أن ماركيتري المكوني هو نقطة قوته. واليكم نص الحوار:

bull;تحولت من صياغة الذهب إلى الفن، فهل تعتبر كلاهما فناً؟
أنا أرى أن كل حرفي مبدع في حرفته، لان الفنان الموهوب أصلا حرفي مبدع وإذا غابت الموهبة فلا شيء يذكر له في عالم الإبداع، وكلما رأيت حرفي يبدع ويتفنن في صناعة تقليدية أجده فنانا واستمتع بما يقدم، فتحية لكل الحرفين المبدعين بالروح والموهبة.

bull;كيف اكتشفت موهبتك الماركيترية؟
حدث ذلك صدفة، إذ كنت في ضيافة الفنان الإنجليزي "فليب كريس" الذي يمارس هواية فن الماركيتري في مقهى بالدار البيضاء، ولفتني ما رأيت من لوحات جذابة ورائعة جعلتني أتذوق الفن فيها دون توقف إذ تسمرت أمامها بغية اكتشاف سراديبها اللونية المتقنة والتي تظهر للوهلة الأولى وكأنها أصباغ مائية، فقد تعجبت كونها من إبداعه حينما سألته من هو مبدع تلك اللوحات؟، فأجاب كريس "بأنه هو مبدعها وهي لوحات لم تشتغل إلا بألوان خشب طبيعية"، فرحت أدقق بها كثيرا وأتلمس جوانب الإبداع فيها، وعندما لاحظ اهتمامي الفني ناقشني في اللوحات، وقال " أتحب أن تدرس هذا الفن؟" وجدت نفسي راغبا جدا في الدخول إلى عالم الفن من خلال "الماركيتري" ومن هنا بدأت الغوص في عالم الإبداع.

bull; يتخصص هذا الفن بالخشب كخامة لوضع البصمة الفنية بمشتقات لونه البني، ألم تفكر بتطوير وإدخال خامات أخرى للإثراء اللوني؟
فن "الماركيتري" كما يعرفه فنانوه ومتذوقوه فن يعتمد على الخامة الخشبية فقط ولا توجد به أي خامة ملونة أو صباغة مائية، ولكن طريقة الاشتغال عليه والتوليف بين المواد الخشبية هي التي تعطيه نكهته الخاصة.
أما أن أضيف له شيء من الخامات فمستحيل أن افعل، لان جمالية الخشب تطغى في لوحة الماركيتري فلا تحتاج إلى خامة أخرى، لذا فلا أحتاج سوى إضافة الإبداع في الفكرة، والتدقيق بكل الأشياء والتفاصيل كالنور والظل في اللوحة.
وهذا الفن يُعنى بتفسير حياة الواقع على اللوحة، ويعود اصل اسمه بأنه فن طبيعي ونكهته الخاصة بألوانه المتناسقة من خامة واحدة وهي الخشب فلا يمكن أن نضيف له بعض المواد خارج إطار الخشب.

bull;هل يعتمد "الماركيتري" على نوع معين من الأخشاب؟
"الماركيتري" هو فن يجمع كل ألوان الخشب وأنواعه عبر زخارفه الطبيعية، وكل نوع أو لون أو زخرفة طبيعية لها دورها الخاص في اللوحة، فلا يجب أن نقتصر على بعض الأنواع فكل نوع له دوره الخاص الذي يجعل الفنان يبدع أكثر.

bull;رغم صغر سنك إلا انك جسدت تراث مغربي يلامس التاريخ ويرفع الغبار عنه، من أين تستقي ذاكرتك البصرية في لوحاتك؟
السن ليس هو الأساس بعالم الفكر والابداع، وكوني من مدينة فاس المعروفة بتراثها وتاريخها المشهود، حيث نشأت فيها فأنا محب للتاريخ والمدن العتيقة، وقبل احترافي "الماركيتري" كنت غالبا ما أزور المدن العتيقة إذ كنت أتساءل عن تفاصيل المدينة، ومن مضى فيها ومن أسس أمكنتها وما هي الأزياء التي كانوا يرتدونها عبر التاريخ، واعتقد لكوني محبا للتراث جمعت بين كلمتي التراث والفن وانبسطت لي الطريق كي اعمل على المدرسة الواقعية من خلاله.

bull;رغم أنك ابن المدينة إلا أن لوحاتك جسدت الحياة القروية بمهارة، لماذا؟
نعم هذا صحيح، رغم أنني مولع جدا بفاس المدينة حيث أقطن حاليا، لكن يعود سبب تجسيد لوحاتي الحياة القروية هو أن والدي كان فلاحا بجوار مدينة فاس وكنت أعمل معه وأعاونه دائما، ولهذا أحببت الحياة البسيطة، ووجدت أن التراث هو ما أجيد تجسيده على اللوحات

bull;كيف تبدأ المراحل الأولى للوحة من إبداعك؟
أي لوحة من لوحاتي تبدأ مراحلها الأولى من خلال صورة تراثية، إذ أقوم بسؤال بعض المؤرخين المختصين بالتراث أو الاستفسار من أهل المكان القدماء حول المكان وماضيه، ومن ثم أعيد تجسيد الرسم، ويبدو الحديث عن ذلك سهلا ولكن التنفيذ ليس سهلا خصوصا إذا أردت ايضاح تفاصيل الصورة كما كانت في الماضي.

bull;هل يتشابه فن "الكولاج" بفن "الماركيتري"؟
فن "الكولاج" و"الماركيتري" فنان منفصلان لا يجمعهما إلا إبداع الفنان، ولكل منهما طريقة وأسلوب يميزه، وعلى حد علمي إن فن "الكولاج" يقتصر فقط على الخيال الواسع للفنان و للمتلقي، أما "الماركيتري" يجمع دقة الحرفي والمبدع في آن واحد.

bull;باعتباره فن غربي ذو أصل عربي هل تحاول من خلال مشاركاتك في المعارض الدولية إعادته إلى موطنه الأصلي؟
ليس بهذا المعنى بالتحديد، لكنني اطمح بأن أُعرف به قدر المستطاع، أما موطنه الأصلي فيعود إبداعه وتجديده للوحات فنية عند الغرب فهم من اهتموا به ولم يتركوه للتهاون وللضياع، على العكس عندنا نحن العرب ففن "الماركيتري" لم يجد طريقه بعد حتى في المغرب مع أنه فن يظهر في نقوش الأثاث العربي المصنوع من الخشب قديما.

bull;ماذا أضفت لفن "الماركيتري" وماذا أضاف هو لك؟
كمال المكوني ما هو إلا فنان شبه مبتدء، ولا أزال في بداية المشوار، ويمكنني القول أنني أنا من جعل لهذا الفن البداية الجديدة في العالم العربي لأنه يعتبر فنا تائها بين بلدان الغرب، وبالمقابل فقد أضاف لي شيء مهم وهو الولوج إلى عالم الفن بالروح وبالفكر واحترام الطرف الآخر كيفما كان نوعه واصله.

bull;شاركت بين اكتر من100 فنان عربي في المعرض الدولي لأجنحة عربية بجدة، كيف وجدت تجربتك بين فنانين عرب وسعوديين؟
مشاركتي بالمعارض الدولية الثلاث اعتبره نجاحا، فمشاركتي في المعرض الدولي أجنحة عربية، وأيضا مشاركتي في المعرض الدولي لصالح مستشفى سرطان الأطفال مشاركات اعتز بها، وقد قال لي بعض النقاد الكبار والفنانين في الساحة العربية أن فني هو نقطة قوتي وأنا اعترف بهذا، ولقد أخذت مشاركتي اهتماما كبيرا لدى الزوار والنقاد والمهتمين بالفن وأيضا الأمير مشعل بن ماجد آل سعود الذي تكلم عن لوحتي وهذا في حد ذاته ايجابي يحسب لصالحي.

bull;هل واجهتك صعوبات في تلقي الفنانين العرب لما تقدم؟
طريق الفن ليس سهلا فكيف إذا كان فنا غائبا كالماركيتري، لأنه وبحكم غيابه في كليات الفنون الجميلة فقد غاب التعريف عنه، حتى أنه غير موجود على الشبكة العنكبوتية العربية، فضلا عن انني عندما اسأل بعض الأساتذة من كليات الفنون الجميلة يقولون "بأنهم لم يدرسوا هذا الفن"، ومع ذلك أجد انتقادات كوني متفرد في هذا الفن عربيا، لذلك هناك صعوبات في إيصال رسالة "الماركيتري".

bull;هل ثمة أشخاص ينافسونك؟
تمنيت لو كانت المنافسة بفن الماركيتري ليتم التعريف به اكثر ونستفيد منه اكثر، فلا يمكن أن تكون المسيرة ايجابية وظهور قوي إذا بقي الحال على ماهو عليه، ونتمنى أن نرى كلية الفنون الجميلة تُدرس هذا الفن لنرقى به إلى اعلى.

bull;ماهي مشاريعك المستقبلية؟
أرى مستقبلي الفني في التعريف عن "الماركيتري"، وحاليا لي جولة فنية في المدن المغربية ربما ستكون في أكثر من 12 مدينة مغربية برفقة الفنانة غزلان يعلاتن، وستكون بداية الجولة وافتتاحها في مدينة مكناس في 28 فبراير الجاري، ومن ثم سنعمل على جولة مغاربية من أجل التعريف أكثر بنا وبفننا، بعد ذلك سنقوم بجولة عربية، كما اطمح بجولة عالمية.