ثقافات

العمارة الإسلامية بصفتها مرجعية ابداعية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د. خالد السلطاني: في أحد " 9 نيسان" ، التاريخ المصادف ليوم مشهود في تاريخ العراق وشعبه، والمتواءم مع سقوط الدكتاتورية؛ ولد من عام 1918 " يورن اوتزن" Joslash;rn Utzon: المعمار الدانمركي المعروف، ذو الشهرة العالمية، المحب للعمارة الأسلامية، ومصمم روائع عمارة القرن العشرين، الحائز على جائزة " بريتزكر" المرموقة (2003)؛ والذي تحتفي الاوساط الثقافية العالمية بتسعينيته في مثل هذه الايام.
والحديث عن عمارة يورن اوتزن، يعنى الحديث عن " سـّاغا " Saga معمارية مؤثرة وممتعة في آن؛ فصولها الزاخرة بالاحداث صاغتها وقائع تصميم متفرد، واعلان فوز مفاجئ وسلسلة من احداث دراماتيكية رافقت عمليات تنفيذ ذلك التصميم. ونحن هنا بالطبع نشير الى واقعة مشاركة وفوز المعمار الدانمركي، وتنفيذ مشروع " دار اوبرا سدني " في اوستراليا (1957- 1973)؛ ذلك المشروع الذي عد ّ في نظر كثر من النقاد والمتابعين للنشاط المعماري، من الاحداث المهمة والمؤثرة في عمارة القرن العشرين باسره. وليس في هذا القول من مبالغة كبيرة.. فحدث التصميم وفوز المصمم ومساهمته كاستشاري للمشروع، وضروب الاشكالات المتعددة التى جابهها في عمله اثناء التنفيذ فضلا على تغيير ارقام الكلف المرصودة له بصورة طردية، وكذلك حجم المشروع وتعقيداتة الانشائية مع حادثة استقالة المعمار وابعاده عن دوره الاستشاري وما رافق ذلك من احتجاجات كثيرة جميعها لم تكن امور عادية بالمرة؛ ما ساهم في تكريس تلك " السـّاغا" التصميمية في الخطاب المعماري العالمي ومن ثم تكرار حضور اسم معمارها في ذلك الخطاب.
ولد، اذن، " يورن اوتزن" في 9 نيسان 1918 في كوبنهاغن، وتوافقت بعض سنين دراسته المعمارية التى قضاها في مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون (1937-42) مع الاحتلال النازي لبلده - الدانمرك، الذي عطل مجالات حياتية عديدة بضمنها مجال البناء والاعمار ما اضطره الى الرحيل بعد التخرج مباشرة الى السويد والعمل فيها. وكذلك عمل لفترة قصيرة (1945) في هلسنكي بفنلنده بمكتب " الفار آلتو " - المعمار الشهير عالميا والمؤثر جدا على مسار تطور العمارة الاسكندينافية على وجه الخصوص.
سافر " اوتزن" وتجول كثيرا في بلدان متنوعة اثنيا وثقافيا وبالطبع مختلفة معماريا. وعلى غراراعتقاد الكثر من مجايليه كان " اوتزن " يسعى الى تمثيل العالم -عالمه المعماري عن طريق التجسيد المادي المباشر له، بحسب تعبير الناقد " سيغموند غديون. عند اقامته بباريس (1947) قابل المعمار لو كوربوزيه كما التقى مع الرسام فريناند ليجيه؛ وفي المغرب التى زارها عام 1948 يفتن في نماذج العمارة الاسلامية التى يشاهدها لاول مرةبصورة واقعية وملموسة. وسيشكل منجز العمارة الاسلامية باعترافه الشخصي احد المصادر الهامة لمنابع ايحاءاته التصميمية، وهو ما سوف نراه في العديد من التصاميم التى اشتغل عليها " اوتزن" والتى تظهر في حلولها الكتلوية - الفضائية بعضا من خصائص العمارة الاسلامية، ولكن بالطبع بشكلها المؤول وفقا لرؤيته الخاصة وثقافته الاسكندينافية المتفردة.
في المغرب استأثر اهتمام اوتزن وحدة البيئة المبنية واتساقها مع محيطها، ومع رموز المكان، ثم يشرع في اعداد تصمم بالمغرب يتضمن lt; مشروع لمعمل اسمنت والقطع التركيبية الجاهزة gt; (1948) (لم ينفذ). وقد سبق وان اعد ّ في سنة 1947 مشروعين مخصصين الى المغرب وهما : مخطط اسكاني، ومعمل للورق اللذين نعتبرهما اول مشروعين حديثين مصممين من قبل المعمار الدانمركي ومخصصين ليشيدا على الارض العربية. كما ان المعمار لاحقا (1951) قام بتصميم " دارة سكنية " له في المغرب. بعد المغرب يرحل " اوتزن " الى الولابات المتحدة الامريكية، واذ يقابل " فرنك للويد رايت " يقيم معه ضمن جمعية " تاليزن" الغربية والشرقية، ويحفظ الدرس العضوي " الرايتوي" الذي كان المعمار العالمي الشهير يروج له عبردروس مكثفة لتلاميذ جمعيته المعمارية. كما يدرك المعمار الشاب اهمية ارتباط المنتج المعماري بالمكان. على ان " اوتزن " بالاضافة الى ذلك استوعب ايضا امرا آخرا، من مقاربة رايت، وهي اهمية ان لا يكون المنجزالمعماري مشتقا من الخيارات التى توفرها المنظومة الانشائية او بفضل استحقاقات الجانب الوظيفي، وانما ايضا وطبقا لنوازع جمالية صرفة بالاضافة الى تينك الباعثين او حتى بالضد منهما احيانا ً!!. وربما افضت اشتغالات " اوتزن" على الناحية الاخيرة الى ازاحة المعنى الدلالي المرتبط بمفهوم العمارة و " تفكيك" اقنومها المعبرّ عن طبيعتها الاساسية، ما فتح امامها آفاقا رحبة امام الفعل المعماري لارتياد تخوم معرفية ومهنية لن تكون متداولة في السابق.
هل كان " اوتزن " في تبنيه لمثل تلك المقاربة، مقاربة " تفكيك " المفهوم المعماري يعي اهمية المسلكالمهني الذي ينشد لان يكون احد ممثليه النشطين ؟ ذلك لان المسار التطوري للعمارة وتحديدا في نسخته " التفكيكية " Deconstruction في التسعينات وبداية الالفية الثالثة حرصت على التغاضي عن " اوهام" Fictions كثيرة اقترنت بالنشاط المعماري لقرون، منها وفقا " لبيتر ايزنمان" P. Eisenman : وهم " التمثيل" ، ووهم " المنطق" ، ووهم " التاريخ" . لكن جواب ذلك التساؤل بصدد فيما اذا كان " اوتزن" واعيا ام لا، نتركه امام قيمة المنجز الابداعي الذي اجترحه المعمار، المنجز الذي سنرى تمثيلا له ليس فقط في رائعته " دار اوبر اسدني " ، وانما سنشعر به حاضرا في غالبية التصاميم التى عمل عليها المعمار الدانمركي.
لقد اشرنا الى اهتمام اوتزن المبكر في تعاطيه مع ما يعرف الان " بالتناص المعماري" ، وهي الفعالية الابداعية التى تتوخى اسقاط مفهوم " الهرمينوطيقا" على منجز الاخر المعماري، ليصار الى توظيف نتائج تلك الفعالبة التأويلية من منظورشخصي كحافز لاجتراح خطاب معماري يؤسس لمقاربة يكون تميزها مرتهنا ً بتأثيرات التصادي مع ثقافة الاخر، الاخر المختلف اثنيا ً وجغرافيا. وضمن هذه الرؤى، سعى " اوتزن" عندما اتيحت له الفرصة المناسبة ان تكون بعض قرارته التصميمية للمشاريع المنفذة في الارض الاسلامية والعربية مستوحاة من فعالية التناص مع منجز العمارة الاسلامية، وهو ما سوف نراه واضحا في المشاريع العربية مثل " مجلس الامة الكويتي" بالكويت (1972-82) والمجمع الرياضي في جدة بالسعودية (1967) ومسرح في لبنان (1970) ومصرف " ميلي ايران " في طهران (1959). كما ان بعض تصاميميه التى اشتغل عليها والمخصصة الى بلده - الدانمرك كانت حافلة هي الاخرى بنكهة الاخر، الاخر المختلف، والذي وجدنا نحن في ذلك الاخر مساحة لا بأس بها تشغلها العمارة الاسلامية. ويعد " مخطط اسكان فخذسينبو (1963)، وعمارة المركز التجاري في فاغوم (1966)؛ ومتحف الفنون في سيلكبو (1971) المرحلة الثانية؛ وغير ذلك من التصاميم التى نعتقد بان تأثيرات قيم العمارة الاسلامية كانت جلّية في كنه حلولها التكوينية.
في أوائل عام 1972 تمّ تكليف المعماري الدنماركي بإجراء المخططات التفصيلية لمجمع مباني مجلس الأمة الكويتي في مدينة الكويت, بعد أن حاز تصميمه المرتبة الأولى في المسابقة المعمارية الدولية الخاصة بتصاميم مبنى جديد للمجلس المذكور. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1973, أجريت تعديلات أساسية على التصميم الأولي. واستمر إعداد وتهيئة المخططات النهائية للتصميم حتى عام 1979, حيث شرع فيه العمل ميدانيا لبناء المشروع الذي أنجز إنشاؤه بالكامل وافتتح رسمياً في شبط / فبراير عام 1983.
يستمد مبنى مجلس الامة الكويتي مكانته واهميته الكبيرتين بحسب بواعث عديدة، منها ما يخص موضوعة المبنى ذاته، كونه يمثل عنوانا رامزا للمؤسسات الديمقراطية والمشروعية، ومنها ما يمكن ان يكون معلما ً نوعيا ً جديدا ً مضافا الى بيئة المدينة المبنيّة؛ كما ان اهمية المجمع تتأتى جراء لغته المعمارية الفريدة والاستثنائية ومكانة تلك اللغة المعمارية في سياق المباني المصممة من قبل " الاخرين" في منطقتنا العربية والتى تشّكل آليات التناص مع منجز العمارة الاسلامية السمة البارزة في انتاجهم الابداعي، فضلا عن موقع المعمار ومنزلته المرموقتين في المشهد المعماري العالمي.
تتجسد في عمارة مجمع مباني مجلس الامة الكويتي احد أهم خصائص المقاربة " الاوتزنويه" المعمارية، وهي نبذ اسلوب ما يسمى " بواجهة الجدار" ، والاعتماد على ادراك قيمة الحل الحجمي - الفضائي بديلا ً عن ذلك الاسلوب. في عمارة المجمع، كما في تصاميمه الاخرى، ثمة غياب متعمد لممارسة رسم الواجهات، ومن جهة اخرى، هناك احساس طاغ ِ لحضور المعالجة الحجمية - الحيّزية في تلك المباني. لم يكن " اوتزن " يفهم العمارة قط او يقبلها كونها واجهة - جدار؛ من هنا يبدو لنا ان فراغات المنظر الداخلي لمجمع المجلس قد صممّت في آن واحد مع المعالجة الحجمية - التكوينية الخارجية له. ثمة مسعى حثيث لتماهي الفضاء الداخلي مع التكوين الكتلوي الخارجي للمبنى، الامر الذي افضى الى تغييب أهمية الجدار كفعل واجهاتي واهماله، ومن ثم تكثيف الاهتمام والتركيز على خلق عُـقد Knots مفصّلية، عقد بمقدورها ان تحدد ّ الداخل والخارج، البداية والنهاية، المغلق والمفتوح.
لا يكتفي المعماري بأن تكون معالجاته التخطيطية - التكوينية لمجمع مباني مجلس الأمة الكويتي مستمدة حصرا من مبادئ أطروحته (العمارة المضافة) بمفردها , وإنما يوظف قيم العمارة الإسلامية, في صوغها التأويلي الذاتي , بغية التشديد على حضور المكان وتشغيله كأحد المعايير المعتمدة في القرارات التصميمية, ويسعى " أوتزن" لأن تكون مقاربته التصميمية هنا مبنية ليس على محاكاة التشكيل (الهيئاتي) لنماذج مباني العمارة الإسلامية بمفهومها " الباستيشي" Pastiche السريع, وإنما يطمح لقراءة متأنية وعميقة لذلك المنجز المعماري الحصيف, ويرغب رغبة حقيقية في استنطاق كنه المعاني الكامنة في جوهر الحلول التكوينية لتلك العمارة. من هنا يمكن لنا أن نحسّ بفرادة " التناص" المشغول به مخطط مجمع مباني المجلس، المخطط ذاته المتشكل من اتساق الطرح التصميمي الخاص مع الحرص على احترام (المكان) وثقافته. إن القيمة الأساسية لعمارة المبنى تكمن في الضرب الأسلوبي الخاص بتجميع وحداتها التصميمية, ذلك الضرب من الأساليب الذي لازم تكوينات العمارة العربية - الإسلامية وجُرب وامتحن عبر أنماط بنائية كثيرة, غدت بعض نماذجها كنوزاً للعمارة العالمية, وأعني به (التكوين المرن)؛ الذي يكفل التوسع مكاناً وزمانا، من دون إفساد يذكر إلى جوهر وطبيعة التكوين.
لاشك ان اشتراك " اوتزن " في مسابقة تصميم داراوبرا سدني وفوزه المدوي فيما بعد الذي اعلن عنه في 29 يناير " كانون الثاني " 1957، سيظل يمثل احدى الصفحات الباهرة في تاريخ العمارة بالقرن العشرين؛ ليس فقط لكونه تتويجا لنشاط معمار مغمور، وانما ايضا لنوعية القيمة المعمارية التى ارتبطت بالتصميم ابان مرحلة تاريحية محددة.
في عمارة " اوبرا سدني" ،تدهش شجاعة وجرأة " اوتزن " لجهة تركيزه على تضادية طبيعة المخطط الافقي الواضح والبسيط مع اشكال اقبيته القشرية غير المألوفة: المعقدة والعالية. ولعل هذا الجانب التكويني المعتمد اساسا على الضدية المباشرة والصريحة بين مفرداته هو الذي يكسب التصميم سمته المميزة ويضفي عليه طابع التفرد الاستثنائي. ثمة اصرار من قبل المعمار لتفادي ان تكون بواعث وجود عناصره التصميمية رهنا بالوظيفة التى تؤديها تلك العناصر. فهو يبالغ في ابعاد اقبيته القشرية، تلك الابعاد التى لا تنسجم مع شكل القاعات التى تسقفها ولا تتطابق مع متطلبات " الصوتيات" التى تعتبر الاستجابه لها من ضروريات الحل التصميمي لمثل تلك الابنية. لكنه بدلا من ذلك يتطلع الى الدنو من مقاربة نحتية لعمارته، مقاربة تحرص على ان تكون اشكال عمارته بمثابة " ايقونة " للمدينة و " اميجها " الرمزي المتخيل.
من المشاريع المميزة التى اشتغل عليها " يورن اوتزن " ولم يكتب لها التنفيذ بالواقع " مسرح في مدريد " (1962) الذي صممه اثناء عمله على تنفيذ دار اوبرا سدني. وفي سنة 1964 ينال " يورن اوتزن " على المرتبة الاولى بالمسابقة العالمية لتصميم مسرح في مدينة زرويخ السويسرية. لقد استقبلت الاوساط المهنية بايجابية عمارة هذا المشروع، واعتبرته حلقة من حلقات نجاحات " اوتزن " التصميمية؛ كما رأت فيه الصحافة المحلية مشروعا بامكانه ان يرسي معايير تصميمية جديدة لمباني مدينة زرويخ. ورغم هذه التقييمات المفعمة بالتفاؤل والمرحبة بالمشروع فان التصميم الرائع الذي " عد ّ من اقوى مشاريع اوتزن " بحسب ناقد دانمركي، هو الاخر، لم ينفذ.
قد تكون " كنيسة باسفيرد " (1972-76) Bagsvaelig;rd المشيدة في ضواحي العاصمة الدانمركية هي المبنى الاهم معماريا ً الذي صممه اوتزن ونفذ في بلده - الدانمرك. وكحال تصاميمه الاخرى، فقد تباينت اراء النقاد ومتلقي عمارته في تقييم هذا المبنى المخالف شكلاً ومضمونا ً " لتابولوجية " المباني الكنسية. انه خلو من اية رموز اعتاد الدانمركيون ان يروها مجسدة في كنائسهم. فهيئة المبنى العامة لا تشبه لا من بعيد ولا من قريب عمارة الكنائس المحلية المتفردة، اشكالها التى ترسخت في صور معتادة تستحضر مخيلة المتلقي " اميجها " بيسر وسهولة. ان المبنى خلو من رمز الصليب، كما انه بلا ابراج للنواقيس. ثمة بناء منفرد متواضع الحجم بجانب المبنى الرئيس هو الذي يقوم بمقام ابراج الكنيسة. وبالطبع امست عمارة المبنى بفورمها الاستثنائي باعثا لسيل من التهكمات والتسميات الساخرة. وقد دعاها احدهم " بسايلو القمح " . لكن الانتقادات مالبثت ان انحسرت وبدأت تظهر قيمتها المعمارية شيئا فشيئا.
تعيد عمارة " كنيسة باسفيرد " الى الاذهان مقاربة اوتزن " الخاصة في تطلعه الى جعل كل مشروع من مشاريعه بمثابة حدث تصميمي ان كان ذلك لجهة اللغة المعمارية ام لناحية التكوين الفراغي. ثمة نزوع واضح لتبسيط عناصر المعالجة التخطيطية في مستواها الافقي، يقابله اصرار المعمار لتعقيد وتشابك معالجات عناصر الحل الشاقولي. فكتلة المبنى ترتفع فجأة لتصل الذروة عند سقف قاعة الكنيسة، ثم تهبط للاسفل بتكسرات ذات ارتفاعات مختلفة، لتدنو ارتفاع مستوى كتلة بطابق واحد هي كتلة الفراغات المتممة والخدمية لمبنى الكنيسة التى يمتد مخططها طولا في الموقع ذي الابعاد الضيقة نسبيا.
يذكر الناقد المعماري " كينت فرامبتون" K. Frampton بان " .. عمارة اوتزن تحظى باعتراف واضح وتزداد اهميتها بصورة ملحوظة، ليس لانه مبدع احد اهم مباني القرن العشرين، مبنى " دار سدني اوبرا " ؛ وانما ايضا بكونه قبل وبعد " سدني " صمم مشاريع كثيرة ومتنوعة لا تقل اهمية وتأثير عن ذلك المبنى الشهير... " . وما يشير اليه الناقد العالمي بخصوص اهمية عمارة اوتزن نراه امرا صحيحا، ونضيف بان اهميته الكبيرة تجلت ايضا في تفرده واستثنائية مسعاه وعمله مع استرايجية " التناص " المعماري ولا سيما التناص مع ما يسمى بالثقافات " المهمشة " وفقا لمعيار التمركز الاوربي، مثل ثقافات البلدان الاسلامية والصينية او المكسيكية. ومرة اخرى نجد عند " كينث فرامبتون " الشجاعة للتذكير ايضا في خصوصية مقاربة اوتزن في هذا المجال، فيكتب " .. ان عمارة يورن اوتزن تمثل اليوم نموذجا في معنى من المعاني، ذلك لانه حاول ان يتصدى لافتراضات اولوية ثقافة التمركز الاوربي Eurocentric منذ بداية مساره المهني.. " . ويعترف اوتزن ويفتخر ايضا بان مشاريعه العديدة هي ثمرة استلهامات مقصودة من قيم تعود لثقافات عديدة ومتنوعة، بعبارة اخرى، يعي اوتزن دور " التناص" كونه فعالية ابداعية اسهمت بالخصوص في انتاج كثير من التصاميم المميزة التى اقترنت باسمه. وفي هذا الصدد، فقد اشار مؤخرا lt; ايلول / سبتمبر 2004 gt; بتقديمه القصير لكتابه المتضمن سيرته المهنية الصادر في اسبانيا، بان هذا الكتاب سيظهر " .... بان التصاميم المعروضة (تصاميم اوتزن خ. س.)، هي في الواقع جميعها مستوحاة من ثقافات متنوعة موجودة حول العالم،.... وستبين تلك المشاريع الاهمية الفائقة للايحاء، وكما ستظهرالتطور اللاحق لتلك المشاريع انطلاقا من ذلك الايحاء... " تنتمي عمارة اوتزن كما ينتمي هو شخصيا الى مرحلة محددة من تطور العمارة العالمية دعاها " سيغفريد غديون " بعمارة الجيل الثالث، الجيل الذي تشبع بافكار الحداثة المعمارية التى ارساها الجيل الاول، وفهم مقاصد ضرورة التخلي عن الصيغ الثابته لمقاربات الجيل المؤسس التى اضطلع بها الجيل الثاني، وانغمس ذلك الجيل : الجيل الثالث في توق عميق وواضح لايجاد مسالك خاصة بهم لمنجز تصميمي يعي ما اسسه الاخرون من طروحات تصميمية ولا سيما ما انجزاه الجيلان الاول والثاني. بعبارة اخرى لم تكن طروحات الجيل الثالث (وعمارة اوتزن من ضمنها) تمثل قطيعة ابستمولوجية ومهنية مع مفاهيم الحداثة وتنقلاتها الاسلوبية، بقدر ما كانت تمثل مرحلة متقدمة في تطور تلك المفاهيم التى وصلت ذروتها عندالجيل الثالث. وتطلب التقدم للامام تغيرات رديكالية بل وقطيعة كاملة مع " فورمات" كل ما انتج معماريا والتى بدورها ارهصت لخطاب ما بعد الحداثة.
ويتعين طبقا لهذا الرؤى، ادراك عمارة " يورن اوتزن" ضمن سياقها الزمني وتقييم ما اجترحه هذا المعمار المجدّ من اعمال معمارية مهمة، مثلت عمارته المخصصة للدول الاسلامية جزءا اساسيا ومهما من تلك الاعمال.□□

مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف