ثقافات

مها بنت حليم.. سعودية تعيد زمن المراثي اليوتوبية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مها بنت حليم.. شاعرة سعودية تعيد زمن المراثي اليوتوبية
ديوان" في قبضة المجرى"... عندما يضحى غياب الأب ميثولوجية في النفس العربية
إميل أمين من القاهرة:
"هناك شيء في نفوسنا حزين
قد يختفي... ولا يبين
لكنه مكنون
شيء غريب.. غامض.. حنون"
كلمات تقودك إليها عبارات الحزن الجميل المتسترة بين خفايا وخبايا هذا الديوان للشاعرة والكاتبة السعودية الواعدة مها بنت حليم.
والشاهد أن الفن العظيم يولد في أحضان الألم العظيم، وأنَّات الفنانين والأدباء هي وهجهم المتألق ولحنهم الخالد عبر الزمن. والفنان الذي لا يحترق في أتون ناره المقدسة لا يعرف الموسيقى الخالدة أو الشعر العظيم.
وعبر تاريخ الفنون تختلف حكايات الألم وتتنوع مصادر المعاناة ولكنها تتجسد في ذات الإنسان وعياً بالحقيقة ونضوجاً في الفكر والعقل والتصورات واستعلاءً بالأحلام والتطلعات.
ومنذ انطلقت الأعمال الدرامية العظيمة على يد هوميروس وسوفوكليس مصوِّرة آلام البشرية الهائلة ومشاكلها الأبدية اللانهائية، ومنذ سرت أنغام الشعراء العظماء وانطلقت صيحات المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ احتجاجاً على ما في الحياة من متناقضات وطلباً للمدن الفاضلة وبحثاً عن سعادة لا تحققها أحلام الحياة القصيرة الآفلة قد تتغير الأسباب وتختلف الغايات والمقاصد، ولكن تبقى معاناة الألم نبعاً فياضاً للفن العبقري الخالد. ولقد اعتزّ كثير من الفنانين بآلامهم وأحزانهم واعتبروها تميزاً لهم وتفرداً فوقياً عن سائر مَنْ حولهم وخاصةً الشعراء.
في ديوان " في قبضة المجرى" نحن أمام شاعرة تحملك على أجنحة الحزن العظيم والألم الذي يفلق الثمرة لتكشف قلبها للشمس، وتقدم ديوانها كما الكأس التي يجلبها الطبيب النطاسي للعليل، ذلك لأنها وان أحرقت شفتاه فلان الصلصال الذي صنعت منه قد مزجها الخزاف الأعلى بدموعه المقدسة، وكأنها ترسم في الأدب والشعر العربي ملامح تجربة مماثلة في الأدب الفرنسي الرائع وهي رواية " صباح الخير أيها الحزن الجميل " للرائعة فرانسواز ساجان والتي كتبتها في عمر الثامنة عشر وكانت لها بمثابة المدخل إلى عالم ثري أعظم ما يكون الثراء في سماوات الأدب الفرنسي والعالمي من بعده.
و احسب أن ما جاء في " قبضة المجرى " إنما يعبر عن أشواق روح متألمة ذلك الألم النبيل الذي يطهر النفس من أدران الحاضر بعولمته ألاثمة في كثير من أطرافها وأطيافها وأظن أن الأب في الديوان هو أكثر من مجرد رمز وان كان واضحا انه حقيقة أيضا لكنها حقيقة عريضة تقدر الشاعرة من خلفها أن تقول بالتلميح ما لا تستطيع قوله بالتصريح عن الرجل بشكل عام وليس الأب فقط الذي تفتقده وفي هذا ذكاء وبراعة استخدمت فيها أدوات اللغة كأداة طيعة للمناورة والمداورة وان غلبها الحزن النبيل في هذه وتلك.
أمر أخر يستوقف المرء في قراءة سطور " أنثى الأسئلة " ويشعره انه أمام حالة تمرد وعصف ذهنيين على كثير من الأوضاع الإنسانية بطول البسيطة وعرضها حيث شريعة الغياب والتغييب بل والاغتراب والتغريب أضحت مهيمنة في سماوات العالم بأسره وباتت المراة الجناح الأضعف كما توصف تدفع ثمنه قبل غيرها وتبقى التساؤلات كما علمتنا الفلسفة كثيرا ما تكون أهم من الأجوبة والتساؤل يعني أننا أحياء نعقل ونفكر وتساؤلات أنثى روحها تستطع في " نصف السماء " تعبير بديع عن التحليق عاليا فيما يشبه البحث عن اليوتوبيا في زمن تسليع العالم.
والمقطوع به أن المرأة أكثر انفعالاً في التعبير عن رقتها في فرحها وحزنها، بل هي أقدر من الرجل في الانتقال من لحظة فرح إلى لحظة حزن. دموعها قد تتداخل مع ضحكاتها. ولعل هذا التواصل أحد أسرار فرح الرجل بها. غير أن " مها بنت حليم " في ديوانها المذكور قد قلبت الآية إذ استطاعت أن تكتم آلاما وتحبس دموعا ظهرت بين ثنايا الكلمات عن طروحات كثيرة داخلها فكانت اقدر من الرجل في التمترس وراء المعاناة الداخلية دون إظهارها وفاقته ملكة في الثبات أمام المعاناة.
والتساؤل هل يمكن أن تكون الاستنباطات سليمة إذا ذهبنا إلى أن بعض من مشاعر الشاعرة في الديوان إنما يتجاوز قراءاتها لمعاناة شخصية إلى حال المراة العربية بشكل عام سيما في زمن التردي العربي الذي نعيشه حيث "الجياع يأكلون الحلم قبل أن ينمو" على حد وصفها البليغ والذي هو كناية عن الجدب الذي صارت إليه بلادنا؟.
أخيرا علمتني الحياة ألا أبالغ في الفرح أو الترح، ولا اقصد القول أن يضحى الإنسان " سيكوباتيا " لا يشعر بالآم الناس أو بأفراحهم لكن الأفراح دائما ما تتلوها أتراح والعكس صحيح، الفرح لحظة عابرة قد يتلوها ما يحزن. والحزن أيضاً لحظة عابرة يتلوها ما يُفرح، وليس ما يُسعد أو يحزن إلى الأبد. إذ تظل السعادة عملية نسبية في حياة البشر وفي هذا أتذكر كلمات الفيلسوف " أوجستين " والتي يقول فيها " خلقتنا يا الله وستظل قلوبنا حيارى إلى أن ترتاح فيك " ولهذا فأنني أشير على الشاعرة بان يكون ديوانها القادم ن عن الحب والحياة والعطاء والانطلاق في آفاق المسكونة سيما وان لديها معين لا ينضب من الرومانسية العالية التي تقرنها بالمشاعر الدافئة وفي هذا يتوقع لها نجحا عظيما.
يقول جبران خليل جبران عن الفرح والحزن في حياة الإنسان
ما أكثر ما تمتلىء البئر التي تسقون منها ضحكاتكم بفيض دموعكم
فعلى قدر ما يغوص الحزن في أعماقكم يزيد ما تستوعبون من فرح
أليست القيثارة التي تسكن لها نفوسكم هي هي قطعة الخشب التي حفرها سكين؟
ويبقى القول انه حين يستخفّك الفرح, ارجع إلى أعماق قلبك,فترى انك في الحقيقة تفرح بما كان يوما مصدر حزنك
وحين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد,فسترى أنك في الحقيقة تبكي مما كان يوما مصدر بهجتك.
ربما أدركت مها بنت حليم هذه الفلسفة الكونية ولهذا فقد قررت:
لن احزن...
فما عاد الحزن يجدي
سأجرب طريقا أخر غير الحزن...
سابني من الدمع عشا...
ومن الخذلان بيتا..
وسأكتبك حتى تفنى.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رؤية صوفية
حامد حميد -

ان الحياة المسيّجة بالأشواك والألغام هي قدر كل من أراد أن يصبح شاعراً حقاً.هي درب وعر يتطلب إجتيازه ايماناً جنونياً،لذلك نجد إن الشاعر ليس حزيناً لكنه متألم لأنه مسكون بشهوة اصلاح العالم.حين ندع حواسنا تعيش بصورة سكونية فإنها لاتمنحنا سوى القشرة الخارجية للأشياء وتجعلنا نراوح بين جدران العادي والمألوف بعيدين عن مناخ الشعر والالهام الفني.لكن حينما نخضع هذه الحواس لمنهاج الخلخلة نخترق قشرة الواقع والنفاذ الى الرؤى الخفية الكامنة وراء المظاهر.لذلك يسعى الشاعر جاهداً الى فض بكارة المحظور لكي يمدّ جسراً بين المرئي واللامرئي.ان الانعتاق من محنة الاغتراب التي تغلّف عالمنا وتعشش في ذات الشاعر يتم عن طريق تنمية ملكة الرؤى والكشف الصوفية وبلوغ الانسان لحظات الكشف هذه تحرره من التفكير العقلي المجرد الذي وحده ليس بالقادر على إدراك اي معنى حقيقي كامن وراء هذا العالم،هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان هذه اللحظات سوف تساعده على ايجاد مصادر اخرى لمتع كثيرة في الحياة لم يكن تفكيره المادي الخالص يمكّنه من الاستعانة بها . شاعر عراقي