ثقافات

العري على موائد اللغة أو حين تكتب النار سيرة الماء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سامي دقاقي من المغرب: عن دار "طوب بريس" بالرباط، صدرت مؤخرا للشاعر المغربي زين العابدين اليساري، الطبعة الأولى من ديوانه الموسوم ب"العري على موائد اللغة"، وهو ثاني عمل للشاعر بعد أضمومته الأولى التي أصدرها سنة 2000 بعنوان: "فاتنة القصر"، وجاء الكتاب موزعا على 118 صفحة من الحجم المتوسط. قسّم الشاعر ديوانه إلى بابين، الباب الأول أطلق عليه "العري على موائد اللغة" ضمّ تسعة عشر قصيدة هي: حنين الغناء- حلم على موائد الصمت- نافذة- الضوء المسائي- أسئلة القلق- باقة اشتعال- العري على موائد اللغة- تباشير الدعوة الأولى- يسألونك على الحب- سأحيا للنور فراشا- تفاصيل العبث- الجسد الزئبقيّ- أقاليم الجسد في خارطة الليل- سمفونيّة الرحيل- إيقاعات من وحي السقوط- القمر الأحمر الذي أريد- إيقاعات صهيل عربي- العري المتواطئ مع سلطة العصف- انفلات.
أمّا الباب الثاني، "وشوشات على حافة الجرح" فقد انتظم على تسع قصائد هي: لست سيّد القبيلة ولا تاجها العجيب- يا دعاة الهزيمة طلع النهار- وشوشات على حافة الجرح- بدأ الماء يغرق- النص القديم..النصّ المحدث- تماثيل أشباح الليل الراقصة- أطرد السماء من سمانا- أرسم طريقا وخارطة- سلام أخير.
وقد عبّر الشاعر في مقدمة الديوان "أبجديّة الرؤيا" عن تمثله للقصيدة والكتابة على السواء قائلا: " أن نركب مغامرة الحروف المشتعلة..أن نمتطي صهوة الحلم.. أن نفنى في جسد القصيدة..أن يكون للأرق طعم في ذواتنا.. أن نسافر فيه عبر تشظياتنا..بين القلق والسؤال تبقى القصيدة محراب المجانين..روضة المجاذيب وسقيفة الغرباء..هي مقام الرؤيا..إيقاع الروح ولحن الخلود..هي شهوة الفناء..حنين الغناء والفتنة المقدّسة..هي كشف الحجاب..هي العجب العجاب.."
والشاعر زين العابدين اليساري، ضابط في الوقاية المدنيّة بالمغرب، آثر أن يطفئ حرائق العالم، ليشعل حرائق أخرى في وجدان القارئ، يقول في قصيدة باقة اشتعال:
" فالصورة بتفاصيلها الصغيرة
وعنادها الأسطوري
لازالت تشعل النار في راحتيها
لتقدّمه للمحارب
باقة اشتعال.."
إنها الحرائق ذاتها التي يضرمها الشعراء من أجل فضح الزيف، والجفاف الروحي، والتصحّر الإنساني، وغيرها من آفات العالم الجديد، إنها باختصار حرائق شاعر خبر النار الماديّة والمعنويّة، وأصبح مروّضها ومسلّطها على ثقافة الخنوع والانبطاح التي يعتنقها بعض الكتبة والمتشاعرين، إنّها لعبة العري والمكاشفة التي يخوضها الشاعر، قد تقرصه أيضا، لكنه يصرّ على أن يكون شفافا كالزجاج، واضحا كمبسم طفل، عري ينأى به عن طابور أولئك الذين يغرقون كتاباتهم ولغتهم بالمسوح والمساحيق، ويدرجه في خانة المارقين/ العصاة، مثخنا بالماء كرمز للتطهّر والانسجام الروحيين، وكأني به يتمثل شعر سميح القاسم حين همس في ديوان "ملك أتلانتيس": ".. ولاشيء بين أصبع يمناي إلاّ قليل من الماء../ بين أصابع يمناي ماء أخطّ به سيرة النار..." يقول اليساري في القصيدة التي تحمل اسم الديوان:
"العري يتمرأى خلف الزجاج
يرشّ الأحاديث بالمساحيق
ويروي أحلام الغباء
في مشهد الجلال..
بضع نجيمات في حضرته
لا تسبح العيون في زرقتها
لكن الماء يأتي مكسورا
ويحفر في المستحيل
قبرا للخواء..
العري على موائد اللغة
ترسم له الأصوات هالات
في الأفق
والعري كالعري..
يكسو وجه الوقت
ويهلّل للأنا..
يحلم الحالم باللذة
ويسقط.... يسقط
المشعل في الماء
يبلّل الماء حلمي
وأنا المسكون بالعصيان
أجرّ خيبتي وراء شكلي
والنهر يجرّني
لأغرق...
...لأغرق
في معانيه المرسلة..
يشار إلى أنّ للشاعر زين العابدين اليساري، عملين آخرين سيصدران قريبا، الأول ديوان زجلي/عامي وسمه ب "سلامة الوقت"، والثاني رواية بعنوان
" هل يستطيع البحر أن يحفظ حدود الجزيرة".
كاتب مغربي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف