ثقافات

عادل كوركيس يرسل خبر رحيله على البريد الالكتروني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منير العبيدي: ماذا يمكنك أن تفعل حين يصل اليك خبر نعي عزيز عليك بواسطة بريده الالكتروني نفسه؟ كل ما تستطيع ان تفعله بعد الصدمة أن تسأل نفسك: كيف يتم كتابة رسالة الكترونية بواسطة بريد الراحل ومن يعرف كلمة السر للدخول الى موقعه؟ والراحل عزيز وقريب الى القلب الى الدرجة التي تتمنى فيها ان يكون الخبر كاذبا.
عندها يخطر على البال أو انك تقحم على ذهنك فكرة ان الهاكرز قد اخترقوا الموقع وارسلو الرسالة الالكترونية:
انا سوسن صديقة قريبة للاستاذ عادل واسفة ان اكتب هذه الكلمات لانني قد خسرت الكثير والكثير بانتقال الاستاذ عادل الى رحمة الله لكن صندوقه سيبقى يستلم الرسائل وسوف اطبع كتابا هدية له لانه يستحق الكثير والكثير
نسأل الله للعزيز الغالي عادل الرحمة والسكينة والمغفرة
سوسن
هل ان الهاكرز بهذا الذكاء بحيث يعمدون الى كتابة اسم سيدة أو فتاة؟
ألا تحمل صيغة الرسالة الكثير من الصدق؟ اليس الدعاء اصيلا و صادقا " نسأل الله للعزيز الغالي السكينة و المغفرة " و هي صيغة لا يستعملها الاخرون؟
مع كل هذه الدلائل بقيت متشبثا بالشك لانني ببساطة لا اريد تصديق الخبر، انا اريد من الخبر ان يكون كاذبا و أغلب باصرار فرضية أن الهاكرز قد اخترقوا موقع عادل كوركيس و لعبوا لعبة خبيثة، او مزحوا مزاحا ثقيلا و سيئا.
في صباح اليوم التالي اتصلت على رقم هاتف بيت عادل:
لا احد يرد.
ثم اتصلت ببيت الصديق الكاتب فهد الاسدى القريب جدا الى عادل سكنا و ودا متبادلا:
لا احد يرد.
من اليسار: عادل كوركيس، منير العبيدي و محي الدين زنكنه قاعة الرشيد للفنون / بغداد 1989 بعدها اتصلت بأحد الاصدقاء في بعقوبة من الذين تربطهم علاقات مع الوسط الادبي و المسرحي و يطالع الصحف كل يوم بحكم انه وكيل توزيعها في المحافظة.
" غير معقول، لو كان الخبر صحيحا لكنا اول من سمع " بهذا اجابني.
و هذه المرة أيضا غلبت في نفسي كما اعتدت ان اصدق الاخبار الطيبة التي تنفي رحيل الاعزة نافيا ازاء نفسي رحيل عادل كوركيس عن عالمنا بهذا التوقيت الذي ما كان احد منا (لا ادري لماذا) قد وضعه في حسابه. فعادل لم يشكُ من شيء ابدا، كان نشيطا ديناميكيا لا يكل و لا يمل: يرسم و يكتب و يترجم و يخرج الاعمال المسرحية و يواصل دراسته في جامعة ما في موضوع ما و يشارك في اللقاءات و الاهم أن رسائله على البريد الالكتروني كانت تحمل الفرح و التفاؤل رغم المأساة.. كانت حقيبته الجلدية التي لا تفارقه لا تحتوي على الكتب و الرسائل فقط بل حتى على عدة العمل: مطرقة و مسامير.. الخ.
هكذا كان الامر حتى اصبح الخبر يقينا فكتبت نعيا قصيرا.
ماذا اكتب؟
خطر ببالي ان اكتب عنوانا " عادل ! اما كان بوسعك ان تنتظر قليلا؟ "، ثم فكرت لماذا ينتظر؟ و ما هو الشيء الموجود في افقنا مما يستدعي الانتظار؟
حتى ارسل لي الصديق الكاتب سعد محمد رحيم قبل انا اكتب موضوعي هذا، و انا البطيء المتأمل، رابطا بمقالة نعي كتبها د. ص. ي.
" عادل.... أيها الصديق الجميل هذا ليس وقت موت، وليس وقت انكسار قلم، ولا وقت مغادرة خشبة مسرح، ولا وقت وهن قلب.
هذا ليس وقت رحيل، فالمعركة لا تزال في أوجها "
كنت قد وجدت قبل ذلك اننا كنا دائما ننتظر انقضاء الايام العصيبة لكي ننعم برفقة اصدقائنا كما يجب و كنا نطلب منهم بكل استرخاء باذخ ان ينتظروننا مغالبين مصائرهم، حتى يلتئم الشمل و ربما تعود الطيور المهاجرة، فلعادل نفسه، عدا الاصدقاء الموزعين على اصقاع الارض اخوين و اخت و اولاد اخت موزعين على العديد من بلدان المهجر هذا عدا الذين لا اعرفهم.
و لكن هل لا زلنا نعول حقا على انتظار مقدم ذلك اليوم الميمون الذي يمكن فيه لكل واحد منا أن يموت بهدوء و قناعة و يقين بعد ان يقول: ها انا قد أنجزت ما علي انجازه، ها ان الامر اخيرا قد استتب لصالح الخير و المصالحة و التوافق و السلام و المسامحة؟ هل حقا ان ثمة يوما قادما سيطل علينا يحمل الينا اخيرا جزءا مما حلمنا بتحقيقة؟ اما كان سقوط النظام هو " النداء الاخير " لإصلاح الحال، فاتحة حلم بها الكثيرون بأن نضع رؤسنا على الوسائد و نموت بقناعة من حل عليه اخيرا موعد تسديد دين غير قابل للتأجيل؟
الم تكن احلامنا ضائعة دائما مذ ولدنا و ترعرعنا و لم نحصد غير الخيبات؟
ألم نكن دائما منتظرين قدوم يوم اغر يحمل الينا الحرية؟
لقد ادرك عادل كما ادركت انا و ادرك غيرنا: ان يوما كهذا ربما لن يأتي أبدا و عليه ان يعمل تحت أي ظرف و عليه ان يرحب بالقادم الجديد الذي عرف كيف يزوره في أي يوم و في أي ساعة و حيدا بعد أن وضع والدته بعهدته اخته الكبيرة لكي يعود الى بيته و يرحل الى الأبد مصمما حتى في موته على عدم ازعاج الاخرين.
كان ملامح التبرم قد بدأت تزحف على رسائل عادل كوكيس كان يكتب إلي طويلا قبل ذلك:
كتب لي عادل في الساعة 10:36 بتاريخ السادس و العشرين من آب 2006

" الأعزاء... تحياتي وتمنياتي أن تكونوا ما زلتم بصحة وعافية جيدتين، أما إذا تسألون عنا فمازلنا باقون على قيد الحياة / وبصيغة عروبية ساذجة ومتطرفة: رغم أنف الأعداء، ذلك لأننا تعودنا أن نستعير لانكساراتنا وطيحان حظنا النصر الذي لا تشوبه شائبة، وهل يجوز لأبناء الله أن يخسروا حتى لو صاروا محض تراب... "
" المشكلة القائمة الآن - حسب اعتقادي طبعا - أن البارومتر العاطفي في ارتفاع كبير بحيث يشعر المرء أن درجات العقل في تراجع أمام هذا المد العاطفي، خاصة بعد طغيان إعلام الصورة.. والأمر هذا لا يقتصر على جماهير البلدان النامية أو ما سمي ببلدان العالم الثالث، إنما تفشى ذلك إلى بلدان كان المرء يعتقد أنها تمتلك حصانة ما تجاه هذا الانجراف العاطفي على اعتبار أنها تمتلك درجة متقدمة من الوعي نوعا ما، لكننا ننسى أحيانا أن التعلم غير التثقف أكان هنا أم هناك، ذلك لأنه من البديهي أن ليس كل متعلم مثقف، وكما ذكرت في إحدى كتاباتي (قد نجد بائع خضرة أثقف من حامل شهادة دكتوراه).
في الحقيقة كنت أتمازح مع بعض الأصدقاء حين كنت أقسم الناس (افتراضا مزاحيا بالطبع) إلى خمسة عشر بالمئة يمين (بتنوعاته) وخمسة عشر بالمئة يسار (بتنوعاته أيضا) والمتبقي سبعين بالمئة (بتدرجاته المختلفة والمتنوعة) المترجرجة بين هذا وذاك حسب قوة وسطوة هذا وذاك في هذا الوقت أو ذاك فهؤلاء لا يبكون كوكس حبا به بل بل حبا بعدم انقطاع الروبية ..
تحياتي للأهل وكل الطيبين " عادل

عزيزي عادل

اعرف ان الاخبار غير سارة، ولكنني احيانا ابحث عن نقطة ضوء هنا او هناك تبدد هذا الظلام الحالك

ارفق لك دعوة لمعرضي السادس

منير
Donnerstag, 28. September 2006 15:35عزيزي منير / تحياتي وتمنياتي بمواصلة البحث عن نقطة الضوء التي ستكون ضرورتها أكبر للأجيال القادمة
فرحت كثيرا بأنك أقمت هذا المعرض وأشكرك lsquo;لى الدعوة / اعتقدت أن ثمة صورة مع المرفق غير أبن وجدت في المرفق الدعوة فقط.. آمل ألا يكون الخطأ غشامتي.. من ناحيتي لا جديد تقريبا سوى بعض الكتابات هنا وهناك وأفكار لمشاريع مؤجلة.... عسى لهذا الشتاء أن يسمح لي بتنفيذ بعضها
أرجو أن تكون أخبار العائلة والأصدقاء الطيبين جيدة... تحياتي وتمنياتي بمعارض قادمة
عادل
تسربت إلى نفس عادل ا أخيرا فكرة ان نقطة الضوء التي تمثل الفرح و التفاؤل هو امر يتعلق بالأجيال القادمة فقط. كانت قراءة ما بين السطور تؤكد أن عادل لم يعد يفكر أن في العمر كفاية لأمل قد يطول انتظاره يتبدد كلما اقترب منه كما السراب.
كلنا عرف كما فعل عادل أن الأمر لا يعدو أن يكون فرصة أخرى اتيحت لاناس اخرين ليقوموا بما قام به السلف المغادر بكل ما في الجعبة من مساوئ و أن الامر لا يعدو أن يكون مضيعة للطاقة و الوقت اذا ما عولنا على الجديد.
و لما كان عادل، مثل كل مثقف شريف، صادقا مع نفسه و مع الاخرين قبل شيء فقد رفض التكيف مع المتسلقين الجدد و بقي يفكر في حل ازمة البلاد و ازمة المثقف المستلب كحل نهائي، حلٍ بدا الان اكثر بعدا ربما من أي وقت مضى.
الصدق مع الذات هو الذي سدد خطى عادل كوركيس و هو الذي صنع موهبته قبل الصنعة و التقنية التي تمكن منها كتحصيل حاصل و كطريقة يعرض بها على العالم افكاره.
ولم تلبث رسائله أن بدأت تقصر و تتقلص. فيها جانب الحديث عن القضايا الشائكة. رسالته الاخيرة التي جاءتني ردا على تهنئتي له بعيد الميلاد و رأس السنة كان فيها شيء لم استطع ان اسبر أغواره.
Montag, 24. Dezember 2007 23:04تحية طيبة
شكرا لك وكل عام وانتم بخير
انني مشغول مع الوالدة وامور الحياة والدراسة
سلامي للجميع وامنياتي لكم بالتوفيق
عادل

عرفت من رسالته هذه ان ثمة شيئا ليس على مايرام و لكنني لم اعرف ان عادل كان يعرف انه الموت سيزوره و انه اعد العدة لاستقباله.
رغم الموت الذي اختطفه منا لا ازال اراسل روح عادل كوركيس على نفس عنوانه الالكتروني، روح عادل التي تلبست " سوسن " هي التي ترد علي؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شمعة اخرى
فيصل الثاني -

هاهيه شمعة اخرى من شموع العراق تنطفيء رغم حاجتنا وحاجة العراق الى كل شموعه الباقيه لتنير طريق اجيال لفتها عتمة ليل الجهل وانغلاق العقل .. الا يمكن ان تأجلوا موتكم قليلا يا مفكرينا وعلمائنا وادبائنا ومسرحيينا وفنانينا ومثقفينا .. لتنيروا عتمة هذا الليل المحيط بنا

خسرناك نحن
حيدر الجلبي -

رحمك ألله أيها الطير الهادء أيها العقل الرائع لاأنساك منذ أن جلسنا على مقعد الجامعه عام 1994 في كلية الفنون الجميله وستبقى في القلب ما حييت وهذا أن دل فيدل على نموذجك الراقي الفريد وأخلاقك التي هي منبع الى أصالة الفنان رحمك ألله برحمته ومنح الصبر والسلوان لكل أهلك ومحبيك وذويك

الاشجار تموت واقفة
NOOR SAMIR -

عادل كوركيس هو صوره من صور العراق الناصعة يملك كل شئ ولا يملك شئ, يملك في داخله كل الثروات وفوقها يسرق كل شئ, هذا الصديق الصادق الصدوق مات جسده وبقيت روحه عند محبيه وبقيت الام ريجينه تندب حظها كما يندب العراق الوطن ابنائه, لقد كان عادل كوركيس تواق لكل ماهو واقعي على المسرح وما هو مغرب على ارض الواقع العراقي وحزني لكثيرين ممن ماتوا بصمت كما يموت العراق لا سامح الله بأنبن المحتضرين فرحماك يا ربي وعطفا لمن لا يزال يئن من وقعة الواقعة, لقد كنت ازوره في كل مرة في بيته واشعر بتلك الجلسات وكاننا في قبو مسرحية الحضبض لمكسيم غوركي واشعر انني كستيلوف واتحدث الى لوقا القسيس وكانه عادل لاقول له: اي نوع من النساك انت؟ انك لا تملك جوازا بينما الرجل الفاضل يجب ان يكون معه جواز, فكل الاخيار معهم جواز سفر, نعم يا عادل كوركيس كان لديك جواز سفر ليس الى دول الاحلام وبتاشيرة المهانة بل كان سفرك عبر الأفق. لقد كان عادل الانسان والفنان كالانسان عند غوركي موضع احترام لا موضغ شفقة وهذا الذي يدفع الانسان الى الانتصار.