ثقافات

كيف ينظر المثقفون المغاربة إلى الراهن الثقافي المغربي؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حميد الأبيض من فاس: رغم ما يمكن أن توحي به الساحة الثقافية المغربية من عيشها خضما كبيرا يشي بتحولات عميقة قادمة لتمس عدة حقول مكونة لها، فالمثقف المغربي ما يزال غير راض على الواقع الثقافي المغربي في ظل انحسار المقروئية وصعوبات النشر و"الحكرة" التي يحسها المثقف نفسه التواق إلى مستقبل أكثر إشعاعا وقدرة على المنافسة.
ولا ينكر بعض المثقفين تأثير طبيعة المجتمع على ثقافته خاصة في ظل تنامي الأمية بكل أشكالها حتى داخل الأوساط "العالمة" والنظرة السلبية الانتقاصية التي ينظر بها إلى المثقف، مما يستدعي "رد الاعتبار للثقافة المغربية" وتخليصها من التهميش والمصادرة ومحاولة التدجين والاحتكار الذي عاشته لسنوات عديدة.
عدم الرضا
يبدو المثقفون المغاربة، غير راضين على الوضعية الاعتبارية للثقافة في المغرب بالنظر إلى ضعف استفادتها من ميزانية الدولة مما يؤثر سلبا على البحث العلمي ودورها في المجتمع وتحريك الدينامية الثقافية، خاصة في ظل عدم تغطية المؤسسات الثقافية لكل "المثقفين الجيدين" حيث يختلط الغث بالسمين بفعل سلوكيات المحسوبية والزبونية.
ومن هنا ف"الراهن الثقافي بالمغرب، لا يبشر بالخير" برأي الكاتب والروائي إبراهيم قهوايجي الذي يرى أن "طبيعة الاستفادة من برامج طبع الكتب أو السفر للمشاركة الثقافية خارج البلد وتمثيل الوطن في المهرجانات الثقافية الخارجية، تكرس الأسماء نفسها مما لا يدع مجالا للمواهب الشابة كي تشارك وتحتك".
وفي ظل هذا الوضع والبنية الثقافية والاجتماعية والسياسية الهشة غير القادرة على مواجهة التحديات الراهنة، "يعيد الراهن الثقافي بالمغرب، إنتاج أزماته" يقول الكاتب محمد نبيل الذي يرى أن الواقع الثقافي المغربي "في ورطة تاريخية جديدة" يكرسها كون "المجتمع غير قارئ. والظاهرة مفهومة في ظل انتشار الأمية بشتى أصنافها".
ويخلص الكاتب والصحفي عزيز باكوش إلى القول "لنجتر الألم بحسرة.. ألم يمت شعراء مغاربة، وفنانون وكتاب ومثقفون... من غير أن تستطيع عائلاتهم البئيسة دفع فواتير العلاج، هنا بالتحديد، ضآلة مكانة المثقف في الراهن الثقافي لمغرب اليوم، كما في الذاكرة العربية، وهنا بؤسها أيضا".
ضجيج العربة الفارغة
رغم أن موهبة الفن في الأدب أو الغناء أو التمثيل أو الصحافة بلا تكوين ولا ثقافة أو اكتساب خبرة وممارسة، لا تبقي صاحبها في الضوء إلا قليلا، فالعكس هو السائد في المغرب حيث "العربة الفارغة هي الأكثر جلبة وضجيجا من العربة الممتلئة" برأي عزيز باكوش الداعي للمثقفين المغاربة بحماية رصيدهم وزادهم من التلف والصدأ.
وبنظره فالمثقف يحترق بلهيب القسوة والمعاناة، تارة باسم التدريب والتجريب واختبار حسن النية، وفي أخرى تحت يافطة الانتماء والتسخير والوصولية. والأنكى والأمر من ذلك أن "المثقف" المغربي "لا يجرأ على القول وإن كان يلمح في مناسبة دون غيرها، بينما الوطن الذي يحترق من أجله لا يملك من ترابه أمتارا يدفن الثعبان بها واقفا".
وبرأي الشاعر عبد الحميد العوني، ف"المغرب الشعري" أضعف رغم وجود بيت شعر وكون المغاربة كانوا سباقين للاقتراح الدولي لليوم العالمي للشعر، أما "المغرب الروائي" ففي طريق متآكل مبتل بأشخاص لم يوجدوا "مدرسة مغربية". وتبقى الثقافة خارج الآداب أقرب إلى لغات أخرى من العربية في وقت نرى فيه إبداعات بالأمازيغية متنفسا".
ويؤكد أن الثقافة المغربية "لا راهنية لها" وتطربها الجامعات وتضغط عليها "الشللية" ولا تؤمن بالمعيار الجمالي ولا يمكنها أن تعوم في أجواء "مشخصنة" أو "مسيسة" لكاتب ما، لذلك يرى أن "تخريب الثقافة المغربية وتراجعها، لا يجب أن يتنقل إلى "تمزيغها" أو تعريبها أو فرنستها بل يمكن أن تصبح صورة منا بكل تعدديتها".

ارتباط الثقافي بالسياسي
لا يمكن الحديث عن الراهن الثقافي بمعزل عن ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وعن المثقف كفاعل أساسي في المجال الثقافي وكونه واجهة أساسية للإطار السياسي، رغم ما يمكن ملاحظته من بداية لجنوح لما هو ثقافي بعيدا من عباءة السياسي و"إن كانت المحاولة لم تزل في بدايتها" يقول القاص والروائي عبد الله البقالي.
ويؤكد أن الإطارات السياسية بعد تغييرها لموقعها داخل الخريطة السياسية، "وجدت نفسها غير قادرة على تحقيق الانسجام بين موقعها الجديد وانتمائها للقضايا التي دافعت عنها طويلا بما في ذلك برنامجها في المجال الثقافي. وهذا ما تبينه الكيفية التي تحيي بها أمسياتها الثقافية وتؤكد أنها وضعت بينها وبين نوع معين من الثقافة، مسافة بعيدة".
وفي ظل هذا الشرخ بين السياسي والثقافي برأي البقالي، "لم يكن مستغربا لدى غير قليل من الفاعلين في المجال الثقافي، البحث عن هيكلة جديدة وبرؤية مختلفة لتأطير المجال الثقافي بعيدا عن الاحتضان السياسي" من خلال مبادرات أفضت لنشوء عدد من الإطارات ك"الكوليزيوم" و"الصالون الأدبي" و"بيت الأدب" وغيرها.
وبرأي عبد الله البقالي فالمتتبع للمشهد الثقافي بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، "يشعر كونه بين شكلين من أشكال الثقافة، واحدة ماضوية وأخرى منفتحة على المستقبل"، وبالتالي فالحسم "لم ينبن على أسس متينة يمكن أن تجعل الإنسان المغربي منتسبا لعصره وغير منفصل عن صيرورته التاريخية".

دعوة لرد الاعتبار
يؤكد عزيز باكوش "من الأفضل للمثقف كاتبا كان أو مبدعا، أن يموت حتى يحظى بالتفاتة مجتمعية". ويقول "قرأت ذات مساء كئيب، أن المثقف الميت أفضل لأهله وشهرته من المثقف الحي، حيث تتهافت دور النشر على تشييعه، ومن ثمة الاستحواذ على نشر أعماله التي عرق الراحل واستغرف من قفة المعيش كي ينشرها على نفقته".
وعلى العكس من ذلك لا يحظى المثقف قيد حياته، بالاهتمام الضروري ليترك وسلسلة عذاباته مع النشر والكتاب الأول والتعاقدات والوعود والانتظارات والفجائع التي لا تنتهي. وهو في حاجة إلى التكريم والاهتمام حين يكون حيا وليس بعد أن تفارق الروح إلى باريها مما يفرض إرادات جديدة مهتمة بهذا الشأن وتحسين ظروف المثقف.
تلك الإرادات "يجب أن تحمل قوة إيمان في الثقافة وتحاول بث نفس وروح جديدين لبعثها وإحيائها ونفض الأتربة عنها ومعالجة ترهلاتها ورد الاعتبار لشخصها الرمزي" يؤكد القاص والروائي عبد السلام المودني المتحمس لإطلاق مبادرات وإشارات والإرادات السياسية الثقافية الواضحة المعالم بعيدا عن الارتجال والمناسباتية والراهنية.
ويعترف الشاعر والناقد عبد الرحيم أبو صفاء، بوجود "مقومات وطاقات في الراهن الثقافي المغربي يمكن أن تجعله قادرا على الانخراط في التنافسية العالمية بشرط الاهتمام أكثر بالعقول المثقفة ثقافة إنتاجية والقادرة على تصريف ثقافتنا المتنوعة تصريفا يحد من الانغماس في العالم الافتراضي والأحلام الزائفة". ويقول "ما نحتاج إليه هو حلم مغربي قابل للتحقق".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ما في القنافذ أملس
عبده حقي -

شكرا الأخ حميد على تحريك رماد الثقافة من جديد نتقاطع في الكثير من الآراء بل كلها وهذه المعضلة كنت قد طرحت أسئلتها الشائكة عشية تنصيب ثريا جبران في مقال نشر في أغلب المجلات والمواقع الإلكترونية وعلى الملحق الثقافي لجريدة المنعطف المغربية .وألخص تعليقي في المثل العربي الذي يقول النجار بابه مكسور أو ماقي القنافذ أملس .

في الصميم
عبد الرحيم -

مقالق يلامس الحقيقة المرة للمشهد الثقافي المعربي مع الأسف الشديد ولكن لمن؟ومع من؟شكرا