ثقافات

الطبال في رحلة البحث عن الخلاص والطمأنينة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"الكتاب الذي لا يتضمن نقيضه يعتبر ناقصا" (بورخيس)محمد الأزرق من طنجة: دأب على امتداد نصف قرن على رعاية صوته الداخلي وفي منأى عن البيانات والصياح بين تخوم القبائل، والمشاحنات والمناكفات التي أفضت بأصحابها إلى الطفو على السطح، مقيما أبديا في قصيدته المكانية القائمة الذات مدينة شفشاون، إنه عبد الكريم الطبال الشاعر الأقل كاريزمية بين شعراء العربية في العصر الحديث، والأكثر جاهزية لمحاورة ألبرتو ماتشادو، بيسوا، ولوركا، بندية بالغة.
نسج الطبال منذ دواوينه الأولى (الطريق إلى الإنسان)1971، (الأشياء المنكسرة)1974، و(عابر سبيل)1974، رؤيا خاصة اتضحت معالمها في (البستان)1988، و(آخر المساء)1994، و(شجرة البياض)1995، رؤيا غالبا ما تختزلها الصحافة برطانة في كليشهين هما: الرومانسية والصوفية، لكن شعر الطبال هو أبعد من أن نصفه بالشعر الرومانسي أو الشعر الصوفي، بل المنجز الشعري للطبال ينحى إلى تأسيس مجال رؤيوي خفي ينبثق من كل قصائده السابقة، ويستشرف في الوقت ذاته ما سيأتي من قصائد لاحقة، وهو الذي يغرينا بملاحقة جديد الطبال بالرغم ما نجد في شعره من كثافة وأشكالا لا تخفي وراءها غير البراعة اللافتة والصنعة المرهقة.
ما يقودنا إلى هذا التقديم هو صدور ديوان جديد للشاعر الرائي عبد الكريم الطبال الصادر حديثا عن منشورات السليكي إخوان.
القراءة الأولى للديوان تمنح اليقين لدى القارئ بأن قصائد (مرآة تحكي) لحظات شعرية معقدة (تعبير غاستون بشلار)، رغم سمة الهدوء التي تطبع التركيب والتصوير والموسيقى في قصيدة الطبال، هدوء يبعد عن الشاعر شبهة النبوءة وما يصاحبها من غنوص.
ينشد الطبال الخلاص والطمأنينة في قصائد الديوان، كما يفعل الأنبياء في آياتهم وأسفارهم ومزاميرهم، لكن الطبال لم يعتكف في الخلاء أو في الكهوف، لكتابة خلاصه، بل قصد المرآة سائلا عن (النفس، التذكرة، الرؤيا، الخوف، البرء، تاريخ، حيرة، نزوة، شراب، غزل، لعب، قلق، كابوس، سأم، شيخوخة، بكاء، الليل والمتاهة)، (قصائد الديوان)، لكن في كل مرة كانت هذه المرآة المقلقة تعكس له وحدة النقيضين: نفس/جسد، التذكر/النسيان، الرؤيا/العماء، الخوف/الشجاعة...
تكشف لنا مرآة الطبال أكثر الكلمات تجريدا وإشكالية مصحوبة بنقيضها عن طريق الإيحاءات المختلفة التي تتشابك في وجدان المتلقي وتصبح تجسيدا يعتمد على الصورة التي تشعل حدوسا في ذهن القارئ، تبرق بعض معاني القصيدة ولا تكشف سياقها العام، بالتالي تبقى القصيدة في ديوان(مرآة تحكي) حمالة أوجه وليست محكمة الدلالة، شأنها شأن النصوص المقدسة الكبرى، كما لا تحمل أي تفاصيل زمكانية، وتخلو من روافد ومنبهات خارجية، بل كل قصيدة تتولد من ذاتها تعكس رغبة الطبال في محاورة إنسان خال من أي ماهية.
ما يؤكد احتفاء الطبال بالنبوءة والخلاص، هو أن الشبكة الدلالية التي نسجها الطبال من خلال عناوين قصائده تتوخى القبض على يوتوبيا خاصة، منحت للشاعر القدرة على الرؤيا واختراق الواقع، وفتحت له أفقا يساعده على تجاوز المحدودية إلى ما يجعل من التعبير عنده " طاقة خلق ".
في قصيدة (قلق) يأتي من الأعلى الغزو الغامض للذات هو نفسه الأثر الذي تخلقه نبوءة ما أو نشيد عقائدي، عندما يجد طريقه إلى قارئ نموذجي يبحث عن الخفي في الظاهر في الكلمة:
يمور في ماء
صاخبا
وصامتا
وليس من سحاب
أو هواء
ينثرني في بعضه
يلمني في كله
تقول لي الأشجار
أنت ماء
تقول لي الأحجار
أنت ماء
فالكلام مني ماء
والصمت مني ماء
قضيتي:
أيقونة على الجدار
ونورس في الريح
قضيتي:
منارة في الرمل
وغسق في البحر
هذه القصيدة تحمل عنوانا مفارقا لمحتواها الدفين، الطبال لا ينتصر للقلق والشك والحيرة، المدلولات التي تشكل بامتياز المجال الرؤيا لشعراء ما بعد الحداثة في العالم العربي، بل يحتفي بالطمأنينة التي تسري عميقا تحت القلق، مثلما يمور الماء عميقا في ذات الشاعر ويحل في كلامه وصمته وتشظيه، هذه المفارقة بين الدال والمدلول تشكل ميتافيزيقا شعرية بالغة التعقيد والعمق، إذ يتنكر الطبال في كلمات هادئة لكنه يمارس في الوقت ذاته فعلا شعريا (diktem) عنيفا، يبتغي خرط المدلولات وحشوها بنقيضها. يقول الشاعر في قصيدة (سأم) مخاطبا المرآة:
أن تكون
هنا وهناك
أتوق
إلى أي سور
إلى أي جسر
و لو من سراب
هذا المقطع من القصيدة تأكيد واضح لمسعى الشاعر في البحث عن الخلاص والإحتفاء بكل ما يوصل إلى ضفة الطمأنينة من جسر أو سور ولو من سراب ويضع حدا لسأم ميتافيزيقي، ما يفتأ الطبال يلونه ببعض التراكيب الإستعارية تصنع منه موجودا هلاميا تختلط فيه ملامح الطبيعة (جدع، جذر) بملامح الإنسان (الإجهاش، الرواح، الإشتهاء).
كابد الطبال في المكاشفة، وخاض مغامرة الغور في الأعماق السحيقة للإنسان، بعد أن تنازل الشاعر عن صوته لفائدة مرآة جعلها تحكي وتمزق الغشاوات، في نهاية الديوان/المغامرة، يظفر القارئ بخلاصة أن الإنسان كتلة غير منسجمة من المرايا والمتاهات.
من ثم يبقى ديوان(مرآة تحكي) محاولة تأكيد شعرية من نوع آخر لطالما عافته التجارب المعاصرة ألا وهي شعرية الفكرة، فمرآة تحكي ينتج معرفة، ويعطي للقارئ خريطة طريق لمعرفة نفسه بنفسه، خريطة تطلب هدوءا عميقا وإنصاتا لجوانية النص لفهم مفاتيحها.
ما يعزز فكرة أن الديوان ينتج معرفة هو قيامه على تصور وموضوع و رؤيا واحدة، كما أن حركة كل قصيدة لا تستقل في حركتها، بل هي مشدودة إلى شعاع موصول إلى مركز الديوان صاغه الطبال على هيئة سؤال في قصيدة(متاهة):
يا أيها الأمثال لي
نحن المتاهة
والمتاهة
من سيكسر
هذه المرآة
منا
ذات نور
هو من سيبدأ
القصيدة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ألا سأم الميتافيزيقي
فيصل العراقي -

يحاول الاستاذ الازرق ان يبوح بنص آخر بالرغم من انه يتوجه الى تحليل دبوان من دواوين الطبال وهو بهذا يوجد كلمة تاويلية مهمة وبالرغم من مرحه في الحياة اليومية الا انه جدي في نصه الكتابي شكرا ونحن بانتظار المزيد

ألا سأم الميتافيزيقي
فيصل العراقي -

يحاول الاستاذ الازرق ان يبوح بنص آخر بالرغم من انه يتوجه الى تحليل دبوان من دواوين الطبال وهو بهذا يوجد كلمة تاويلية مهمة وبالرغم من مرحه في الحياة اليومية الا انه جدي في نصه الكتابي شكرا ونحن بانتظار المزيد

الغوص في النصوص..
عبدالغني -

يستقريء الأستاذ الأزرق النصوص بعناية وحكمة، فهو لا يكتفي بكتابة نص نقدي بل يذهب إلى حد كتابة نص إبداعي يوازي العمل المنتقد..(طبعا أنا لا أقصد النصوص التي تتردد على شارع محمد الخامس في طنجة)..

الغوص في النصوص..
عبدالغني -

يستقريء الأستاذ الأزرق النصوص بعناية وحكمة، فهو لا يكتفي بكتابة نص نقدي بل يذهب إلى حد كتابة نص إبداعي يوازي العمل المنتقد..(طبعا أنا لا أقصد النصوص التي تتردد على شارع محمد الخامس في طنجة)..

مفاهيم فارغة
سليمان -

اصبح كل من يحفظ بعض المفاهيم النقدية يدعي الكتابة والنقد. هكدا يوهمنا كاتب المقال بكونه كاتبا وناقدا كما يدعي. المقال لا يضيف شيئا اللهم بعض التملق الى الشاعر عبد الكريم الطبال

مفاهيم فارغة
سليمان -

اصبح كل من يحفظ بعض المفاهيم النقدية يدعي الكتابة والنقد. هكدا يوهمنا كاتب المقال بكونه كاتبا وناقدا كما يدعي. المقال لا يضيف شيئا اللهم بعض التملق الى الشاعر عبد الكريم الطبال

حشومة
فيصل العراقي -

الاستاذ سليمان ليس من المعقول ان تعلق او تقاضي شخص الكانب .وبما انك ادعيت الفهم والتفوق على الكاتب اذن كان من المفروض ان تفكك المقال وتحلله وتوضح لنا كيف كان الكاتب لا يعي مايكتب ويدعي الكتابة ولماذا هو لم يضف شيئا اذا كانت الكتابة عن شاعر مثل الطبال وهل من المعقول ان توجد ثمة كتابة عن الفراغ يبدو انك تعرف الكاتب ويغيضك ان يكتب هو وانت لاتستطيع الكتابة وبالمناسبة انا لست مغربيا وانما انا من ميسان جنوب العر اق واتابع الكتاب المغاربة لانني احب المغرب واتمنى دائما ان يكون هنالك صدق وموضوعبة في المعالجات واعتقد بان معالجة السيد الازرق لا تستحق الكتابة عنها بهذا الالغاء كما الغيته انت ..... حشومه

حديقة الحكاية
هشام -

قراءة طريفة لأشعار شاعر كبير يستحق التقدير، كنت أتمنى أن يقف الكاتب عند دلالات العنوان مرآة تحكي.. هل تتسلل قصيدة الطبال الى حديقة الحكاية؟ نتمنى أن يتطرق الأستاذ الأزرق الى ذلك في مقاربة اخرى..

حشومة
فيصل العراقي -

الاستاذ سليمان ليس من المعقول ان تعلق او تقاضي شخص الكانب .وبما انك ادعيت الفهم والتفوق على الكاتب اذن كان من المفروض ان تفكك المقال وتحلله وتوضح لنا كيف كان الكاتب لا يعي مايكتب ويدعي الكتابة ولماذا هو لم يضف شيئا اذا كانت الكتابة عن شاعر مثل الطبال وهل من المعقول ان توجد ثمة كتابة عن الفراغ يبدو انك تعرف الكاتب ويغيضك ان يكتب هو وانت لاتستطيع الكتابة وبالمناسبة انا لست مغربيا وانما انا من ميسان جنوب العر اق واتابع الكتاب المغاربة لانني احب المغرب واتمنى دائما ان يكون هنالك صدق وموضوعبة في المعالجات واعتقد بان معالجة السيد الازرق لا تستحق الكتابة عنها بهذا الالغاء كما الغيته انت ..... حشومه

حديقة الحكاية
هشام -

قراءة طريفة لأشعار شاعر كبير يستحق التقدير، كنت أتمنى أن يقف الكاتب عند دلالات العنوان مرآة تحكي.. هل تتسلل قصيدة الطبال الى حديقة الحكاية؟ نتمنى أن يتطرق الأستاذ الأزرق الى ذلك في مقاربة اخرى..