اللاندكروزر
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كفكفت دموعها بسرعة تحت صوت أول زبون يطلب كوب شاي ساخن، وواصلت عملها. فجأة توقفت سيارة لاندكروزر أمام المبنى، تنبهت حواية للمشهد وانتابها شعور بالانقباض، فمنظر السيارة بسقفها المفقود والرمال العالقة فيها كان مألوفاً لها. وكانت السيارة تحمل مدفعاً كبيرا، وعلى ظهرها صبية ملثمون يتصايحون وهم يصوبون أسلحتهم الرشاشة نحو المبنى. وحين رأت ذلك وفهمت لغة الصبية، لجمت الدهشة لسانها وانطبقت شفتاها عن كلمات لم يسمعها احد. كانت حواية متأكدة مما رأت، ولا يداخلها شك فيه. لم تجفل من مكانها بل لملمت أسمالها وزحفت إلى الوراء قليلا لتتكئي على جذع الشجرة التي طالما عاشت تحتها لتبيع الشاي لرواد البلدية. بقيت على هذه الحالة لثواني قبل أن تشاهد مجموعة الرصاص التي أطلقها المقاتلون تندفع نحوها.
وفي ثواني أخرى تحولت الشجرة إلى شجرة للخلود. بدأ الرصاص ينهمر ببطء نحو جسدها النحيل وهو يهتز من قوة الدفع، وسالت خيوط من الدماء الدافئة على رقبتها وصدرها لتستقر تحت جذع الشجرة.
هدأت قليلا ثم خرجت كلمات مبهمة من فمها المضرج بالدماء... " أنا...أمـ.."
ولكن ضاع صوتها الخافت تحت هدير الرصاص.
نهضت قليلا لتنام في وضع مريح، ومدت رجليها بعيدا عن إبريق الشاي المغلي حتى لا يندلق فوقها، و أزاحت بيدها السكرية قليلا حتى لا تختلط بدمها المنهمر، وراحت تغط بين غيبوبة ونوم عميق، تتوسد دمائها الجامدة....
وهومت روحها بعيدا.... "رأت رمالاً بيضاء بلا حدود، وصبية يرتعون ذات دعاش خريفي، وشمت روائح كانت قد سكنتها منذ زمن قديم.... رائحة الأرض، رائحة أبنائها وهم يخرجون دون رجعة، رائحة الحرائق، رائحة دم مشوي، وصوت أزيز الطائرات...وصراخ الجنجويد وهم يسخرون من الموت النبيل....لم يفارق أذنيها". عندما فاقت لثواني لتلفظ أنفاسها الأخيرة، شعرت ببرودة المكان، تفحصت الوجوه الصغيرة التي كانت تستلقي بجانبها في المشرحة القديمة في وسط المدينة، و كان الصمت يخيم على المكان.
وقبل أن تنطق بالشهادة صرخت حواية:
....عيالي...أنا أمكم.. وماتت. فلم تسمعها إلا ألواح الثلج التي تناثرت على جثث أبنائها الاثنين اللذين يرقدان إلى جانبها.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
landcrucer
Gamal El raida -No specificity sway the reality