المغزى المبهم في لوحة أحادية اللون
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تدنو منا غمامة
تنهمر قطرات باردة خلال الغابة
د. توفيق آلتونجي: هكذا يعرفنا الشاعر السويدي توماس ترانستومر بإحدى لوحات الرسام العالمي" مدحت علي كاكايي*" حيث وصف لوحاته في مجموعة من الأشعار كتبها لتعريف إنتاج الرسام وأعماله الفنية الرائعة.
يعتبر مدحت الكاكائي احد ابرز الرسامين المعاصرين في الشرق ذو شهرة عالمية. يبدأ رحلته عام 1954 في مدينة العذابات مدينة المحبة والتسامح والتعددية الثقافية والعقائدية والقومية مدينة كركوك (راجع بحثنا في الموضوع وعلى صفحات إيلاف وعلى الرابط التالي والمنشور يوم الثلاثاء الثاني من يوليو تموز من عام 2002
http://130.241.85.147/hawarwww/elaph/Elaph0207.htm
ليس لسفرة الرسام" مدحت" أية بداية او نهاية بل انها سفرة أزلية تمتد طوال عمرة في الدنيا الفانية ويأخذ معة أشياءه ليحملها ولينتقل بها الى الطرف الآخر حيث تختفي كافة الأبعاد والألوان والمساحات وأمراض النفس الإنسانية من حقد وشر وقسوة للتكامل أزليا والى يوم الحشر في هلامية شفافة رقيقة كرقة الروح الأزلية للإنسان كالنور الوهاج المنبثق من لهب بابا كركر.
تلك السفرة الكونية في جزئيها المرئي وتلك المعتم ألا مرئي منه. سفر يبدأ بالتكوين وينتهي بالمسطحات المستوية في طبقات الألوان المتراكمة على قماش اللوحة في حوار يعرفه الكنه الإنساني كعبادة تأملية روحية ثنائية الأطراف يقف الحق في جانب والظلم في الطرف الآخر، النور والظلام، الخير والشر، الحياة والموت و الكون والعبث.
يحدثنا الفنان "مدحت" عن تلك البدايات الأولى مع بدايته بفك رموز طلاسم الكون المعقدة وهو يدور في ازقة وطرقات مدينة العذابات كركوك ومتنقلا بين قرى كرميان حين تتجمع النسوة في عرس سماوي بهيج وهن تعجنن الطين بخلطها بالتبن ثم تمررن بأناملهن على جدران البيوت وما يسمى باللغة الكوردية "سواق كردن" حيث تطلي النسوة بأيديهن الطين السطوح المستوية للبيوت من الداخل والخارج.
لم تكن تلك السفرة بهينة حيث عانى الأمرين وهو في منفاه في السويد كفنان مجدد ذو أصول مهاجرة يصعب ان يقبله الآخرون من أبناء وطن المنفى من الأصلين وقد كانت للبيروقراطية في إدارة الأعمال في مؤسسات الدولة في السويد الأثر الأكبر في تطوره الشخصي كما يقول اليوم:لقد كانت فترة خصبة من حياتي وقد استفدت كثيرا من أيام نضالي تلك حين كنت أكافح من اجل لقمة عيش.تلك السفرة الميمونة امتزجت بألوان القوس قزح ثم بدأت شيئا فشيئا تخبو وتتهافت ألوانها وتسقط كسقوط أوراق الشجر في الخريف. إذن كانت التجربة مليئة بالألوان الطبيعية في بدايتها مرحلة وردية تحمل فرح الطفولة وشخبطات مبهمة لطفل بدا توا يكتشف السحر الذي يحمله العبث بالكتابة والرسم الذي يحمله سحر المداة على رأس رصاص القلم، هكذا بدا سعيدا يرسم.
لا ريب ان الفنان عند استخدامه للألوان كان يعي لدور الثقافة، التقاليد، الأعراف والمورث الديني عاكس تلك الرموز فنرى مثلا استخدام اللون الأزرق في رحلة لاكتشاف الأعماق الروحية وهي بحد ذاتها رحلة إنسانية لكشف نوازع الروح البشرية المخفية في معظم ثقافات العالم حيث تستخدم في كافة مجالات الإبداع الفني والأدبي بدلالات موسعة للدلالة على الوجدان والروح ونرى احتراما كبيرا لهذا اللون في الأديان والعقائد انظر إلى الملابس الشعبية للشعوب الشرق وخاصة أفغانستان. وللون الأزرق دلالات مهمة لدن شعوب العراق القديم إذا تغطي معظم اجر المعابد والزخارف الرليفية "النحت البارز" في بابل وآشور وبوابة عشتار"البوابة الأصلية يمكن مشاهدتها مع شارع الموكب المزين بتماثيل الأسود والتنين والحيوانات الأسطورية في متحف برلين" تعتبر أفضل مثال على ذلك. كما نرى ان اللون الأزرق لا يزال يكون أهم مكون لوني في قباب المساجد والجوامع والحسينيات وأضرحة الأئمة والصالحين والكاشي القاشاني المستخدم في الزخرفة والكتابة الدينية. كما نرى ان اللون الأزرق للجر الفيروز الكريم مكانة خاصة كذلك في الشرق وثقافات وعقائد شعوب أمريكا ألاتينية. نرى كذلك بان تيجان الملوك وتماثيل فراعنة مصر وأقنعتهم تزين بحجر الفيروز الكريم وربما للدلالة عن الروح.
يعيد الفنان صياغته الملاحم متكاملا مع الطبيعة التي يحمل لها في وجدانه احتراما غير متناهي تصل الى درجة من التطرف في رصد أية جريمة بيئية تحمل في طياته ألامبالاة الإنسانية في تلويث البيئة البشرية والنباتية فنراه يرسم ويلون ما تركه الآخرون على الطرقات كي يعيد الى الطبيعة توازنها الحقيقي ونظارة ألوانها.هذا الشغف حمله الى توثيق العديد من التجاوزات البشرية على البيئة المحيط فكان سباقا الى توثيق الهجمة البربرية والحقد القومي الذي دفع بالجلادين قصف مدينة حلبجة الكوردستانية الشهيدة بالسموم الكيماوية تلك جريمة العصر التي لم تنتهي نتائجها الكارثية لحد يومنا هذا ليس فقط على الإنسان المسالم المعذب الذي احتضن صغيرة ليتركا هذه الحياة الفانية معا بل تعداها الى الطبيعة حيث تلوث التراب والسماء في ارض تلك المدينة الجريحة فقام الفنان برسم تخطيطات ملونة على أنقاض البيوت المهدمة في المدينة كي يعيد فرحة الأطفال و صيحاتهم الى طرقات المدينة المنكوبة. سألته عن مبرر استخدامه اللون الأحادي في لوحاته الحديثة بعد ان كان يستخدم ألوان فرحة تحمل فرح الطفولة في المرحلة الثانية من عمره الفني فأجاب:
- لا يجب ان يكون هناك سببا معينا فاني أرى تلك الإعمال تحمل في طياته معنى هيلاميا وربما شرودا فكريا وروحيا يمكن للمستلقي تفسيره حسب تجربته الفنان الشخصية. انه طريق طويل من التجارب والبحوث في إيصال تلك المستويات من طبقات اللون الواحد فبناء اللوحة التي بدأتها عام 1995 وحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها مكانيا او زمنيا بل انه حدث متكامل يجب ان يتم في وحدة لونية مكونة من عجينة واحدة متجانسة تحمل نفس المكونات في جميع أجزائها فيتم انجازها في آن واحد زمنيا وكانيا ولونيا.- إن هذا الأسلوب جديد حتى للسويديين أنفسهم.كنت دوما مبدعا أخي وصديقي مدحت التقينا لأول مرة منذ عقدين من الزمن ثم تواصلنا بين الحين والآخر وواعدا زيارتك في مرسمك في العاصمة ستوكهولم حيث استضفتنا في بيتك كي نشاهد معا أفلاما وثائقية صورتها بنفسك بإبداعية مهنية ذو مستوى عالي تصويرا وفكرا وموسيقى يجسد انعكاسات روحك الشفافة على أمور إنسانية خاصة تلك الأمور المرتبطة بتلوث بيئة المحيط والهم الإنساني الأزلي في رفع المظالم الذي ما زلت مدافعا بفرشتك وفكرك الإنساني النير عن رفع الظلم عن كاهل الإنسان المعذب أينما وجد وكذلك قرأت لكم كتابات تحمل الكثير من المعنى الروحي ومرارة والقسوة التي اتصف بها بني البشر في معاملاتهم لأنفسهم ولإقرانهم من بني البشر والمجتمع والبيئة البشرية المحيطة. كل تلك الأحاسيس النبيلة أراها قد دونتها هنا وهناك تاركا ورائك أينما حللت أسئلة محيرة وأشياء.
أقرء ما كتبه لكم الشاعر المجدد ايدونيس بخط يده:
(1)الإشارة
جسد بين الشيء والعين
كيف تريدني أن أسافر خارج نفسي
وفي داخلي قارات لا اعرفها
.....لا يمكن كشف العالم السحري للون الأحادي للوحات مدحت الكاكايي فتلك عوالم مسحورة ممزوجة بعذابات إنسانية تحمل ثنائية الأشياء بين الأمل والقنوط وهو مدرسة فنية كاملة تحمل هموم وعذابات البشرية في بوتقة متكاملة فكريا وعمليا يجسدها الفنان بألوانه على القماش تاركا المشاهد وبحرية كاملة ان يكتشف المعنى لا بل أن يغادر جسده المادي محلقا في سماء لا مرئي في عالم الغيب ألانهائي. وكما يقول اودينس عنه:
لا تنير إلا ما يقبل النورادعي ها هنا وبكل تواضع إن هذا الرسام والفنان الكبير المبدع لم يكتشف في الشرق لحد يومنا هذا بل اكتشفه احد الفنانين اليابانيين هناك في الشرق الأدنى وعلى ضفاف مدن التنين هناك حيث تراث أنساني يرجع إلى ملايين السنيين يحمل طاقة تسامحيه عميقة المعنى يجري تطبيقها عمليا في الفكر التأملي واكتشاف الأبعاد الغير مرئية في الكون يدخل الروح البشرية إلى عالم تأملي في بعد جديد آخر غير البعد المادي المرئي المعروف لدى البشر عالم خالد كخلود روح الإنسان.
بعض المعارض التي شارك فيها الرسام:إشارات:هناك العديد من القصائد الرائعة في كتاب كوجيكي- الكتاب المقدس عند اليابانيين والكتاب من ترجمة الأستاذ محمد عضيمة هذه بعض اسطر إحدى قصائدها:
عندما تغيب الشمس فوق الجبال الخضراء
ويهبط الليل الأسود مثل القمام الآسي
تعال! وابتسم بسخاء كالشمس الصباحية!
ان للشمس مكانه كبيرة في العقائد الدينية لشعوب الشرق خاصة في حضارة الأناضول، العراق القديم ومصر.المزيد حول الرسام وأعماله على صفحات موقع:
http://www.madhatkakei.com/sidor/exhibitions.htm
للمعلومات حول العقيدة الكاكائية يرجى مراجعة بحث الأستاذ القدير فهمي كاكه يي الموسوم:
مدخل لمعرفة تاريخ الکاکائية
على الرابط التالي:
http://www.krg.org/articles/detail.asp?lngnr=14amp;smap=03011300amp;rnr=196amp;anr=21294
قصيدة اودينس مخطوطة بخط يده من المقتنيات الشخصية للرسام.
الصور من مقتنيات الكاتب وبعضها تجدونها في موقع الرسام مع صور للوحات اخرى.
أشعار الشاعر السويدي توماس ترانستومر راجع البوم الرسام.السويد
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Art in Kirkuk
Shamsaldin Amin Hama -تحية حب وتقدير للفنان الكبير مدحت كاكي أبن كركوك البار . مدينة كركوك التي أنجبت العديد من الفنانيين والكتاب والشعراءوالادباء ، مدينة كركوك مدينة الحب والفن والجمال . شكرا ً للدكتور توفيق التونجي لهذه المقالة وننتظر المزيد . شمس الدين - فنان فوتوغرافي الولايات المتحدة
شكرا
آزاد -مدحت كاكه يي حقا فنان عالمي ومعروف في الكثير من البلدان الأوروبية والآسيوية ولكنه مغبون في بلده العراق. للطائفة الكاكه ئيه شخصيات عظام في مجال الفن والأدب والسياسة، من أمثال فلك الدين كاكه يي وزير الثقافة في حكومة إقليم كردستان، وهيمت شقيق مدحت هو الآخر فنان تشكيلي، وعائلة صدرالدين وشمس الدين جميعهم فناني، وآخرين. شكرا للكاتب الكركوكلي الرائع توفيق آلتونجي وشكرا لجميع الكاكه ئيين والكركوكليين بجميع أطيافهم
للامانة
امين -الاستاذ توفيق التونجي مقالة جميلة لتمجيل صديق فنان قديم وتعريفه الى القارىء العربي و العراقي كفنان عالمي , عزيزي الاستاذ توفيق لو كان لك قليل من الخبرة او المعرفة بالفن لما تجرأت على قول هذه الصفة فليس الذي اقام معارض في عددة من البدان او قال عنه فنان ياباني او كتب على احد لوحاته ادونيس ابيات من شعره فهو فنان عالمي انا اعتقد انه كلام به تضخيم الى حد بعيد و لمعلمومات القارىء ليس هناك اي فنان عراقي او كردي او حتى على مستوى الوطن العربي وحتى المعروفين في هذا الوسط هو فنان عالميفالرجاء عطفا على قراؤنا , واخيرا اقول هذا لانني اعرف الفنان مدحت و مامقدار طاقة الفنية