ثقافات

فوز كتاب مطبعة بولاق بجائزة الدولة التشجيعية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي: حصل الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، والسيد أحمد منصور، الباحث بمركز الخطوط التابع للمكتبة، على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عن كتاب "مطبعة بولاق"، والذي قدّم فيه المؤلفان شرحاً مفصلاً وتعريفاً متكاملاً بهذه التحفة التاريخية التي لولاها ما وصلت الحياة الأدبية والثقافية إلى ما هي عليه الآن.
تناول الكتاب في صفحاته الأولى بزوغ الطباعة في العالم قديماً في كل من الشرق الأقصى وأوروبا والمشرق العربي، ثم انتقل في فصله الثاني ليعرض ظهور الطباعة في مصر ونشأة مطبعة بولاق، ويأتي الفصل الثالث ليقدم المطبعة في عهد أسرة محمد علي، ومن ثم ينتقل الفصلين الرابع والخامس ليقدما إصدارات مكتبة بولاق المختلفة، وأخيراً ظهور الصحافة في مصر.
يتصدر الكتاب تقديم الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، والذي يجيب فيه عن تساؤل: "لماذا مطبعة بولاق؟"، قائلاً إن الجواب ليس معجزاً لأن تاريخ مصر حدثت فيه طفرة علمية ومعرفية مع مطبعة بولاق، فقد جعلت الطباعة العلوم والمعارف والآداب والأفكار تخرج من نطاق المحدودية التي تفرضها عملية النسخ اليدوي إلى عالم أرحب أكثر اتساعًا وأكثر سرعة في تداول المعارف والعلوم؛ وحولت العلم إلى شيء مختلف يدخل كل البيوت ويؤثر في كافة مناحي الحياة اليومية للإنسان.
كما قدّم للكتاب الدكتور خالد عزب، والباحث أحمد منصور، حيث أشارا إلى أن مطبعة بولاق كانت هي السبب الرئيسي في خروج مصر من عصور مظلمة تثقلها قيود الجهل والتخلف إلى نور المعرفة، والحرية والوعي، وكان كل هذا بسبب المطبعة التي قدمت للمصريين زادا كانوا في حاجة إليه، قدمت إليهم المعرفة الواسعة في وعاء جديد عليهم هو الكتاب المطبوع.
وإذا انتقلنا لنتصفح الفصل الأول من الكتاب نجده يدور حول بزوغ فجر الطباعة في العالم وظهورها في الشرق الأقصى، فنجده يستعرض نشأة الطباعة في الصين وانتشارها نتيجة لانتشار الديانة البوذية، التي أدت إلى زيادة الطلب على الكتب البوذية المقدسة، ثم ظهور الطباعة بعد ذلك في كوريا، التي أخذت من الصينيين النظام الإيدوجرافي للكتابة واللغة.
يأتي بعد ذلك تطور الطباعة في اليابان حيث يوضح الكتاب كيفية تطور الثقافة اليابانية في ظل تأثير قوي للثقافة الصينية، حيث تبنى اليابانيون الكتابة الصينية خلال القرنين الرابع والخامس للميلاد.
يتعرض الفصل الأول أيضاً لظهور الطباعة في أوروبا، ويذكر مؤلفا الكتاب أن الطباعة ظهرت في أوروبا الغربية نتيجة للتقدم التكنولوجي الذي سرعان ما أحدث تحولات هائلة في حضارة مكتملة المعالم، بعد أن أصبحت الكتابة تشغل بال المجتمع في تصريف حياته اليومية بداية من القرن الثالث عشر، لذا برزت في أوروبا مشكلة تلبية الطلبات المتزايدة على الكتاب مع تزايد عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة في المدن، والجامعات، في حين أصبح الكتاب بشكل عام سلعة مطلوبة وأخذ يمارس دورًا كبيرًا في الوقت الذي كان فيه عدد المهتمين بالكتاب قليلين نسبيًا. ويشير الكتاب إلى بعض المعوقات التي واجهت الطباعة في أولها مثل سرعة نسخ الكتاب بشكل ميكانيكي، إلى أن حلها أخيرًا في منتصف القرن الخامس عشر الألماني يوهانس جوتنبرج. ثم ينتقل الكتاب إلى عرض كيفية انتشار الطباعة في ألمانيا أولاً ثم في البلدان الأوربية الأخرى مثل إيطاليا وهولندا وفرنسا.
يأتي الجزء الثالث من الفصل الأول ليعرض نشأة الطباعة في المشرق العربي فيبدأ بعرض نشأتها في تركيا، على الرغم من تصدى سلاطين آل عثمان لها في أول الأمر، ثم ظهورها في لبنان التي ارتبطت بالنزاع الديني الذي كان سائدًا بين الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية آنذاك. كما تأتي نشأة الطباعة في سوريا كثالث نقاط هذا الفصل حيث كانت حلب أول مدينة سورية عرفت فن جوتنبرج.
بعد أن استعرض الكتاب في فصله الأول نشأة الطباعة في العالم، ينتقل الفصل الثاني من الكتاب ليستفيض في عرض نشأة الطباعة في مصر، التي بدأت في عهد الحملة الفرنسية فيفرد لها الكتاب صفحات يشير فيها إلى أن ظهور فن الطباعة بمعناه الحديث في مصر يرجع إلى عهد الحملة الفرنسية 1798م-1801م، حين أدرك بونابرت منذ اللحظة التي قرر فيها احتلال مصر أن الدعاية هي السلاح الماضي الذي يكسب به قلوب المصريين.
أما الجزء الثاني من الفصل الثاني فيقدم نشأة مطبعة بولاق بعد جلاء الحملة الفرنسية عن مصر في سنة 1801م، حين عمت الفوضى البلاد، إلى أن استطاع محمد علي أن يصعد إلى سدة الحكم، وبدأ يفكر في بناء بلد قوي سواءً من الناحية السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، فبدأ بإنشاء المؤسسات على النمط الأوروبي الحديث، ومن بين المشروعات التي احتاج إليها في مسيرته التنموية كانت إنشاء مطبعة تنشر كل ما يراه مناسبًا لاستقرار دولته. حيث بدأ محمد علي يفكر في إدخال الطباعة إلى مصر منذ عام 1815م.
ويذكر الكتاب الأسماء المتعددة لمطبعة بولاق والتي كان من بينها "دار الطباعة"، و"مطبعة صاحب السعادة"، و"المطبعة الأميرية"، إلا أن اسمها الرسمي التاريخي الذي عرفت به هو "مطبعة بولاق".
ثم انتقل الكتاب لعرض آلات وحروف الطباعة التي تم استيرادها في أول الأمر من ميلان بإيطاليا حيث تم تجهيز مطبعة بولاق وقت إنشائها بآلات من أحدث الطرز. أما الحروف المستخدمة في المطبعة فكانت عبارة عن قطعة من المعدن أو الخشب غالبًا ما تكون قائمة الزوايا ذات وجه بارز من أوجهها الستة وهذا هو الوجه الذي يحدث الطبع. كما تم استيراد مواد الطبع من ورق ومداد من إيطاليا كما استوردت عدد المطبعة وآلاتها.
أما فيما يتعلق بسياسة العمل بالمطبعة، فيذكر الكتاب أنه لم يكن لمطبعة بولاق أي لائحة أو قانون وقت إنشائها لأن اللوائح والقوانين وما يجري مجراها لا تكون إلا وليدة الحاجة وقد نشأت مطبعة بولاق نشأة بسيطة ولم يتوقع المشرفون عليها ما يستلزم وضع لائحة أو قانون لتنظيم العمل بها. لكن سرعان ما تعقدت أحوال مطبعة بولاق، ودعت الأحوال الجديدة إلى سن القوانين الخاصة بالمطبعة، وتحديد سياسة للطبع بها ووضع نظام للرقابة على مطبوعاتها.
ومع بداية الفصل الثالث يستعرض الكتاب مطبعة بولاق في عهد أسرة محمد علي باشا وقد جاء في هذا الفصل انتعاش المطبعة في عصر الباشا الكبير حيث كانت محط اهتمامه ورعايته، ثم عرض أحوال المطبعة في عهد الوالي عباس حلمي الأول، وقد أخرجت المطبعة في عهده بعض الكتب القيمة منها "مقامات الحريري" و"خطط المقريزي"، أما أحوال المطبعة في عهد الوالي سعيد باشا فيذكر الكتاب أن نشاطها كان محدودا لا يعدو سجلات الحكومة وبعض الكتب القليلة.
ثم يعرض الكتاب لمرحلة جديدة في رحلة المطبعة وهي إهداء سعيد باشا المطبعة إلى عبد الرحمن باشا رشدي مدير مصلحة السكك الحديدية بالبحر الأحمر، إلى أن انتقلت المطبعة بعد ذلك في عهد الخديوي إسماعيل إلى الدائرة السنية حين اشتراها الخديوي إسماعيل باسم ابنه الأمير إبراهيم حلمي وضمها إلى الدائرة السنية وهي دائرة الأملاك التابعة لأبناء الخديوي إسماعيل. ويرى العديد من المؤرخين أن عهد تبعية المطبعة للدائرة السنية يعد من أزهى عهود مطبعة بولاق، حيث استهلت المطبعة عهدها الجديد بإصلاح وتجديد آلاتها مثل شراء آلة لعمل ظروف الخطابات في 1869م، وكان من نتيجة التقدم الذي شمل مطبعة بولاق في هذا العهد أن اشتركت في معرضين دوليين أقيم أحدهما في باريس سنة 1867م، وأقيم الثاني في فيينا في سنة 1873م.
ويذكر مؤلفا الكتاب أن المطبعة ظلت تابعة للدائرة السنية إلى أن انتهى عصر إسماعيل وتولى حكم مصر الخديوي توفيق، وكانت الحركة الوطنية لا تزال حديثة العهد وكان الشعور القومي قد أخذ يشتد فعملت الحكومة على استرداد مطبعة بولاق إلى حوزتها خشية استخدام المطبعة في نشر الوعي السياسي والثقافي بين أفراد الشعب المصري.
استمر حال المطبعة بين التدهور والازدهار إلى قيام ثورة 1952م، فمع قيام الثورة أنشئت وزارة الصناعة عام 1956م، وضمت إليها مطبعة بولاق تحت مسمى: "الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية"، وما زالت المطبعة تلبي احتياجات الدولة من كافة أنواع المطبوعات، إلى جانب إسهامها في تنشيط حركة الطباعة والنشر في مصر والشرق الأوسط من خلال إصداراتها المختلفة.
يتناول الفصل الرابع من الكتاب إصدارات مطبعة بولاق المختلفة والمتباينة والتي يحصرها مؤلفا الكتاب في سبعة أنواع، هي: القوانين واللوائح والمنشورات، الكتب، التقاويم، الوقائع المصرية، القرآن الكريم، الأوراق والدفاتر الحكومية، ومقامات الموسيقى.
وأخيراً يعرض الفصل الأخير من الكتاب لتاريخ ظهور الصحافة في مصر، والذي بدأ مع الحملة الفرنسية بجريدة "بريد مصر"، ثم الصحيفة التي صدرت عن المجمع العلمي بعنوان: "العقد المصري" أو "العشرية المصرية". ثم عرض الكتاب للصحافة في أسرة محمد علي باشا، مثل: "جورنال الخديوي"، و "الوقائع المصرية"، و "الجريدة العسكرية". كما عرض الكتاب للصحافة في عهد الخديوي إسماعيل، مثل جريدة "يعسوب الطب" التي تخصصت في نشر أفضل المسائل الطبية المفيدة، وأيضاً جريدة "روضة المدارس"، وجريدة "أركان حرب الجيش المصري".
انتقل الفصل الأخير في جزئه الثاني للحديث عن تاريخ جريدة الوقائع المصرية كأول جريدة حكومية رسمية، فتحدث الكتاب عن سياسة محمد علي في توجيه عمل الوقائع المصرية، ثم دور الشيخ رفاعة الطهطاوي في تجديدها وتطوير سياستها، ومن ثم انتقل إلى أحوال الجريدة في عهد الوالي محمد سعيد باشا ومن بعده الخديوي إسماعيل. تناول الكتاب كذلك تاريخ الوقائع المصرية برئاسة الشيخ محمد عبده، ثم تاريخها منذ عام 1882 وحتى وقتنا الحالي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف