المعتصم: حركة النقد متقدم على الإبداع المغربي والعربي
منى وفيق
قرائنا من مستخدمي تلغرام يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الناقد المغربي محمد معتصم:صحيح أنني أكتب للمستقبلالناشرين قادرون على فهم دعوتيأعتبرني حداثيا حتى النخاعكل ما كتبته مجاملة لم أضمنه كتبي المنشورة حاورته منى وفيق من الرباط: إنه صديق القصاصين بامتياز، هادئ أمامك و صاخبأمام الورقة، ناقد يعرف ماله وما عليه جيدا.. هكذا هو "محمد معتصم الناقد الأدبي" كما يحب أن يوقع كتابته النقدية حتى لا يتم الخلط بينه وبين قاص مغربي يحمل نفس الاسم. محمد معتصم غزير الإنتاج ومتابع جيد للساحة الأدبية المغربية والعربية. له عدة إصدارات منها: الرؤية الفجائعية - النص السردي العربي - المرأة والسرد -خطاب الذات في السرد العربي وغيرها... حصل محمد معتصم على جائزة الحسن الثاني للكتاب وهي جائزة رفيعة جدا عن كتابه " الرواية الفجائعية في الرواية العربية نهاية القرن العشرين وكانت عن جدارة بشهادة الكثيرين.. أجوبة وحضور الناقد المغربي محمد معتصم تجعل المبدع حقيقية يحاول جاهدا تلطيف علاقته بالنقد.* - إذا كانت الترجمة قد عرفت على أنها خيانة للنص الأصلي، فهل النقد خيانة و تحريف لحقيقة و لرمزية النص الإبداعي؟صحيح أن الترجمة لم تستطع التخلص من مثل هذا الوسم، علما أن الترجمة المتحدث عنها ليست ترجمة العلوم الحق والدراسات الأدبية، إنما ترجمة الإبداع. ولا يمكن لنص رحل من لغة إلى أخرى، وعبر ذهن ونفس ومشاعر ووعي ولا وعي المترجم أن يكون ذاته في الأصل. الأمر بالنسبة للدراسة النقدية مختلف، فهي لا تقوم على ترجمة معاني النصوص الإبداعية التي تشتغل عليها، ولا ينبغي لها ذلك، بل تقوم على الخصائص المميزة والمحددة لنوعها كدراسة نقدية. وبالتالي فالدراسة النقدية ترتكز على أسس أختزلها في التحديدات التالية:bull;حكم القيمة: أي أنها تقدم النص وتصدر حوله حكم قيمة من منظورات متنوعة. bull;تفسير مضمون النص: أي أنها تقرب معناه الظاهر وأبعاده أيضا للمتلقين، من منظور تربوي وتعليمي. bull;تحليل البناء الخارجي والداخلي للنص: أي أنها تقوم بمساءلة النص ومكوناته على ضوء المناهج النقدية التي أنتجتها مختلف المدارس والاتجاهات في الميدان. bull;تأويل المعنى: أي أنها دراسة تقوم على افتراض غايات غير ظاهرة للنص تستخلص من المؤشرات اللغوية، أو من الأحداث... أريد القول بأن النقد الأدبي نوع مستقل بذاته، ويحاول أن يكون علما دقيقا، لكن للأسف الاتجاهات المدرسية والتربوية تفرض عليه أن يلتزم بالبعد (الإيديولوجي الأخلاقي) المتمثل في: حكم القيمة، وتفسير المضمون، وتأويل المعنى.* - إنك تكتب للمستقبل، تشتغل بروح باحث زاهد كما يراك البعض الكثير ربما..ألا تغريك الشهرة حقا لو اعتبرناها اهتماما من الآخرين برؤيتك النقدية ومحبة منهم لاجتهادك الفكري؟إذا كان المقصود بالشهرة غير نجومية الفنانين وملاحقة المصورين والإشارة بالأصابع، والترفع عن الناس، والخيلاء والتكبر، والجري وراء المصالح الشخصية وسلطة المال، والمقصود منها محبة الصديقات والأصدقاء وتقديرهم لما أقدمه من اقتراحات نقدية فأنا لا أرفضه، وأسعى إليه. لأن الكتابة تخلق مثل هذا الجسر الإنساني القائم على الفكر وعلى القيم النبيلة، والاحترام والمتبادل. صحيح أنني أكتب للمستقبل، وقد اكتشفت ذلك من خلال قراءاتي المتنوعة والمتعددة. والمستقبل هنا ليس بمعنى الزمن فحسب إنه "الإنسان" في جوهره وحقيقته الثابتة رغم تحول وتغير الظروف من حوله. ورغم الشدة التي نعيشها مع بداية الألفية الثالثة وسيادة الفراغ والالتباس في الناس والتعاملات والقيم...والعلاقات إلا أن هناك جوهرا إنسانيا راسخا وحقيقة باطنية يغلفها كل هذا الضجيج الملتبس. وهذه الحقيقة والجوهر الإنساني هو ما ينبغي أن نسعى إليه. وإذا استطعت الوصول إليه وملامسته في كتابات المبدعات والمبدعين، واستطعت التعبير عن بوضوح في دراساتي النقدية، واستطاع المتلقون لمسه فتلك "الشهرة" بالنسبة لي. أي كيف تستطيع كناقد أدبي أن تخرج الناس من يأس اللحظة؟ هذا رهان صعب، لكنه ممكن، ثم كيف يمكنك أن تضيء عتمة نصوص المبدعين وتضفي عليها من خبرتك وتجربتك لترسم لها الطريق إلى فكر وذهن ونفس ومحبة المتلقين. إذا حققت ذلك فهي الشهرة. وهذا لن يتأتي إلا بالعمل الجاد والتفاني ومحبة الآخرين قبل محبة الذات، ونبذ روح التيئيس و ب "الزهد" في فتات الموائد والهبات المسمومة، والمواقع المفخخة. * - حصلت على جائزة الحسن الثاني للكتاب عن كتابك " الرؤية الفجائعية في الرواية العربية خلال نهاية القرن العشرين "،هل كان أكثر إصداراتك السابقة أو المستقبلية استحقاقا لهذه الجائزة؟الكتابات المستقبلية لا أعرف كيف سيكون محتواها وصيغتها، لأنني أومن بالتطور وأنا كما بدأت لست تماما ما أنا عليه الآن. وإن كنت أحلم بكتابة مؤلف يحدد طبيعة وجود الكاتب اليوم ومستقبلا، أمام هذا الاكتساح الطاغي للتقنية، وعنوان الكتاب كما حددته منذ سنوات بعيدة كالتالي "الكائن الاستعاري". فقد تبين لي مع الوقت أن الوجود الحقيقي للإنسان لا يتمثل في وجوده المادي، والمحدود باللحظة الزمنية والعمرية التي يعيشها، ومحاصر داخل المكان والجسد، ولكي يتغلب الإنسان على هذه الوضعية ابتكر لنفسه صورة مختلفة، ساعده في ذلك ملكة التخييل البدائية، ثم القدرات الإبداعية فيما بعد، والخطابات التي يغلف نفسه بها، ليخفي حقيقة فنائه وضآلته، وفاجعته، وإحساسه بالنقص.أما كتابي "الرؤية الفجائعية: الرواية العربية في نهاية القرن العشرين" فيحمل الكثير من شخص المفكر المتفاعل مع محيطه تأثيرا وتأثرا أو يحمل صورة تداخل صورة الناقد الأدبي والمفكر المهموم بالواقع والمصير. وكلما عدت إليه وجدته يفسر حالة المثقفين في هذا العصر، وهم تحت صدمة التحولات، والإحساس بنهاية دورهم التاريخي، وفقدانهم للفاعلية، وإحساسهم الفاجع بفشل مشاريعهم الثقافية التنويرية، وفقدانهم لموقعهم كقادة يستشرفون المستقبل، فيوجهون، ويناقشون الحاضر فيعدلون ويقومون. إنه كتاب يعالج هذا الإحساس في العمق، ويبحث في أسبابه. لكنه يظل كتابا في النقد الأدبي، ملتزم بالرواية في النسخة المنشورة بدار أزمنة بالأردن (2004م)، وقد شمل إلى جانب الرواية نماذج الرؤية الفجائعية في القصة والشعر في النسخة المنشورة في الجزائر ضمن منشورات اختلاف (2003م). هل يستحق الجائزة؟ هذا شيء أكده لي جل أعضاء اللجنة العلمية التي اختارت الكتاب، وبالمناسبة أتوجه إليها بالتحية لأنها كانت بالفعل لجنة علمية احتكمت للموضوعية، احتكمت لمحتوى والقيمة المضافة التي جاء بها الكتاب، وانخراطه في فهم ومساءلة اللحظة التاريخية الحرجة التي نعيشها كمثقفين في العالم العربي، وفي العالم، بعد أحداث 11سبتمبر وما تلاها من تحول وانقلاب في موازين القوى، وفي الأولويات، ومنها الأدب خاصة، والثقافة عامة.ما أفكر فيه حاليا هو الانتهاء من مراجعة وتعديل محتوى ورؤى بعض كتبي، وقد بدأت بالفعل ذلك وأرسلت كتابين للنشر خارج المغرب، ثم أتحول للكتابة في عوالم أخرى تقترب من الفكر أو من الإبداع وتبتعد عن النقد الأدبي، خاصة النقد التطبيقي الذي يلهث وراء فهم ما يجري في النص وفي العوالم المتخيلة للمبدعين.* - هل ينجيك هدوءك المركز من الانخراط في كل تلك المجاملات الأدبية والعلاقات البراغماتية بين المثقفين المغاربة؟ هذا الهدوء يراه بعض أصدقائي الحميمين سلبية، لأنني في الأصل صاحب ذهنية مركبة وصعبة لا تقبل بالمسلمات وتميل إلى الحجاج والجدل والتمحيص والتفكير والتحليل، ولكنها لا تبدو مني كسلوك اجتماعي عند لقائي بالكاتبات والكتاب (الكائنات الاستعارية والهلامية)، وعموم الناس. هل هو هدوء الحكمة؟ هل هو هدوء الاستهتار؟ هل هو هدوء القائد في الشدة، والتحسب للهزيمة الكبرى (سقوط مملكة الأدب)؟ هل هو هدوء المجاملات والنفاق الاجتماعي؟ هل هو حالة من الهبوط النفسي/ العلائقي، إذا جاز الوصف؟ أي حال من الشعور باللا جدوى. هل هو أثر التربية التي تلقيتها في البيت والوسط العائلي؟ هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة (الكتابة)؟ لا أعرف، ربما هو كل ذلك. * - سبق وقلت أن حظك عاثر مع القصة القصيرة المغربية طالما أنك اشتغلت عليها منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم. وألفت فيها ثلاثة كتب لكن لا أحد نشر منها. لم القصة القصيرة مظلومة إبداعيا بهذا الشكل دونا عن الرواية والشعر؟ وما الذي جعلك تفكر في أن عدم نشر مؤلفاتك تلك يستدعي بالضرورة بعض التعديل والتنقيح والتهذيب بها؟أبدأ من الأخير، بالنسبة للتعديل والتغيير وإعادة الكتابة والحذف والإضافة تقع في صلب عملي، وأنا لا أكتب بسهولة كما أنني لا أقرأ بسهولة، وأتخذ العملية بجد كبير، وأعتبر الكتابة فعلا مقدسا، وما أنشره يشكل هويتي الحقيقية (الكائن الاستعاري)، التي تختلف عن الشخص كمادة (الكائن الحي). وكتابي "النص السردي العربي: الصيغ والمقومات" المنشور سنة (2004م) كتبت جل دراساته بين سنتي (1987/1988)، وأعيد أكثر من سبع مرات حتى استقر على تلك الصورة. لكن كالعادة رغم الجهد الذي بذلته فيه عندما حاولت تطبيق نظرية النحو العربية في تركيب الجمل على المتواليات السردية، فإنه لم يلق أي اهتمام، ولم يوزع بالطريقة المثلى ليصل إلى أيدي الدارسين العرب في البلاد العربية.الشيء ذاته لاقته كتبي الثلاثة: الأول أتلفته دار نشر مغربية ولم أستطع حتى اليوم العودة إليه وجمع شتاته من المخطوطات الورقية، والمنشور بعضها بالجرائد والمجلات مغربية وعربية. والثاني سلمته لاتحاد كتاب المغرب بطلب من المكتب المركزي، لكنه ما يزال بالمطبعة منذ سنوات بعمر ابني أيوب. لكنني عدت بالفعل إلى هذا الكتاب لأنني تجنبت خطأ الكتاب الأول واحتفظت بنسخة منه، ورقية وإلكترونية، وهذه من أفضال الحواسيب وتقنيات التخزين الحديثة، وقد حولته من كتاب عنوانه الرئيس: "القصة القصيرة المغربية في السبعينيات: القضايا، والمفهوم، والحكي" إلى كتاب:" القصة القصيرة المغربية الحديثة: القضايا والمفهوم" كعنوان محدد لأبعاد الدراسة. وقد اخترته ليكون محطة بداية تحاول فهم معنى القصة والمغربية، وخصوصياتها النوعية، وتقنياتها، وهي في مرحلة التأسيس والتأصيل، ثم لتليها المرحلة المحدثة في كتاب:" القصة القصيرة المحدثة" التي رافقت تحولات جذرية في الوعي القصصي، وتغييرات عنيفة في وضعية الكاتب ومكانة الأدب، وهزات في الفكر والسياسة والاجتماع.أما وضعية القصة القصيرة بالمغرب اليوم فهي أحسن بكثير. وقد حققت انتشارها بفضل العديد من العوامل التي توفرت لها عدة وعددا. * - هل تنصف مؤسسات النشر المغربية كتب النقاد المغاربة مثلما ينصفها المهتمون بالنقد المغربي في العالم العربي و ما أكثرهم، أولئك الذين ينتظرون بشغف كبير بداية معرض الكتاب للبحث عن إصدارات النقاد المغاربة؟يفترض في الناشر أن يكون متعدد المواهب والاهتمامات، فهو أولا تاجر، يتعامل مع الكتاب كبضاعة تنجز بالمال، وينبغي أن يكون لها عائد وهامش وافر من الربح، وهذا حقه. لكن ما لا يعجبني في العملية كلها عندما يتحول الكاتب ذاته إلى بضاعة، فتنهب حقوقه ويجد نفسه منبوذا بالعراء... والناشر قارئ ومثقف، يدرك أهمية وقيمة الكتاب الفكرية والأدبية والتربوية الاجتماعية، ودوره في التنمية والارتقاء بالبلاد وتفقيه العباد. والناشر المثقف هو المعول عليه اليوم في إسناد الكتاب وتقويته على البقاء، وحمايته من السقوط المدوي المؤدي إلى السديم واضمحلال الكينونة.والناشر مناضل في مجاله، وعليه أن يسعى إلى إحراج جميع الجهات المسؤولة عن الكتاب، ودفعها إلى دعم الكتاب بقراءته وتوزيعه وفك الحصار عنه عربيا. فلا ينبغي أن تدعم وزارة الثقافة وحدها الكتاب، رغم ما قيل ويقال عن هذا الدعم، بل ينبغي أن تقوم بذلك وزارة التربية والتعليم الأولي والعالي والتكوين المهني، وأيضا وزارة الأوقاف... يجب إبراز أهمية دور ومساهمة رجال المال والأعمال في دعم الكتاب لأنه أيضا قيمة جمالية من قيم الحضارة المغربية وهويتها، وينبغي السماح للكتاب بحرية الانتقال بين الدول العربية وعليه أي الناشر أن يدافع عن إبعاد المقاربة الأمنية للكتاب، وإبراز دوره الحضاري والثقافي للأمة. ربما أطالبه بالكثير، لأنني أجد الناشرين قادرين على فهم دعوتي، لأنهم قادرون على التكتل ضمن هيأة تنظيمية تحافظ لكل واحد منهم على هامش اشتغال يعيش على مداخيله، أما الكُتَّاب فحديث طويل. * - هل يستحق منك النقد والفكر والكتابة كل هذا البذل؟في الظرف التاريخي والاجتماعي للحاليين يستحق مني أكثر مما بذلته وسأبذله، وبالقدر ذاته كل الكتاب الذي اختاروا بحرية وإرادة الكتابة، والتعبير عن هوية وحضارة أمتهم، والتعبير عن كينونتهم الخاصة.لو أنني لم أمتلك موهبة الكتابة، وكانت لي مواهب ومؤهلات أخرى لبذلت أيضا من أجل موقف أومن به، أو فكرة رغبت في تحقيقها، ومن أجل إنسانيتي، ومن أجل وطن يمنحني هويتي، ويضم جذوري، وصداقاتي، وأتراحي وآلامي.الكتابة اختياري، ومعنى هذا أنها حريتي. وهي الأكسيجين الذي أتنفسه نقيا. ولذلك أقاوم من أجلها الكسل، والمرض، ونصائح الأطباء، وضغط الوقت، والمتبطات...لأنها الوجود ذاته. لكنني إذا فشلت في مهمتي هذا تحولت إلى غير الكتابة دون ألم، هكذا أحس، فهل هو إحساس صادق؟ لا أعرف.* - هل الحركة النقدية في العالم العربي تواكب بنفس السرعة والحداثة والذكاء الحركية الإبداعية العربية؟ وهل سنظل نحلم فقط برفقة إبداعية نقية عربية عربية؟قد يبدو لك جوابي غريبا ومجانبا للحقيقة، إذا قلت لك بأن الحركة النقدية متقدمة جدا على الإبداع المغربي والعربي اليوم. وأصبح الناقد على علم مسبق بألاعيب المبدع. وهنا إشارة إلى أن الإبداع المعاصر مال كثيرا إلى الاهتمام بتقنيات الكتابة، وأغفل الجانب الأهم الذي يحقق تقدمه وريادته وفتوحاته، وأقصد العمق الإنساني، التجربة الإنسانية، وأصبح المبدع حبيس النظرية التي أنتجتها الدراسة النقدية، والمدارس الأدبية، ولم تعد لديه تلك الرؤية الثاقبة التي تستشرف الآفاق، تحذر وتنبه وتقترح وتبوح وتحلل الأوضاع الاجتماعية والنفسية للكائن المعاصر. وتبعية الإبداع للنقد، تبرهن على تسليم المبدع بالأمر الواقع، والخضوع للمتغيرات، ومباركتها والدخول تحت غطائها طلبا لسلامة الوقت، والخوف من التهميش، والإقصاء...وإذا تدجن المبدع فكيف يمكن أن يكون جديرا باسمه وصفته ومهمته. وبالتالي كيف يمكنه أن يكون سابقا على النقد؟؟؟الإبداع الذي يتقدم على النظرية النقدية، هو الذي يكسر هذه القيود ويؤمن بذاته، موقفه، ورؤيته للعالم والأشياء، والذات، والكتابة. * - فيم تختلف أدواتك الأكاديمية عن أدوات غيرك؟ وإلى أي حد تجزم أنك لست بناقد كلاسيكي؟لست كلاسيكيا بمعنى القدم، لأن هذا يتنافى والتطور التاريخي والزمني والمرحلي. أما إذا كانت الكلاسيكية تعني الصرامة في الدراسة، والارتباط بالنص، والتوفيق بين المهام الأساس للنقد الأدبي، كما ذكرت سلفا: التفسير (خاص بمضمون النص)، والتحليل (خاص ببناء النص داخليا، وشكله الخارجي)، وتيسير وصوله وضمان انتشاره بين المتلقين كيفما كانت أوضاعهم وأعمارهم (كبار أو صغار، عمال أو طلاب، أو سيدات بيوت...). فانا أكون كذلك عندما أؤلف كتبا تربوية.وأعتبرني حداثيا حتى النخاع عندما أؤلف كتبا ثقافية موجهة لفئة خاصة ومحدودة في المجال وليس في الزمان. وأهم أدواتي "السؤال المعرفي المناسب للمرحلة". ثم إنني لا أنظر إلا الكلاسيكية بعداء أو تحقير لأنها طريقة مختلفة في قول الحقيقة. وللحقيقة الأدبية طرق شتى، تغنيها وتقويها.* - ما أكثر اجتهاد نقدي تختلف معه جملة وتفصيلا؟أنا لا أختلف مع إي اجتهاد نقدي. أعني اجتهاد أي بذل وتفكر وتمحيص مهما كانت زاوية الرؤية والمنطلق مختلفة عن طبيعتي الفكرية. لكنني أبتعد كثيرا عن قراءة كل كتابة ضحلة أو كتابة تدعى امتلاك الحقيقة دون غيرها. هذا الفكر الضيق لا أقترب منه. وأنا دقيق في اختيار الكتاب والكتب التي أحتفظ بها في مكتبتي وأعود إليها. * - هل ثمة مفهوم نقدي جديد تشتغل عليه وتعتبره إضافة للنقد بشكل عام؟حاليا أشتغل على مفهوم "القصة المحدثة" بدل "القصة الحديثة". وقد أبرزت بعض خصائص القصة المحدثة في المغرب، وبالتالي يمكن تعميمه على القصة العربية، في تقديم كتاب "القصة القصيرة المغربية المحدثة" وقد نشرت جزءا منها في الملف الذي نشرته "أخبار الأدب" المصرية قبل أشهر. لكن تقنياته وأشكال تمظهره ستبرزها الدراسات التطبيقية المضمنة في الكتاب. ولا يوجد أي تناقض بين القصة المحدثة والقصة الحديثة بل هما في ترادف زمني وتاريخي.* - تقول أنك استفدت من علوم الطبيعة - البيولوجيا - في كتابك النص السردي العربي الصيغ والمقومات في توضيح مفهوم التوالد السرديhellip;تزاوج السردية والشعرية هو بالفعل براعة التداخل؟بالفعل استفدت كثيرا من دراسة التفاعل الجيني، وتأثيره في عملية التكاثر، والحفاظ على النوع البشري، في تنوعه الجنسي، وشكله وملامحه...واعتبرت أن الأنواع الأدبية عندما تتداخل وتتفاعل فإنها لا تنفي الخصائص النوعية لبعضها بل تندمج تلك الخصائص بصورة مثلى إذا كانت عملية التفاعل ناجحة، وقد تؤدي إلى كارثة إذا كانت العناصر غير قابلة للتفاعل. تماما كما في الكيمياء، وفي تكون الأجنة. وكذلك النص والنوع الأدبي. وتداخل السرد والشعر يعطي دائما نوعا ثالثا مؤثرا ومدهشا إذا كان الكيمائي الذي يقوم بالتركيبة حرفيا (مبدعا). وإلا ستكون العملية مجرد تضمين ولا تستحق أن نقول عنها تفاعلا نوعيا. * - هل فكرت يوما في رواية نقدية؟كتبت بالفعل بداية التسعينيات رواية سميتها "سيرة سفر" أنتقد فيها العمل داخل أحد التنظيمات النقابية التي كنت عضوا فيها، وقد اصطدمت وقتها بضحالة الفكرة وهشاشة الموقف عند الكثير من الأعضاء، ولم أستطع قبول السلمية الصارمة في تنظيم كان ينبغي فيه التميز بالمرونة، والتلاحم بين القواعد والقيادة/ القيادات، ولم أستسغ طبقيته القاهرة: زعيم، قيادي، مناضل، عضو منخرط، عاطف (التدرج من الأعلى إلى الأسفل). لكنني بنيتها بطريقة لا تظهر هذه التناقضات إلا كإحساس بالضيق، وصعوبة في نجاح العلاقة العاطفية والإنسانية. ولم تكن مباشرة. لكنني لا أرغب في نشرها على الأقل الآن.* - قلتَ أن كثيرين يعيبون عليك عدم انتقاءك في الكتابة عن كتاب قد يضمنون لك الشهرة، حتى أنك اعترفتَ أنك تجامل أيضا عددا من الأصدقاء، دون حرج... هل ستخرج يوما ما كتابا نقديا عن "الحشومة النقدية" أو"الحرج النقدي" مما قد يضمن لك مصداقية ما بعد النقد؟كل ما كتبته مجاملة لم أضمنه كتبي المنشورة، لكنه ظل حبيس صفحات وأعمدة الجرائد. وهي كتابات لا أبذل فيها جهدا كبيرا، وتأخذ طابع النقد الصحافي كما هو محدد علميا، أقوم فيه بالتعريف بالكاتب والكتاب. ولا أبلور فيه فكرة أو مصطلحا أو موقفا. وهو عمل ضروري كان ينبغي أن يقوم به الكتاب الصحفيون. وكتابات نقدية أخرى كانت مرتبطة بمناسبة تكريم كاتبة أو كاتب، أو احتفاء بكتاب أعجب به أحد الأصدقاء فاقترح علي المساهمة في الكتابة عنه. إنها أيضا ضرورية وتحافظ على تلك الروابط الإنسانية. وأنا أضعف كثيرا أمام دعوات الأصدقاء أفرادا أو هيئات لأنني أرى فيها تقديرا لما أقوم به.* - لولا الإبداع ما تواجد ناقد واحد، فكيف يتجاوز الناقد نظرة المبدع الفوقية له؟ هذا تعبير يخفي الحقيقة. لأن المبدع هو من يسعى إلى الناقد. والناقد الأدبي ليس فقط ذلك الذي يكتب عن الكتب، بل هو المنظر الذي يبتكر المخططات، ويشق المسارب والطرائق التي تيسر السبيل للمبدع، وهو الأستاذ والمدرس الذي يدلل صعوبة النظرية، ويفك ضيق وكثافة المفاهيم والمصطلحات للمبدع، وهو الشارح لعمل المبدع اليوم. شخصيا، لا أحب أصحاب النظرة الفوقية كتابا كانوا أو غير كتاب، ولا أرافقهم أو أجالسهم، ولا أعتبرهم أصدقاء لي، ثم هم يعرفون جيدا صيدهم من ضعاف الشخصية والدونيين. وأصحاب النظرة الفوقية ليسوا إلا أحد هؤلاء: bull;مدرك لضعف ما يكتب، وعدم أصالته فيخاف الناقد الذي يفضح سرقاته، وتضميناته، وعيوب أبنيته، وضحالة الفكرة عنده. bull;مدع لا يدرك معنى النقد الأدبي ووظيفته وأهميته في الحياة العملية والعلمية. bull;جاهل بحقيقة النقد الأدبي اليوم الذي لا يهمه الكاتب (الشخص) بل يهتم الكاتب (الشخصية، والنص والفكرة والموقف والإضافة والإبداع). bull;أو مستلب، لأن كل نظرة فوقية متعالية تنفصم عن واقعها (حقيقتها). bull;يجهل بأن المبدع الحق ناقد بالقوة، وعندما يعجز النقاد، أقول النقاد وليس النقد، عن سبر أغوار نصوصه يقوم هو بذلك. والشيء ذاته يقال عن الناقد التعالي والذي ينظر فوقيا على المبدع ويمتهنه ويوظفه للدعاية مقابل الكتابة عن أعماله، وهذا ليس في صالح الأديب والأدب في آن.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
dialogue et critique
al khansaa -
je crois que la relation qui relie l''oeuvre litteraire ou philosophique a la critique doit etre base sur un dialogue rationnel et constructif pour interesser le lecteur(genre des ecrits de ibnou rochd et ghazali)
تحيه
الازرق -
لا يروقنى ان تسخر عدتك النقدية الرصينة في اعمال تافهه وان تهمل منجز الشباب