ثقافات

الفيلسوف والمثقف وعقدة الزواج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
زواج نيتشه من سالومي مجرد مشهد فهد الشقيران من الرياض: في فيلم صدر عام 2007 عن نيتشه (When Nietzsche wept) تسوّق الأحداث لإمكانية "زواج نيتشه" من الفتاة الفنلندية اليهودية "لو سالومي" وهي الفتاة التي أحبها عباقرة عصرها، الموسيقار ريتشارد فاغنر، والشاعر ريلكه، والفيلسوف نيتشه، لكن "إمكانية زواج نيتشه" ليست أكيدة من ناحية علمية، ذلك أن كتبه تنضح بالسخرية من "التأهّل" بالنسبة للشخص المتفوق وذلك في مواضع من كتابه (هكذا تكلم زرادشت) في مقولة كررها كثيراً (لأن تميد بي الأرض خير من أربط مصيري بامرأة)،وهي الفكرة نفسها الموجودة لدى شبنهور، بل ذهب شبنهور في هجومه على المرأة بعيداً حينما كتب: (المرأة أقل من الرجل-إنها من فصيلة أخرى غير فصيلة الرجل-إن الرجل تلفت حوله فلم يجد من بين إناث الحيوانات سواها فاتخذها زوجة له-إنها مختلفة عن الرجل تماماً-إنها أنثى لحيوانٍ آخر انقرض) وهي رؤية تتنوع عن المرأة لدى الفلاسفة، فالموسيقار بيتهوفن لم يتزوج لأنه قال بصوت مرتفع: (الحرية هي ديني) ولم يتزوج أبو العلاء المعري، وبرناردشو، ونيتشه، وعمانويل كانط وكيركجارد. كيركجارد والفلسفة الوجودية والزواج:
من أشد قصص العشق لدى الفلاسفة، قصة عشق كيركجارد لقد سلبتْ (رجينا أولسن) لبّه، وضح عشقه لها حينما تقدم اشليجيل لخطبتها، أقضّ هذا النبأ مضجع كيركجارد فسارع هو إلى خطبتها لكنه سرعان ما احتقر هذه الخطبة ذلك أن محركها الحقيقي شعور "الغيرة"، حتى وصل إلى نتيجة ستؤثرفي حياته طولاً وعرضاً وهي أن الرسالة الروحية لا يمكن أن تجتمع مع حياة "التأهيل"، ذلك أن مراتب الناس عند الوجوديين ثلاث: -رجل جمال، -رجل أخلاق، -رجل دين.عند رجل الجمال: لا عبرة إلا بالمتعة، على قاعدة تمتع بيومك، أو أحب ما لن تراه مرتين، لذا فالمرأة عند رجل الجمال أداة للغزو وليست غاية للتملك، وقيمة الغزو في الغزو نفسه، حتى إذا انقضى لم يعد يعنيه مما غزاه شيء وعلى حد كتابة كيركجارد: (والمرء إذا صعد الرابية لا يرى إلا الشيء الآخر، وإذا هبط كان عليه أن يسهر على نفسه، على الصلة الدقيقة بين نقطة الارتكاز وبين مركز الجاذبية).أما رجل الأخلاق: فيرى معنى الحياة والوجود في العيش تحت لواء المسؤولية والواجب وهذا يقتضي "التكرار" ويستلزم "الذكرى". أما رجل الدين: فلايحيا بالزمان لأنه أشاح بوجهه عن هذه الدنيا وولى وجهه عنها، وقد تحدث كل تلك المدارج للرجل الواحد نفسه. أما كيركجارد فلم يتزوج من خطيبته، وبقي متألماً طول حياته، يصف عبد الرحمن بدوي هذا الانصراف والجرح بقوله: (لقد دلته هذه الخطبة إلى سبيله السوي، سبيل النبي إسحاق، سبيل التضحية والاستشهاد في سبيل الرسالة الروحية العليا، فلم يمض عام حتى ردّ إلى رجينا خاتم الخطوبة، دون أن يتقدم بين يديها بمعاذير، وهذا هو "سره الرهيب" هذه هي "الشوكة في لحمه" هذا ما سيحمله وحده صليباً عاتياً على عاتقه الهزيل وهو يسير على درب الحياة) (بتصرف من كتاب دراسات في الفلسفة الوجودية-عبد الرحمن بدوي). المفكّر العربي وفكرة الزواج:
لم يتفق عبد الرحمن بدوي مع عباس العقاد بأي فكرة سوى فكرة الهجوم الكاسح على "العائلة" وعلى مؤسسة الزواج، والعقّاد لم يعلم أنه بهذا إنما يجترح فكرة تشاؤمية بامتياز، في الفلسفة اليونانية لم يهاجم سقراط المرأة لأنه ضد "مؤسسة الزواج" وإنما لأنه كان "يحب الشبّان" أما دحض مؤسسة الزواج فهو قائم على فكرة تشاؤمية عميقة أسسها شبنهور، ومن ثم تواردت عند فلاسفة كبار. في كتابه (سيرة حياتي) يصر بدوي على صوابية عدم زواجه، لأن المرأة "عائق"، على القاعدة العربية الشهيرة (الأولاد مجْبنةٌ مبْخلة) لكن بدوي نفسه قال (لوكنت متزوجاً لتزوجت من امرأة ألمانية) هذا مع أنه هام عشقاً بفتاةٍ هولندية، وبفتاة ألمانية كانت هي جذوة الإلهام الذي سيّر كل كتاباته الباهرة. أما عباس العقاد فقد هاجم لدرجة الهوس المرأة فهو رأى أن المرأة (لها طبيعة معقدة لأنها محكومة ولأنها ضعيفة ولأنها آخر العبيد الذين لم يحررهم الرجل) ولأنها هكذا فهي تلف وتدور وتتحايل على الرجل وهي تخدع وتكذب، والذي قال إن وراء كل رجل عظيم امرأة.. هي امرأة) كما رأى أن (المرأة خائنة بطبعها، وأن المرأة والخيانة توأمان).
عن الزواج يقول عباس العقاد: (أرى العذاب في الدنيا كثيرا، وأنه ليس من الضروري أن أضيف له عذاباً جديداً وليس أقسى على الإنسان من أن يجد نفسه مرتبطاً أو مربوطاً بإنسانٍ آخر) (لا أعرف سبباً معقولاً للزواج وإن كنتُ أعرف أن الجنس غريزة، ولكن الزواج ليس غريزة، بدليل أن ملايين الناس ليسوا متزوجين، الزواج عادة) كما يرى العقاد أن المرأة لم تضف شيئاً للبشرية، فأمهر الطباخين، ومصممي الأزياء، والفلاسفة، والمخترعين، وعباقرة العلوم الذين أسسوا النظريات التي حرّكت السيارات والقطارات والطائرات وعلوم الذرات هم من الرجال، والمرأة لم تكن سوى "كومبارس" على خلفية الحياة.
استطراد:
في العالم العربي الكثير من المفكّرين لم يتزوجوا لأسباب فكرية مختلفة، من بينهم كما سبق عبد الرحمن بدوي وعباس العقاد، والكثير من تلامذتهما، كما لم يتزوج الإذاعي فكري أباظة، أما كبار المثقفين والصحافيين فقد وجد من بينهم من لم يتزوج من بينهم الكاتب والصحافي العريق عثمان العمير مؤسس إيلاف وفي لقاءٍ معه على قناة العربية رأى (أن الحياة قصيرة بالنسبة لمشروع كهذا) كما لم يتزوج الكاتب عبد الرحمن الراشد.
يبدو أن الإنسان يمرّ بالمراحل الوجودية ذاتها ، فهو في عنفوانه يظنّ أن بإمكانه تطبيق فكرة هيغل المثالية عن الزواج التي تقوم على إعمار الأرض، وتحسين مستوى البشر عبر الإنجاب، لكنه وفي مراحل لاحقة يعرف أن الزواج هو الآخر يصبح مجرد نزوة، وأنه لم ينجب سوى ما يضيف إلى الأرض مشاكل جديدة، لكن من جهة "المثقفات" والمفكرات العربيات فالزواج لا يمكن أن يمسّ وفي الحكمة الشعبية الدراجة (الزواج، هو الشيء الوحيد الذي تتفق على ضرورته كل النساء).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العامل النفسي.
محمد ايفنطرس -

أين هو العامل النفسي أستاذ الشقيران فهو اساسي ومن الاسباب المهمة.

ماكو شي
شكو ماكو -

هناك مفكرون كبار آخرون لم يتزوجوا، ففضلاً عن المثقف الكبير عبدالرجمان الراشد هناك رياض الصليخ، وزعفران النكيد، ورفيف الخديد، وآخرون غيرهم. في الحقيقة هذا أفضل مقال قرأته عن المثقف والزواج، ويبدو أننا على موعد مع ولادة فيلسوف سعودي كبير. خليك بالبيت

رايي الشخصي
نبهان بن جهلان -

نبهان بن جهلان لم يتزوج ايضا لاني من راي العقاد ان الزواج عادة و انه سيزول بعد 100 او 200 سنة و الدليل على ذلك عدد العزاب في الدول الغربية يتجاوز ال 50 بالماءة و ربما اربعين بالماءة من الولادات الجديدة تتم خارج نطاق الزواج اما في الدول المتزمتة مثل دولنا العربية و المهوسة جنسيا حيث عد الزواج احدى الوسائل القليلة للوصول الى الجنس فمازال في ازدياد و اضطراد

الحقيقة
K -

حسنا، العقاد يرى بأن المرأة لم تضف شيئا للبشرية-وهو يقول بنفسه بانها كانت محكومة ومن عبيد الرجل، فكيف يريدها ان تخرج وتتحرر وتدرس وتعمل الخ، كأنه لايعرف ان عملها كان -وربما مازال عند البعض- الطبخ والانجاب فقط. وهناك نقطة مهمة،ان امهر مجرم واشهر دكتاتور واكثر من ارتكب مجازر وخاض حروب كان من الرجال! وبالنسبة للزواج، فالمرأة تراه ضرورة ليس حبا به فمثلا انا فتاة ولااحبه لكنه مهم لانه يجمعك بمن تحب وليس هناك اي بديل ممكن ان يفعل ذلك.

مقالة ممتعة ولكن
من سورية -

من قال ان الكاتبات العربيات جميعهن يتفقن على ضرورة الزواج ؟ ان المبدعة الكبيرة مي زياده ، مثلا ، لم تتزوج . كما ان الكثير من الشاعرات والاديبات ، وخصوصا الكلاسيكيات ، اجبرن على الزواج من قبل اسرهن . ولكن المقالة عموما ممتعة ، وااشكر للكاتب وثقافات

غريب جدا
عبد السلام -

اسم الفيلم الذي يتحدث عنه الكاتب هو When Nietzsche Wept وليس Nietzsche Wept وهو في الأصل كتاب يحمل العنوان نفسه للكاتب Irvin David Yalom. والغريب أن الكاتب يزعم أن أحداث الفيلم تتساوق لإمكانية زواج نيتشه على الرغم من أن أحداث هذا الفيلم لا تقود إلى ذلك على الإطلاق. ويبدو أن الكاتب سمع عن الفيلم ولم يشاهده أو أن ضعف إنكليزيته وعدم ترجمة الفيلم إلى العربية هي التي قادته إلى هذه النتيجة. والغريب أكثر أنه على الرغم من أن أحداث الفيلم وكذلك الكتاب الذي سار الفيلم على هديه لا صلة لها مطلقا - كما هو معروف لكل المعنيين بالموضوع- بالأحداث الحقيقية لحياة نيتشه، فكلاهما خيال " fictions" //////////من المحرر: نعم هناك فيلم اسمه عندما بكى نيتشهاليك رابط يعطيك معلومات كاملة عن الفيلم:http://www.imdb.com/title/tt0760188/بينما لايوجد اي فيلم عنوانه: Irvin David ... لاتتعجل في اعطاء حكم

من اين اتى
الحر -

انا اسأل من يعارض فكرة الزواج هومن اين اتى لان العلم اثبت ان الجنين لا يتكون في الرحم الا بواسطة ماء الرجل

مهم
عبد الله المحمود -

أشكر الصديق فهد وهو كتب مقالة من أعمق المقالات وأهمها ولا عجب فهو كاتب صاعد بقوة وله مستقبل فكري وفلسفي عظيم أتمنى لك التوفيق والاستمرار ولا تلتفت إلى السفهاء الذين تقرأ الآن بعض ردودهم فلعمري أ ن عصراً تكون أنت فيه لست من ضمن اساتذة الفلسفة في جامعاتنا لزمان سوء .... كن بخير

la constitution
al khansaa -

le mariage est constitution sociale et religieuse bas non seulement sur le sexuel mais aussi sur le devoir et la responsabilit. mutuellede la femme et de l''homme.et je crois que parmi les raisons qui ont pous certain penseurs a refuser l''id du mariage,est l''incapacit des''integrer dans le monde reel puisqu''ils ont trouv;s une joie extreme dans le monde de la pens;.leurs opinion sur la femme ,donc,ne se base pas sur la femme telle qu''elle est mais sur une femme imaginaire:ils n''ont jamais connu une vvrai femme.c''est bien dommage car l''histoire de l''humanit aurait pris une autre tournure ,brillante et humaine.

روابط للفيلم
أحمد الناصر -

الفيلم كما ذكر الكاتب جميل وفعلا الأحداث توثق أن نيتشه كان يهم بزواج سالومي صحيح أنه لم يتزوجها ولكنه أظر نيتشه وكأنه يريد الزواج منها والفيلم موجود بأكمله على يوتيوب على هذا الروابط والروابط المجاورة له على اليمين http://www.youtube.com/watch?v=22L7vhqZalM

إلى الأستاذ المحرر
عبد السلام -

عزيزي لقد قلت في تعليقي السابق أن الكاتبIrvin David Yalom هو من كتب الكتاب الذي استمد منه فيلم When Nietzsche Wept وهو الفيلم الذي تخيل كاتب المقال أن اسمه Nietzsche Wept وقد استعجلت أنت عندما قرأت تعليقي بسرعة ووقعت بسوء الفهم بتخيلك أنني ذكرت أن Irvin David Yalom مع أن تعليقي كان واضحا. مع الود.

La Femme n''est qu''un
Rachid -

La Femme n''est qu''une illustration imaginaire, sa realite est oculte c''est un monde ferme que personne ne peut franchise surtout s''il est un homme. si pour cela que ceux qui "pensent" sachent que la vrai femme n''existe pas. en plus on peut pas aimer deuux "etre" contradictoire: la femme et la philosophie :)

الإكليشيهات الجاهزة
mohammed hanna -

يبدو لي أن المقال شأنه شأن جملة من الردود يظل خاضعا لقبضة التصور التقليدي عن علاقة المبدع بالمرأة. وهو التصور الذي دأب على مقاربة هذه الفكرة انطلاقا من اكليشيهات جاهزة وأمثلة محددة صارت مثل الأصنام، فكلما أراد أحدهم الحديث عن علاقة المبدع بالمرأة إلا واستحضر نماذج نيتشه وشبنهاور وكييركيغارد و......... وبرأيي أن مشكلة مقاربة هذا الموضوع تظل كامنة دوما في اختيار النماذج المدروسة فليس نيتشه و كانط النموذجين الوحيدين، لماذا لا نستحضر مثلا علاقة سارتر بسيمون دوبوفوار التي عاشرته وقارعته مقارعة الند لنده؟ ولما لا علاقة الفزيائي الفرنسي لافوازييه الذي لم يكن يفقه حرفا في الإنجليزية أو الألمانية فأخذت زوجته على عاتقها ترجمة آخر الأعمال الفزيائية الألمانية والإنجليزية حتى يظل الفزيثائي على اطلاع بآخر ما يروج في ساحة العلم، ولنا هنا أن نتساءل ما قيمة لافوازييه دون مدام لافوازييه؟ وماذا عن غابرييل غارسيا ماركيز الذي شهد بأنه انعكف على كتابة رائعته "مائة عام من العزلة" تاركا لزوجته أمر تدبيير كل ما يخص معيشهم، قائلا:<<لا توقظيني من سباتي إلا حين لا يعود شيء يمكن بيعه من أثاث البيت؟ أما عن بيتهوفن الذي يحلو للكثيرين الاستشهاد بعزوبيته، من بوسعه الاختلاف في أن أرق وأجمل ما دونت أنامله هي السوناتة المستوحاة من إيليس (امرأة) والتي تحمل اسم إلى إيليس؟ ليست المرأة بالضرورة عدوة للإبداع لكن الفكر الذي يقارب موضوعاته دوما انطلاقا من نماذج واكليشيهات محددة سلفا هو عدو الإبداع والمرأة والفكر السليم بل وعدو نفسه...

كروبسكايا
غريب -

وهل نيسيتم صاحب مؤلف" رأس المال "وقائد ثورة أكتوبر.