ثقافات

قصيدة النثر : سماتها الخارجية والداخلية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مارغوريت س. مورفي
ترجمة : خالدة حامد

مقالان تم نشرهما في إيلاف بين اغسطس وسبتمبر 2004... نعيد نشرهما بعد ان وجدنا ان بعض المواقعاعادت نشرهما من دون ذكر المصدر إيلاف.. تحذير جديد: حقوق الطبع سارية واي خرق لها يسبب مشكلة قانونية... ذلك ان المقالين قد اختارهما مسؤول قسم ثقافات وطلب من السيدة خالدة حامد ان تترجمهما لقاء مكافأة.

قصيدة النثر: سماتها الخارجية والداخلية

السمات الخارجية :
مع ان التركيز على المؤشرات شبه النصّية قد يبدو طريقة ساذجة للتعرف على قصيدة النثر (إذ تشير قصيدة النثر إلى نفسها بذاتها)، لا يخلو هذا التمييز من دلالة بالنسبة لهذا الجنس الأدبي " المبتدع " حديثاً نسبياً، والذي يشبه بسهولة شديدة أنواع النثر الأخرى، أو الذي [الجنس] مراراً ما يتم خلطه مع مقتطفات من أشكال خطاب أخرى. فالكثير من قصائد النثر قد يشبه الحكايات أو الأمثال الرمزية أو التوصيفات الرمزية القصيرة أو غيرها من الشذرات النثرية، في حين انقاد النقاد والانطلوجيين إلى إغراء " اكتشاف " قصائد النثر المتضّمنة في أعمال أخرى طويلة (1). فالعنوان الذي يمنحه بودلير لمجموعته، " قصائد نثر صغيرة "، له دلالته في تأسيس الجنس الأدبي؛ إذ توحي إحالته إلى [ ألويزيوس برتران ] بتراث سالف، وبذا فهو حديث التولد (2). الإيجاز الذي تتسم به قصيدة النثر قد ميز هذا الجنس، منذ نشأته، عن النثر الشعري على النحو الذي أبدى فيه نقد والتر باتر الانطباعي إعجابه بأعمال شاتوبريان، مثلاً، أو ما جاء بعده في إنكلترا، كما أسهم في تثبيت شكل مادي لهذا الجنس. ويُفترَض أن يكون لقصيدة النثر مظهراً شبيهاً بالكتلة، تملأ الصفحة اكثر مما تفعله قصيدة النظم، لكنها تبدو مع ذلك شذرة من خطاب لا يتعدى طولها الصفحة أو الصفيحتين، غالباً. قد ينبع هذا الجانب " الشذراتي " أيضاً من التوتر الجوهري لقصيدة النثر؛ أي الإيحاء بالأجناس النثرية التقليدية وهدمها. ويخلق هذا التوتر مآزق نصية؛ إذ لا يصل النص إلى كمال الجنس [ الأدبي ] مطلقاً ما دام جنسه نفسه منقسماً على ذاته. ومع ذلك، يبدو ان مظهره الشبيه بالكتلة يوحي ببعض الكلية في نفسه. وقد شجع هذا الأمر مقارنتها بالرسم، كما لو أن قصيدة النثر " كانفاس " canvas عليه موضوع " جمالي " تؤطره الهوامش البيضاء للصفحة.
ومن الواضح أن ثمة إمكانية مشروطة تاريخياً وراء أي قرار لكتابة قطع نثرية قصيرة تصنّف بأنها قصائد نثر بسبب عنوانها أو عنوانها الفرعي أو اية مؤشرات ضمنية أخرى. ويبدأ هذا التاريخ، ظاهرياً، مع الرغبة بدحر قيود الأجناس الشعرية التقليدية. وتركز برنار على أصوله الفوضوية وطابعه المتمخض عنها :
مالت كل المحاولات في الشعر الفرنسي، منذ الرومانسية، إلى كسر نير المواضعات والوصايا التي خنقت روح الشعر : القافية، الأوزان، قواعد النظم الكلاسيكي كلها، قواعد الأسلوب " الشعري " أو النبيل، بل الأحدث من ذلك، قواعد النحو والمنطق الاعتيادي. وعلى غرار النظم الرومانسي، وما أعقبه من نظم حر للرمزيين، فقد ولدت قصيدة النثر من التمرد على أشكال الاستبداد كلها التي منعت الشاعر من خلق لغة فردية، وأجبرته على صب مادة عباراته اللدِنة في قوالب جاهزة.
إلا أن قصيدة النثر رفضت تماماً القوانين العروضية والوزنية؛ منعت نفسها، بكل صرامة، من أي تقنين. إلا إن ما يفسر تعدد أشكالها والصعوبة التي يواجهها من يحاول تعريفها هو إرادتها الفوضوية، التي تكمن في نشأتها " (3).

لاشك في أن قصيدة النثر تبدو رافضة للتقنين تماماً، وقد احتفظت لنفسها بمكانة مهمة في ثورة الشعر العامة التي بدأت في فرنسا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. لكن القول بأن إيماءتها الثورية، واصلها كجنس أدبي، ولد ثائراً على الجنس الأدبي وتمخض عنه تعدد فوضوي في أشكالها أو انصهاراً في الأجناس الأدبية، كما يوحي بذلك اسمها، لهو قول مضلل لعملية فحص تشكلاتها. فهل أن أصل قصيدة النثر مختلف بالمرة عن أصل الأجناس الأخرى، وفوضوي إلى الحد الذي تستعير فيه القليل من الأجناس التي سبقتها، أو لا تستعير شيئاً بالمرة ؟ توحي تاريخانية الجنس الأدبي بأن قصيدة النثر لم تأتي من فراغ، بل ارتكزت على أشكال أخرى، على الأقل من أجل تدميرها أو تحويلها. ومثلما بين تزيفتان تودوروف في " أجناس في الخطاب " : " من أين يأتي الجنس الأدبي ؟ ببساطة متناهية : من أجناس أخرى؛ فالجنس الجديد هو تحويل جنس سابق، أو بضعة أجناس، دائماً : بقلبه، بإزاحته، بالارتباط به "(4). ولهذا لا تختلف قصيدة النثر عن الأجناس الأخرى في هذا الصدد، هذا إذا تصورناها مرتكزة على تقاليد النثر التي أربكتها هي لاحقاً.

السمات الداخلية :
ما وراء المؤشرات الواضحة لهذا الجنس من حيث العنوان والمظهر على الصفحة، يتوقع القارئ في قصيدة النثر خطاباً مختلفاً عما يجده في أنواع النثر الأخرى. فعلى سبيل المثال، قلّما يمكن أن ننظر إلى المقتطفات المأخوذة من تاريخ باترسون، نيوجرسي، التي ضمّنها ويليام كارولز ويليام في قصيدته الطويلة، وعنوانها " باترسون "، بأنها قصائد نثر، في حين تحقق قصيدة " ارتجالات " توقعات القارئ عن قصيدة النثر أفضل مع إنها لا تندرج في خانة هذه التسمية. يشكل هذان النموذجان من النثر أنواع مختلفة من الخطاب؛ أحدهما تاريخي يسهل فهمه، أي إنه " قرائي "، بحسب تراث السرد التاريخي، والآخر مُميز لقلم الكاتب نفسه ومُبهم. يوحي هذا الاختلاف على وجه التخصيص بإحالية أكبر أو أقل، وباختلاف في نوع " الحقيقة " المحال إليها. (لاشك في أن إدخال الخطاب التاريخي في النص الشعري يضّيق على الأخير ويضع إحاليته التقليدية موضع شك، مثل اعتماده على " الوقائع " بوصفها أساس " الحقيقة "). ومثلما تشير بربارة جونسون في " مدخل " لعملها " Deacute;figurations du langage poeacute;tique " عن قصيدة النثر :
ببساطة أقول إن الحد الذي كان يفصل النثر عن الشعر، سابقاً، قد انتقل إلى مكان آخر، والإزاحة الحالية لخط المتاخَمة هذا من محور "النثر/الشعر" إلى محور "اللغة الاعتيادية/اللغة الشعرية" لم يفعل شيئاً لتشتيت كثافة القضايا التي تم تخطيها بهذا الصدد. فإن كان التاريخ الأدبي يبني نفسه على قمع التجديد الذي يربكه، فان هذا الإرباك لا يعمل، في الواقع، سوى على إزاحة نفسه، ليعُاود الظهور في مكان آخر حتماً " (5).
قصيدة النثر تقوض القطبية الأساسية بين الشعر والنثر، لكن يبقى التساؤل قائماً داخل هذا الجنس عن ما يجعل نصاً ما " شعرياً " أو" أدبيا " حقاً.
يركز أحد المسارات الواضحة في تقصي الشعرية في النثر على التأثيرات الصوتية؛ إذ يعرّف رومان ياكوبسون " الوظيفة الشعرية للغة " بأنها " التوجه نحو الرسالة بذاتها؛ أي التركيز على الرسالة لغرضها فقط " مما " يؤدي، من خلال ملموسية العلاقات، إلى تعميق الفصل الجوهري بين العلامات والموضوعات " (6).
ومع ان وظيفة الفن التعبيري هذه تتبدى بوضوح في الكثير من قصائد النثر، فهل هي القاعدة التعريفية لهذا الجنس وهل نستطيع ان نعد وجودها مقياساً للقيمة الشعرية لأية قصيدة نثر ؟ يمكن لنا التغاضي عن خط التقصي هذا لصالح قصيدة النثر ولأسباب عدة، أولها قد يظهر النثر شديد الإيقاعية أو الجناسية بسهولة في أنواع أخرى من النثر مثل خطابة القرن السابع عشر أو النثر الشعري للقرن الثامن عشر أو الرواية الغنائية للقرن العشرين. لا شيء يمنع لغة مشحونة صوتياً من الظهور بأشكال الخطاب كلها، الأدبية ومنها وغير الأدبية، مثلما أشار ياكوبسون نفسه (7)، وبالتالي، قلّما يمكن اعتبارها سمة ممّيزة لقصيدة النثر. وفضلاً عن ذلك، عند الإساءة للمؤثرات الصوتية عبر المبالغة بالإيقاع أو الجناس تكون النتيجة مضحكة غالباً أو متوسطة الجودة؛ أشبه ما تكون بإنتاج الشعر الهزلي [مُحطَّم الوزن عادة] عبر المبالغة بالوزن والقافية النظمية. والتاريخ الأدبي شاهد، قطعاً، على هذه الظاهرة : فعلى سبيل المثال، عندما حاولت قصيدة النثر البرناسية Parnassian [ مدرسة شعرية فرنسية في النصف الثاني من القرن 19 ارتكز أتباعها على الشكل الشعري أكثر مما على العاطفة ] أن تنافس النَظْم، تمكنت من استعمال الدوبليت والتكرار لخلق إيقاع قوي وعمارة متينة. وكانت النتيجة، بحسب ما ذكرته سوزان برنار، شيئاً من حِلية معمارية ليس إلا، قطعة صغيرة في ماكنة ساعة hellip; تسلية إيقاعية " (8). وبدلاً من ذلك، تكمن أخصب مصادر قصيدة النثر في اللعبة التي يقدمها النثر بوصفه نثراً، لا في النثر المشوّه من أجل محاكاة صفات النَظْم الموسيقية؛ فقصائد النثر الجد مهذبة أسلوبيا توحي بأن لغة النَظْم متفوقة على لغة النثر، وبذا فهي تقلد النَظْم برداءة، حاملة دمغة ركاكتها الشكلية. وبحسب ما يراه باختين، فان لغة الشعر تكاملية بتكلف أصلاً؛ تشوه طابع اللغة اللامتجانس المفردات. ان قصيدة النثر، أي الجنس "الروائي النمط"، تكون الأكثر ثراءً عند استثمار مثل هذه الخاصية اللسانية للاتجانس المفردات، بدلاً من تضييقها. والحق إن نطاق الأساليب النثرية الموجود في قصائد النثر هو بسعة ما نجده في النثر عموماً ما دامت قصيدة النثر تغتصب أو تحاكي الأنواع النثرية الأخرى كي تولد تأثيراتها الخاصة. وبذا فقد تعمد قصيدة النثر إلى توظيف القافية المتصاعدة أو التكرار أو الجناس أو القرار، لكن قلّما تكون مثل هذه الصفات أمراً ضرورياً لهذا الجنس ما دامت البنية المؤلفة من أربعة عشر بيتاً وقافية معينة هي خاصة بالسونيتة.

الهوامش
1ـ كمثال على ذلك ادعاء روجر شاتوك بان المقاطع الافتتاحية في "عن اللون"
" تمثل أول قصيدة نثر له. ويتضح أن القصد الضمني من النقد الفني هو التأكيد انها ليست قصيدة نثر. ينظر :
"Vibratory Organism: crise de prose" in Caws and H. Riffaterre, The Prose Poem in France21-35(2) Petits poeacute;mes en prose ،، هذا العنوان اختاره المحرران Theacute;odore de Banville و Charles Asselineau، للمجلد الذي صدر بعد والذي يضم وفاته قصائد نثر بودلير، وتم نشره كجزء من طبعة Michel Leacute;vy لأعماله الكاملة. ومثلما ذكرت سابقاً فقد تردد بودلير بين عناوين مختلفة بما فيها العنوان الذي استعمله المحرران، ولم يحسم أمره بشأنها قبل وفاته عام 1867، مع ان مراسلاته اللاحقة بدت تظهر نوعاً من التفصيل لثيمة " سوداوية باريس ". ومع ذلك، فان أول النصوص المنشورة ظهرت عام 1861 في Revue fantaisiste بصفة قصائد نثر. أما العناوين الأخرى التي تأمل فيها بودلير فتتضمن " قصائد ليلية"، و" المتنزه المنفرد بنفسه" و " الإيماضة والدخان ". ينظر :
Henri Lemaitre's introduction, Petits poegrave;mes en prose (Le Spleen de Paris) ( Paris: Garnier, 1962) i-xvii.
(3)Bernard, Le Poegrave;me en prose 11.
(4)Todorov, Genres 15.
(5) Barbara Johnson, Deacute;figurations du langage poeacute;tique ( Paris: Flammarion, 1979)
(6)Roman Jakobson, "Closing Statement: Linguistics and Poetics", Style in Language, ed. Thomas A. Sebeok ( Cambridge, Mass.: MIT Press, 1960) 356.
(7) إن أية محاولة لتحويل نطاق الوظيفة الشعرية إلى الشعر، أو قصر الشعر على الوظيفة الشعرية ستُعد تتفيهاً مُضلِلاً. فالوظيفة الشعرية ليست الوظيفة الوحيدة للفن التعبيري، بل هي وظيفته المهيمنة والحتمية فقط، في حين نجدها تتصرف في الأنشطة التعبيرية كلها بصفة عامل ثانوي، مساعد ". ينظر :
Jakobson, "Closing Statement", 356.
(8) Bernard, Le Poegrave;me en prose, 342.

****

إليوت وقصيدة النثر: هستيريا عند تخوم النثر

حينما نتناول إليوت وحالة الشعر الأنغلو - أمريكي بعد الشعر الرمزي، نكتشف أنه كان يبدي ازدواجية ما إزاء هذا الشكل مع مرور الوقت. وقد أتاحت له دراسته أن يكتشف الرمزية الفرنسية عام 1908. كما تبدى في شعره، شاباً، تأثير لافروك من بين آخرين. ولهذا نقول أن رهاب الفرنسيين لا يمت لإليوت بأية صلة. وعلى الرغم من رد فعله القوي عام 1917على هذا الجنس الأدبي بوصفه فضلة الشعر الرمزي وهُجنة من الأجناس الأدبية، نجد إن إليوت نفسه مارس التجريب بهذا الشكل؛ إذ ألف أربع قصائد نثر تقريباً ونشر إحداها ـ "هستيريا" ـ لتظهر عام 1915 في الأنطلوجيا الكاثوليكية لعزرا باوند، أي قبل سنتين من استهجان إليوت لهذا الجنس في مقال له بعنوان "تخوم النثر" (1). وبعد مرور ثلاث سنوات على مقاله الأول، نشر مقال ثاني عنوانه "النثر والنَظْم" اتخذ فيها موقفاً يتسم بتسامح اكبر إزاء التجارب التي تنتهك التخوم التقليدية للجنس الأدبي، لكنه واصل، مع ذلك، رفضه لمصطلح شعر النثر (2). ولم يؤلف مرة أخرى أية قصيدة بهذا الشكل مطلقاً مع انه ترجم لاحقاً قصيدة نثر سان جون بيرس الطويلة، "اناباز"، إلى الإنكليزية. لاشك في أن إليوت كان متأثراً جداً ببودلير، كما كتب قصائد في الفرنسية في الوقت نفسه تقريباً الذي ألف فيه قصائده المنثورة. ولعلنا نفترض، بسبب ذلك، إن قصيدة النثر أتاحت لإليوت مساراً للتجريب في الوقت الذي كان يتفحص فيه التراث الفرنسي بحثاً عن التجديد.
ومع ان إليوت لم يكتب قصائد نثر تركز على الحياة في المدينة الحديثة تحديداً، على غرار قصيدة بودلير " كآبة باريس " Spleen de Paris، لم يحاول تجريب الصهر الحديث للهلوسة أو الهوس بالمشاهد الملحوظة والمعتادة. كما تُظهر قصائد النثر الإليوتية محاولة لتحديث الشكل لغرض استعماله كأداة لوعي القرن العشرين. لكن جدل إليوت ضد الشكل لا ينفي الإنجاز الذي حققته أعمال فرنسية كبرى مثل "إشراقات رامبو" Rimbaud Illuminations، ويعكس، بدلاً من ذلك، النقد المبكر لإليوت بوصفه ناقداً، والذي يتجلى هنا في رفضه الاعتراف بشكل مغاير؛ الدرس الذي تعمله من بابت. باختصار، قدمت قصيدة النثر لإليوت خياراً خلال مرحلة تجريب أشكال وأساليب شعرية مختلفة. ومع ذلك كان عمر التجربة قصيراً بالنسبة للشاعر الشاب وتحول إليوت، الناقد، نحو التراث.
وبدلا من ان ننظر إلى هجوم إليوت النقدي على قصيدة النثر بوصفه انقلاباً تاماً على موقفه، بإمكاننا ان نبحث في مقاله عن ما حاول إليوت القيام به في قصائده النثرية المبكرة؛ إذ يبدأ في " تخوم النثر "، مثلاً، بالسخرية من حماقات الشعر الرمزي، بما فيها قصيدة النثر. ثم يستمر ملاحظاً " تفشي القصيدة نثراً، لا في فرنسا فحسب، بل في إنكلترا. لا في إنكلترا فحسب بل في أمريكاً ". إليوت لا يبدي رد فعله هنا على تكلف قصيدة النثر نهايات القرن (التاسع عشر)، بل على ما يراه بعثاً لبدعة معاصرة. ثم يواصل ثناءه على " إشراقات ريمبو " بوصفها " قطعاً نثرية قصيرة مُقنِعة على نحو مذهل ". ثم يركز إليوت على الموضوع المعين في هجومه، أي قصائد نثر ريتشارد آلدنغتون التي لا تعد " نثراً محضاً " مثل " إشراقات ريمبو "، بل " تبدو متأرجحة بين وسيلتين ". ولعله، مثل بابت، كان سيتوصل إلى " الفرق الحاد ". ويستنتج ان" كلا من الشعر والنثر ما زالا يخفيان إمكانات غير مكتشفة بعد، وأن كل ما يكتبه المرء سيتخذ هذا الشكل أو ذاك بالتأكيد بحكم الضرورة الداخلية ". لكن في الوقت الذي يجمع فيه إليوت قصيدة النثر بأعمال أخرى لشعراء رمزيين في العمل المخزي الذي قدمه بابت، مثل موسيقى البرنامج وسمفونيتيّ تيوفيل غوتييه وجيمس ماكنيل ويستلر، فإنه يتحاشى نغمة السخرية الأخلاقية التي تجدها عند بابت، ويلاحظ، ببساطة أو بذكاء، أن "الشعر الذي يشبه النثر، والنثر الذي يبدو مثل الشعر ينطويان، بلا شك، على درجة من الخزي والنجاح" (3). ترتكز حجته، عموماً، على التعليق الشكلي أو التقني، لا على التبعات "الأخلاقية" التي تتخطى حدود الجنس الأدبي، مع أن البعد الأخلاقي قد يكون نصاً فرعياً مكبوتاً لتعليقاته (4). وبينما كان شجب خطايا القرن التاسع عشر "القرمزية" يعد "قلقاً أمومياً" عام 1917، كان إليوت يهدف، بسعادة، إلى جعل "الدجل" هدفاً ثميناً للسخرية.
بعد هذا الهجوم الأولي على قصيدة النثر عام 1917، رقق إليوت، مع مرور الأيام، شجبه للجنس الأدبي وركز قدحه عام 1921 في مقالة "النثر والنَظْم" على مصطلح شعر النثر: "اعترض على مصطلح (الشعر المنثور) لأنه يوحي، كما يبدو، بوجود فرق حاد بين (الشعر) و(النثر) لا أقصده البتة. وإن لم يوحِ المصطلح بهذا الفرق، فإنه يصبح بلا معنى عندئذ وعقيماً طالما كان من غير الممكن وجود رابط لما هو غير قابل للتمييز". يظل إليوت منشغلاً بـ"الفرق الحاد"، مثلما كان يفعل بابت، لكنه يرغب بالاعتراف "بمصطلح جديد للجنس الأدبي: "إذا اعترفنا بالقصيدة الطويلة، يتوجب علينا، قطعاً، ان نعترف بـ"قصيدة النثر القصيرة" (5). يتحاشى هذا الاستنتاج السؤال ما إذا كان من الضروري عدّ هذا الجنس "شعرياً" أم لا، ويتهرب من الموضوع بدلاً من ذلك. وبحلول عام 1930، وفي توطئة ترجمته لقصيدة " اناباز "، يضل إليوت حتى عن توكيداته السابقة حينما يضع قصيدة بيرس المنثورة في معسكر " الشعر": "أشير إلى هذه القصيدة بوصفها قصيدة. لعله سيكون ملائماً لو كان الشعر نَظْماً دائماً ـ إما منبّراً أو جناسياً أو كمياً، لكن هذا ليس صحيحاً؛ فقد يقع الشعر ـ ضمن حد فاصل عند الجانبين ـ على أية نقطة على طول الخط الذي يكون (النَظْم ) و(النثر) حدّاه الشكليان. ومن دون تقديم أية نظرية معممة عن (الشعر) و(النَظْم) و (النثر)، فإني أقول بأن الكاتب عندما يعمد إلى استعمال مناهج شعرية معينة، مثلما فعل السيد بيرس، يكون قادراً أحياناً على كتابة الشعر بما يسمى نثراً. وبمقدور كاتب آخر، من خلال قيامه بعكس هذه العملية، أن يكتب نثراً عظيماً بالشعر" (6).
وبالنسبة لشاعر وناقد ملم بالأدب الفرنسي مثل إليوت، تبدو لامبالاته المستمرة بجنس أدبي سريع الانتشار ـ تضمن عام 1930 أعمالاً قدمها ماكس جاكوب، اندريه بريتون، بول ايلوار وغيرهم إلى جانب بيرس ـ أمراً لافتاً.
فهل كان إليوت ـ الناقد " الكلاسيكي " هارفاردي التعليم ـ في صراع مع إليوت الشاعر فرنسيّ الإلهام، ببساطة؟ وهل انهزمت قصيدة النثر في المعركة؟ إن قصيدة النثر الوحيدة المنشورة لإليوت، " هستيريا "، تعطينا بعض الأفكار عن ما سعى له إليوت بشأن الشكل وأسباب ابتعاده السريع عنه. لاحظنا آنفا إعجابه المبكر بإشراقات ريبمو، ولاسيّما للكيفية التي " تحقق بها [هذه القصائد] تأثيرها من خلال الانطباع الفوري والبسيط، أي الاتحاد الأكثر إقناعاً بسبب تنافر الصور الملحوظ " (7). وقصيدة إليوت المنثورة نفسها تستعمل اصطلاحاً حديثاً وتسعى وراء " الانطباع الفوري والبسيط، المؤلّف من صور مدهشة مجفلة، " متنافرة ". لاشك في أن لغة إليوت في " هستيريا " ليست مُربِكة مثل [لغة] إشراقات ريبمو، كما ان صوره ليست متنافرة جداً لكنها تتحاشى، جذلة، النغمة القديمة التي ترددها قصائد نثر داوسون أو وايلد أو، لاحقاً، آلدنغنون:

حينما ضحكتْ أدركتُ أني صرتُ متورطاً في ضحكتها وجزءاً منها، إلى أن صارت أسنانها محض طالعٍ عارض له موهبة المارش العسكري. انجررتُ إلى الداخل إثر شهقات قصيرة، مستنشقاً عند كل استعادة مؤقتة، حتى ضعتُ أخيراً في كهوف بلعومها المعتمة، منجرحاً بتمويجة رخويات عضلية لا تُرى. نادل كبير السن بيدين مرتعشتين كان يفرش على عجل مفرشاً بالأبيض والوردي فوق المائدة الخضراء الحديدية الصدئة، قائلاً: "إنْ يفضل السيد والسيدة أن يشربا شايهما في الحديقة، إنْ يفضل السيد والسيدة أن يشربا شايهما في الحديقة..." قررتُ فيما إذا ارتعاش نهديها يتوقف، عندها يكون من الممكن جمع شيء من شظايا بعد الظهيرة، وقد صببت انتباهي بدقة مرهفة على هذه الغاية (ترجم القصيدة عبدالقادر الجنابي) 8.

إن هذا السرد الموجز يخص أزمة لحظة واحدة، زمناً موسّعاً بسبب عواطف متأججة و" مرض " سايكولوجي حديث. المثير أن قصائد النثر الإليوتية الأخرى، التي ظلت مخطوطة، تنطوي على إحساس مماثل بوجود أزمة سايكولوجية. وفيما عدا قصيدته " استبطان " ـ التي هي اليغوريا بالدرجة الأساس ـ فإنها تمثل سروداً داخلية تتوسع للحظات قليلة من الزمن عن طريق تضخيم الأحاسيس والإدراكات الحسية إلى نسب هائلة لتتمخض هلوسة وصدمة عند الراوي (9).
ما الذي يحدث بالضبط في "هستيريا"؟ جملها الأربع تروي كل واحدة منها مرحلة مختلفة في التجربة الهستيرية لبضع لحظات من الزمن. أما الصوت المفرد ـ الراوي المضطرب ـ فهو شخصية سلبية تحاصره ضحكة رفيقته العدوانية، أي العارض الهستيري. ومع ذلك، لا يعرف القارئ ما إذا كانت المرأة نفسها هستيرية حقاً أم لا نظراً لعدم وجود وجهة نظر موضوعية (10). وبدلا من ذلك، تثير ضحكتها "الهستيرية "، كما يبدو، نوبة هستيرية في مُحاوِرها كما لو أن المرض معدٍ. وقد جرى العرف على عدّ الهستيريا مرضاً نسائياً ناتجاً عن اختلاطات في الرحم، ولهذا يقدم إليوت انعطافة لا معتادة وأخّاذة، في الوقت نفسه، لأثر المرض في الرجل. لكن الدينامية بين المرأة والرجل تصور أيضاً انغمار الذات في الآخر؛ إذ يتصور الراوي غمرها له (11): " انجررتُ إلى الداخل إثر شهقات قصيرة، مستنشقاً عند كل استعادة مؤقتة، حتى ضعتُ أخيراً في كهوف بلعومها المعتمة، منجرحاً بتمويجة رخويات عضلية لا تُرى ". غنائية " أنا " لا تعد راوياً غير موثوق، بل راوياً تهدده امرأة يراقبها هو؛ إذ أن هستيريتها الجنسية، " اهتزاز نهديها "، يُشظي التجربة، " ما بعد الظهيرة "، بالنسبة له.
تتأوج الجملة الأولى من القصيدة ـ التي تروي العملية التي من خلالها يضيع الراوي نفسه في ضحكتها ـ في صورة " أسنانها " بوصفها " محض طالع عارض له موهبة المارش العسكري ". إنه يشعر بهجوم " شُهبها" التي تتصرف كما لو إنها جنود تتدرب؛ إنها هي العدو. ثمة تورية على كلمة "أسنان" بوصفها " طالع "، في حين توحي الصورة نفسها بالقَـدَر، إذا علمنا شكل " الطالع ". وذكرت ايلين شولتر في كتابها عن الهستيريا، وعنوانه "المرض الأنثوي: النساء والجنون والثقافة الإنكليزية 1830 ـ 1980"، أن أول تفشٍ واسع النطاق للأعراض الهستيرية بين الرجال حدث خلال الحرب العالمية الأولى، وأشير له على نطاق شائع بتسمية " صدمة القذائف " [وهو اضطراب عصبي أو عقلي يتميز بفقدان الذاكرة أو الكلام أو البصر ويظهر عند بعض الجنود الذين يخوضون غمار حرب حديثاً ]. وقد فسرت شولتر الجذور الاجتماعية والسايكولوجية لهذه الهستيريا الذكورية على النحو الآتي:
لاشك في أن عدداً من أشهر حالات صدمة القذائف ـ ويلفريد اوين، سيغفريد ساسون، ايفور غورني، بيفرلي نيكولز، وهذه مجموعة قليلة من بين كثيرين ـ كانوا شاذين جنسيا. وبالنسبة لمعظمهم فإن الكرب المتأتي عن صدمة القذائف ينطوي على حصارات نفسية اكثر عمومية، بل أشد، تخص الرجولة، ومخاوف التصرف بتخنث، بل حتى رفض الاستمرار بخدعة السلوك الذكوري الرزين. فإن كان جوهر الرجولة هو ان لا تشتكي، كانت صدمة القذائف عندئذ لغة جسد الشكوى الرجولية؛ احتجاجاً ذكورياً متخفياً لا على الحرب فحسب، بل على مفهوم " الرجولة " نفسه (12).
في قصيدة النثر الإليوتية هذه نجد أن الراوي صيرّته هستيرياً بقوة، أي لا ذكورياً، امرأة متسلحة بأسنانها مثل وحش شديد الضراوة؛ إنها مصدر مخاوفه عن الذكورة. إنها صورة لشهوة جنسية عارمة وغامرة؛ صورة لـفَرْج بأسنان موحياً بحرب مفروضة حديثاً. ولم يؤلف إليوت قصيدته بعد فترة طويلة من زواجه من فيفيان هي وود الذي سرعان ما تبدت تعاسته؛ أي الفشل الذي غالباً ما تلام عليه اضطرابات فيفيان العصبية. لن أتبنى هنا مقاربة سايكوبايولوجية (13)، لكني سأركز على حقيقة ان إليوت اختار هذا الشكل الملغز أخلاقياً ـ إذا ما أردنا تصديق بابت ـ لتصوير لحظة القلق الجنسي بلغة تستدعي " تخنيث " الجزء الأعظم من الذكور الإنكليز. كما تُبدي القصيدة، بوضوح، مخاوف التصرف مثل امرأة، ومخاوف عدم الارتقاء إلى التوقعات الرجولية، ومع ذلك يعد المرض احتجاجاً على سلطة المرأة، لا الحرب.
فما تبعات هذه " النوبة "؟ مؤقتاً " تضيع " الذات المتكاملة" [للمرأة] و " تنجرح في داخلها. إنها رحلة إلى " قلب الظلام " حيث يكون بلعوم المرأة. وحينما يحول المتكلم بصره نحو الخارج؛ نحو المشهد ونحو شخصية ثانوية في هذه الدراما ـ النادل ـ يلحظ دراسة في التوتر العصبي حينما يفرش النادل مفرش المائدة بـ " يدين مرتعشتين "، بينما يكرر اقتراحه بأن يشرب " السيد والسيدة " شايهما في الحديقة " (14). ولأن الراوي غير موثوق، لا يعرف القارئ ما إذا كان النادل حقاً يرتعش ويكرر نفسه لغرض الإصرار، أو ما إذا كان ارتجافه مبالغة من الراوي شديد الهياج. وينتج التكرار عن حالة الراوي الذهنية الذي لا تصله الألفاظ إلا كاسطوانة مشروخة، كما لو أنه عالق في لحظة صدمة أبدية، وحيدة، متكررة. ولاشك في أن اقتراح النادل يوحي بأن المشهد محرج اجتماعياً ولهذا يشعر الراوي بالخزي إلى جانب كونه هستيرياً.
الجملة الأخيرة لحظة قرار حقيقية بالنسبة للمتكلم يتصور فيها استعادة ممكنة فقط إن تمكن من التصرف، مركزاً " انتباهه بدقة مرهفة " لإيقاف اهتزاز نهديها. إن هذا التفصيل، شأنه في ذلك شأن الأسنان المهاجمة أو البلعوم الجارج، يعد هزلياً لأن مخاوفه تتضخم إلى نسب مضحكة إلا أن التردد في هذه الجملة الأخيرة يعزز انطباعنا بعجز المتكلم ووقوعه ضحية أمام المرأة. لكن هذا الراوي، مثل الملك الصياد في " الأرض اليباب "، يجمع " الشظايا لهذه الغاية؛ ولهذا يجلب قصيدة النثر إلى خاتمتها.
تعتمد الحكاية بأكملها على المشهد الذي يكون فيه لانتهاك اللياقة الاجتماعية دوراً. ويتضح أن نوبة هستيريا الفعلية تعدّ تجربة غير لائقة أثناء " تناول الخبز المحمص والشاي " ( إذا اقتبسنا من " بروفروك " ). وتبتعد نغمة صوت المتكلم عن الحدث أشبه بنغمة صوت المراقب العلمي أو، بدقة أكبر، المشارك السلبي، أي السايكولوجي الذي يقوم بالتدوين أثناء تحليل الذات:" أدركتُ أني صرتُ متورطاً في ضحكتها وجزءاً منها ". المتكلم يُسهب، هازلاً، مع ذلك فإن تضخيمه للتفصيل وإحساسه بأنه يتعرض لهجوم يُبيان كيف شارف على الانهيار العصبي، وكيف لا يتمالك نفسه إلا عبر قدرته على تدوين التجربة؛ وبذا فهو يضع نفسه وراءها. وبوصفها مبالغة في الإدراكات الحسية المتبادلة في لحظة قصيرة، تبدو قصيدة النثر متحالفة مع تجارب سرد تيار الوعي والنظريات البرغسونية للزمن والإدراك الحسي (15). لكنها بوصفها نثراً تعدّ أقل تجريبية بكثير من قصائد نثر وليام كارلوس ويليامز وغيروترود شتاين. فهي لا تُربِك الخطاب عند مستوى النحو أو التركيب أو الدلالة، بل تكون مُربِكة بالدرجة الأساس عبر التوتر الحاصل بين حالة الراوي الهستيرية ونغمة صوته تحديداً، والإحساس بلحظة موجعة تتعاظم بنسب هائلة.
ان راوي " هستيريا" يسقط قدراً من الرعب الذي يكون غائباً في قصائد معاصرة كتبها إليوت، مثل قصيدته الهزلية " السيد أبوليناكس " التي تتمثل ثيمتها المركزية بضحكة مدوية تمثل، بدلاً من ذلك، تفوقاً فكرياً وشهوانية ذكورية عارمة، وعُته واضح:

السيد أبوليناكس

حينما زار السيد أبوليناكس الولايات المتحدة
رنّت ضحكته بين أواب الشاي.
فكرتُ بفراجيليون (اسم يوحي بالمتخنث)لاتلك الشخصية الخجولة بين أشجار البتولا،
وبـ "برايبوس" [إله الفحولة] بين الشجيرات
يُحدق، بانشداه، بالسيدة التي في الأرجوحة.
في قصر السيدة فلاكيوس، عند البروفيسور تشاننغ ـ تشيتا *
ضَحِكَ مثل جنين لا مسؤول.
ضحكته كانت عميقة لا تُسبّر
أشبه بضحكة " الشيخ والبحر "
خفية تحت جزر المرجان
حيث انجرفتْ أجساد الغرقى القلقة إلى أعماق الصمت الأخضر،
ساقطة من أصابع الأمواج المتكسرة.
بحثتُ عن رأس السيد أبوليناكس متدحرجاً تحت كرسي.
أو مُكشراً فوق حجاب مصباح
وطحالب البحر في شعره.
سمعتُ وقع حوافز القنطور**
فوق المرج القاسي
بينما كان حديثه الجاف والشهواني يلتهم ما بعد الظهيرة.
" إنه رجل ساحر " hellip; " لكن، الأهم، ما قصده؟ "
" أذناه مثقوبتان hellip; إنه غير متزن ولا ريب"
" كان ثمة شيء قاله من أنني ربما تحدّيت ".
عن الأرملة النبيلة السيدة فلاكيوس والبروفيسور والسيدة تشيتا
أتذكر شريحة ليمون وقطعة معكرونة مقضومة. (16)

* وفقا لزوجة ايليوت انه استاذ ايليوت في جامعة هارفارد
** كائن خرافي نصفه رجل ونصفه فرس

ان كلا من "هستيريا" و"السيد أبوليناكس" مؤرختان في عام 1915، وكلتاهما تتضمن صورة لضحكة معتوهة، لكن في "السيد أبوليناكس" تكون النغمة هزلية تماماً وساخرة من الذين لا يضحكون، أي من الذين لا يشعرون بالطُرفة (17). ربما نقول ان "السيد أبوليناكس" و"هستريا" تبرزان منذ البداية؛ فالموضوع المشترك المتمثل بالضحكة المدوية يُوحد كلتيّ القصيدتين، لكنهما تواجهان اتجاهات متعاكسة في النغمة والتأثير والشكل الشعري؛ أي قصيدة النَظْم الهجائية مقابل قصيدة النثر الشجية. ومن المهم ان نلاحظ ان تصوير إليوت الأخير لنوبات الهستيريا كان نوعاً من كراهية النساء عادة، أي استعمال تفاوت الهجاء أو السخرية السوداء، كما في صورة المرأة المصابة بالصرع في قصيدته " Sweeney Erect " (18)، أو وصف الأصوات الهستيرية في "الأرض اليباب".
ربما يكون إليوت قد نبذ قصيدة النثر بسبب قربها من المذكرات والسيرة الذاتية، أي الإحساس بالهتك، مثلما تصف غنائية " أنا " ألمه، وإن كان بهدوء. وربما شعر بعدم الارتياح من طبيعة هذا الجنس الأدبي اللاغنائية، ولا سيما تلك التي تتجلى في النغمة شبه التحليلية التي تتخلل " هستيريا ". إليوت يتحاشى الأسلوب الحالم لقصائد نثر تشابه ما كتبه آلدنغتون؛ أي محاولات إضفاء الغنائية على النثر أو إدخال إيقاعات ملحوظة أو القافية الداخلية أو اللازمة، والتخييل المستعار من القدماء على نحو يبرز الشعرية. وتكمن أعظم قدرة جمالية، وقد يقول البعض سياسية، لقصيدة النثر في لعبها بالنثر بوصفه نثراً؛ تركيبها ومواضعتها الخطابية وعلاقتها الواضحة بعالم الحقيقة. وقد أدرك إليوت أهمية مصادر النثر للنَظْم، مثلما حصل مع باوند. إذ كتب في "النثر والنَظْم" يقول: "النَظْم يناضل دائما، مع أنه يبقى نظماً، كي يدرك الكثير والكثير من ماهية النثر، كي يأخذ من الحياة ويحوله إلى "لعبة" (19).
وعلى الصعيد نفسه، دعا باوند إلى شعر"مكتوب بعناية مثل النثر" مفسراً، في رسالة إلى هارييت مونرو في كانون الثاني 1915: " لغته ينبغي أن تكون راقية لا تبتعد مطلقاً عن الكلام إلا بكثافتها المتصاعدة ( أي بساطتها ). لا ينبغي أن تكون ثمة كلمات من الكتب، لا إطناب، لا تغييرات في الوضع السوي للكلمة، بل أن تكون ببساطة أفضل نثر كتبه موباسان، وبصعوبة أفضل نثر ستاندال " (20). لكن إليوت نفسه لم يحاول تجريب المزيد من قصائد النثر الأصيلة، وناضل، بدلاً من ذلك، من أجل إضفاء المزيد من النثر، والمزيد من "الحياة" على "نَظْمه". لا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من التساؤل عما إذا كانت مذكرات إليوت عن تحذيرات البروفيسور بابت الصارمة لطلاب هارفارد غير الخريجين من مخاطر تأنيث الأجناس الأدبية المختلطة قد أثنت الشاعر الشاب عن القيام بالمزيد من التجارب، ولا سيما بخصوص محتجزة في قبضة هواجسه الجنسية " الهستيرية "، أي خوفه من أن تغمره امرأة ما وتجرده من رجولته [ تخنثه ]. وإذا علمنا مكانة إليوت وتأثيره في جيله من الشعراء والنقاد، وفي الأجيال اللاحقة من أساتذة اللغة الإنكليزية، فإني أتساءل أيضاً عما إذا كان افتقاده إلى الاهتمام الدائم بقصيدة النثر، وبقصائد عزرا باوند، قد ساعد على إبقاء الشكل عند هوامش الشعر الحداثي بالإنكليزية، أي بين أيدي خياليين ثانويين في مدرسة آمي لويل الصوريون، ومتمردين على التقاليد] مثل غيرترود شتين و ويليام كارلوز ويليامز؟
وقد كتب إدوارد سعيد عن الثقافة بوصفها " نسق اقصاءات " رداً على ملاحظات ماثيو آرنولد الشهيرة عن الثقافة بوصفها "أشد أعداء الفوضى"، يقول: "حتى كمثال بالنسبة الى ارنولد، فيجب أن تُرى الثقافة بقدر ما لا هي وما تنتصر عليه عندما تكون مكرسة من قبل الدولة، يجب ان تُرى ما هي ايجابيا. وهذا يعني أن الثقافة هي نظام من التمييزات والتقييمات - ربما على الأغلب جماليا، كما قال ليونيل تريلنغ، لكن ليس أقل قوة وطغيانا لطبقة معينة في الدولة قادرة على ان تتذاوت واياها؛ ويعني هذا أيضا أن الثقافة نظام اقصاءات تم تشريعها من فوق لكنها مُسنّة في نظام الحكم، التي بواسطتها تم تحديد أشياء كالفوضى، اللانظام، اللاعقلانية، الأدنى منزلة، الذوق الرديء واللاأخلاق، وودعت خارج الثقافة وأبقتها هناك سلطة الدولة ومؤسساتها." ["العالم، النص، الناقد"، المقدمة، ص11 " ] (21)
وبعد الانتقال الإشكالي لقصيدة النثر من جيل وايلد إلى أجيال الشعراء التي أعقبته، ولا سيما شعراء الحداثة الراقية، يتوقع المرء وصمة الفوضى الثقافية، أي الاضطراب وفوضى الشكل الشعري واللا أخلاق في الفن، التي ألحقتها المحاكم بهذا الشكل تحديداً؛ فالصراع بين ثقافة الصحف، أي ثقافة الطبقة الإنكليزية الوسطى المحترمة لذاتها، والثقافة الجمالية التي حاول وايلد تجسيدها على كل صعيد، تحول إلى صراع داخل مؤسسة الفن أو "الأدب" نفسها. وبالنتيجة، بدا أن قصيدة النثر، بوصفها جنساً " مشوشاً"، قد طُرِدت من الأكاديمية وتم تمييزها عن الشعر بذاته بسبب انتهاكاتها للحدود وتهديدها بالانحلال الأخلاقي والجنسي. وبسبب استهجان هذا الشكل بوصفه "آخر" Other، فقد بقي مهمشاً وتمت إحالته لتجارب الطليعة الهامشية في النصف الثاني من القرن.

الهوامش
(1)Bernard, Le Poeacute;me en prose .
(2) أفكر، أيضاً، بالعمل الأخير الذي قدمه فرانك لينترشيا عن تأنيث الشعر الأمريكي من خلال شخصية المؤلف التافه " شبيه السيدة "، وقدرة المحررين المتكلفين التي واجهها شعراء حداثيون ذكور شباب مثل والاس ستيفن، روبرت فروست، إليوت، عزارا باوند، وشعروا بضرورة التغلب عليها. ينظر:
Lentricchia, "Patriarchy Against Itself -- The Young Manhood of Wallace Stevens," Critical Inquiry 13.4 (Summer 1987): 742-86, and "The Resentments of Robert Frost," American Literature 62.2 ( June 1990): 175-200.
(3) ظهرت خمس قصائد لإليوت في الأنطلوجيا الكاثوليكية لباوند، هي:" أغنية حب الفريد بروفروك " و" صورة للسيدة " و " مخطوط أمسية بوسطن " و" الآنسة هيلين سلنغسبي " ( العمة هيلين ")، و"هستيريا". وتبعاً لما ذكره دونالد غالوب، " لاحظ باوند لاحقاً أن السبب الرئيس لنشرها هو " طبع ست عشرة صفحة من إليوت في لندن ". ينظر:
Gallup, T S. Eliotand Ezra Pound: Collaborators in Letters ( New Haven, Conn.: Wenning, 1970) 6. "The Borderline of Prose" appeared in The New Statesman 9 ( 19 May 1917): 157-59.
(4) Eliot, "Prose and Verse," The Chapbook: A Monthly Miscellany 22 ( April 1921: 3-10, esp. 9.
(5) Eliot, "The Borderline of Prose"158, 159.
(6) عنوان المقال نفسه قد يلمح لنا بمثل هذا النص الفرعي. وتلاحظ ايلين شولتر في كتابها الأخير، " الفوضى الجنسية "، انه في إنكلترا أواخر القرن التاسع عشر " تعرف الأطباء النفسيون على نوع جديد من العصاب الذكوري اسمه " التخوم ". وبعد تأليف قصيدة النثر " هستيريا "عام 1915، انتقد إليوت عام 1917، وبقسوة، هذا الجنس الأدبي بسبب مكانه عند " التخوم ". التطابق مذهل بين مصطلح إليوت الذي يشخص قصيدة النثر وهذا المصطلح السايكولوجي للعصاب الذكوري. ينظر:
Showalter, Sexual Anarchy: Gender and Culture at the Fin de Sieacute;cle ( New York:Viking, 1990)10.
(7) Eliot, "Prose and Verse" 9, 5-6.
(8) Eliot, preface to Anabasis, by St. John Perse ( London: Faber, 1930) 8-9.
(9) Eliot, "The Borderline of Prose"158.
(10) Eliot, The Complete Poems and Plays, 1909- 1950 ( New York: Harcourt, 1971.
(11) مخطوط " هستيريا " وغيرها من قصائد النثر غير المنشورة تعد جزءاً من مجموعة بيرغ لمكتبة نيويورك العامة. وقد أوحى لي مقال دونالد غالوب، " مخطوطات ت. س. إليوت " المفقودة "، بوجودها.
(12) يعلق أ. د. مودي على هذا الجانب من القصيدة قائلاً: في " هستيريا " تُعرَض علينا تجربة خام وعاطفة مقلقة من دون الإفادة من المسافة الجمالية. ربما يكون الأمر هو أن السيدة هستيرية؛ فما الذي يثير ضحكها؟ أم أنه هو؟ لكن المتكلم يمنح نفسه، بوضوح؛ انه منهار إلى حالة عصبية بسبب شهوتها الجنسية العارمة. ضائعاً في صراعه من اجل الاستحواذ على الذات ليس إلا، أي على النثر ببساطة، "أنا" وبذا فهو دون مستوى إتقان الوعي الشعري.
ينظر:
A. D. Moody, Thomas Stearns Eliot: Poet ( Cambridge: Cambridge UP, 1979) 39.
ومثلما سأؤكد، فان الراوي يفترض مسافة ساخرة من المشهد نغمته التحليلية المراقبة لذاتها، لكن لا شك في أن " المسافة الجمالية " التي يمنحها النَظْم كانت غائبة، وربما كان الغياب إشكالياً لإليوت.
وقد تنبع فكرة الفرق المفقود بين الذات والآخر، أو بين الذات والموضوع، من دراسة إليوت لفلسفة برادلي؛ فقد كان إليوت يعمل على أطروحته للدكتوراه، " الخبرة وموضوعات المعرفة في فلسفة ف. هـ. برادولي " حينما كان في أوكسفورد. ويلاحظ هيو كينر وجود هذا المفهوم في أطروحة إليوت " الشعور بأن الذات والموضوع واحد"؛ إذ يبين إليوت، بوضوح، في أطروحته لعام 1916، مقتبساً عن وصف برادلي للـ " خبرة الفورية ". ويكتب برادلي: "إن كل ما نعانيه ونفعله ونكونه في أي وقت يشكل كلاً نفسياً واحداً. وسيتم خبر ذلك كله بوصفه كتلة معايشة، ولا يتم تصوره منفصلاً ومتصلاً حتى بعلاقات التعايش. انه يتضمن العلاقات كلها والفروق وكل موضوع مثالي يكون في تلك اللحظة موجوداً في النفس". ينظر:
Hugh Kenner, The Invisible Poet: T S. Eliot ( New York: McDowell, 1959) 49.
(13) للاطلاع على مثل هذه المقاربة، ينظر:
Elaine Showalter, The Female Malady: Women, Madness, and English Culture, 1830- 1980 ( 1985; New York: Penguin, 1987) 171-72.
(14) تُعدّ "آلات"، إحدى قصائد النثر المتروكة بين المخطوطات، مشابهة من حيث إن اقتباسها المباشر يدخل قصيدة النثر بعد الإدراكات الحسية ودور أفعال الراوي الأولية، كما تنتهي بمحاولة فاشلة لإعادة تأليف نمط معين من خبرة ما بعد الكلام المقتبس.
(15) تبعاً لما يذكره ليندال غوردون، حضر إليوت سبع محاضرات ألقاها هنري برغسون في الكوليج دي فرانس عام 1911. وكتب، بعد عودته إلى هارفارد، مقالاً عن فلسفة برغسون يركز فيه على " الفرق بين الصفات المتغايرة التي تخلف بعضها الآخر في إدراكنا الحسي الملموس، أي إدراكاتنا الحسية اللامستمرة، والتناغم الضمني الذي ينبغي للمرء ان يستنبطه ".
(16) هذه القصيدة تصف الفيلسوف برتراند رسل وآذانه الناتئة. انظر: Eliot, Complete Poems and Plays .

(17) تبعاً لما يذكره ليندال غوردون فان "السيد ابوليناكس" هو برتراند رسل خلال مهمته بصفة أستاذ زائر في هارفارد. وتسخر القصيدة من الهيئة التعليمية المغرورة في هارفارد التي عرفها إليوت حينما كان يدرس الفلسفة. المشهد هو حفلة شاي الأستاذ فولر؛ إذ كان رسل مصدر حيرة لمضيفيه وللسيدة فلاكوس المهيبة ". ينظر:
Gordon, Eliot's Early Years19-20.
(18) في قصيدة" Sweeney Erect" يتم خلط الجنس بالصرع لفضح " سيدات الرواق " اللواتي يستنكرن فقدان الذوق، يلاحظن ان الهستيريا / يمكن إساءة فهمها بسهولة.
(19) "Prose and Verse".
(20) he Letters of Ezra Pound, 1907- 1941, ed. D. D. Paige ( London: Faber, 1951).
(21) ward Said, "Introduction: Secular Criticism," The World, the Text, and the Critic (Cambridge, Mass.: Harvard UP, 1983) 11.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
السطو على اليوت
عادل -

مسكين الشاعر اليوت لو كان حيا اليوم وقرأ قصائده المستنسخة والمشوهة علي يد خبراء التزوير من شعراء مدراس محو الامية لاصيب بصدمة ورجة ودهشة. كان هؤلاء في عمان اواخر التسعينات يشترون كتابا للشعر الاجنبي ومعه زجاجة خمر اردني رخيص ثم بعد منتصف الليل يتم استلام اليوت مثلا من قبل اربعة أو خمسة من هؤلاء وعند الفجر يتم تشليحه تماما وتقلب قصائده على خلق اخر وتطير كل قصيدة ـ هكذا تسمى ـ لهم الى صحيفة وبهذه الطريقة صاروا شعراء نثر ودادائيين وهلم جرا. بين هؤلاء( الاشاعرة) عقد له قوة الالزام ان لا يتحدث اي منهم مهما اختلفوا عن هذا السطو الادبي. مزور النقود أقل خطورة من مزوري الشعر: مزور النقود يلعب بعملة لكن مزور الشعر يلعب بضمير الناس ووجدانهم. هذا اذا كان للضمير اليوم من قيمة؟...........من المحرر: كم كان جميلا لو وثقا كلامك هذا بأدلة حتى ينتبه اليها القارئ العربي؟

قراصنة الشعر
عادل ايضا -

عزيزي المحرر الثقافي: استجابة لطلبك لمشروع اوضح: هؤلاء مافيا تستنكف منها حتى المافيا وهم بالمناسبة معروفون لدى النخبة الادبية وخاصة نخبة عمان. لكن يتم التعتيم عليهم لأنهم يندفعون كالنمل اللاحم دفعةواحدة لنهش وهتك عرض اي شخص يتعرض لهم وهناك أمثلة كثيرة. هؤلاء اصناف: بعضهم حاول الحصول على لقب شاعر معارض في التسعينات كي يحصل على اللجوء من مكتب عمان وغالبية هؤلاء سكتوا احتراما للنفس بعد تحقيق الهدف، الصنف الاخطر وهو مستمر قد استلذ اللعبة وغياب النقد الشجاع وغياب تقاليد ادبية رصينة، كما ساهمت صحف المعارضة سابقا في هذه البلوى من خلال الدفع لهم والاستفادة من الاسماء امام الممول. كيف يعقل لاشخاص دخلوا مدارس محو الامية وخرجوا بتعلم مبادئ اولية في القراءة والكتابة كي يصبحوا شعراء بعد خمس سنوات واللغة الادبية تحتاج الى سنوات كي تصبج جزءا من النسيج العضوي للذاكرة والمخيلة وتمر بمراحل تركيب وخلق واستيعاب الكلمات وخلق ما يعرف بالذائقة ثم الوجدان؟ حصل هذا. يقول مثل روسي عاهرة الحي سيدة جيرانها وهؤلاء ككلاب القرى على استعداد لهتك ونهش اي شخص يتعرض لهم رغم وضوح الصورة بحيث تعمي البصر. في مجالسهم الخاصة لديهم حكايات عجيبة عن منابر النشر وكيف اخترقوها بسهولة ويمكنك ملاحظة ان هؤلاء لجأوا في قصائدهم المنتحلة أو في مقالاتهم الى اسلوب الاستهتار ـ بناء على تصور خاطئ ان الشعر هو الهتك الاخلاقي المسطح والعته ليس الجنون الابداعي. ان هذا التصور هو الاقرب الى البنية العقلية لهؤلاء وهي يغطي ويستر المنهج الكامن خلفه. جميعا يتحدثون عن الهتك والخمر والتسكع تشبها برامبوا وبودلير وغيرهما لكنهم لا يميزون بين هتك رامبو العضوي النابع من صميم الشك الوجودي وغياب اليقين وانهيار المقدسات الزائفة وبين الاستهتار الرخيص. يحتاج هؤلاء الى ناقد مدقق والى رجل بوليس محقق ومحترف كبطل اجاثا كريستي كي يتابع اثارهم وهي واضحة اذا عرفت مصادر قراءاتهم. يمكن ملاحظة ان مقالاتهم السطحية لا تنسجم مع قصائدهم ابدا. يمكن ملاحظة ايضا ان هؤلاء ـ نخبة عمان خصوصا ـ لجأ للشعر وليس الى الرواية والمسرح والرسم والموسيقى لأن هذه الفنون تتطلب احترافا وعراقة وخبرة ويتم كشفهم اذا غامروا فيه في حين ان الشعر ـ كما يكتبون ـ لا يحتاج سوى زجاجة خمر وعدة دوايين للسطو. بالمناسبة الانتحال شكل من اشكال الابداع اذا تم تقليد الاصل ولكنه عمل سوقي وسرقة

شخصنة الفضيحة
عاشور الناجي -

حسنا فعل السيد عادل بعدم ذكر اسماء هؤلاء كي لا يشخصنوا المسالة ويحولوها الى خلافات شخصية وهو اسلوب درجوا عليه عند افتضاح أمرهم لمصادرة اي فضيحة كما لو ان التزوير الثقافي والادبي مسألة شخصية وربما يتذكر السيد عادل ما تعرض له الروائي حمزة الحسن من حملة تشنيع من هؤلاء حين كشف لأول مرة ولاخر مرة عن أحد هؤلاء القراصنة في مقال شهير يمكن العثور على شبكة الانترنت بعنوان( تفكيك الاحتيال الثقافي) ومن يومها فتحت عنه مواقع وكتبت مقالات وضيعة لم تتعرض ابدا لا الى مقاله الموثق والدقيق ولا الى نصوصه بل تعرضت الى اختلاق حكايات بذيئة واسطورية عن حياته الخاصة وهو امر يتعمده هؤلاء كجزء من اساليب الردع وفعلا بعد ذلك لم يجرؤ احد على التعرض لهم. ان هؤلاء ظاهرة خطيرة وسرطانية في جسد الادب يتم تجاهلها خوفا أو عدم تقدير لنتائجها الوخيمة. صحيح ان هؤلاء يشخصنون المسألة فورا ولكن لو كانت هناك ثقافة نقدية وقائية وتقاليد نقدية سليمة وتضامن ثقافي لما تجرأ هؤلاء على هذا الاستهتار المنهجي المنظم والمتواصل. ان الوسط الادبي (خاصة العراقي) وسط سهل الاختراق كما عبر الروائي الحسن في مقاله المعروف بحيث يستطيع حفنة من الأميين اختراقه رغم هشاشتهم الثقافية وهذا الوسط الثقافي كالزجاج الهش يكسر من حجرة صغيرة لأنه بلا مصدات ولا أعراف ولا من يسأل ولا من يشك ولا من يفحص .لا يمكن تدمير الثقافة والمخيلة والذوق بهذه العجالة والتفاهة. ليس لأن حجرة هؤلاء اللصوص قوية بل لأن الزجاج هش، وكما اخترق سياسيون أميون الدولة العراقية على مدى قرن كامل فعل أميون في الثقافة ما هو أخطر لأن تزوير السلطة أقل خطورة من تزوير الضمير.

الى عادل وعاشور النا
شاعر من مرحلة عمّان -

الا ترى يا سيد عادل ويا سيد عاشور الناجي ان في تعليقاتك الثلاث ، كشفت عن شخصيتك التي تعشق التعليقات فقط وليس لها علاقة بما يسمى ادبا وثقافة غير تسقيط الاخرين !ما هو نتاجك الادبي ، هل هو يختلف عن تعليقات اعلاه ، اصدرت كتباً تسميها روايات اين هي ؟ اوليس ادرجت في خانة التقارير الامنية ، ثم ان شعراء مرحلة عمّان جلهم من خيرة شعراء العراق وكتبوا من النصوص التي تفتخر بها الشعرية العربية برمتها فلماذا هذا التحامل عليهم منذ سنوات وبخاصة الشاعر المبدع هادي الحسيني الذي فاز بجائزة الشعر العالمية بامريكا والذي تعتبره خريجاً لمحو الامية ، فاذا كانت محو الامية تخرج شعراء بمستوى هادي الحسيني ونصيف الناصري وغيرهم فهذا شرف وتفوق على الجامعات العراقية ، ثم انت يا سيد عادل تتحدث عن اللغة وترسل كل مقال تكتبه الى شاعر عراقي لكي يصحح لك لغوياً في حين هؤلاء الشعراء لا يحتاجون الى ذلك ، لماذا لم تفصح عن شهادتك العليا! يوم كنت في وعي العمال ( جايجي ) لا اكثر ، كف عن هذه المزايدات الرخيصة وانتبه لنفسك المريضة !!

التعليقات رقم 1،2،3
متابع -

الى صاحب التعليقات والتي تحمل الارقام واحد اثنان ثلاثة ، لم تعلق في صلب الموضوع بل هاجمت شعراء عراقيين بدون مناسبة !سؤال واحد واجب عليه ان امكن ، هل انت تعمل معلق في شبكة ايلاف فقط ؟ لتتهجم على الاخرين ؟المحرر طلب منك وثائق بما قلت فهربت وراوغت ، لماذا هذا الاسفاف بحق الاخرين ، لو كنت اديباً لانصرفت لكتاباتك ومشاريعك بدلاً من هذه السخافات والاحقاد ، مقال عن اليوت نستفيد منه ، لمذا تعكر الاجواء دائماً في كل مقال جيد ، اتق الله ايها المعلق كأنك تكتب تقارير امنية بالضبط ، لماذا لا تعينك ايلاف كمخبر امني فيها ؟

رجاء لايلاف
حمزة إهميص -

اتمنى من ايلاف الجميلة موقع النصوص الادبية المهمة ان لا تنشر التعليقات باسماء مستعارة لبعض الكذابين الذي يحاولون تسقيط الاخرين ، بعد ان نبذهم المجتمع واصبحوا في عزلة تامة ولولا الانترنيت لاصبحوا يتحدثون مع الحائط الى ان ياتيهم (ملاك) يابس ويترك اثره الواضح في وجوههم ! لتمنى من ايلاف نشر التعليق

نباح
شاكر حمدان -

تنادت جوقة الشعراء الاميين ، وآزرت بعضها بعضا، ضد الخطر الخارجي، الذي يتهددها.. فعلا جوقة من الاميين العاطلين عن الشعر وعن موهبة الادب بشكل عام، لكنهم مع ذلك، يريدون تسلق الاولمب، والجلوس الى جانب سوفوكليس وهوراس وفرجيلو ويوربيدس ودانتي وهوميروس مع عدم معرفتهم بأي سر من أسرار دروب الاولمب .. بل ان بعضهم عازم على تخطي هؤلاء جميعا - بمدد من أميته وجهله - لكي ينقش اسمه في تراث الامة في الالفية القادمة..