ثقافات

إسحق لاؤور: لم أولد في إسرائيل؛ بل في فلسطين المحتلة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حاوره في فرنسا محمد الحارثي: خلال تواجدي هذا الصيف في مدينة لوديف الصغيرة في الجنوب الفرنسي اكتشفت وجود الشاعر الإسرائيلي البارز إسحق لاؤور Yitzhak Laor ضمن المدعوين لمهرجان لوديف الشعري: "أصوات المتوسط". وهو شاعر وروائي متمرد براديكاليته وخارج على السائد في سياقات الثقافة العبريّة. والذي شد انتباهي له؛ هو إدانته القاسية لعدم منح إسرائيل حق المشاركة في مهرجان لوديف للشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث علنا وفي كلِّ يوم يلقي فيه قصائده في المهرجان. وهو ما لم يفعله، بذات الوتيرة، شعراء عرب مدعوون للمهرجان، مما دعاني للبحث عن هوية هذا الشاعر واختلافه الواضح، سواء من بعض المترجمين العرب أو من خلال البحث في الإنترنت قبل تعرفي العرَضي به في باحة الغداء، وتعرفي المقصود، لاحقاً، لإجراء هذا الحوار الذي كشف لي عن جانب مطموس لم نكن نعرف شيئاً عنه في قلب الثقافة اليهودية المعاصرة، الثقافة الرافضة والداحضة لطروحات الصهانية، والواقفة في خندق واحد مع الحق الفلسطيني عبر الكلمة الحُرّة فضلا عن المشاركة الفعلية في المظاهرات التي يقف فيها مثقفون إسرائيليون في خندق واحد مع الفلسطينيين ضد الدبابة الإسرائيلية.
***
الشاعر والروائي إسحق لاؤور (أو يتسحاق، كما يُنطق اسمه في العبريّة) وُلد في فلسطين عام 1948، وقد رفض خدمة الجيش الإلزامية عام 1972 في الأراضي المحتلة كي لا يقتل فلسطينياً، مما عرضه للسجن آنذاك. ولم يتوقف بعد تجربة الإعتقال عن المشاركة في المظاهرات الرافضة للاحتلال، وقد تعرض للضرب عدة مرات على أيدي الجنود الإسرائيليين.
درس الآداب والمسرح في جامعة تل أبيب، وحصل على الدكتوراه. له عشر مجاميع شعرية وثلاث روايات وثلاث مجموعات قصصية، فضلا عن عدة كتب فكرية ونقدية. من مجاميعه الشعرية: "سفر" (1982)، "الجسد وحده يذكر" (1985)، "الأغوار الحديدية" (1990)، "ليلة في فندق غريب" (1992) و"كالعدم" (1999). وهو ينشر، إلى جانب ذلك، مقالات أدبية وفكرية راديكالية في صحيفة ها آرتس. وقد أسَّس ـ بعد فقدانه الأمل في اليسار الإسرائيلي التقليدي ـ قبل نحو أربع سنوات مجلة "مطاعم" اليسارية الراديكالية، التي يرأس تحريرها، والتي تشتغل "في أماكن ومواقف متعددة ينتقد منها الأيديولوجيا الصهيونية ويُقوِّض البنى الأساسية للخطاب المعلن وغير المعلن للدولة الإسرائيلية، ليس فقط عبر كسر التابوهات في المجتمع الإسرائيلي؛ وإنما عبر التحليل الواعي والمتبصر لكيفية تكوُّن هذه التابوهات والبديهيات. وما يحز في الانفس كون هذه البديهيات احياناً ما تتحول كذلك إلى بديهيات في العقل العربي الجمعي كذلك، والذي يُفترض ان يكون ناقداً راديكالياً لها، فهو يتقبلها كمسلمات غير مانح نفسه فكرة أن يدرسها ويتفحص مدى صدقيتها" ـ كما يشير إلى ذلك الكاتب والمترجم نائل الطوخي.
جدير بالذكر أن الفصلية الثقافية الفلسطينية "مشارف" قد خصصت محور "ثقافة عبريّة" للشاعر إسحاق لاؤور، وقد عرّبت المجلة مجموعة من قصائده، شارك في ترجمتها الشاعر الفلسطيني سميح القاسم. ضمن المحور نفسه، نشرت "مشارف" مقالة نقدية عن الشاعر كتبها الباحث والناقد حنان حيفر تحت العنوان ـ إسحق لاؤور: ".. وإبنة الشعر، سنغتصبها". ومما يقوله حيفر: "إن الموقف السياسي لشعر لاؤور يتعاطى مع الدم ومع الجسد الميّت دون تفخيمه أو الزعيق بصرخته. إنه موقف حاد يتمسّك على الدوام بالجسد كأثر للرفض وعدم المشاركة في الحرب القومية".
وتحت العنوان "قال الشاعر: إعلم يا بنيّ أني أتلفتُ صوري بالبزة العسكرية"، يكتب هشام نفاع عن آخر كتب لاؤور، "مدينة الحوت" (2004)، قائلاً: "لاؤور يصادر، متمردًا، مفهوم الخيانة القطيعي. فخيانة فعل القمع هي الموقف والملاذ. ولا يكتفي، بل إنه يشطب ذلك الاجماع السلطوي المقدّس الذي يُشرْعِن أفعاله بيهوديته. كلا، ليست هذه اليهودية، فالشاعر يمتلك قراءة أُخرى لها، قراءة تنظفها من أدْلجَتها القسرية التي جاءت لتخدم مشاريع السيطرة:
"في الحرب بين المُحتلِّين والمتمرِّدين كُنْ يا بُنيَّ
مع الخونة، أصغِ الى صوت آبائك اليهود".
(من قصيدة لاؤور: "تسوية مرحلية").
***
اختار منظمو مهرجان لوديف الشعري مدرسة ثانوية يلتقي في باحتها الشعراء المشاركون في المهرجان لتناول وجبة الغداء، أما العشاء فكنا نتناوله بكوبونات وزعت بالقسطاس على مطاعم مدينة لوديف، وغالبية أصحابها من الجزائريين المهاجرين.
في ساحة المدرسة الثانوية تلك التقيت صدفة بالشاعر إسحق لاؤور خلال حديث جمعني مع الشاعر الفرنسي برنار مازو الذي جاء إلى طاولتي ليتعرف إليّ بعد أن أثارت فضوله دشداشتي العُمانية وعمامتي، متحدثاً إليّ بلهجة جزائرية مُكسّرة. عرَّفتُ مازو على صديقتي الشاعرة القبرصية زيليا، وفجأة انضم إلينا الشاعر التونسي خالد النجار الذي وصل المهرجان متأخراً. كان يعرف برنار مازو، فتحدثا بالفرنسية ثم عرَّفه برنار مازو بي قائلاً: "محمد الحارثي، شاعر من عُمان"، وقبل أن أحيي خالد النجار عانقني وذكَّرني بلقاء قديم في بغداد. كنت قد نسيت أمر ذلك اللقاء، لكنني قلت له أتابع نتاجك الشعري واشتغالك في الترجمة. لحظتها، وفي خضم الحديث، حاول شاعر أن يعبر في الممرّ بين الطاولات، قائلاً بالعربية: "لو سمحتم"، فأفسحنا له الطريق، لكن خالد النجار سأله مازحاً: "أخونا من أي قطر عربي؟" فرد عليه العابر: من إسرائيل. فرد عليه خالد النجار: تقصد فلسطين المحتلة، لكن الشاعر الإسرائيلي لم يشأ الخوض في سجال سياسي لحظتها، وأكمل طريقه إلى بوفيه الغداء.
بعدها عرفت أن الشاعر الإسرائيلي الذي حدثنا باللغة العربية، هو إسحاق لاؤور الذي سمعت كثيراً عنه، كما لاحظت تأفف بعض الشعراء العرب من مصافحته، رغم إدانته الصريحة لمنع السلطات الإسرائيلية الشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث من عبور معبر إيرتز لحضور مهرجان لوديف.
يومها لم أتحدث معه، لكن ابتسامته الطريفة لفتت نظري، وقرَّرت أن أتعرف إليه في وقت لاحق، بعد أن أتحقق من صدق ما يُقال عن مواقفه.
هكذا، وفي الساحة المقابلة لمتحف لوديف حيث يتجمع الشعراء المدعوون التقيت به وعرفته بنفسي في اليوم قبل الأخير من انتهاء المهرجان. أخبرته عن رغبتي في إجراء حوار معه، فرحب بالأمر واتفقنا على أن نلتقي مساء الغد في أحد مقاهي لوديف الهادئة، حيث دار بيننا هذا الحوار.

لاحظت أن بعض الشعراء العرب لا يرتاحون للتواجد قربك أو الحديث إليك، ويتحاشونك قدر المستطاع رغم أنك الشاعر الوحيد الذي أدان منع الشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث من الحصول على إذن بالخروج من غزة، وأهديته أول قراءة لك في هذا المهرجان، كما ظللت تندد بموقف السلطات الإسرائيلية في كل القراءات التي قدمتها طوال فترة مهرجان لوديف الشعري، وهو ما لم يفعله الشعراء العرب بالكثافة والإصرار اللذين ميّزا حضورك وقراءاتك؟ هل يتحاشونك لأنك إسرائيلي؟
- لنترك جانباً من يخافون دكتاتوريات بلدانهم العربية وأنظمة مخابراتها فمواقفهم معروفة سلفاً ولها أسبابها التي أتفهمها؛ لكنني على يقين بأن هناك فئة من المثقفين العرب الذين لا يخافون من أنظمتهم الديكتاتورية، وهؤلاء يعرفون فوارق المواقف السياسية بين الناس في إسرائيل وبين الموقف الرسمي لدولة إسرائيل، تماماً كما يعرفون الفرق بين الإسرائيليين الواقفين مع الحكومة والصهيونية وبين الناس العاديين في إسرائيل. لنترك جانباً ذلك النمط من السلوك الذي خبرته لدى تلك العينة من المثقفين العرب. لقد تطلّب مني الأمر ثلاثين عاماً لاستيعاب هكذا نمط من السلوك لأتفهم دواعيه وأسبابه، ولا أملك سوى الشعور بالأسف العميق لتلك الشريحة من المثقفين العرب، ولعدم قدرتهم على الانفتاح والتغيير الذي نحن ـ إسرائيليين وعرب ـ في أمس الحاجة إليه لنقف صفاً واحداً ضد أساطير الدولة التي يدعمها الجيش الإسرائيلي وضد الأنظمة المتسلطة في العالم العربي.
عفواً إسحق؛ ولكن هذا بالضبط ما يقوله الرسميون في إسرائيل. أليس كذلك؟
- بالطبع تدرك أنني لا أتحدث، هنا، عن "الإنفتاح" كما يصلكم عبر الخطاب الإعلامي الرّسمي المُوجَّه في الحكومة الإسرائيلية، بل أتحدث عن فشلنا معاً في اجتراح حوار ديموقراطي خلاق بين القوى الراديكالية المناهضة لحكوماتها، سواء في إسرائيل المنتخبة حكوماتها ديموقراطياً (إلى حد ما) أو في العالم العربي الذي لا تقل ديكتوتاريات أنظمته فساداً عن حكوماتنا المتعاقبة. فإسرائيل ليست كياناً استيطانياً فحسب، بل هي كيان استعماري بالدرجة الأولى، ولكن لا توجد طريقة لحلحلة الوضع دون تعاون وتفاهم مع الإسرائيليين غير الصهيونيين .. أي من يسعون إلى نضال مشترك بغية الوصول إلى سلام يُحقق شرطه الإنساني العادل.
سأستطرد، لتوضيح الفكرة ـ إن سمحت لي أخي محمد ـ وسأعطيك مثالاً لا تستطيع ذاكراتنا نسيانه: فالكثيرون، كما تعلم، بعد حرب صيف 2006 في لبنان اعتبروا تلك الحرب نصراً ساحقاً لحزب الله والمقاومة اللبنانية، وفي المقابل فإن الجهات الرسمية في إسرائيل اعتبرتها انتصارها العسكري هي الأخرى. والحقيقة المُرَّة، هي أنها حرب خسر فيها الجميع. الإسرائيليون يعرفون ذلك، والعرب يعرفون ذلك أيضاً، لكن الأطراف السياسية لا تستطيع ولا تريد الإعتراف بذلك، لأن ضحايا تلك الحرب مواطنون عاديون في لبنان وفي إسرائيل خسروا أرواحهم ليتباهى الساسة في تل أبيب أو في لبنان بنصر لم يكن في حقيقة الأمر سوى هزيمة مشتركة.

لو تركنا جانباً مواقفك الداعمة للنضال الفلسطيني ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية، هل ثمة حوار حقيقي بين الطرفين على الصعيد الثقافي.. هل ترجمت قصائدك، مثلاً، إلى اللغة العربية؟
- نعم ترجمت قصائدي إلى اللغة العربية، لكن الترجمة التي أعتدُّ بها هي تلك التي قام بها سلمان مصالحة ونشرت في فصلية (مشارف) الثقافية، وهي فصلية فلسطينية مرموقة، ليس في فلسطين فحسب، بل في بلدان عربية أخرى. هل تصلكم في عُمان؟
للأسف، لا تصل عُمان لكنني أتابع أخبارها عبر الإنترنت.
- إذا كانت فصلية "مشارف" الفلسطينية محاصرة في العالم العربي، فحظوظ فصلية "مطاعم" معدومة بالتأكيد.

ضحكنا معاً، وسألته: سمعتك تقول قبل يومين لإحدى مُنظّمات المهرجان أنك ولدت في فلسطين وليس في إسرائيل. ماذا كنت تقصد بذلك؟
- لو اطلعت على أنطولوجيا "أصوات المتوسط" التي بها اسمك واسمي وأسماء كل الشعراء المشاركين هذا العام، لوجدت أن إسحق لاؤور ولد عام 1948 في فلسطين، وليس في إسرائيل.. لأنني حقيقة ولدت في فلسطين قبل أشهر معدودة من إعلان دولة إسرائيل، لذلك كنت ولا زلت أعتبر نفسي مولوداً في فلسطين، وليس في إسرائيل.
هل ثمة أرضية مشتركة بين كُتاب وشعراء إسرائيليين مناهضين لسياسات إسرائيل وكُتاب عرب أو فلسطينيين على وجه التحديد؟
- بالتأكيد لدي علاقات ممتازة مع كتاب فلسطينيين وعرب ينتمون للقوى اليسارية التقدمية، ونعمل معاً (كلٌّ من جانبه) على ردم الهوة التي تتسبب بها حماقات سياسيِّينا.. فمثلاً علاقتي وطيدة بشاعر فلسطيني كبير مثل محمود درويش، كما أنني أعتز بعلاقتي مع الكاتب اللبناني إلياس خوري، رغم أننا لا نلتقي لأسباب لا تخفى عنك، فضلا عن علاقتي بالشاعر الفلسطيني طه محمد علي.
طه محمد علي التقيته في عمّان قبل أعوام، وكانت غرفته ملاصقة لغرفتي في فندق القدس، وقد دهشت أنه يكتب قصيدة نثر، لأنني بحكم تقادم عمره ظننته شاعر عمود أو تفعيلة، لكنني لاحظت في سهرة عشاء خاصة بعد أمسية لمحمود درويش في جرش، لاحظتُ تقدير محمود درويش له...
- نعم، هو شاعر فلسطيني مهم جداً، ويبدو أنكم لا تعرفونه في العالم العربي، لأنه من فلسطينيي 48 ويحمل جواز سفر إسرائيلياً لن يُتيح له، بطبيعة الحال، تكوين علاقات طبيعية مع محيطه العربي.

يبدو أنكم حتى في إسرائيل تحبون الإستطراد، كما نفعل نحن العرب... لنعد إلى السؤال السابق: هل ثمة أرضية مشتركة بين كُتاب وشعراء إسرائيليين مناهضين لسياسات دولتهم وكُتاب عرب أو فلسطينيين على وجه التحديد؟
- ملاحظة صحيحة ودقيقة يا محمد. (يضحك ها. ها. ها)... طيب لنعد إلى السؤال من جديد.
لنعد إليه يا إسحق..
- عندما كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي قوياً ونشطاً استطاع تأسيس أرضية صلبة لحوارات وفعاليات ثقافية بين النخب الفلسطينية والإسرائيلية في تلك المرحلة، لاختراق السياسة الصهيونية من جانب والسياسة الفلسطينية الداعية إلى حمل سلاح المقاومة.. لكنني منذ أربع سنوات، فكرت بسبب ضيق أفق أجندة اليسار الإسرائيلي الذي لم يعد قوياً كما كان (وفقاً لما نراه من خلال تعامله بردات فعل مؤقتة خلال المظاهرات).. فكرت بتأسيس فصلية ثقافية تصدر كل ثلاثة أشهر، وهي في عددها الرّابع عشر حالياً. وهي فصلية تحتوي في كل عدد على مقالة أساسية ضد السياسة الصهيونية من منظور فكري عميق يتحاشى المبتذل في السائد من الطروحات الفكرية المناهضة للتصَّهُين، كما أنها تحتوي على مقالات فكرية وأدبية من أوروبا والولايات المتحدة، ناهيك عن ترجمات (إلى اللغة العبريّة، طبعاً) من ديوان الشعر العربي المُعاصر. ولست في حاجة للتأكيد أنها فصلية ثقافية لا تدعمها الحكومة الإسرائيلية، بل يساعدها أصدقاؤها الفلسطينيون واليهود خارج وداخل فلسطين وإسرائيل.

ما اسمها؟
- اسمها (مِيتاعام) أو (مطاعم)، وهو اسم عبرانيّ له ما يقابله في اللغة العربية، وإن تباينت ظلال معانيه ودلالاتها. لكنها تعني، في العبريّة: الإختلاف، أو الأقلية المختلفة ـ إن شئنا الدقة ـ أو بعبارة أخرى (المُحامي) عن تلك الأقلية المختلفة في ثقافة السائد. كما أنها قريبة في اشتقاقات أخرى من (مطاعم)، أي جمع مطعم/تذوق الطعام، في اللغة العربية، وننطقها في العبريّة: (مِيتاعيم)، تماماً كما تنطقون في اللغة العربية: (مَطاعم).
ما قوة اليسار؟ وهل لديكم تأثير فاعل في المجتمع الإسرائيلي؟
- أولاً، اليسار الصُّهيوني يتلاشى ويتضاءل ويحتضر. فالانتخابات القادمة ستكون بين باراك (تلميذ شارون)، رغم أنه من حزب العمل، وفي اليمين هناك نتنياهو. وفي الوسط قد يكون ـ من يعرف؟ ـ موفاز أو ليفني.. لكن أسَّ المعضلة، هو أنني عندما أتحدث عن اليسار، فأنا أتحدث عن بضع مئات من المناصرين لليسار غير الصهيوني.
مثلاً خلال حرب صيف لبنان عام 2006 كان عدد الناشطين الذين يتظاهرون بشكل دائم ضد الحرب لا يتجاوز الـ 2000 شخص. مع ذلك، عليّ القول أن استطلاعات الرأي العام أظهرت أن 20% من اليهود الإسرائيليين يقفون موقف الإعتدال، لا التعصب. وسأعطيك مثالا آخر: في غزة خلال اشتباكات وقعت مع حماس، كان 20% من الشعب الإسرائيلي مع الحوار، لا المواجهة، رغم أن الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية كانتا ضد ذلك الإعتدال، الذي يمثل نسبة لا بأس بها من رغبة الشعب الإسرائيلي في الحوار المباشر مع حماس.
وإليك مثالا آخر يؤكد ما قلته لك: في بلدة "بلعين" في الضفة تحدث مصادمات مع الجيش الإسرائيلي كل يوم جمعة تشترك فيها جميع القوى الفلسطينية المناهضة للإحتلال إضافة إلى إسرائيليين مناهضين لسياسات دولتهم، وهذا يعني أن (النضال السلمي) المشترك، هو الحل الأمثل لهذه المعضلة.

في إسرائيل، هل لديكم اهتمام كاف بالنتاج الثقافي في الدول العربية؟
- بالطبع هناك حاجز اللغة، لكنني درست العربية في المدرسة حين كنت صغيراً، لكنها دراسة عامة لا تكفي لإقامة حوار خلاق وعميق يمكنني من الإطلاع دون حواجز على الأدب العربي في لغته الأصلية، رغم أننا نترجم الأدب العربي إلى اللغة العبريّة ونطّلع عليه بشغف، أكثر مما تفعلون أنتم في العالم العربي.

ملاحظتك الأخيرة صحيحة إسحاق، وأنا شخصياً لم أقرأ سوى اليسير مما تُرجم إلى العربية من العبريّة، منها مختارات للشاعر الإسرائيلي روني سوميك ترجمها رؤوبين سنير ونشرها مع قصائد عبرية مترجمة الشاعر عبدالقادر الجنابي في باريس، وأتذكر أنني أعجبت بقصيدته عن أم كلثوم. (ضحك، وانتظرت ضحكته القصيرة حتى تنهي ألقها)، لأسأله من جديد: بلا شك أنك مطلع على الحركة الثقافية العربية في مصر، الأردن، لبنان، سوريا والمغرب؛ لكنني أتساءل عن الطرف القصي في مشرق العالم العربي، أقصد منطقة الخليج؟.
- في معرض سؤال سابق، قلت إن العالم يتغير، بما في ذلك محيطنا الجغرافي الذي نعيش فيه، وقد كنت أعني ذلك فعلا.. ثمة دور مهم للدول الخليجية في منطقة الشرق الأوسط ومحاولة إيجاد حل لها. فالحوار اللبناني اللبناني حدث في قطر كما تعلم، كما أن هناك إشارات إلى أن بعض الدول الخليجية لديها اتصال بالجانب الإسرائلي أكثر مما هو مُعلن، وذلك جيد من وجهة نظري. أقول هذا لأنني كنت قبل عام ضيفاً في جامعة أوكسفورد لإلقاء محاضرة اقتصرت على اتحاد، أو (لجنة) الطلاب العرب في الجامعة، ولاحظت أن الناشطين في تلك اللجنة هم شباب من دول الخليج العربي. والتحليل العقلاني، خلال ذلك اللقاء، جاء ـ خلافاً لتوقعي ـ من طلاب ينتمون لدول مجلس التعاون الخليجي، وليس من الدول العربية المجاورة لإسرائيل، مما جعلني أتساءل عن السّر؛ لأصل إلى خلاصة مفادها أنهم نخبة تعيش في بريطانيا، وهي نخبة مُعبِّرة بثقافتها ورجاحة تفكيرها لأنها، كما بدا لي الأمر، قادرة على أن تعيش في قلب المتغيرات التي تحدث يوماً بعد يوم.
من ديوانه: "سفر"
قصيدة للشاعر إسحاق لاؤور عن لينا النابلسي
القصيدة عن لينا حسن نابلسي إبنة السابعة عشرة من نابلس
الهاربة من وجه الجندي المدجج بالسلاح كأنها تهرب من الدبّ
وتمكّنت من صعود الدرج حتى الدور الثالث
وأُطلقت عليها رصاصة واحدة مباشرة الى الرأس
فسقطت ميتة على الأدراج.
هذه القصيدة لا مبرِّر لكتابتها
ما يحتاجه الأولاد من صَفّ لينا
ليس قصيدة".

عن ملحق شرفات الثقافي العمانية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عار على شعراء عربيين
سامي فرحي -

اكثر شعراء العرب يجهلون اكثر مما يعرفون، بسبب تعاملهم الخاطيء وللا معرفي مع مسالة التطبيع، من يقرأ اجابات لاوو الشاعر الاسرايئلي يدرك كم هي قادرة على الاطاحة باوراق الخريف أي بشعراء عرب كثيرين لا يفرقوا بين الحديقة والحريق!!!!!!!!!! كتب كثيرا الياس خوري الروائي اللبناني عن خطأ المقاطعة مع المثقف الاسرئيلي ورأي أن هذه من معالم ضعف العربي اذي يهرب ولا يواجه ولا يتعرف. قال سقرار قديما اعرف نفسك بنفسك، ولم يقل المثقفون لذواتهم اعرف عدوك بنفسك اي اقترب وتعرف واخرج بعد التجربة بالبرهان واابن احكامك على معرفة تجريبية لا هروبية من الآخر!!

كسبنا صلاة النبي
hans anderson -

كسبنا صلاة النبي. ها نحن عرفنا لاؤور، وعرفنا أنه الإسرائيلي الشريف، نعمل إيه بقى؟ بيتهيألي المفروض الحوار دا كان يتعمل بالعبري ويتنشر في جرنال إسرائيلي فالإسرائيليون يسمعوا صوت مختلف. ولكن هل المطلوب منا الآن أن نحب لاؤور ونحب أمثاله، وحين نقول إن إسرائيل دولة استيطانية توسعية تحتل أراضي عربية، نستثي مواطنيها الشرفاء؟؟؟؟ثم لماذا لا نبدأ في اتهام محمد الحارثي بالعمالة والتطبيع ولماذا لا نبدأ في تكفيره؟ الرجل من حقه هذا الربع ساعة من الشهرة