البحتوري: البادية شكلت مخيالي وشغفي بحب الكتابة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
-كنت في البداية أكتب الشعر، وفي ثانوية النهضة كانوا يسمونني "الشاعر الأخضر" لأنني كتبت قصيدة بعنوان "طفلة خضراء". هذه القصيدة ذهب بها محمد عباس القباج أستاذ الفلسفة إلى الشاعر العربي الكبير نزار قباني حين زار المغرب بدعوة من رئيس اتحاد الكتاب، محمد عزيز الحبابي، وفوجئ أستاذي بإعجاب نزار بهذه القصيدة ونقل إلي الخبر. ومنذ ذلك اليوم انهمكت كثيرا في كتابة الشعر. وفي قسم الباكالوريا، كنت أقرأ قصائدي على زميلي في القسم محمد المالكي، وكانت لغته مشعة وخطه جميل. وذات يوم مساءً، وهو يسمع أغنية "ماذا أقول له إن جاء يسألني" لنجاة الصغيرة وشعر نزار، جوار ثانوية ابن الخطيب بسلا، أطفأت المذياع لأقرأ عليه القصيدة الجديدة التي كتبتها للتو. هي القصيدة التي سيجيز نشرها الشاعر محمد السرغيني المشرف على صفحة "أصوات" بجريدة "العلم". وأستطرد لأقول إنه خلال ندوة تكريمية للشاعر محمد السرغيني، شاركت فيها فتحدثت عن تجربته في الإشراف على هذه الصفحة. فقد كان الرجل يتكبد مشقة السفر من فاس إلى الرباط ليقرأ النصوص.قلت له، بعد نهاية الندوة، لماذا توقفت الصفحة فأجاب بكلام يثير فيض الدموع. قال هناك أناس في جريدة "العلم" انتابتهم الغيرة مني فأخذوا يضايقونني لتتوقف الصفحة. سألته وهل كان يحصل على تعويض من هذا العمل الشاق، قال: "أبدا. كان كل شيء من جيبي ومع ذلك رفضوا أن يستمر دوري في خدمة تنشئة كتاب شباب". بعد هذا التكريم بشهر التقيت بشاعر من فاس كان حضر الندوة وقدم مداخلة تخص التجربة الشعرية للسرغيني، فأخبرني أنه والمحتفى به، مباشرة بعد الحفل، توجها في سيارة إلى طنجة وقال: "ظل السرغيني طيلة الرحلة من الرباط إلى طنجة يتحدث عن مداخلة محمد البحتوري". وما فاجأت به السرغيني، يومها، هو إشارتي إلى أمر غير معروف وهو أنه كان عضو جماعة تشكيلية في بغداد حينما كان طالبا هناك. وهو في الحقيقة أحد المؤسسين لقصيدة الحداثة في العالم العربي. وما فاجأني به السرغيني، في حفل تكريمه، هو أنه كان يتزعم دق المسمار الأخير في نعش جامعة القرويين ليتحرر تلامذتها من الدراسة بها وتعطى لهم منح ليسافروا قصد الدراسة بالخارج لأن تعليم القرويين أصبح غير مجد وغير نافع لهذا العصر ولا يكرس إلا التخلف في المغرب. وبعد مظاهرة، وهو تلميذ بها، منحه الحزب الشيوعي المغربي منحة ليذهب إلى باريس ثم الشرق [العراق] للدراسة. وكان صديقا لبلند الحيدري والبياتي.. ولما تساءلت
-[مقاطعا]، الانتفاضة، شغلت ذهني ووجداني لأنني شاركت فيها كطفل إلى جانب والدي، لذلك احتلت الذاكرة منذ صغري ورغم ذلك، مهما حاولت أن أمسك بصورة الانتفاضة وصفا لا أستطيع أن يكون الوصف مستوفيا لها: فقد تحولت كثير من الشوارع بوادي زم إلى أنهار من النار والدم، وكانت أجزاء كثيرة من المدينة مفروشة أو مغطاة بالجثث. وكانت أفعال غرائبية قد لا يصدقها عقل الإنسان تحدث. مثلا، كانت أفعال قام بها ديكة، كان الديك يأخذ شيئا من الهري [مخزن] به نار ويذهب به إلى هري آخر لتشتعل النار؟ هل كان مدركا لما يفعل؟ قد يدعي أحد أن هذا مجرد تخرف أو افتعال أو مبالغة.. لكن لا يزال كثير من الناس شاهدوا الحدث، أحياء يحكون عنه، وهذه الشهادات حاسمة. وهناك مسألة أخرى، فالناس واجهوا أسلاك الكهرباء ذات التيار المرتفع من دون خوف. فقد رأيت بعيني هاتين فلاحا من قبيلة السماعلة يقف فوق صهوة حصانه الواقف أسفل أسلاك الكهرباء ويضرب تلك الأسلاك ببندقيته وتتقطع ولا يصاب بأي أذى. هذا الفعل الخارق لا يستطيع العلم التجريبي أن يعطي عنه تفسيرا عدا أن خشب البندقية هو السر المانع من احتراق الفلاح. ثم هذا الحشد الكبير للجماهير التي زحفت على المدينة، كيف تشكل؟ للأسف لا أحد يذكر الحشد الجماهيري وللأسف لا أحد إلى الآن يذكر ذلك المكان الذي لعب دورا كبيرا في هذه الانتفاضة. فأهل ذلك المكان كانوا مظلومين، لأنه لم يعط لهم ذكر في التاريخ نظرا للدور الذي لعبوه في التهييء للانتفاضة. المكان هو سوق ثلاثاء الگفاف، وستغير سلطات الحماية يوم قيامه واسمه مباشرة بعد أسبوع من الانتفاضة. حولته إلى يوم أربعاء وبقى هذا الأمر ساري المفعول إلى اليوم! قرار استعماري لطمس أثر هذا السوق يبقى مستمرا إلى اليوم! وإذا لم يكن ما أقوله صحيحا فلم غيرت السلطات الاستعمارية اسم ويوم انعقاد السوق؟ كان الفلاحون من أقصى السماعلة جوار نهر گرو، وهو اسم فرنسي من المعمرين لا يزال إلى اليوم ملتصقا بهذا النهر الجميل أحد روافد نهر أبي رقراق.. كان هؤلاء الفلاحون يقومون بما يسمونه التقديم، أي المجيء إلى ذلك السوق قبل يوم أو يومين بماشيتهم وبهائمهم على الأرجل يسوقونها لأنه لم تكن وسائل لنقلها. المقاوم الفقيه البصري، قال للّجن المنظمة، المناشير لا يجب أن توزع بمدينة وادي زم، بل المكان الملائم هو الثلاثاء لأن الفلاحين يقضون ليلة الاثنين هناك. لجنة المقاومة دفعت الفلاحين إلى القسم على المصحف لحمل منشور في شكارة كل فلاح، وحينما يعود يفتعل عرسا أو عقيقة ويجمع أعضاء أفراد دواره ويفسر مضمون المنشور الذي يقول بالحرف إن كل من تأخر يوم السبت المقبل عن الذهاب إلى مدينة وادي زم فهو خائن بل هو كافر لأنه لم يساهم في محاربة الكفار. وهنا استغلال الحس الديني، ولكن الطريقة كانت ناجحة. عالم الانتفاضة هذا بقي يتمخض في عمقي ويضغط علي حتى خرج جزء منه في أول قصة قصيرة هي "أزهار الجمرة"، نشرت بمجلة "البداية الجديدة" بوادي زم ثم قصة طويلة أخرى تحت عنوان "بوابة الزلزال"، وبعدهما كنت ما أزال أشعر بأن غليلي لم يشف بعد. إلى أن كتبت روايتي "شجرة النجد"، التي هي عبارة عن خمسة أجزاء وقد شاهد الأستاذ محمد جدير الأجزاء الأربعة التي لم تنشر في كتب بعد.
-انطلاقا من الراوي إلى المواضيع. فالراوي الأساس هو الجد، عايش خمسة ملوك علويين. قاتل ضد بعض القبائل كما ضد الملك مولاي عبد العزيز، وظل قوي البنية خاصة أن جدي المرحوم العربي بن الصالح، الذي لم يمت إلا بعد أن أكمل مائة وخمسين سنة من عمره كان حكاء عن هذا القرن والنصف من حياته. حكاياته كانت قد شحنت فكري وربما هي التي جعلتني حكاء وراويا بالفعل كما قال صديقي محمد المالكي. كان قد جعل لي مخيالا كبيرا عن المنطقة، التي كانت بها معارك تعتبر بمثابة ملاحم. مثلا معركة قام بها شيخ في منطقة لا تزال إلى اليوم في قبيلة السماعلة تسمى سيدي قطيب. كان هذا الرجل لا يذهب إلى السوق لأنه شيخ مسن وزعيم المنطقة، نصبه الناس زعيما لرصيده في التجربة والعقلانية. ولكن بعد عودتهم من السوق ينادي عليهم جميعا ويسألهم عماذا وقع في السوق. فما يسمعه منهم كان هو البوصلة لديه على ما سيحدث في الأيام المقبلة للمنطقة. وذات يوم عاد أفراد القبيلة من السوق وسألهم كالعادة فقالوا له لقد بَرّح بَرّاح، في السوق، بأن الفرنسيين "سَيُحَيِّحون" بعد ثلاثة أيام من أجل صيد الأرانب. وستبدأ عملية "التحييح" من سيدي قطيب. ضحك الرجل العجوز ضحكة سخرية وقال كلمة لا زالت إلى اليوم تعتبر مثلا شعبيا رائعا: "إيه شحال فيك أسيدي قطيب من أرانب". قال هذا لأنه لم تكن أرنب واحدة في سيدي قطيب. فهم الرجل بفضل تجربته الحياتية أنهم سيغتصبون خيرات هذا الدوار أو القبيلة. فقال لهم بعدما نطق بهذه الحكمة غدا سأرفع الراية البيضاء عالية ليجتمع كل سكان المنطقة وأعطيكم الأمر الملزم بالتنفيذ. وفي الغد، بعدما رفع الراية واجتمعوا قال لهم "عليكم بطيّ خيامكم وشد الرحال إلى داخل ذلك الحصن البعيد. نتحصن داخله نحن وأمتعتنا وبهائمنا وكل ما نملك. وحين حانت ساعة التحييح كان الصيادون الفرنسيون يحملون بنادقهم متجهين صوب سيدي قطيب، فوجدوا المكان فضاء فارغا.أصيبوا بخيبة وفشل. قالوا لن يكون صاحب هذه الفعلة سوى ذلك الشيخ الملعون. مثل هذه الحكاية وحكايات أخرى عن مكان يسمى فدان الفار، وتيميستي، أو المحل المسمى بالعكلة، أو نهر شعف، أو جبل سيدي قطيب أو جبل زق الطير.. وحكاية أخرى عن الفضاء الذي بنيت به المدينة التي تسمى وادي زم. يحكى أن هذا الوادي كان يسمى وادي الغزلان، وبعد مجيء موسى بن نصير لفتح المغرب دخل من الصحراء ومر بوادي سوس، ثم بالمكان الذي توجد به اليوم مدينة أوروز، قاصدا جبل توبقال، في طريقه لاحظ وجود مجموعة من الناس يصلون فتساءل "ياعجب! نحن متوهمون! ظننا أننا ندخل الإسلام إلى المغرب فإذا الناس يصلون هنا، لننتظر إلى أن ينهوا صلاتهم". بعد ذلك، أخبروه قائلين: "لقد أرسلنا وفدا زار النبي محمد وأرسل معنا وفدا علمنا الصلاة والقرآن". وبقي هذا المكان، إلى اليوم، يسمى باب المؤمنين وبه مدرسة فرعية لمجموعة مدارس المتنبي. بعد ذلك، وصل موسى بن نصير إلى وادي الغزلان، جلس يستريح ومن معه، قدموا ماء وعلفا للخيول في الصباح لاحظ أن حالتها تحسنت كما لم يحدث من قبل. هذا حصل للخيول بفعل جودة الهواء والماء والمرعى. فدعا أن يبقى هذا المكان جنة للخيول. ومنذ ذلك الوقت، عرفت مدينة وادي زم بالخيول الجيدة بل إن أول مركز أنشأه الفرنسيون بالمدينة مركز لتربية الخيول ولا يزال إلى اليوم. وادي زم سوق للخيول إلى اليوم، وازدهار التبوريدة [سباق الخيول]. لكن لماذا تحول هذا الفضاء من اسم وادي الغزلان إلى وادي زم؟ يحكي جدي أنه كان مكانا لا تعيش فيه إلا الغزلان. قطعان كثيرة كان جدي يسوق بعضها لذبحها والتزود بلحمها فاشتمت رائحتها، ذات يوم، الأسد التي كانت في الأطلس خاصة ببني ملال وأحنصال فاقتفت أثر الرائحة فاهتدت إلى هذا الوادي. فعاثت فيها فرسا. فرت الغزلان من هناك إلى غابة السماعلة ثم إلى المناطق الأخرى فتحولت تسمية الوادي من وادي الغزلان إلى وادي زم (وادي الأسد). مثل هذه الحكايات لعبت دورا كبيرا في تشكيل الرواية سواء ما قبل الانتفاضة أو بعدها..-اتخذت الرواية شكلا يوحي بالاشتغال عليه دون العناية بالمضمون وحده. وقد يشعر القارئ بالنفس الشعبي يقطر رحيقا بين ثنايا الفصول والحوارات والأحداث..
-في الأصل، كتبت الرواية قصة قصيرة، وحين هممت بدفعها إلى النشر راجعتها فأصبحت نصا من ثلاث حلقات أعلنت عن عدد الحلقات هذا في الحلقة الأولى المنشورة بجريدة "المنعطف". لكنني فوجئت بتدفقها في الكتابة. وسرت حسب نصيحة بعض الأصدقاء الذين يتهمونني دائما بأنني أمارس الرقابة والإلجام على حريتي في الكتابة. ولهذا أعطى هذا التدفق المتحرر، التقنية أو التخطيط الأصلي أكله: أن يكون عالم النص يتشكل وفق جريان أحداث سيرة الأسرة وسيرة الشخصية وسيرة القبيلة وسيرة مدينة "وادي زم" انطلاقا من الانتفاضة مع التأرجح بين حاضر وماضي جدي العربي بن الصغير. كنت أمارس الرقابة والإلجام أثناء الكتابة. وكان هذان الداءان تسربا إلي من أستاذي الذي أعشق شخصه كشاعر يلزم نفسه بالفكر والمعجم والرؤيا أثناء الكتابة وهو محمد الخمار الگنوني لأنه كان يقضي تسعة أشهر في كتابة قصيدة واحدة من ثلاث صفحات. ثلاثة أشهر يخصصها لتأمل المعجم والتقنية والرؤى وتشكيلها وثلاثة أشهر أخرى في كتابة القصيدة والثلاثة أشهر الأخيرة في التنقيح. وفي النهاية، تأتي قصيدة الخمار معجزة. وتصبح صعبة على الفهم. مثلا قصيدته "هوامش على الخريف الورقي" المنشورة في الملحق الثقافي لجريدة "العلم" وفي مجلة "الوحدة" لا أحد في المغرب أدرك أن الشاعر يهجو فيها صديقه الحميم الشاعر الكبير المجاطي لأنه نال جائزة الدولة، بل الغريب والمدهش أن المجاطي لم يفهم هذا الأمر بدليل أنه هو الذي ألح عليه كثيرا ليسلمه نسخة من القصيدة وينشرها في مجلة "الوحدة" وهو في حالة سرور وفرح. بينما أمامي كان الخمار يتهكم عليه في خفاء. وكنت الوحيد إلى جانب محمد الوهابي اللذين نعرف باطن هذه القصيدة والظاهر. فيما بعد سيسر لي: "كنت على خطأ في حق الجائزة. هو أيضا يستحقها". يقصد الشاعر المجاطي. لكنه كان يرى أنه أحق بها أولا.. هكذا كانت قصصي القصيرة فيها غموض وفيها نضج مثل أستاذي الگنوني. لكنني تمردت على نفسي، فيما يخص كتابة الرواية ربما لأن الخمار الگنوني مات منذ أمد طويل. وحتى القصيدة التي يشتم فيها حزب الاتحاد الاشتراكي (قصائد على ذاكرة من رماد) وهي ما قبل الأخيرة في الديوان لا أحد فهم مغزاها بدليل أن جريدة "الاتحاد الاشتراكي" ستنشرها وتخصص لها الصفحة الأخيرة كلها. في فرح وحبور بعودة هذا الشاعر إلى الساحة بعد غيابه لمدة اثنا عشر سنة. وقصة نشرها في جريدة "البلاغ المغربي" تطول إذ أنه كان يبحث عن منبر لنشرها يسميه بيضة "الاتحاد الاشتراكي" أي جريدة متفرعة عن الاتحاد. اقترحت عليه "البلاغ المغربي" ترك لي القصيدة خلال عطلة الربيع لتنشر في يوم خاص لمعنى وغاية في نفس يعقوب. وسافر هو إلى القصر الكبير. ذهبت بالقصيدة إلى محمد بن يحيى [مدير الجريدة] رفض نشرها لأنه لا يوجد خطاط جريدة "الميثاق الوطني" وخطاط جريدة "العلم" مسافر. أصبحت في ورطة إلى أن التقيت ذات مساء بمحمد بوخزار جوار المقهى الايطالي قبالة محطة القطار في الرباط أخبرته بالأمر لم يصدق عودة الخمار إلى الإبداع. حكيت له ما وقع بيني وبين بنيحيى فقال لي بالحرف "بن يحيى أحمق لأنه عاد من منفاه للتو ولا يعرف خبايا الساحة المغربية". كان ذلك سنة (1986). ثم أضاف "لقاؤنا يكون في الساعة الثامنة بمقر الجريدة وستراني ما أنا فاعل ببنيحيى" وبالفعل، في الوقت المحدد حضر السي محمد بوخزار. ثار في وجه بنيحيى الذي خضع في الأخير لإرادة بوخزار. قال لي "أمنحك (48) ساعة لتبحث عن خطاط" تذكرت صديقا درس مع الخمار أصبح مدرسا للفلسفة، هو السي محمد الزاهر [يشتغل اليوم في اليابان مترجما باليونسكو] كان خطاطا ماهرا ومترجما بارعا على درجة كبيرة من الإتقان جعلت مدير وكالة أنباء "المغرب العربي" يوظفه وهو طالب وكان يحصل على حوالتين. اشترط عليّ الزاهر شرطين: محبرة المداد وقصبة غير منجورة. في الغد أتيت بما طلب وفي مكتبه نجر القصبة إلى أن أصبحت قلما وخطط القصيدة حينما دخل رئيس قسمه ووجده يخطط قال له: "لماذا لا تكتب التقرير والاجتماع قريب" فناوله التقرير مكتوبا، ثم أكملنا التخطيط وحملني على متن سيارته إلى مقر جريدة "البلاغ المغربي". وهناك شاهدت مفاجأة أخرى: حدث لأول مرة بين الزاهر وبنيحيى لقاء بعد الفراق الذي امتد منذ كانا تلميذين في ثانوية النهضة بسلا. وأخيرا خرجت القصيدة إلى الوجود في بداية الأسبوع. حمل طلبة تكوين المكونين بكلية الآداب بالرباط القصيدة إلى حصة الأستاذ عباس الجيراري بعدما ناول أحد الطلبة الجريدة للأستاذ قرأها ثم شرع يبكي أمام الطلبة قال لهم: "أنا بنفسي موجود في هذه القصيدة". في حصة الناقد محمد مفتاح، أصبحت القصيدة موضع دراسة ثم كتب عنها بحثا بمجلة "دراسات أدبية ولسانية". وهكذا تشعبت تفسيرات القصيدة ولا أحد أدرك أنها تنتقد حزبا سياسيا بارزا. ويموت الخمار وتأتي سنة (2007) وتمر الانتخابات البرلمانية ونشاهد صدق حدوس هذه القصيدة خاصة البيت الذي يقول فيه: "ها أنت أيها البرق تنطفئ لتصبح مجرد رماد" وكذلك نقف على صدق فراسة الشاعر بالمطلع: "راية غدت رايتين غدت مزقا، غدت تغزل الدم بالدم الهمجي..." مشيرا قبل الأوان إلى انقسام الحزب بسبب تضارب مصالح المنتمين والانتهازية.. غياب الخمار طيلة هذه المدة، دون شك، لعب دورا كبيرا في تحرري من الفرملة أثناء الكتابة فأطلقت العنان لقلمي. وفي نص الرواية جملة تشير إلى ذلك" لا أنصت الآن إلا لخرير ذاتي". وهكذا وقع استرسال الحلقات فاحتضنتها رواية "شجرة النجد"، ثم توالت الكتابة حتى استوت الرواية في خمسة أجزاء لم تر الأربعة النور بعد..
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تهنئة مزدوجة
محمد محمودي من سوريا -أشكر الأستاد ع جدير الذي يعمل دائما على نفض الغبار على الطاقات الخلاقة في وطننا العربي الكبير. هو يعطي ليعطي.. وأرجو أن ينفض الغبار أيضا على روايته "غرب المتوسط" الصادرة مؤخرا والتي تصور العسف الذي تعرض له أثناء تجربته السجنية. هنيئا للمبدع البحتوري وأتمنى أن يسافر عمله إلى الشرق لنستمتع به.