ثقافات

ملامح

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سيحتاج الأمر إلى ثقة، بعيداً عن الفن أو حتى لغة التقرير!. مرة اتصل بي صديق، أخبرني أن هناك من يبحث عنّي، وأن سيدة لا تبصر تتحدث عن كتابي الأخير. ما عدتُ أتذكّر كتابي الأخير، ربما كان قصائد لم أكتبها بعد، أو دراسة نقدية طوييييييييلة عن إنسان بسيط يفتته القهر ومجهول.
في الليلة الفائتة زارتني تلك السيدة، كان بصرها حادّا، وحلمي بها واضحاً جدّا، تتحدثت بلهجة حادّة:
"ما يحدث لكَ هو الحقيقة، أما ما تفكر فيه ففيه نهايتك".
الطفل الذي كان معها في الحلم بلا ساق، وأنا كنتُ خجولاً جدّا، كما هو الواقع تماما، لكن الصورة مكتملة، هكذا كنتُ أفكّر. قبل سنوات شاهدتُ فيلماً غريباً وناعماً يتحدث عن فتاة مفقودة في غابة شاسعة، ولغرابة ما حدث لي بعد نهايته بتُّ أشكُ في مسميات الأشياء وأبعادها.
سأتحدث عن أشدّ الأشياء غرابة في هذا الأمر:
السيدة التي كانت تتحدث معي عبر الهاتف يوم أمس ماتت قبل أربع سنوات، لا أدري في أي يوم بالتحديد لكنها توفيت في يناير من عام 2005م، كنتُ عائداً من القاهرة حين شاهدتُ جثتها محمولة إلى مقبرة "أمنا حواء" بمدينة جدّة!. والطفل الذي كان معها في الحلم ليلة أمس كان يشبه جدّي كثيراً. أعرف أن هذا الأمر مرهق ويصعب الحديث عنه، لكن هذا ما يحدث معي.
أحب أن أقص عليكم لماذا أخاف الغابات. يتكرر، في أحلامي، منظر فتاة متحللة الجسد تحت جذع شجرة ضخمة، في كل حلم تعود من جديد، تتحدث عن أوهامها وعن السيدة العمياء، ثم تختفي. في إحدى المرات، وكنتُ في مدينة الرياض وتحديداً في مكتبة ابتاعتْ مائة نسخة من كتابي الأخير، رأيتُ السيدة ذاتها تحدّق فيَّ صامتة. قلقاً رحتُ أدور حول صف كتب على الأرض في واجهة المكتبة عندما سألني شابٌ بلا ملامح:
"أنتَ فلان؟"
ثم تلاشى في حديثه الطويل عن الثقافة وأهم الكتب لهذا العام. اعتذرتُ منه، وخرجتُ في أثر السيدة التي ارتدت نظارتها السوداء وفردتْ عصاً يستخدمها من يفقد بصره وبدأت تنقر بها الأرض، مشيتُ خلفها حتى وصلت إلى نهاية السور المحاذي للمكتبة ثم توقفتْ والتفت إليّ لتهمس:
"أخبرتك أن الحقيقة هي ما تريده أنت!، فلماذا تتبعني؟".
بقيتُ مكاني أشاهدها تمضي كفاقدي البصر، بثقة وحزن. وعندما عدتُ إلى المكتبة طلب منّي البائع أن أوقّع على نسخة لأحد كتبي، قال إنه لطفل بلا ساق، وأنه تعاطف معه لأنني تركته يتحدث وخرجتُ من المكتبة!.
البارحة كان حلمي واضحاً جدّا، ومخيفاً، كان ثمة ما لا أفهمه لكنه مستمر وأبدي، منذ سنوات وحلم البارحة يخيفني، وأنا أهربُ منه، أهرب مستخدماً عصاي وبقية بصيرتي التي تجنبني الوقوع في الحفر على أرصفة مهجورة!.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف