وفاة السارد السافر جون ابدايك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد خاص بإيلاف: توفي هذا اليوم الكاتب الأميركي الكبير جون أبدايك بعد نضال طويل مع مرض سرطان الرئة. ولد جون أبدايك18 مارس 1932 في بنسيلفانيا. تعاطى المخدرات إبان شيوعها وسط الشباب الهيبي والمحتج على حرب فيتنام مطلع سبعينات القرن الماضي. وقد عبر عن هذه الفترات من
وطبع عشرات المجاميع القصصية القصيرة كـ"ريش الحمام".
وروايته "إرهابي" التياثارت ضجيجاواسعا، تكاد تجيب على سؤال اقلق الأوروبيين والأميركيين بعد أحداث سبتمبر:"ما هي العوامل والبواعث خلف
*****
جون أبدايك يوضح كون الفن مرآة تعكس الروح الأميركية
بقلم لورين مونسن
بدا من المنطقي، عندما وصل أبدايك إلى واشنطن ليلقي محاضرة جفرسون في الدراسات الثقافية للعام 2008، النشاط الثقافي الذي رعاه الصندوق القومي للدراسات الثقافية في 22 أيار/مايو، أن يصوغ ملاحظاته حول سؤال واحد "ما الذي يجعل الفن الأميركي أميركيا؟"
وقال إن السؤال، "كثيراً ما أثير،" وإن كان طرحه لم يعد موضة شائعة كما كان في السابق، نظراً لأن أي دراسة شاملة لإنجازات أميركا في الفنون "تنجذب بصورة حتمية... نحو تلك المجموعة السكانية التي أصبحت أقل المجموعات السكانية تمشياً مع الموضة في الولايات المتحدة، الذكور البيض البروتستانت الذين تعود جذورهم إلى أوروبا الشمالية."
وقال إن السؤال خطر له عندما كان يفكر ببرنامج جديد، "تصور/تصوير أميركا"، ستعرض من خلاله ملصقات منسوخة عن 40 عملاً فنياً مهماً أميركياً في صفوف المدارس وفي المكتبات العامة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ويهدف البرنامج، الذي أطلقه الصندوق القومي للدراسات الثقافية وجمعية المكتبات الأميركية، إلى إطلاع التلاميذ الأميركيين على تراث بلدهم الثقافي من خلال الأعمال الفنية من لوحات ومنحوتات وهندسة معمارية وحرف جميلة وصور تساعد في إلقاء الضوء على شخصية البلد ومثله وطموحاته.
ويقدم برنامج "تصور/تصوير أميركا" أعمالاً متباينة كتباين الصورة المعبرة التي التقطها الكزاندر غاردنر للرئيس إبراهام لكنولن المرهق من الحرب، الذي جلس أمام عدسته قبل ثلاثة أشهر فقط من اغتياله في العام 1865؛ ولوحة ماري كاسات الزيتية، (1893-1894)، "The Boating Party"، التي صورت مجموعة هادئة من أفراد عائلة تستمتع برحلة في قارب في بحيرة؛ ولوحة المهاجر الإيطالي، جوزيف ستيلا، جسر بروكلين، "Brooklyn Bridge" (حوالى 1919-1920)، التي مجدت ديناميكية الحياة الحديثة وعصر الآلة؛ وتحفة فرانك لويد رايت في الهندسة المعمارية، مياه متساقطة، "Fallingwater" (1935-1939)، وهي منزل معاصر جريء معلق فوق شلال مياه؛ ولوحة الفنان رومار بيردن، الحمامة، "The Dove" (1964) المصنوعة بأسلوب الكولاج، (الذي تلصق فيه قطع من الورق أو القماش أو السلك على سطح ما)، وهي عبارة عن مشهد يعج بالنشاط الصاخب في مدينة متقصياً تجربة الأميركيين-الأفارقة في المدن.
وفي حين أشاد أبدايك بـ"مجموعة الـ40 عملاً فنياً المتنوعة بحساسية" التي تضمنها برنامج "تصور/تصوير أميركا،" إلا أنه قال إن محاضرته، وعنوانها "وضوح الأشياء،" ستتمحور حول "الذكور البيض الموتى" المستهزَأ بهم كثيرا، الذين صاغ ما أسهموا به إلى مجموعة الأعمال التي تشكل المعيار الفني الأميركي فهم الشعب لتاريخ أميركا وتقاليدها الثقافية. وأضاف أنه رغم أن "هؤلاء الأشخاص الأبويين مفرطي الصرامة والرزانة" لا يحظون بالاستحسان في "عصر التعددية وتنقيح التاريخ هذا،" إلا أنه لا يمكن لأي شخص يسعى إلى التوصل إلى إدراك تام لكيفية تشكيل الفنانين للولايات المتحدة ، منذ كانت مستعمرات حتى الوقت الحاضر، إغفالهم.
* دولة ناشئة وفنانوها
يرى أبدايك أن أول رسام أميركي عظيم كان جون سنغلتون كوبلي (1738-1815)، الذي ولد في بوسطن لأبوين إيرلنديين مهاجرين. وبدأ مهنته الفنية في بوسطن كمراهق عبقري يرسم لوحات البورتريه الزيتية التي تنقل صورة الشخص المرسوم بواقعية تتميز ببراعة فائقة. وقال أبدايك إن اهتمام كوبلي بالتفاصيل و"مهارته الخارقة للطبيعة في رسم نسيج القماش وأنواعه" (وهي صفة مهمة إذ كانت ملابس الشخص المرسوم تدل على طبقته الاجتماعية)، سرعان ما جعلاه "رسام البورتريه الذي لا ينازع ليس فقط في نيو إنجلاند وإنما في جميع المستعمرات."
ويشتمل برنامج "تصور/تصوير أميركا" على لوحة بورتريه رسمها كوبلي في عام 1768 قال أبدايك إنها "لصائغ فضة ناجح من بوسطن، بول ريفير، الذي أصبح لاسمه، بفضل قصيدة نظمها (هنري وادزوورث) لونغفيلو في العام 1861، صدى يتردد في أسطورة الثورة الأميركية." ومضى أبدايك إلى القول: "هذه هي لوحة البورتريه الوحيدة التي رسمها كوبلي لحرفي يلبس قميصاً بدون معطف، و... مهما كان الأمر الذي كان ريفير يفكر به، فإنه على الأرجح لم يكن تلك الرحلة على حصانه التي أخذها على عاتقه في منتصف الليل بعد ذلك بثمانية أعوام وإنما العمل الذي كان سيقوم به في صباح الغد، وبعملية نقشه وتلميعه شديدة الدقة."
وقد انتقل كوبلي في نهاية الأمر إلى لندن كي يتمكن من إتقان الأسلوب الفني الإنجليزي، ورغم أن أعماله حازت على الإعجاب في إنجلترا، إلا أنه لم يوفق إطلاقاً في تحقيق نفس النجاح الذي أحرزه في مسقط رأسه. وكما قال أبدايك: "ترك (كوبلي) خلفه الأرض التي كافأته بمكانة لا ينازعه عليها أحد ... في سبيل إنجلترا ناضل فيها على الدوام لإثبات نفسه." وقال المؤرخ الفني لويد غودريتش إن أبدايك: "أعرب عن الأمر بدون مواربة: "فقدت أميركا أعظم فنانيها، لإضافة رسام جيد آخر إلى المدرسة البريطانية."
اشتهر نورمان روكويل برسوماته التي تصور القيم الأميركية الصميمية.وكان ونزلو هومر (1836-1910)، الذي ولد بعد كوبلي بـ98 عاماً، فناناً آخر من بوسطن كان أسلوبه في رسم اللوحات الزيتية صريحاً مباشراً بقوة، ومن الواضح أنه أميركي، في تصويره للمناظر الطبيعية البرية الجامحة الوعرة شديدة الانحدارات والمشاهد البحرية العاصفة، علاوة على تصويره غير العاطفي للعمال من الرجال والنساء الذين يظهرون صبراً وتحملاً يكادان يصلان إلى حد البطولة. وقد اختار برنامج "تصور/تصوير أميركا" لوحة بريشة هومر هي المحارب القديم في حقل جديد، "The Veteran in a New Field" (1865) التي أصبحت أساس صورة مطبوعة من كليشيهات خشبية استعملت كصورة توضيحية في مقالة صحفية نشرت في العام 1867 قال أبدايك إنها كان "تحتفي بعودة الجيوش (التي خاضت الحرب الأهلية الأميركية) على نطاق واسع من ساحات المعارك باعتبارها (أي العودة) نصراًً لمجتمع ديمقراطي."
ولم يكن هومر محصناً ضد التأثيرات الخارجية، ولكنه رفض بوضوح اتجاهات فنية معينة، بينها الحركة الإنجليزية الفنية الشائعة (في القرن التاسع عشر) بالعودة إلى أساليب ما قبل عصر الرسام الإيطالي رفاييل، التي اعتمد أتباعها رسم شكل البنية بأسلوب محدد واستخدموا ألوان الحجارة الكريمة. أما هومر فكان يستخدم في أعماله الألوان المخففة إلى حد ما وكانت ضربات فرشاته قوية متسمة بتحرر لا تحده قيود لخلق توتر ديناميكي. وقال أبدايك إن لوحاته التي تصور مش?هد بحرية كانت بشكل خاص "صور قوة وهيجان عاصف بدائي،" مع وضع الأصباغ على اللوحة بشكل "يكاد لا يتقيد بأي قيود" ولا يحاول إخفاء جهد الفنان.
وأضاف أبدايك أنه من خلال "كسو (هومر) اللوحة بطبقة كثيفة (من الطلاء الأبيض) بسكين ينقل الطلاء الزيتي من لوحة ألوانه إلى قماش اللوحة الزيتية، و"نشره في مكانه على اللوحة مقلداً نشاط المياه الهائجة، نشاهد في آن واحد المحيط والفنان أثناء قيامهما بعملهما. وهذه المراحل الصعبة من الزبد المتدفق بسرعة والرذاذ المنفجر منه هما تصوير لظاهرة طبيعية وفي نفس الوقت أمثلة على البراعة في الرسم" يندمجان معاً بسلاسة تامة على قماش اللوحة الزيتية.
* صياغة هوية: الماضي كمقدمة تمهيدية
أشار أبدايك في محاضرته إلى عدة فنانين مرموقين آخرين تضمنهم برنامج "تصور/تصوير أميركا،" مثل غرانت وود، الذي تقدم زيتيته "رحلة بول ريفير على جواده في منتصف الليل" (The Midnight Ride of Paul Revere) صورة ملتقطة من الجو لإنجاز ريفير الشهير وقد صورت "بنفحة من المحاكاة الساخرة؛ فالقرية تبدو كلعبة أطفال صغيرة،... وقد تمدد فرس ريفير فوقها في وضع حصان خشبي للأطفال." وتشكل نفحة بساطة شعبية مماثلة جوهر الجدارية التي رسمها توماس هارت بنتون في العام 1975 بعنوان "مصادر الموسيقى الريفية" (Origins of Country Music)، والتي رسمت بخطوط بنتون المرنة المتواصلة دون انقطاع عادة." ويرى أبدايك أن "مثل هذه الرسوم التمهيدية الإيجازية المضحكة تطلب من المشاهد بلطف عبقري أن يتوقف عن عدم التصديق بينما تعرض عليه ما هو صورة أميركا الذاتية أكثر مما هو مشهد أميركي،" وتصبح بذلك تحية حنونة للأساطير القومية والقصص غير القابلة للتصديق.
ووصف أبدايك الصورة التي التقطها ووكر إيفانز في العام 1919 لجسر بروكلين، الذي بدا فيها الجسر وكأنه أعجوبة هندسية "تقاوم خطوطها جذب الجاذبية الأرضية لها إلى أسفل برشاقة، تماماً كما تقاومها أقواس الكاتدرائيات القوطية مستدقة الرأس،" بأنها تسجل تحول أميركا إلى بلد صناعي. وقد جاءت المشاهد المنزلية البسيطة التي سجلتها ريشة نورمان روكويل، الذي ظلت أعماله تنشر على غلاف مجلة ساتِرداي إيفننغ بوست لعدة عقود، مخالفة لها. وقد أصبح ينظر إلى روكويل على أنه كنز قومي محبوب لرسوماته المصورة للقيم الأميركية الصميمية؛ إذ كانت معظم لوحاته صورة موجزة مأمونة تكشف صفات الود والحماسة والاستقامة وحس الدعابة التي يتحلى بها الأميركيون من جميع شرائح المجتمع.
وقد أعطى أبدايك روكويل ما يستحقه من تقدير، مشيراً إلى زيتيته "حرية الكلام" (Freedom of Speech) (1943)، التي "رسمت بدون أي ضربات فرشاة ظاهرة، مما يشكل السمة الرسمية لأسلوب الرسم."وقد تم في هذه اللوحة، التي ينظر إليها وكأنها أيقونة مقدسة وفُهمت على أنها تحية إجلال وإكبار للديمقراطية أثناء ممارستها، "تم تركيز الانتباه من جميع الجهات" على الشخصية الرئيسية فيها، رجل يقف ليدلي برأيه في اجتماع لسكان بلدة أميركية.
وقال أبدايك إن روكويل "مثله في ذلك مثل كوبلي الذي جاء قبله،" قدم أعمالاً ذات قيمة جيدة لزبائنه، "وفي الدرجة الأولى (مجلة ساترداي إيفننغ) بوست والملايين الذين يشكلون قراءها، وكان يتجاوز دوماً ما هو ضروري من خلال حيوية كاريكاتورية إضافية أو، في أعماله الأخيرة، من خلال تفاصيل تمت ملاحظتها بمحبة."
وعاود أبدايك بعد ذلك التطرق للقرن الثامن عشر مشيداً بلوحة غيلبرت ستوارت القوية Lansdowne Portrait (1796) التي وقف جورج واشنطن، أول رئيس أميركي، أمام الفنان فرسمها من مشاهدته مباشرة (لا من رسم آخر). ويرتدي واشنطن في هذه اللوحة، بتواضع، الفراك (وهي سترة رجالية سوداء تبلغ الركبتين) والبنطلون القصير (لركوب الخيل) التي كانت ملابس الجنتلمان الذي يملك أراض في الريف، وإن كانت وقفته الدالة على العظمة لا تترك أدنى شك لدى المشاهد بأنه رجل يتمتع بمنزلة رفيعة مهمة بين أقرانه. وقال أبدايك إن لوحة لانسداون بورتريت، الصورة الفخمة بالحجم الطبيعي للرجل الذي كان أب وطنه، "بأسلوبها البليغ المبجّل تليق بملك."
وترتبط هذه الأعمال الفنية، مع الكثير من الأعمال الأخرى التي يتضمنها برنامج "تصور/تصوير أميركا،" بوعي عالم جديد أعرب عنه بوضوح عالم اللاهوت جوناثان إدواردز الذي عاش إبان الاستعمار البريطاني لأميركا، (1703-1758)، والذي استمد أبدايك عنوان محاضرته من كتاباته. وخلص أبدايك إلى أن إدواردز "بحث عن صلة مع ما هو سماوي في "وضوح الأشياء" الجميل. وقد وجد الفنان الأميركي، الذي ولد أولاً في قارة تخلو من المتاحف ومدارس الفنون، في الطبيعة أستاذه الأول، وفي "الأشياء" مادته الرئيسية."
وقال أبدايك إنه في مثل هذه البيئة، حيث كان على المستوطنين خلق مؤسساتهم أثناء تشييدهم لدولة من نقطة الصفر، كان هناك دوماً "انحياز للتجربة العملية واعتماد الملاحظة والاختبار، أثناء انكباب الفنان على رسم المعالم الظاهرة في عالم جديد يشعر وكأنه محاط بالفوضى والفراغ."(الترجمة خاصة بـ"موقع يحكي قصة أميركا")