فوهة وإيجار غرفة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
(1)
ماذا حين يتقوس صباحاً ولا يجد في قعره سوى
صور ذابلة لمدن يمكن عدها على أصابع
اليد،
تقاومه كالثور الناطح بقرونه ومرانه الطويل
على الباحة تكتظ بالصخب والعرق ينضح
من جدرانها، تركض خلفه وكأنها تلعق
دمه
هو وقد أعمته
الأضواء المحيطة بالحفرة؟
(2)
في الماضي، كان مولعاً بمعزوفة نحن جميعاً،
الآن معاً،
عن نفسه، عن الباحة، عن الثور النازف والمشهد
الباذخ لسائحي التذكرة الأخيرة، يذهب الدم الفائر
وكأن القلب الذي ضخه قد تخلى عن دورانه
ومزاحه مع الكريات يلونها بالأبيض والأحمر، ثم يدفع
بثقلها نحو غدد تصنع منها الخبز والحوامض الضرورية
لبناء الجسد، فك أقفاله، شرايينه وأوردته ذات الدفق
والإيقاع المنتظم، ماء يتسرب ويختلط بغرين التربة، ثم
يضيع في تفاصيل فروعها التحتية؛ يهدأ صراخ المشهد،
يولع سيجارة كركيزة لأصابعه، يراها تحترق، تتبخر وتفنى
بلا أثر أو رغبة مغلوطة في البقاء الأبدي، فائض الحاجة،
حيث لا يعرف أصله، الندم الذي قاده لكي يقطن من قرب
أسواق ونفايات عصرية، منها، حين يجوع، يلتقط قوته ومن
حوله تتجمع طيور جارحة، تبحث هي، بدورها، عن غذائها
اليومي، دون نسيان ما حدث لها البارحة، أو قبلها
من تشابك
على الخطوط الأمامية للمعركة.
(3)
ربما تغافلتُ عن لبس حذاء الطبيبِ الواقي، ربما
لن أجد هذا الشهر
ما يفي بالغرض لدفع إيجار الغرفة، ربما ستواصل حتى
موتي آلام الكعوب المبرحة، بغتة يدق جرس الهاتف،
أسرع
والتقط أنفاسي، أتغافل عن رفع فوهة البندقية،
أتطلع
بالوحشة
وفي داخلي ما يشبه القسم أن لا أعاود الكرة،
أصبحت خائفاً من الأواني المحلقةِ، الأصوات التي تدق
عمداً في لحظات خاطفة وكأنها جاءت لتمنعني من التقاط
الهواء يضخني بدافع العيش، مواصلة نقل الخطوة
شيء لا يصدقه "العقل الضاحك"، الجهد الذي أبذله في
محاولة التقرب والقبض على الفوهة، ربما ستنفجر أثناء
حملي لها لتكون قريبة من بندقية أخرى ناطقة : اتصلت
بك البارحة ولم أجدك، حاولت ترك رسالة مسجلة،
لكي أخبرك لا تعود لا هذا العام ولا العام الذي يليه، الدرب
ما زالت غير سالكة، تخيل! القرية التي ولدت فيها لا تبعد
عن العاصمة أكثر من ثلاثين كيلو متراً، تخيل! الرجفة التي
تحاصرني ، فوج الجنود والجثث المبعثرة، كلا لم أعد أصدق
عودة الشبكة قريباً، بعت منزلي القديم، وها أني مع الأولاد
على تل مرتفع قليلاً، قرب حامية أميركية، أجل أنهم هم منْ
يشوش على رسائلي الإلكترونية، لا تنسى بأني امرأة تشعر
بعجزها عن إمكانية اللحاق بغربتك، لكني أحملك في
نبض قلبي، حاول أن تعمل جاهداً للحصول
على تقاعدك كاملاً،
لكي تدفع إيجار الغرفة.