ثقافات

الجائزة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كرسي
لا بأس أن أقطف هذه الجملة من النص:"الكرسي الذي يجلس عليه الرجل ما عاد قادرا على تحمل ثقل جسمه. امتد لحمه وفاض."
كان النص الذي أرسله إليهم يدور حول كرسي خشبي ورجل. وكان الرجل، قيل أنه موظف يشتغل في قرية نائية، مشغولا حد الهوس بإصلاحه. في هذا العالم كل شيء يدور حول الكرسي.. ولأنه لا يحتاج للتأنيث كي يعشق فإن الدنيا تقام وتقعد له.
داك المحبوب كيلوموه الناس
آه كيلوموه الناس...
ووسع كرسيه السموات والأرض.
صدق الله العظيم.
لبعض الكراسي جاذبية كبيرة.. للبعض الآخر رائحة الموت. و من دوافع نفسية عميقة وغامضة هناك من هو مستعد لفعل ما لا يطيح في البال من أجل الظفر بكرسي. قبل نصف سنة وبضعة أيام وستة وخمسين دقيقة بالتمام والكمال بعث لهم النص ونسيه. و في الحقيقة لا يمكن للمرء ان ينسى أولاده. مرت العطلة وكان عليه أن يستمر في إصلاح كرسيه والبحث عن نص آخر. لقد خذله الزمن والأصدقاء والصحة واللغة. كلهم خانوه. و ليس غريبا أن يخان المرء من حيث لا يحتسب. كل خيانة لها دواء إلا خيانة اللغة. روضت شهرزاد شهريار باللغة. لنتصور أن شهرزاد خانتها اللغة، ماذا كان سيكون مصيرها؟
اللغة عنب
اللغة جنية
اللغة شهرزاد
اللغة جبريل
اللغة ماء
اللغة عرش
اللغة بحر.
اللغة رب رحيم شديد العقاب.

رنين
رن جرس المنزل قبل دقائق. لم يكترث الحسين كثيرا للرنين. لا شيء يشغل باله غير إصلاح كرسيه. كل الذين اشتغل معهم أصلحوا أو غيروا كرسيهم إلا هو. كان فردا. صار اثنان. ثلاثة. أربعة. خمسة. لا يعرف كيف انتقل من التفرد إلى التعدد. يقولون له إنها السنة. ولا تبديل للسنة. يجاريهم فيما يقولون. من أجل القرية المشتركة وماء المطفية والصخور يجاريهم. وفي الليل ينادي على جنيته الحمراء الساكنة في منزل من زجاج.. يتكئ عليها. يقرصها من وجنتيها. تطاوعه. يهديها روحه. تهديه جناحيها. يطير. يحلق في السماء. أمام عينيه تتعرى الكائنات النارية والنورانية والترابية.
الجرس يرن مرة أخرى.
ليت الجرس يسكت!
يفتح الولد النافذة وينظر. عيناه اسفنجتان.
قطار الليل قد تحرك للتو. مع الخيوط الأولى لليل ترتخي العضلة الأخيرة للحسين ويرن جرسه الداخلي العميق.
الليل فراش وثير
الليل حورية
الليل جنية حمراء.
سبحان من جعل الليل سباتا!
رن الجرس مرة ثالثة.
هؤلاء لا يكترثون إذن!
تلك سنتهم فلا تتبعها.


الجائزة
-من فضلك. هل هذا هو منزل السي الحسين؟
-لا. إنه الذي تحت.
الجرس يرن. لا يشبه رنين جرس المنزل الذي فوق جرس المنزل الذي تحت. جرس المنزل الفوقاني زقزقة عصافير. جرس المنزل التحتاني نعيق غراب. مرارا طلبت منه زوجته أن يغير هذا الجرس لأجل الأولاد.
يحلى الفاس في يد الناس.
لأجل الأولاد ينبغي أن تغير كل شيء: أن تغير ساعة نومك، عاداتك الغذائية، ساعة دخولك الى الدار، ساعة دخولك الى الحمام، قناتك التلفزية، كتبك التي تفضل، طريقة كتابتك، أحلامك التي تطاردك..
-لمن تحكي زابورك يا داوود؟
-للحسين.
للحسين زبابيره التي يقرأها حين يعسعس الليل.
يرن الجرس مرة أخرى. يحرك الرنين عقل الأطفال. الفضول هو الذي يحرك الإنسان في الواقع. عندما لا يبقى لديك فضولا معناه أن يقرؤوا عليك السلام.
تزقزق عصافير الجار. هل حقا تزقزق؟ ينعق غراب الدار. يفتح الولد النافذة. يمد رأسه إلى الأمام. تتدلى رجلاه مثل غصنين صغيرين.
-شكون؟
-أنا. قل لأبيك إني أريده.
يخبر الولد أباه المشغول بالنظر الى الكرسي. يحول الأب عينيه نحو الباب .
الله يسمعنا خير، يهمس لنفسه.
يلبس جلبابه الباهت اللون..
وهو نازل فكر في كل شيء. فكر في النص الذي أرسله إلى المجلة. فكر في الكرسي الوثير الذي سيجلس عليه إن فاز نصه بالجائزة الأولى. فكر في المبلغ المالي الذي سيعطونه. سيحتفظ بجزء من المبلغ والباقي سيرسله إلى أمه. الأم تقول أنها تريد أن تكسي حمارتها. ستشتري لها بردعة وشواري وشكيمة ويوم الأحد ستسمرها عند الحداد. موسم جني ثمار الزيتون اقترب والحمارة تحتاج إلى حذائها الحديدي.
- أهلا بسي الحسين. كيف الحال؟
- أهلا وسهلا بسي احمد. بخير والحمد لله.
- أليس في علمك؟لقد فزت بالجائزة الأولى.
- حقا؟ لا أصدق.
وكان النص الذي أرسله يدور حول رجل لا هم له بعد العمل غير إصلاح كرسي عنيد.

عثرة
حين قفل عائدا إلى المنزل كعصفور يطير للمرة الأولى زلت قدماه. لا يدري كيف وقع. سقراط عثر بينما كان ينظر الى السماء وقالت له عجوز أنه ينبغي عليه النظر الى الأرض كي لا يسقط مرة أخرى. وسمع أنين جارح. من قال أن الرجال لا يئنون؟
وقال الممرض للزوجة أن الثقل هو السبب في الكسر. وعليها أن تقبل مشيئة القدر و تمر عنده غدا مساء ليناقش معها مسألة الكرسي المتحرك. وكان الممرض قضاء وقدرا على القرية.
و رأى الرجل زوجته تضع المطرقة على الطاقة ثم تخرج من الدار في غير الوقت الذي ألفت فيه الخروج. أشاح بوجهه نحو الجدار الأبيض وفكر في النص الذي بعثه الى المجلة. كان النص يتحدث عن كرسي خشبي ورجل.
وكان متيقنا أنه أنهى النص بهذا الشكل:
الكرسي
الفيض
الرجل
الخيانة
وكان حريا به أن يكفر ويفكر..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف