ثقافات

محنة شفيق الكمالي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في كلِّ عضلةٍ زئيرٌ محبوس
والضربة القاضية صرخةٌ صاخّة

في داخل الحلبة
الإنسان في أقصى بدائيّتِهِ
يحمل يديْه كهراوتين
هنا في داخل الحلبة
تنتفي كلُّ أشكال الإنسان
يداه كالسابق آلتا صيدٍ جارحتان،
وما من رحمة.
الضربة القاضية صرخة
في أعلى درجات الخوف
في أعلى درجات الضعف

الحَلَبةُ نفسُها كميزان الكيل
لا أهميّةَ للحجم، أو الطول، أو العرض
وفوق بنايات المحاكم عادةً
تمثال أكبرُ من الحجم الطبيعي
يحمل ميزان العدالة
بوقارٍ كلسيٍّ بارد
وسيفاً على الأهبة
أغرب كفّتيْن خادعتيْن
متى تساوى الضرر والعقوبة!
أغرب تلاعبٍ بالألفاظ
كالأدوية المسكّنة
هدنة موقّتة بين الألم والصراخ

العقوبة تنتهي بأجل ولو كان موتاً
والضرر معوِّق حيٌّ
ينمو في الإنسان إلى آخر شوط.

لكن ما علاقةُ هذا بشفيق الكمالي؟
لماذا نسِيتُ نظمَ الشعر،
لا أدخل في صُلب الموضوع إلاّ بمقدّمةٍ خائبة؟
في الديْن فقط لابدّ من تلجلج
وإلاّ أصبح جِدْية. في الحبّ الجديد كذلك
لابدّ من تلعثم وحمّى وانقطاع نَفَس
وإلاّ كان قلّة حياء

لماذا لا أبدأ بصراخ
كشاعرٍ ملسوع: "وا حرّ قلباه"؟
لماذا لا أيأس
كشاعرٍ بطئ:"غير مُجْدٍ في ملّتي واعتقادي"
ما علاقة شفيق الكمالي
بالحلَبة وميزانِ الكيل؟
بالمتنبّي أو المعرّي
لم نكنْ في حَلَبةٍ أبداً
ما من أحدٍ يراها في الأقلّ
حقّاً كان أطولَ منّي ببوصات عشر
وصدره المرتفع كصدور الرياضيين
أعرض من صدري بالتأكيد
في الميزان أو داخل الحلبة
لا أهميّة للحجم أو الطول أو العرض

هبْه كان وزيراً
وله خطّ أحمر برئيس الجمهوريّة
هبْه مرشّحاً للقيادة القطريّة لحزب البعث الحاكم
هبْه يتندّر مع وزير الداخليّة ويتبذّأ بلا تحرّج
هبْه رئيس اتحاد الكتّاب العرب
يفتح له السائق بابَ السيّارة ويُغلقه دون شكر
لا لن أكون إلاّ ندّاً له هذا اليوم

في الميزان أو داخل الحلبة
لا أهمّية للحجم أو الطول أو العرض.

بالحقّ، لم نكنْ في حلبةٍ
ونحن في طريقنا من لندن إلى مانتشستر
ما من أحدٍ يراها في الأقلّ

من الشوط الأوّل
صعد قبلي إلى القطار ولم يُجاملْ
متقابليْن جلسْنا كما
في حَلَبةٍ قبل الآشتباك
خدّاه متعضّلان بدكنةِ لحمٍ شائط
يتنفّس بصعوبة
كحَيَوانٍ مائيٍّ على اليابسة
يتلوّى
كمَنْ يُعاني من حصاةٍ في المثانة
(أُخرِجتْ بعمليّةٍ جراحيّةٍ على شكلِ قلب
ثقَبتْها زوجته ولبستْها قلادة)

تحرّك القطار فآنفلتتِ الجهات
وتحرّكتِ البناياتُ كالأنهار
دخل البردُ من أسفل البناطيل
قليلاً..قليلاً..أبعد رأسَه إلى الخلف
كالطغاة الذين يتفادون
مواصلة الآستماع
كأنْ يشمّون بطرف الأنف، جيفة!

أعلى منّي ببوصاتٍ عشر
أعرض منّي بشبر
ما همَّ ؟ سأكون نِدّاً له
ولو نحَتَ على كتِفيْهِ رأسَ أسد

وضعتُ كرامتي في كفة
فلْيضعْ
مناصبَه وشعرَه المقفّى في الكفّة الأُخرى

نظر بكامل وجهه من نافذة القطار
كانت الحقول مقلّمة بالمسطرة والبركال
خضراء على مدِّ البصر،
على مدِّ البصر
منقّطة بالماشية
والمكائن الزراعية
والقبّرات

تأوّه آهة تُطفئ عشر شمعات مرّةً واحدة
.."السكوت أفضل" قال.
"في فمي ماء" قال.
"الشقّ كبير والرقعة صغيرة" قال معرِّضاً بالسلطة

اظلمّ وجهُهُ بدخانِ مؤامرة
سيكون أوّلَ المقتحمين للقصر الجمهوري، خمّنتُ

الكفّتان الآن غير متكافئتيْن
خفّتْ موازيني
-الأسرار أثقلُ من كلِّ المكاييل-

اخترق القطارُ زوابعَ الثلج
يشقُّ الريحَ، ويفتتح المدنَ بلا مقاومة
القطار يُورث اصفرارَ الوجه
وانحصارَ البول ويدبق الجسد
تأوّهَ بإرادةٍ صلبة:"في فمي ماء والشقّ كبير"

عضّ الساندويتش ولم يُكْمِلْه
رماه من نافذة القطار بآشمئزاز
طار الساندويتش إلى الوراء مع آثار أسنانه
طلب شاياً أسود كالقار..ولم يقُلْ من فضلك
الأسرار أثقل من كلِّ كيل ولم أستسلم
حصوني تنهار ولم أستسلم بعد
تورّم بيننا الصمت، وصار مُحرِجاً
كعظم سمكةٍ في اللهاة
الصمت ينتفخ مثل زئيرٍ محبوس في عضلةٍ مستوفزة

نظر ثانيةً بكاملِ وجهِهِ
إلى كوخٍ بعيدٍ في الحقل
كوخٍ منفرد
كأنّه نابت بحكم الطبيعة في العراء
قال شفيق الكمالي بصوت شاةٍ تجهض:
"ليتني أنعزل عن العالم في كوخٍ هنا إلى الأبد"

الضربة القاضية صرخةٌ صاخّة
في أعلى درجات الخوف
في أعلى درجات الضعف

تتجمّع..تتجمّع
دمعته تتجمّع في عينه
وحين نظر إليَّ، سقطتْ ونشج
ضربته القاضية تلك
في أعلى درجات الخوف والضعف
أسقطتْني أرضاً، ولم أُفِقْ، وتوشّلتْ ساقاي.

لم نكنْ في حلبة.. ما من أحدٍ يراها في الأقلّ

بعد سنواتٍ أقلَّ من أصابع يدٍ واحدة
قيل مات بالسكتة القلبيّة كمداً.
لم يُشَيَّعْ على أيّة حال.
وقيل مُزِّق في السجن،
كما يُمزَّق علمُ دولةٍ معادية


نُشِرتْ عام 2001 في مجلة "الاغتراب الأدبي" اللندنية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أي محنة إستاذي..؟؟
عادل إبراهيم -

عن أي محنة تتحدث ، ايها الشاعر الكبير، وقد كان شاعراً في عصابة البعث الذي آمن به فكراً ونهجاً وأفعال، وما قتلته إلا لخلاف بين أجنحة أعضاء عصابة همها قتل العراق وتدميره، وليس من إختلاف بين صدام حسين أو محمد عايش أو بين شفيق الكمالي وطارق عزيز أو شاذل طاقة أو عبدالأمير معلة أو حميد سعيد أو غيرهم ممن إنتموا لحزب البعث بعقائدية أو لإنتهازية دماءهم.قصيدة رحمة لوظيفة كانت في المركز الثقافي العراقي في لندن حين كان الكمالي وزيراً لثقافة سلطة جائرة.

أي محنة إستاذي..؟؟
عادل إبراهيم -

عن أي محنة تتحدث ، ايها الشاعر الكبير، وقد كان شاعراً في عصابة البعث الذي آمن به فكراً ونهجاً وأفعال، وما قتلته إلا لخلاف بين أجنحة أعضاء عصابة همها قتل العراق وتدميره، وليس من إختلاف بين صدام حسين أو محمد عايش أو بين شفيق الكمالي وطارق عزيز أو شاذل طاقة أو عبدالأمير معلة أو حميد سعيد أو غيرهم ممن إنتموا لحزب البعث بعقائدية أو لإنتهازية دماءهم.قصيدة رحمة لوظيفة كانت في المركز الثقافي العراقي في لندن حين كان الكمالي وزيراً لثقافة سلطة جائرة.

صعبة صعبة صعبة
معتز رشدي -

الاستاذ صلاح نيازيسلاما وتحية :سرد لا احد يقدر على اخراجه من سرديته القارة ، ولكن ، الغريب ان هذا السرد افضى بنا الى حالة شعرية كاملة ، وبكل من تنطوي عليه مفردة الشعر . ترى ، اية معادلة صعبة وعجيبة تمكنتَ منها او تمكنت منك في نصك اعلاه ؟ انها الشعرية ، حقا ، في غير مظانها التي اتفق القوم عليها . ثمت استخدام دقيق للمفردات يقارب في دقته عملية الوصف البارد والمحايد لكل ما كان يدور في داخل القطار الجهنمي وفي خارجه ، تساوى في ذلك وصف الشاعر لهدوء الطبيعة الخلاب المنسجم مع ذاته من جهة ، واحتدام مشاعر رجلين متاقضين اشد التناقض في موقفيهما السياسي ، وخياراتهما الوجودية من جهة ، اخرى في عراق الماء والشق الكبير .اما بالنسبة للسطر الذي ذكر فيه الشاعر سقوط دمعة القائد البعثي ، فقد كاد يبكيني حقا .انها الخبرة والمهارة والموهبة في شكل وخيار شعريين هما من الصعوبة في غايتها .تحية للاستاذ الشاعر صلاح نيازيوشكرا له

صعبة صعبة صعبة
معتز رشدي -

الاستاذ صلاح نيازيسلاما وتحية :سرد لا احد يقدر على اخراجه من سرديته القارة ، ولكن ، الغريب ان هذا السرد افضى بنا الى حالة شعرية كاملة ، وبكل من تنطوي عليه مفردة الشعر . ترى ، اية معادلة صعبة وعجيبة تمكنتَ منها او تمكنت منك في نصك اعلاه ؟ انها الشعرية ، حقا ، في غير مظانها التي اتفق القوم عليها . ثمت استخدام دقيق للمفردات يقارب في دقته عملية الوصف البارد والمحايد لكل ما كان يدور في داخل القطار الجهنمي وفي خارجه ، تساوى في ذلك وصف الشاعر لهدوء الطبيعة الخلاب المنسجم مع ذاته من جهة ، واحتدام مشاعر رجلين متاقضين اشد التناقض في موقفيهما السياسي ، وخياراتهما الوجودية من جهة ، اخرى في عراق الماء والشق الكبير .اما بالنسبة للسطر الذي ذكر فيه الشاعر سقوط دمعة القائد البعثي ، فقد كاد يبكيني حقا .انها الخبرة والمهارة والموهبة في شكل وخيار شعريين هما من الصعوبة في غايتها .تحية للاستاذ الشاعر صلاح نيازيوشكرا له

رجاء
معتز رشدي -

اعيدوا قراءة النص مرتين في الاقل ، قبل اطلاق الاحكام النقدية،لا رحمة بالكائن الخطاء الذي مُزق جسده في السجن كما يُمزق علم ُ دولة معادية ، بل رحمة بالنص ، وبكاتب النص الذي بذل فيه من الجهد ما لا يُتوقع صدوره الا عن رجل في غاية الانسانية والدقة والتهذيب حتى مع من يفترض بهم انهم اعداء له تاريخيين ، مع مسحة لا تخطئها العين من السخرية المرة ، سخرية السيد المهذب . رجل خبر عادات الانكليز ولغتهم وتعلم منها افضل ما فيها ،ولذا جاء نصه على هذه الدرجة العالية من التركيب الذهني الصعب ، ومن الدقة شبه العلمية في اختيار المفردات ، مع معرفة بكيفية الوصول بالنص الى حالة شعرية كاملة . ربما كنا غير قادرين على فهمه ، نحن الذين اعتدنا على ملاحم الشعر المقفاة ، كما اعتدنا فيما بعد على الهذر الحداثوي المنفلت من كل عقال . انه نص غريب مكتوب بلغة عربية ، بيد ان غرابته عنا تكمن في تمدن وتحضر الذهن الذي يقف وراءه .شكرا لايلاف شكررا للمحرر الشاعر عبد القادر الجنابي

بوركت ارض الفراتين
ابوالمجدالعيساوي -

طن مد على الافق جناحا...وارتدى مجد الحضارات وشاحا***بوركت ارض الفراتين وطن...عبقري المجد عزما وسماحا. بهذه الكلمات الخالدة تغنى الشعب بنشيد العراق الوطني حين يرفرف علم الوطن عاليا في سماء لاتحدها حدود معبرا عن الكبرياء والشموخ والسؤدد..هذه كلمات الشاعر الكبير شفيق الكمالي يوم كانت الوطنية الصادقة لا تعبر عنها الا بالانتماء الحقيقي لتربة هذا الوطن ولا يكون الولاء الا بالحب الصادق المعبر عنه بأثمن وأعز مايملك الانسان وهي الكلمة الصادقة..فتحية للاستاذ صلاح نيازي على قصيدته الاستذكارية الرائعة وتحية الخلود للشاعر الكبير الراحل شفيق الكمالي.

عيب
شبعان ابن جهبذ -

والله عيب... المفروض كان بالشاعر السيد صلاح نيازي ان يكتب عن شهداء آخرين راحوا ضحايا صدام.. عوضا عن ان يكتب عن الشاعر الكبير شبلول ابن التايهة راح يكتب عن صديقه ابن الناصرية شفيق... انا مؤرخ الحزب الشيوعي العراقي واحضر كتابا ضخما عن هؤلاء الشيوعيين من بينهم صلاح نيازي الذي أسس فرعا للحزب في الناصرية عام 1939 مع شفيق،، وعندما اكتشفت الشرطة المباركة خليتهم هربا الى بغداد لكن شرطة رشيد عالي الكيلاني مسكت نيازي فقط، لأن شفيق هرب مع صدام الى سوريا، فقضت محكمة بغداد بامر من الكيلاني بنفي صلاح نيازي الى برلين... لكن حظه كان قويا استطاع ان يهرب في اليوم الأول من دخول المحتلين على المانيا الى لندن وبقي هناك فأسس مع الكمالي جريدة صغيرة اسمها الاغتراب الأدبي وهي لاتزال تخرج بالسر وتوزع في بغداد..المهم انا ساذكر كل هذه الحقائق في كتاب مع وثائق وصور على ما اقول وشكرا لكم على نشر تعريفي بالسيد نيازي

حقيقة
محمد فياض -

شفيق الكمالي شاعر عادي جدا، وقد وظفه البعث لانه قبلي بدوي - متطرف ومن يقرأ بداياته يأنف لذلك الشعر الركيك ، لكن البعث اوصله الى وزارة الثقافة، ليكون مشرفا عاما على اعدامات الادباء والفنــانين، هفوة صلاح نيازي لا تغتفر، والمزيد في طلاق شفيق الكمالي لزوجته وحرمانه لها ولاطفاله حتى من النفقة، ومن يتكلم ويتكى الى بعثي وزير ؟؟ ثانية اقول لقد سقطت بالقاضية ايها السيد نيازي.

الحقيقة
شيماء الكمالي -

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهاشكرك استاذي الفاضل على هذه القصيدة الرائعه التي اختصرت بأبيات قليله بحق معاناة المرحوم شفيق الكماليواحب ان ارد على كل من يتهم شفيق الكمالي بعدم الوطنية او انه كان من اعوان صدام اقول...من انتم كي تقيمو شفيق الكمالي؟اين كنتم حين كان شفيق الكمالي يناضل من اجل حرية العراق؟اين كنتم حين اعتقل وعذب وخلعت يده من جراء التعذيب؟شفيق الكمالي كان بعثيا نعم بعثيا لكن ليس صداميا...فالحزب حتى عام 1979كان بعثيا قوميا خالصا اما بعد ذلك اصبح صداميا وهذا ما جر الويلات لشفيق الكمالي وغيره من الوطنيينولم يكن المرحوم شيوعيا في يوم من الايام فيامن تكتب وتؤرخ كتابا عليك بتقصي الحقائق قبل ان تنشرها واقول لك ان شفيق الكمالي وطني حتى النخاع ولا انت ولا ملايين غيرك من الخونه ومن بائعي العراق من اجل الدينار تستطيعو ان تشوهو صورتهوكفى فخرا انه كاتب النشيد الوطني العراقي الذي رددته ملايين الحناجر العراقية على مدى السنينواعود واشكرك استاذي الفاضل الاستاذ صلاح نيازي على هذه الرائعه الشعرية

حقيقة
محمد فياض -

شفيق الكمالي شاعر عادي جدا، وقد وظفه البعث لانه قبلي بدوي - متطرف ومن يقرأ بداياته يأنف لذلك الشعر الركيك ، لكن البعث اوصله الى وزارة الثقافة، ليكون مشرفا عاما على اعدامات الادباء والفنــانين، هفوة صلاح نيازي لا تغتفر، والمزيد في طلاق شفيق الكمالي لزوجته وحرمانه لها ولاطفاله حتى من النفقة، ومن يتكلم ويتكى الى بعثي وزير ؟؟ ثانية اقول لقد سقطت بالقاضية ايها السيد نيازي.