جيل ادباء الإنترنت.. جيل الكتابة الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد فهد من الرياض: في التسعينات وما قبلها، كانت الصحافة هي المغذي الرئيسي للتداول الإبداعي في السعودية، إلا أن مرحلة الألفين هي مرحلة مختلفة تماماً. إذ أصبحت المنتديات الأدبية هي المكان الأمثل للتوع الإبداعي، كثف وكرس منها مجهولية المصدر، حيث كانت أغلب الشخصيات تقوم على أسماء مستعارة، مما رفع السقف كثيراً، ليس بالضرورة اختراقاً للتابو (وقد فعل ذلك)، لكن أيضاً في تداول أدوات وأنواع إبداعية أخذت من انعدام التصنيف طاقة قوية لكتابة نصوص استثمرت القراءة والتأمل ومسائلة الموجودات. نمَّى أنماطاً لم تعهدها الكتابة من قبل وخصوصاً الانتفاضات الجديدة للكتابة، في جيل الألفين، أو ممن قبلهم والذين أخذهم هذا العالم المجهول.
جاءت بعدها مرحلة المواقع الالكترونية العربية، كان ذلك مهماً لمن ينجح في تخطي الحاجز الافتراضي للمنتديات للخروج إلى فضاء أوسع، كرس أكثر من اسم لهم حضورهم العربي الكثيف خصوصاً في المجتمع (النتِّي). ورغم كون هذه المواقع ساعدت لكثير من الأدباء السعوديين بالانتشار، إلا أنها كانت حصراً على البعض ولم تشمل شريحة أكبر من الأدباء بل مجرد حقيقة شأن جغرافي/نفسي عن تمكن الأكثر من الحضور خلالها.
حرك هذا تساؤلات ملحة بين مجموعات ثقافية من الشباب الجاد والمصر على تكوين صوت قوي ومتنوع. كانت المحاولة الأولى فيه من خلال منتديات لا تقبل سوى الأسماء الصريحة. أوصل هذا إلى ضرورة أرشفة قصيدة النثر في السعودية من خلال مواقع أخرى اهتمت بقصيدة النثر السعودية، والتي كانت لا تزال تخطو خطواتها الأولى.
اجتاحت المدونات والفيس بوك أكثر النشاط الأدبي، بحيث تحول المشروع الجماعي إلى جهد فردي صرف، تتحكم فيه مزاجية الكاتب حركة هذا السياق. إلا أن نماذح أخرى فردية، ثابرت لأن تلتزم بإصدار مادة ثقافية أسبوعية كانت أو شهرية، أمكنهم ذلك من مواصلة ما يريدونه، وخلق حيز كاف لمشاركة الآخرين. , ورغم جدل ثار حول إمكانية صمود هذه المواقع أو لا، خصوصاً مع تلاشي العدد الأكبر من المواقع الأدبية، يجيب الشاعر عيد الخميسي المشرف على موقع (سين) أن "المواقع الالكترونية الثقافية تتقلص لعدد محدود مقابل انتشار للمدونات وبرامج الانترنت الكونية ك(الفيس بوك) أو غيرها- هذا صحيح لكننا نظن أن هناك مساحة غير مشغولة في فضاء الانترنت تخص التجارب الإبداعية الجديدة- كتابة وفناً- في السعودية تحديداً، وفي جهات جغرافية شتى".
يؤكد بذلك الخميسي أن " التوقيت تتدخل به عوامل خارجية مختلفة- لكن الحاجة ظلت مستمرة لوجود مساحة انترنتية توازي ما ينشأ في مختبرات الكتابة والفن الجديد، نظن أن وجود أرشيف جيد لعدد من التجارب الإبداعية السعودية هو أمر نحن في أمس الحاجة إليه، كما هو الحال بالنسبة لمتابعة هذه الساحة وجديدها، كما أن الموقع،تحديداً في هذه اللحظة، يلبي حاجة قاريء يطمح إلى مصافحة تجارب تحمل المغايرة والمغامرة والجدية". ( سين) هي مجلة ثقافية أسبوعية، تعتمد على ثيمتين رئيسيتين: المواد الأدبية سواء من السعودية أو من البلدان العربية، ويشمل ذلك ترجمة الأدب وعروض كتب، يرافق كل عدد من المجلة أعمالاً فنية لأحد الفنانين، بحيث تكون مرفقة بجانب كل نص.
وحول إشكالية المحتوى تقول التشكيلية والكاتبة ضياء يوسف في مجلة (سدرة) والتي تركز على المجال البصري عموماً، مرافقاً ذلك لأجناس ثقافية أخرى، بأنه " تتفاوت قيمة المادة الفنية المقدمة بقدر ماتختلف الأهداف المساهمة في تكونها. سدرة تربي عاطفة كبيرة تجاه الفن وتأمل أن تفتح للمتلقي المثقف والعادي على حد سواء مدارك ترهف حساسيته وتعمق نظرته تجاه الفنون الحديثة تحديدا وتبقي على مساحة تذوقية للقديم في آن. هذا تحدي كبير جدا يجعل من سدرة مغامرة حقيقية. إذ تأتي لتغطي الفراغ العريض الذي صنعته ندرة المطبوعات العربية المهتمة بالفنون التشكيلية الحديثة. هذا بالضرورة سيجعل المشاركين أقل والمأمول أشسع".
عن طبيعة هذا المحتوى والذي يركز على الفن البصري تفصل ضياء بأن " باب "كولوروفيل" (الباب الخاص بالفنون التشكيلية والفوتوغرافية وغيرها من الفنون البصرية ) هو طريقة سدرة في التناغم مع الحركة التشكيلية النشطة في العالم وهو طريقتها في ممارسة حقها في "الهام" المخيلة الفنية. لذلك تولي المجلة رعاية خاصة للباب محاولة لفتح بوابة أوسع لقوة الفن التعبيرية. لابد أن تتمخض هذه المحاولة عن تحريك الراكد في الرؤية, ففي إطار العالمية التي نتعمد حضورها في المجلة نحن نلبي حاجتنا الواضحة للتمازج بفن لم يداخله اليأس بعد. هذا بالإضافة إلى أن الأعوام العشرة الماضية شهدت تغييرات هائلة طرأت على المشاهد الثقافية في عدة مدن عربية. خطط ومشاريع جادة لإنتاج الأعمال التشكيلية الجديدة وعرضها وتطبيقات حثيثة للفن التجريبي. كما عجت الآفاق الثقافية بالأحداث المنظّمة والبيناليات، كمنصات مهمة لتطوير ممارسات الفن المعاصر. في الوقت نفسه، ازداد الاهتمام الغربي بفن الشرق الأوسط إلى حد بعيد فنشأت مؤسسات ثقافية بارزة في عدة مدن عربية. هذا ومازال الأمر يتضخم ويتضخم. هذه التفاعلية النشطة والتي تتحرك بتقدمية وخطوة بخطوة مع المدرسة العولمية الجديدة تجعل من مجلة سدرة لا أكثر من مقترح واحد فقط لتحريك العجلة الفنية المفترضة. مقترح واحد مؤمن ويسعى بجدية لتبني الثقافة البصرية بصفتها طريقا للمحبة والجمال ". تصر ضياء بذلك على أن الأمر لا يمثل العناء الفردي فيه كثيراً إذ "العمل تطبيقيا على اقتفاء الجمال وتثبيته والقيام بما أظنه إضافة للوجدان الجمالي متعة حقيقية، وإيجابية تمثل لي ذرى الوفرة الحياتية والغنى كما افهمه. كتبت في مقدمة العدد الثاني "سألنا البعض بنية حب عن جدوى العمل على مشاريع مكلفة وقتياً وعوائدها غير مضمونة كهذا العمل الذي رافده شبكة لا تسمن ولا تغني من مال. ولهم علينا أن نوضح أن سدرة في هذه المرحلة من بدايتها من المفيد أن تعمل بتعمد على الكيان الروحي والعقلي لفكرتها. لذلك فالفرصة الخاصة التي تتيحها هي نوع من الفرص يحفه إيمان واسع جدا وعميق بأن معاني كالترف والنجاح والسعادة تتلخص في القدرة على فعل ما لو تسنى لنا أن ندفع لفعله لدفعنا!, سدرة تضمن أرضية لذلك النوع من الممارسة الإبداعية التي تمثل ذرى الوفرة الحياتية, وسواء كانت في قالبها الإلكتروني أو مستقبلا على الورق بإذن الله فإن المبدأ الذي تعمل عليه لن يختلف كثيرا ولو كان في هذه المرحلة أكثر وضوحا.هذا وربما لأنني لا أتعامل معها بحس الواجب, فلا أحد هناك لأعتذر منه في حال قصرت أو واجهتني الظروف.. إنما هي شجرة تتجاوب.. كلما غرفت من ماء الروح إليها اخضرت ونمت. هذا من مايسعدني رصده والعمل عليه." وعن الإشراف والكتابة تقول ضياء "أما عن كوني أفعل هذا وحدي فآمل أن هذه الوحدة القصرية في طريقها للزوال, إذ بدأ الأمر بضرورة حضورها ثم تكوين طاقم لدعمها , ترتيب يفرضه الجهد المتطلب مقابل الفرصة المادية المستقبلية الغير مضمونة. لذلك وجب حضورها بجهد شخصي أولا".
وعن مستقبل مثل هذ المواقع يقول الخميسي: "كثيرة هي الطموحات. لكن حركة الواقع المحيط وتفاعله مع الموقع ستحكم تنفيذ كثير منها. نطمح حالياً إلى إيجاد آلية تضمن استمرارية الموقع وثبات أدائه وتطوره. من أهم ما نطمح له هو وجود جهات شريكة، داعمة ترعى الموقع وتساعده على إنجاز اهدافه". تضيف ضياء أنها تتمنى ل(سدرة) "طاقم لديه من اليقين والتمازج مع الإبداع ما يتوافق مع ما كتبه فان جوخ يوما "امتلك غريزة للون، واكتشف، تدريجيا، أن الرسم هو في عظامي ". سدرة تحتاج طاقما يكتشف معها وتدريجيا أن الجمال في عظامه وأن هذا تحديدا لا يتعلق بالخيارات مطلقا بل بما هو أعمق وأقوى حضورا.. بالفطرة الإبداعية. آمل أن يتكون طاقمها قريبا. وفي الحقيقة لست قلقة بهذا الخصوص فسدرة ستجد طريقها لأولئك الذين يشبهونها بذاتها". يكون الثقل الأكبر بذلك على القارئ والمبدعين المشاركين للتأكد من تجاوز هذه المجلات مرحلة البداية إلى النضج والاستمرار، ليكون للمتابع أكثر من مكان مثابر لبلوغ محتوى طالما كان مُتَطراً.