الشاعرة نجاة علي تحلل نظرة يوسف إدريس للعالم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمامصي من القاهرة: على الرغم من أن الدراسات التي تناولت أعمال يوسف إدريس لا حصر لها، فإن هذا الكتاب" المفارقة في قصص يوسف إدريس" للباحثة والشاعرة نجاة علي والصادر عن المجلس الأعلى للثقافة يعد أول دراسة موسعة تدرس المفارقة في قصص يوسف إدريس القصيرة.
وقد أرجعت الباحثة سبب اختيارها لموضوع "المفارقة" تحديدا دون غيره إلى قناعتها الخاصة بأهميته، ورغبتها في إطلاع القارئ على الجدل الذي أثاره هذا المصطلح في الغرب، وأهم الدراسات التي تناولته بشكل إجرائي و(مفاهيمي)، ثم محاولة تطبيق هذه المفاهيم بما يتناسب مع طبيعة النصوص التي اختارتها ليوسف إدريس.
أما عن اختيارها لدراسة قصص يوسف إدريس القصيرة فى الجانب التطبيقي، فتقول نجاة علي: له عدة أسباب منها: أنني أعتبر أن يوسف إدريس كاتب استثنائي - بكل المعايير- في تاريخ القصة العربية، فهو في تصوري الشخصي واحد من الكُتَّاب المهمين الذين أحدثوا ثورة في تاريخ القصة القصيرة المصرية والعربية، بما أحدثه من خلخلة لكثير من المفاهيم الجمالية، بل إنني ما زلت أراه معاصرًا ومتجاوزًا بكتابته التي يتأكد حضورها كل يوم من خلال الاحتفاء بترجمة أعماله إلى لغات العالم الكبرى، والاحتفاء به في الدوائر النقدية العالمية.
وتقول: استطاع يوسف إدريس أن يخرج من ثياب التقليدية فى الأدب، فقد كان فى حالة تمرد دائم على ذاته وعلى قوانين الكتابة، فلم يلتزم بالشكل التقليدي للقصة، الذي التزم به كثيرون حققوا درجات من الشهرة آنذاك من أمثال (محمود البدوي، ومحمد كامل، ومحمود تيمور) الذين رأوا أن القصة لابد من أن تحتوى على مقدمة وعقدة ونهاية وفق الترتيب المنطقي، ومرد هذه الثورة الجمالية يرجع - في رأيي - إلى طبيعة الوعي الضدي بالعالم الذي امتلكه يوسف إدريس، ولعل أبرز سمات هذا الوعي هو أنه ينقسم على نفسه باستمرار، مما يعنى أنه يظل وعيًا متوترًا، يضع نفسه والعالم موضع التساؤل الدائم. هذا الوعي الضدي الذي امتلكه يوسف إدريس هو بالضرورة قرين نوع من المفارقة، حيث العالم مجموعة من المتناقضات المتصارعة.
وقد قمت - نظرًا لغزارة إنتاج يوسف إدريس القصصي، إذ تزيد مجموعات قصصه القصيرة على عشر مجموعات - بوضع تصنيف للأشكال الأساسية للمفارقة ومستوياتها فى قصصه، ثم اختيار نماذج من هذه القصص القصيرة تكون ممثِّلة بشكل واضح لهذه الأشكال والمستويات.
وتضيف نجاة علي: لاحظت خلال تحليلي لهذه النماذج، أن السرد فيها ينبني على المفارقة الساخرة، التي تكشف عن نظرة إدريس إلى العالم، التي ترى - فيما ترى - أن التناقضات هي جوهر الوجود الإنساني.
وقد قُسِّمت الدراسة إلى أربعة فصول، هي: "مفهوم المفارقة"، و"المفارقة والقارئ الضمني"، و"المفارقة والحدث القصصي"، و"المفارقة والسرد"، الفصل الأول: مفهوم المفارقة: قسم إلى أربعة أجزاء: الأول: مفهوم المفارقة فى النقد العربي، حيث حاولت أن أبحث عن أصل هذا المصطلح في تراثنا النقدي، وعرضت فيه الباحثة لأهم المصطلحات البلاغية التي رأت أنها تتشابه أو تتلامس في مفهومها مع المصطلح الغربي، والثاني: إشكالية ترجمة المصطلح. وقد أفاضت فيه من أجل إعطاء صورة بانورامية تكشف وضعية هذا المصطلح فى الدراسات العربية المحدَثة عند الباحثين والمترجمين العرب الذين تناولوه بشكل نظري وتطبيقي، والثالث: مفهوم المفارقة في النقد الغربي، وهو يبحث في تاريخية هذا المصطلح، من خلال تقديم عرض لأهم معانيه التي وردت في بعض القواميس والمعاجم الإنجليزية، ثم تتبع نشأة هذا المصطلح وتطوره تاريخيًا، والتعرض لأهم الدراسات التي تناولته فى النقد البلاغي والفلسفي، وتكمن أهمية هذا الجزء في أنه يفسر أسباب صعوبة هذا المصطلح فى سياقه الأصلي.
الجزء الرابع: أنماط المفارقة ومستوياتها، يعرض للجانب الإجرائي الذي سوف تقوم عليه الدراسة التطبيقية، حيث قدمت الباحثة عرضًا لمفاهيم المفارقة، وطرق بنائها، ومستوياتها وأنواعها المختلفة التي قدمها "ميوك"، ثم تناولت في نهاية هذا التقديم الخطوات الأربع التي قدمها "واين بوث"، وتكمن أهمية هذا العرض في كونه يوضح كيفية استخدام هذه المفاهيم نقديًا، وهو ما سوف تعتمد عليه الدراسة في الجانب التطبيقي.
في الفصل الثاني "المفارقة والقارئ الضمني" حاولت الباحثة أن ترصد طبيعة العلاقة بين النص والقارئ من خلال اللغة، فاللغة تعبِّر عن وعْى الكاتب بالعالم وتعكس علاقته بها، ومن خلال وسائلها البلاغية المختلفة مثل الاستعارة والكناية والمفارقة اللفظية وغيرها، من تشكيل العالم. ويحاول هذا الفصل أن يثير قضية مهمة هي صورة القارئ الضمني كما تظهر في قصص يوسف إدريس وعلاقتها بالمفارقة اللفظية، حيث تقوم المفارقة اللفظية على افتراض حضور قارئ ضمني قادر على التمييز بين الظاهر والخفي في النص؛ إذ إن قراءة المفارقة وتأويلها فى قصص يوسف إدريس يتطلبان من القارئ معرفة عميقة، وإدراكًا للخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية للقصص لكي يتمكن من فك شفراتها.
في الفصل الثالث "المفارقة والحدث القصصي" قسَّمت الباحثة قصص يوسف إدريس إلى مرحلتين تعبيريتين: الأولى: المفارقة والحدث الواقعي، حيث تميزت فيها القصص ببساطة التركيب، وببساطة اللغة والحوار، كما أن المفارقات التي بُنيت عليها هذه القصص كانت صريحة وتبدو مباشرة، ولا تحتاج إلى خبرة كبيرة من القارئ لاكتشافها، والثانية: المفارقة والحدث الفانتازي، وهى مرحلة فى التعبير يغلب عليها طابع التكثيف اللغوي والتحليل الباطني العميق للشخصيات، وتعكس القصص وعيًا أكثر ضدية بالعالم بدرجة أكبر من تلك التي بدت في المرحلة الأولى، وتبدو المفارقات فى المرحلة الثانية خفية تحتاج من القارئ جهدا وقدرة على فك شفراتها المتراكبة.
و يتناول الفصل الرابع "المفارقة والسرد" كيفية استخدام يوسف إدريس للسرد كأداة رئيسية لبلورة رؤيته التي تقوم على المفارقة الساخرة، حيث استطاع أن يتجاوز بأسلوبه كل الأشكال التقليدية المعروفة في السرد، كما تمكّن من توظيف كل العناصر التي تشكل البناء السردي (الحدث - الشخصية - الزمن - المكان) وغيرها.
ويتناول هذا الفصل جانبين مهمين هما: المفارقة والشخصية، حيث استطاع الكاتب من خلال استخدامه تقنية القناع أن يدين بشكل صريح وواضح صورة من صور الذات المتصارعة، مما زاد من حيوية النص. كما أنه تمكّن عبْر هذه التقنية من أن يمرر كل ما يريد قوله من آراء. ونجاح تقنية القناع فى قصص يوسف إدريس يعتمد على درجة تمثيل القناع للوجه المتخفِّي وراءه.
المفارقة الزمنية ووجهة نظر الراوي، وقد انشغلتُ في هذا الجزء بدراسة المفارقة الزمنية كما طرحها "جيرار جينيت" فى كتابه (خطاب الحكاية) فبحثت تجسيد هذه المفارقة في قصص يوسف إدريس وعلاقتها بوجهة نظر الراوي التي تبدو مهيمنة على سيْر الأحداث. وتكشف المفارقات الزمنية داخل القصص مختلف أشكال التنافر بين ترتيب القصة وبين ترتيب الحكاية، وذلك من خلال دراسة الاسترجاعات والاستباقات التي يقوم بها الراوي أو الشخصية.